المشكلة تكمن في ادعاء فرعون الألوهية   {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }الشعراء22

فكان  عقاب فرعون وجنوده  : {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }يونس90

وكان جزاء الذين  صبروا : {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }الأعراف137

السماوات والأرض تسبح بحمد ربها :

( تسبح له السماوات والأرض ومن فيهن وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم )

السماوات والأرض تحس وتشعر :

( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها )

السماوت والأرض تنفذان أوامر الله تعالى :

( وقلنا يا أرض ابلعى ماءك ويا سماء أقلعى )

وهكذا فهما ( السماوات والأرض ) كائن يسبح لربه ويحس ويشعر وينفذ أوامر ربه فلما لا يبكى بكاءاً حقيقياً يعلمه الله تعالى وحده ولا نستطيع أن نحيط بهذا البكاء علماً ؟

من وجهة نظرى أن السماوت والأرض تحبان عباد الله الأتقياء المؤمنين وتبكيان عليهم حين موتهم لأنهما يستأنسان بوجود الأتقياء والصالحين وهذا رأيى ولا أفرضه على غيرى والله المستعان .

 أولا : لأخى د. حسن

فى مقال التأويل تعرضنا لموضوع المجاز والحقيقة ، وعندى أن المجاز هو بالنسبة لأفهامنا ومداركنا ،أما بالنسبة للعلم الالهى فهو حقيقة لا مجاز فيه .وبالتالى فلا اختلاف بيننا فى هذه النقطة.

وأقول لأخى استاذ محمد الحداد :

1 ـ تحديد معنى (الأرض ) تعرضت له بالتفصيل فى كتاب ( مصر فى القرآن الكريم ) وهو منشور هنا . ومفهوم الأرض يكون حسب السياق ، وقد تحدثت عن دلالة كلمة الأرض فى الخطاب الالهى عن مصر ، أو فى خطاب فرعون عن نفسه وملكه. وتحدثت فى القاموس القرآنى عن كلمة (الأرض ) :http://ahl-alquran.com/arabic/document.php?page_id=217

2 ـ عن الحضارة المصرية وغيرها ـ وخصوصا حضارات الرافدين أقول :

* التاريخ المصرى المكتوب يبدأ من عهد مينامارمر الذى قام بتوحيد مصر بنفس حدودها الحالية تقريبا . وقبله كان هناك عصر ممتد قبل توحيد مصر فى مملكة واحدة ، وجدت فيه فى مصر دول عديدة توحدت فى دولتين ، ثم انتهى الأمر بتوحيدهما على يد مينا مامر . وفى هذا العصر وقبله هناك عصر آخر سحيق لا تزال اكتشافاته تتوالى خصوصا فى منطقة حلوان قرب القاهرة . هو عصر ما قبل التاريخ ،لأنه لم توجد كتابات له مقروءة. وبالتالى فالذى لا جدال فيه ان التحضر بمفهوم إقامة دولة قد بدأ فى مصر ، وربما انتقل منها الى غيرها .

* سبق حضارة الرافدين مصر فى اختراع الكتابة ، هذه حقيقة تاريخية لا تزال سارية حتى الآن ، لأنه لم تأت اكتشافات مصرية تخالف ذلك ، ولكن المؤكد أن العمران واقامة المدن والدول الصغرى فى مصر فى عصر ما قبل الأسرات ( ما قبل التاريخ ) استلزم معرفة بالقراءة و الكتابة ،اى أن مصر سبقت أيضا فى اختراع الكتابة والقراءة ، ولكن هذا مجرد افتراض علمى ينتظر أن تعززه مكتشفات فى آثار مصر قبل التاريخ . والمشكلة فى هذه النوعية من مكتشفات ما قبل التاريخ أنها فى أغلب الأحوال تكون مطمورة فى أعماق سحيقة بسبب عمرها السحيق الضارب فى جذور الزمن . ومعروف أن الكشف عن الآثار المصرية جاء بعد تخريب استمر عشرات القرون ، وأنه لا يزال عشوائيا ، ولم يكتشف إلا نسبة قليلة من التاريخ الفعلى للمصريين القدماء .

* ويبقى التأكيد على أن تكوين المقاطعات والدول الصغرى بدأ فى مصر ، وأن مصر أقدم دولة منذ عهد مينا وحتى الآن ـ نتحدث بمفهوم الدولة ذات الشعب و الجيش ونظام الحكم وحدود الأرض ، أما بدايات الحضارة القديمة فى العراق فلم تتمكن من إقامة دولة مستمرة فى العراق حتى الآن أو حتى المدة التى عاشتها الدولة القديمة أو المتوسطة أو الحديثة فى مصر الفراعنة.

* السبب يكمن فى الجيوبوليتك .

الجيوبوليتك المصرى أو الجغرافيا السياسية المصرية أتاحت لمصر أن تنشىء دولة مستقرة مستمرة تتوسع أحيانا وقت قوتها وتتراجع أحيانا وقت ضعفها واحتلالها ، ولكن تظل منذ عهد مينا وحتى الآن دولة واحدة متماسكة . الجيوبوليتيك العراق مختلف لا يساعد فى إقامة دولة عراقية مستمرة مستقرة كالشأن المصرى.

هذا يستلزم بعض التوضيح .

