آحمد صبحي منصور
:
شكرا أخى وأقول لك إن اعتراضى هو على الشريعة السلفية اتلوهابية السنية التى تناقض الاسلام ، ولقد تبين لى بعد البحث أن مواثيق حقوق الانسان الدولية هى أقرب كتابة بشرية لما جاء فى القرآن الكريمة من قيم عليا فى التعامل بين الناس. وحتى نزيل اللبس أقول الآتى :
ماهية الشريعة المراد تطبيقها
شريعتهم الحقيقية
بغض النظر عن الشعارات فذلك التيار السلفى ـ حتى وهو خارج السلطة ـ يطبق شريعته بنفسه ما استطاع الى ذلك سبيلا. و ابلغ أمثلة على ذلك ما حدث للمختلفين معه في الرأى من مفكرين ومبدعين و مثقفين لا يملك أحدهم الا قلمه و حجته وبرهانه, و لأن ذلك التيار السلفى عاجز عن مواجهتهم بالحجة فقد قام بتطبيق شرعه عليهم , فاصدروا فتاوى الردة ضد القرآنيين وضد الراحل د. فرج فودة وقتلوه , وحاولوا قتل نجيب محفوظ و غيره. والويل لأى بلد أو دولة تسقط تحت أيديهم , لا فارق هنا بين الفالوجة العراقية أو قرى صعيد مصر أو الجزائر او دولة طالبان فى افغانستان.
شريعتهم ليست شريعة الله تعالى فى القرآن
هذا التيار السلفىالذى يريد ان يركب ظهورنا ليحكمنا باسم الاسلام وشريعته الغراء ليس له برنامج سياسى حقيقى يصلح للعصر , ولا يعرف قادته ماهية الشريعة التى يراد تطبيقها علينا . لقد أثبتنا ـ بما لا يدع مجالا للشك ـ التناقض بين شريعتهم وشرع الله تعالى فى القرآن الكريم, ولم يردوا علينا الا بالاضطهاد و السب والشتم رفضا لشرع الله تعالى وانكارا لكتابه الحكيم ودفاعا عن دينهم السلفى الذى ما انزل الله تعالى به من سلطان.
وقد يقول قائل: انهم يرفعون راية الاسلام ويؤمنون بأنه صالح لكل زمان ومكان , ولذلك يمكن القول بانهم قادرون على تطوير الفقه السلفى واصلاحه بالقرآن وبذلك يصح قولهم بان شريعتهم التى سيجتهدون في صياغتها ستكون هى الشريعة الحقة فى القرآن والتى كان عليها النبى محمد عليه السلام .
حسنا .. اظهار هذه الشريعة انما يكون بالعودة المخلصة للقرآن الكريم والاحتكام اليه في تشريعات المسلمين طلبا للتصحيح , الا أن هذا عسير عليهم لأسباب كثيرة , منها ان استخلاص هذه الشريعة القرآنية هو عمل علمى خالص لوجه الله تعالى , له رجاله المتفرغون الذين وهبوا حياتهم للعلم والبحث دون مطمع دنيوى او منصب سياسي بل تحملوا الأذى من أولئك السلفيين وصبروا عليه فى سبيل الحق . والحق والصبر متلازمان فى سورة العصر. اذن هو اجتهاد علمى وليس عملا او هوى سياسيا ,و هم ليس لديهم وقت للتفرغ للبحث و الدرس حيث قد وهبوا حياتهم للوصول للسلطة واقتناصها من العسكر . صحيح أن لديهم فقهاء محترفين وهبوا حياتهم لخدمة السلطان القائم أو للدعوة الى السلطة السلفية القادمة , وقد يمكن فى أوقات الفراغ لديهم أن يجتهدوا . ولكن الاجتهاد فى عرض تشريعات المسلمين فى القرون الوسطى على القرآن سيوقعهم فى اكتشافات مفجعة ليس اقلها الاتهام بانكار السنة حيث أن كل التشريعات التراثية قد تحصنت بأحاديث كاذبة منسوبة للنبى , وقد قام التيار السلفى الوهابى خلال عدة عقود بنشرها وصياغة عقول الشباب على اساسها بحيث اصبح تطهير العقول منها يستلزم عقودا من الزمن وعقولا مسلمة متحررة مجاهدة لا تعرف الكلل. ثم ان المفسد الذى امضى معظم حياته فى الافساد أوالدعوة له والدفاع عنه لا يمكن ان يكون مصلحا لأن الاصلاح لا يتم الا بازالته , والله تعالى يقول " ان الله لا يصلح عمل المفسدين."