جريمة سعودية في حق طفلين مصريين

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٨ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


محمد الباز

تجاوز هذه الحكاية أفرادها، ففي 30 مايو 2005 تزوج وليد السيد محمد ابراهيم الذي يعيش في مدينة 6 أكتوبر من أسماء سليمان مسلم الحلبي سعودية الجنسية وتحمل جواز سفر رقم 429763 الصادر من المدينة المنورة، أسماء والدها سعودي لكن أمها مصرية وكانت تعيش معها في مدينة 6 أكتوبر هي الأخري وفي نفس العمارة التي يسكن فيها وليد، لم يكن الزواج علي يد مأذون بل علي يد محام وقع عليه شاهدان وتم إشهار الزواج بحفل ضخم شهده الأهل والأقارب.


لكن لماذا لم يستطع وليد أن يتزوج من أسماء زواجا عاديا، لم تكن هناك أي مشكلة، الأهالي موافقون ومتفقون علي كل شئ، ما حدث أن وليد عندما أخذ أسماء ليتزوجها علي يد مأذون طلب منه أن يحصل علي تصريح من السفارة السعودية لأن القانون السعودي لا يجيز للسعودية أن تتزوج من أي أجنبي مهما كانت جنسيته إلا بتصريح رسمي وإذا حدث الزواج بدونه يعتبر لاغيا بل يعتبره البعض في حكم الزنا، ذهب وليد ليحصل علي التصريح فقالوا له في السفارة إن التصريح يخرج من وزارة الخارجية السعودية، عجز وليد عن استخراج التصريح فذهب الي قسم الشرطة التابع له فنصحوه أن يتزوج علي يد محام وينتهي الموضوع.

فعلها وليد بالفعل تزوج، حتي الآن لا توجد مشكلة لكن المشكلة ظهرت عندما مرض والد أسماء وهو شيخ سعودي مسن، كان وقتها في السعودية وكانت أسماء قد مضي علي زواجها نحو تسعة شهور وكانت حاملا في شهرها الثامن طلب منه أبوها أن تذهب إلي زيارته، سافرت علي الفور وهناك جاء موعد وضعها، دخلت مستشفي في المدينة المنورة لتضع توءما ولدا وبنتا، وكأن الطفلين كانا علي موعد مع القدر ليفجرا المشكلة كلها، في البداية رفض المستشفي استقبال أسماء فليس لديها ما يثبت أنها متزوجة وحتي العقد الذي تحمله في يدها لا قيمة له في عرف القانون السعودي ولا يعترف به أحد هناك لكن شقيقها الأصغر استطاع أن يدخلها المستشفي بعد أن وقع علي إقرار بأنه سوف يحضر له الأوراق المطلوبة.

خرجت الأم من المستشفي ليبدأ فصل آخر من المأساة فالطفلان بلا أوراق لم تستخرج لهما شهادة ميلاد وبالتالي فانهما لم يحصلا علي التطعيم اللازم لحمايتهما، ولا تستطيع الأم أن تنزل بهما إلي مصر فهما بلا أوراق ويمكن منعهما من السفر أي أن القانون السعودي يحجز الطفلين ويصادرهما لديه فلا هو يسمح بتطعيمهما لديه ولا هو يسمح لهما بالنزول إلي مصر ليتم استخراج شهادات ميلاد لهما وحتي يتلقيا الرعاية الصحية المناسبة، لقد كان هناك اقتراح بأن يستخرج الأب شهادتي ميلاد لطفليه من هنا من مصر ويرسل بهما الي السعودية حتي يكون لهما استحقاق للتطعيم والرعاية، لكن مثل هذا الإجراء سيكون عديم القيمة لأن السلطات السعودية لا تعترف بمثل هذا الزواج من الأساس فهل تعترف بشهادات ميلاد للأطفال الناتجين عنه.

عند هذا الحد يكفي ما قيل ليتحرك له الجميع ليس في السعودية فقط ولكن في مصر أيضا، لن ألفت الانتباه كثيرا إلي أن الزوج شاب مصري فقير يعمل باليومية حتي يكفي نفسه، ولن ألفت الانتباه إلي أن الزوجة ليست من أسرة سعودية ثرية لكنها من أسرة متوسطة الحال فلو كانت ثرية بما يكفي لكانت المشكلة حلت بسرعة أو لم تكن هناك مشكلة من الأساس وهي هناك الآن لا تعمل ويتكفل بمصاريفها ومصاريف أولادها زوجها الذي أجر شقته التي تزوج فيها مفروشا مقابل 600 جنيه شهريا يكملها من دخله البسيط ومعاش والدته حتي يصل بها تحديدا إلي 1120 جنيها تضيع الـ120 جنيها في التحويل ليصل إلي الأم في النهاية مبلغ 1000 جنيه فقط تحاول من خلاله أن تدبر أمورها.