• طبقا للجيوبوليتيك العراقى ، أو الجغرافيا السياسية للعراق المتعارف عليه الآن فمن السهل أن تبدأ فى الرافدين حضارة مبكرة زمنيا ولكن من المستحيل أن تستمر وأن تتوسع لأن العراق منطقة ( ترانزيت ) ،او بمعنى أدق منطقة تابعة أو ( مجال حيوى ) للقوى المحيطة به خصوصا تلك التى تقع فى شرق العراق . وتلك القوى نوعان : ثابتة نوعا تتمثل فى ايران أو فارس . وفى حالة ضعف ايران أو انهيارها تأتى قوة أخرى من أعماق أواسط آسيا الاستبسية ، من الأتراك أو المغول .. ولهذا فان تاريخ العراق يتأرجح دائما بين غزوات من الجنوب ( صحراء العرب ) وعزوات من الشرق . وكان عيبا استراتيجيا إقامة بغداد عاصمة للخلافة العباسية لأن المنصور العباسى أقامها فيما كان يعرف بالعراق العربى ، وكان أفضل أن تقام فى العراق العجمى ( ايران ) مركز القوة من ناحية الجغرافيا السياسية . ولهذا فان بغداد بعد أقل من قرنين ـ وهى عاصمة للخلافة العباسية ـ سرعان ما فقدت استقلالها وسيطرت عليها الجماعات العسكرية الوافدة من الشرق من الأتراك العاديين ، ثم بنوبويه الفرس ثم الاتراك السلاجقة ، وأخيرا المغول ، ثم جاء الأتراك العثمانيون . خلال ذلك التاريخ كله كان العراق مجرد موقع جغرافى ، ولم يحظ بأقامة دولة فيه إلا باتفاقية سايكس بيكو.

وحتى مع تكوين دولة العراق الحديث فلا يزال مصيره يتأرجح بين عنصر الجذب فى ايران وفى السعودية التى قامت بتغييب الدور المصرى .

• نرجع الى موضوعنا .

فرعون موسى لم ير فى الأرض سوى مصر فتطلع الى السماء يبحث عن (أله موسى ) . كان الرد عليه بالغرق وأن يقال عنه أن الارض أو السماء لم تبك عليه .

ليس ثمة اختلاف بيننا .

إننى أفهم التحضر من ( الحضر ) الذى يناقض ( البداوة ) ، وأربطه بقيام الدولة فى المناطق النهرية التى تصنع الحضارة ، وليس فى الصحراء التى لا توجد فيها الدولة الثابتة و لكن الدولة المتحركة أو الدولة المؤقتة . وفى كتابات لم تنشر بعد فى تحليل قيام الدول الصحراوية ( السعودية وما قبلها ) لم أعتبرها دولا حقيقية أو ذات حضارة لأنها تنتمى الى نوعى الدول المتحركة أو الدول المؤقتة .

ومن هناك أرى أن مصر أول دولة متحضرة بتاريخها  الذى بدأ قبل التاريخ أو قبل عصر الأسرات حيث نشأت دول حقيقية ما لبث ان تطورت الى أن تتحد وتتكون دولة واحدة منذ زمن سحيق ، والى تلك المرتبة وصلت ايطاليا للاتحاد بين عامى  1840: 1929 ، وألمانيا عام 1871 ، وإعادة توحيدها عام 1990 .

وهذا لا يمنع من قيام دول متحضرة فى بيئات فيها امكانات اقامة الدولة المؤقتة  فى البيئات النهرية التى تستلزم الاستقرار والزراعة وتحتاج الى وجود الدولة . وقد تسقط تلك الدولة بسبب ظروف اقليمية  أو دولية ، وهذا يحدث فى مناطق الترانزيت مثل الرافدين و البلقان وآسيا الصغرى .

بل على العكس قد تزدهرالحضارة فى دول مؤقتة كما حدث فى الرافدين و اليونان فى ظروف مواتية من فترات التاريخ .

الذى أراه هو أن مصر سبقت فى تكوين الدولة المتحضرة . هو رأى يحتمل الصواب والخطأ.

يرتبط تاريخ وادي الرافدين ببداية ظهور الاديان السماوية منذ سيدنا نوح  و سيدنا ابراهيم عليهما اسلام حيث هناك ملحمة كلكامش التي قد تشير الى سيدنا نوح جد كلكامش  وباقي تاريخ سيدنا ابراهيم وانمرود معروف لدى الجميع والتدوين في حضارة الرافدين بدأ منذ اربعة الاف عام قبل الميلاد اما بداية تكوين المدن فهي حتما قبل ذلك وكانت البداية لنظام الدولة بما يصطلح عليه بدويلات المدن التي توحدت بعد ذلك على مراحل ونذكر منها دولة اكد وسومر ثم كانت الامبراطوريات مثل امبراطورية بابل التي شملت على مايبدو العراق و السشام ومعروف طبعا السبي البابلي اي انها امتدت الى فلسطين ولا ادري قد تكون اكثر من ذلك ، اما الامبراطورية الاشورية فقد امتدت الى مناطق اوسع في تركيا وايران ، وعموما و لايوجد مايؤكد اي من الحضارتين العراقية او المصرية هي اقدم حسب المؤرخين المختصين ولكن المد الثقافي وانتقال الفكر الديني امتد من العراق الى مصر والمناطق بينهما