يونس 81". هذه هى الصورة الواقعية التى يثبتها تاريخهم ولا يستطيعون لانكارها سبيلا. أما اذا دخلنا فى باب التمنى فاننا نرجو ونتمنى أن يتوب بعضهم ويتفرغ لخدمة الاسلام لا لخدمة طموحاته الشخصية ويجاهد معنا فى سبيل تجلية حقائق الاسلام و تنقية عقائد المسلمين فالاسلام محتاج الى من يعانى فى سبيل اظهار حقائقه وتبرئته من تهم التعصب والتزمت والتخلف والارهاب , وهذا لا يكون الا بتوضيح المجرم الحقيقى, وهو من تعرفون.
تطبيق الشريعة السلفية السعودية
ان النموذج السعودى العتيد قائم بتطبيق الشريعة السلفية حسب مفهوم العصور الوسطى المناقض للاسلام وعدله , فاذا كانت الدول فى تلك العصور تنسب للأسرات الحاكمة مثل الدولة الأموية والعباسية والأيوبية و العثمانية ففى عصرنا المبارك تنتسب الدولة السعودية الى الأسرة السعودية اذ هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تملكها أسرة. واذا كان الخليفة العباسى أو العثمانى يملك الأرض وما عليها ومن عليها فكذلك آل سعود وشريعتهم السمحاء ـ حاء .. حاء ـ . صحيح أن الشكوى عامة من الظلم السعودى داخل مملكتهم السلفية المقدسة, وصحيح ان نظامها القضائى ومطوعيها وعلماءها الابرار ـ رار رار ـ متهمون بالظلم و التطرف والتزمت والدعوة للارهاب وتشويه اسم الاسلام العظيم , ولكنهم ـ ومعهم التيار السلفى فى العالم العربى المصاب أيضا بالاستبداد والفساد ـ نجحوا فى توجيه شحنة الحنق والاحباط والغضب نحو أمريكا واسرائيل و فسروا المصائب الناجمة عن القهر والاستبداد والفساد فى سياق التآمر الغربى الصليبى على الاسلام والمسلمين . وحين وصلت نار الارهاب السلفى الى الغرب ورأى وجوب اصلاح الآثار المدمرة للفكر السلفى رفض المفسدون الاصلاح بدعوى انه فكر غربى دخيل مفروض من الغرب, وهم الذين يصادرون الاصلاح من داخل الاسلام ويضطهدون المفكرين المجتهدين ويصادرون اجتهادهم القائم على آيات القرآن وتراث المسلمين . كل ذلك في سبيل استمرار السيادة و الهيمنة للفكر السلفى حتى يمكن ارجاع الخلافة السلفية ولو بالطبعة العباسية او العثمانية.
شريعة العصر العباسى لا تصلح لنا
و اذا كان تحديث الفقه عسيرا وكان الاحتكام فيه للقرآن ممنوعا فهدفهم أن يعودوا بالناس الى عصور السلف طالما عجزوا عن احياء الأئمة الموتى ليجتهدوا لعصرنا.
ان الشافعىالمتوفى 204 حين ترك العراق وأتى الى مصر ـ حوالى قرن ونصف القرن قبل انشاء القاهرة ـ هجر مذهبه الفقهى وأنشأ مذهبا فقهيا جديدا بسبب اختلاف الظروف بين مصر و العراق في نفس الزمان. ولو تخيلنا الشافعى وقد خرج من قبره وسار فى شوارع القاهرة الآن لمات ثانيا من الدهشة والرعب قبل أن يفكر فى تغيير مذهبه الفقهى للمرة الثالثة.