القضية الآن مثل القضية الأزلية التي يعرفها المصريون بالبيضة والفرخة فهو يريد أن يمنحوا أولاده أوراقا رسمية يتم من خلالها تطعيمهما وعلاجهما أو علي أقل تقدير يستطيعون من خلالها السفر إلي مصر وهو ما يمكن أن تفعله الأم بسهولة لكنها لا تريد أن تنزل دون أولادها، عندما يقول الأب ذلك يقولون له لابد أن تكون متزوجا من السعودية زواجا صحيحا، يطلب منهم أن يمنحوه التصريح فيرفضون وتحمل الزوجة مطالبات عديدة قدمتها إلي وزارة الداخلية ووزارة الخارجية السعودية ولكن لا حياة لمن تنادي، ورغم كل هذا التعقيد إلا أن حل المشكلة بسيط جدا وهو في يد الحكومة السعودية، إن أمامها مشكلة واقعية ولا مكان فيها للأكاذيب، قد يكون الشاب المصري أخطأ عندما تزوج من السعودية دون أن يحصل علي التصريح اللازم، لكن الآن الزوج تم ونتج عنه طفلان لا ذنب لهما في الحياة وكان مشهد جدتهما لأبيهما وهي سيدة مصرية طيبة وبسيطة ومسكينة معبرا جدا وهي تبكي فلا يشغلها شئ في الحياة إلا أن يأخذ الطفلان حقهما تحديدا في التطعيم حتي تتم حمايتهما من الأمراض.

قد يعتبر البعض أن هذه القضية مجرد قضية شاب مصري وفتاة سعودية أرادا أن يتزوجا ويكونا بيتا مستقرا، لكن بعض الظروف حالت دون ذلك ووضعتهما في هذا المأزق وبدلا من أن يجدا أنفسهما معا وجد كل منهما نفسه في بلد، فهذه قصة تتكرر في الحياة كثيرا، لكنها بالنسبة لي قضية حقوق إنسان من الدرجة الأولي فهذان الطفلان تنتهك حقوقهما علي الملأ دون أن يحاول أحد أن يتحرك، ولذلك فليس أقل من أن تتحرك أي منظمة من المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان لتتبني القضية ولدي كل أوراقها فهي قضية تستحق بدلا من تبني القضايا الجوفاء التي بلا معني ولا قيمة، ففيها إنقاذ أرواح بريئة من الموت والضياع وفيها إعادة آدمية لشاب وفتاة فجأة ضاع منهما كل شئ بعد أن اعتقدا أن الدنيا ابتسمت لهما.

في موقف مثل هذا كان يمكن أن نستسهل المهمة وأن نناشد عاهل السعودية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله أن يتدخل بنفسه ويأمر بأن تنتهي هذه المهزلة التي قد يكون السبب فيها موظفون صغار لا قيمة للحياة لديهم، ورغم أننا نربأ بالملك أن ينشغل بمثل هذه المشكلات الصغيرة، فليس أمامنا إلا أن نضع أمامه الملف بالكامل ليتصرف فيه، و يكفيه فقط أن يصدر أوامره لينتهي كل شئ، عذرا يا جلالة الملك فهناك من يعملون في أجهزة المملكة المختلفة يضطرون الناس لأن يلجأوا لك مباشرة، يمكنك أن تتصرف الآن لتضرب المثال لمن لديك جميعاً أن مصالح الناس ومصائرهم ليست لعبة في أيديهم.

أعرف أن إمارة الرياض بدأت مؤخرا في منح تسهيلات للسعوديات الراغبات في الزواج من أجانب بشرط أن يزيد عمر الفتاة علي 25 عاما وموافقة ولي أمرها علي الزواج وجهة عملها كذلك وتقديم صورة من هويتها الشخصية، لقد لاحظت إمارة الرياض أن الطلبات التي تتلقاها للزواج من أجانب تتقدم بها طبيبات وأكاديميات، قد يكون في هذا بعض التسهيل بالفعل لكن المفاجأة أن هذه الشروط ليست وحدها فالتسهيلات تمنح لمن تربطها صلة قربي بمن ترغب في الزواج منه وينتمي لجنسية أخري وأن تكون مطلقة.

هذا عن الوضع في إمارة الرياض فماذا عن الوضع في الإمارات الأخري ولماذا تتمسك السعودية بهذا الشرط ألا يعني هذا احتقارا منها وتعاليا علي الجنسيات الأخري فهل يعتبر السعوديون أنفسهم من أصحاب الدماء الزرقاء التي لا يجب أن تمس لأن في المساس بها تدنيساً لها، إننا لا نتدخل في الشأن السعودي الداخلي ولا نطالبهم بأن يغيروا قانونهم ولكننا أمام قضية يجب أن تنتهي وبسرعة، أعرف أن الطاووس السعودي لا يمكن أن يتدخل لحل هذه القضية خاصة أن الطرف الثاني فيها مصري، ولذلك فإنني أضع الملف هنا أمام الرئيس مبارك وأمام الخارجية المصرية ولكل المسئولين في مصر.

إن جدة الطفلين قالت لي ببراءة إن مشكلة ابنها بسيطة لكن قلبها بيوجعها علي التوءم الذي يتعذب الآن، لقد قالت لي أنا أريد أن ألم لحمي ولحم ابني، فهل تجد هذه السيدة من يساعدها في أن تلم لحمها الذي هو في حقيقة الأمر لحمنا جميعا؟<

اجمالي القراءات 3135
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق