شخصية 2010: البرادعي.. الرجل الذي أعاد رسم خريطة مصر السياسية
في عام 1958 وعقب إعلان الوحدة المصرية السورية، سافر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى سوريا وفوجئ الجميع باستقبال حافل وحاشد حتى أن السوريين حملوا سيارة عبد الناصر.
المشهد تقريبيا تكرر من جديد في 19 فبراير 2010، لم يكن اليوم عاديا فمصر كلها احتشدت في مطار القاهرة في انتظار استقبال الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد إعلان عودته للاستقبال في مصر. سياسيون ومفكرون وفنانون وناشطون ومواطنون عاديون جاءوا من كل المحافظات في انتظار الرجل الذي رأوا فيه أملا للتغيير، ووصل الأمر إلى صعوبة خروجه من المطار من كثرة الزحام حتى أن الأمن أعاده من جديد إلى الصالة رقم 3 بعد خروجه منها بسبب تدافع الجماهير المحتشدة لاستقباله وهتافهم باسمه، وعند خروجه بالسيارة التفوا حوله محاولين رفع سيارته.
صحيح أنه من الصعب المقارنة بين الرئيس جمال عبد الناصر والدكتور محمد البرادعي، إلا أن تقارب المشهدين يوحي بحب شديد وتطلع نحو أمل في تغيير الصورة. العرب كلهم كان أملهم كبيرا في عبد الناصر أن يغير من صورة المنطقة وأن يقف في وجه إسرائيل والقوى الكبرى خاصة بعد إعلانه الوحدة بين مصر وسوريا، والمصريون كان أملهم كبيرا في أن يقود البرادعي ثورة التغيير وأن يحقق لهم الإصلاح السياسي الذي انتظروه طويلا.
المراقبون للصورتين يرون أن المشهد الأول انتهى بانفصال سريع بين مصر وسوريا وبعدها أكملت النكسة على أحلام المصريين ليبدأ عبد الناصر من جديد في بناء الجيش المصري، أما المشهد الثاني فانطفأ وهجه مع زيادة الفرقة بين القوى السياسية وغياب البرادعي معظم الوقت عن مصر في رحلات إلى دول العالم.
لماذا إذن استحق البرادعي أن يكون شخصية 2010؟ لأنه منذ ظهوره على الساحة السياسية تصاعدت حالة من الزخم والحراك السياسي بدأها بتأسيس الجمعية الوطنية من أجل التغيير التي يترأسها، والتي أعاد من خلالها رسم الخريطة السياسية في مصر بعد أن كانت مقتصرة على الحزب الوطني والإخوان المسلمين.
ليس هذا فقط، فالرجل رغم عدم استقراره طوال الوقت في مصر إلا أنه ظل متصدرا المشهد حتى وهو في الخارج بدءا من جمع التوقيعات على بيان التغيير وحملة طرق الأبواب ولقاءاته التي عقدها فور وصوله مع القوى السياسية والمثقفين والشخصيات النسائية وشباب الفيس بوك وصولا إلى زيارته للحسين ثم تنقله بين المحافظات وحضوره مع الأقباط قداس عيد القيامة.
وكانت بساطة البرادعي جواز مروره إلى قلوب المصريين، فهو يتواصل معهم بشكل شبه يومي عبر التويتر والفيس بوك ويقابلهم في الشارع وجها لوجه في الوقت الذي كان فيه غباء النظام سببا في زيادة شعبية البرادعي إلى الحد الذي أصبح فيه مجرد ذكر اسمه يصنع حالة من التوتر دون مبرر والأمثلة كثيرة.. فعند وصول البرادعي مؤخرا تعرض لمضايقات أمنية في المطار، وعندما قررت إدارة الفيس بوك حجب صفحات كانت للبرادعي وخالد سعيد، بل وكانت كتابته لمقال عن حرب أكتوبر أحد الأسباب الرئيسية في إقالة الصحفي الكبير إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير جريدة الدستور وأخيرا عندما أعلن الرجل عن زيارة تصامنية مع صحفيي الدستور في مقر اعتصامهم بنقابة الصحفيين اعترض النقيب بناء على تعليمات أمنية بل وصل الأمر إلى حد صدور فتوى بإهدار دمه لأنه يتسبب في فتنة!
كل هذا فعله البرادعي في أقل من عام، حرك المياه الراكدة وتصدر المشهد في مصر وتصدر مانشيتات الصحف العالمية في حديثها عن مصر.. فكيف سيكمل الطريق إذن في عام 2011 الذي سيشهد انتخابات رئاسية ستغير في الصورة كثيرا؟ سؤال يجب أن يفكر فيه الدكتور محمد البرادعي جيدا خاصة وأن قلوب المصريين وآمالهم أصبحت متعلقة به بعد أن أصبح رمزا للتغيير.
اجمالي القراءات
2927