فكيف بنا الآن نطلب تطبيق شرع الشافعى وأقرانه وهم قد اجتهدوا لعصرهم هم فأخطأوا وأصابوا, الا انهم لم يتخيلوا أن اجتهادهم المتأثر بالزمان والمكان سيكون صالحا لكل زمان ومكان بدليل أنهم فى عصر الازدهار الفكرى اختلفوا وتفرقوا الى مذاهب شتى فى اطار التدين السنى بل فى داخل المذهب الواحد.
شريعة العصر العباسى ليست الشرع الالهى
انهم يطلقون على كتابات أولئك الفقهاء اسم " الشرع " أو " الشريعة". ويحكمون بكفر من يرفض تطبيقها مستشهدين بقوله تعالى" ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون" المائدة 44" وهم بذلك يجعلون تلك الكتابات الفقهية البشرية شرعا الآهيا مقدسا ويجعلون اولئك الفقهاء ـ فى عصور الاجتهاد أو عصور التخلف و التقليد ـ آلهة مع الله تعالى , والله جل وعلا يقول فى مثل هذه الحالة :" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله؟." الشورى21" وقد أثبتنا فى أبحاث لنا سابقة كيف وقع الفقهاء السابقون في صياغة تشريعات تخالف شرع القرآن فى الأصول والفروع والمقاصد والقواعد بل وحتى المصطلحات والمفاهيم. اذن هو شرع لم يأذن به الله تعالى. والسكوت عنه هو انحياز لهم فى ظلمهم لله تعالى ورسوله, وهو تأليه لأولئك الفقهاء واشراك بالله جل وعلا.
ان تلك الكتابات الفقهية ـ فى أحسن حالاتها ـ هى اجتهادات بشرية , فيها يعبر الفقيه عن مستواه العلمى والعقلى وحالته النفسية والذهنية ومدى تأثره بثقافة عصره وموقفه المذهبى والعقيدى والسياسى وظروفه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومزاجه الشخصى. واختلاف الفقهاء فيما بينهم من الأمور المقررة , ليس فقط بين المذاهب وانما داخل المذهب الواحد بل فى داخل الكتاب الواحد, وعبارة " اختلف فيها العلماء " لم تكن تخلو منها صفحة من صفحات الفقه الذى درسناه فى الأزهر , وكنت فى صباى العلمى فى الثانوى الأزهرى مغرما بتتبع التناقض فى كتاب الفقه المقرر علينا والذى تم تأليفه فى العصر العثمانى محملا بكل أتواع التخلف العقلى والانحطاط البشرى . وبازدياد المد الدينى السلفى الذى يحمل اسم الاسلام زورا وبهتانا أصبح الاسلام العظيم متهما بالارهاب والتخلف والتعصب. واذا قام مفكر مسلم غيور على دينه بتبرئة الاسلام وتوضيح المسكوت عنه من تاريخ المسلمين وتراثهم باعتبارهم بشرا يخطئون ويصيبون وعلى أساس ان الاصلاح فى حقيقته هو فى نقد المسالب و كشف العيوب وتوصيفها بدقة من مصادرها الأصلية نفسها تمهيدا لعلاجها ـ اذا فعل ذلك قامت عليه حملات التكفير والسب من التيار السلفى لأنه تجرأ وناقش آلهتهم المعصومة من الخطأ و أثبت انهم بشر يخطئون ويصيبون مثلما حكى الله تعالى فى قصص الأنبياء فى القرآن الكريم.
الفقه السلفى من عصر الازدهار الى عصر التخلف
ان ائمة المذاهب الفقهية كانوا مجرد فصيل من الحركة العلمية المزدهرة فى العصر العباسى الأول ,وكان التفوق فيه للعلماء الذين ترجموا تراث الحضارتين الشرقية ـ الهندية والفارسية ـ والحضارة الاغريقية الرومانية وما نتج عن الحضارتين من مزج فكرى بعد فتوحات الاسكندر الاكبر وقامت على رعايته مدارس الاسكندرية و حران وجندياسبور والرها وانطاكية. قام أئمة الفكر فى العصر العباسى بترجمة هذا التراث الحضارى وشرحه و التوفيق بين الرواد فيه والتوفيق بينه وبين الاسلام. كانوا أئمة التجديد و الانفتاح على الشرق والغرب دون احساس بالنقص او اتهام للغير بالكفر . وفى المقابل كانت هناك مدرسة الانغلاق على الداخل و التمسك بالثوابت المحلية والحكايات والروايات والأحاديث الشفهية التراثية التى قاموا بتدوينها , وخوفا عليها من النقد والنقاش قاموا باسنادها للنبى محمد عليه السلام ولاصحابه بعد موته عليه السلام وموت اصحابه بقرون. أى أقاموا دينا جديدا منتحلا عماده الرواية الشفهية عن أناس ماتوا من قبل دون أن يدروا شيئا عما أسنده اليهم أولئك الفقهاء بعد موتهم بقرون. المهم اهم اخترعوا دينا جديدا عماده " قال الراوى يا سادة ياكرام ."
تلك هى مدرسة الفقه والحديث التى بدأت أكثر تحررا بالامام أبو حنيفة المتوفى سنة 150الذى أنشأ مذهب الرأى فى استنباط الأحكام الشرعية رأسا من القرآن الكريم ,والذى لم يقتنع برواية الحديث و لا بالرواة فى عهده المبكر ,وكان فى تفس الوقت من رواد الحركة العقلية التى تزعمها المعتزلة. بعده ارتفع شأن الحديث بالامامين مالك والشافعى والتلميذين الكبيرين لأبى حنيفة اللذيى تنكبا طريقه وهما الشيبانى وابو يوسف , وبهم أصبح الكذب على النبى هو الباب الملكى للاجتهاد الفقهى المزيف بأن يضع احدهم رأيه الفقهى فى صورة حديث ويصنع له اسنادا مزيفا ينسبه للنبى فيصبح المتن حديثا نبويا محصنا من النقد , حتى لو توجه النقد الى الأسناد و سلسلة الرواة المزعومين ولكن كان الى جانبه بعض الرأى خصوصا فى كتاب الأم للشافعى وكتابات اشيبانى وابو يوسف. ثم وصل الفقه الى مرحلة الحديث الخالص أى صار مجرد رواية للاحاديث فى فقه أحمد بن حنبل ومسنده ومدرسته المتزمتة المتعصبة .وجاء صراعها مع مدرسة المعتزلة. وتدخلت الدولة العباسية اولا لصالح المعتزلة مضطهدة ابن حنبل و اصحابه , ثم تدخلت فيما بعد لنصرة الفقهاء و المحدثين وفرض مذهبهم على اساس انه سنة النبى والأيودلوجية الفكرية الوحيدة للدولة العباسية. بدأ هذا من عهد المتوكل العباسى واستمر بعده متمثلا فى اضطهاد المعتزلة والقضاء عليهم , و اضطهاد خصوم الحنابلة الآخرين من الصوفية و الشيعة واهل الكتاب . و أدى ذلك بالتدريج الى غياب الفكرالناقد وازدراء الفلسفة والمنطق وسائر العلوم العقلية و اعتماد النقل بديلا عن النظر والعقل , وهذا ما يعرف بغلق باب الاجتهاد. انه مناخ فاسد عقيم يقدس المتوارث وما وجدنا عليه آباءنا ويرفض مناقشتها أو الاحتكام فيها للقرآن الكريم , كما يرفض الأخذ عن الحضارات الاتسانية الاخرى متهما اياها و الآخرين بالكفر ,ويعطى الفرصة لان يعلو صوت الخرافة وأن ترتدى ثوب الحديث النبوى فتكتسب قداسة دينية تصونها عن النقد . وهذا ما كسبه التصوف بالتدريج فى تاريخ المسلمين الى أن سيطر على الحياة العقلية والعلمية للمسلمين فى عصر التقليد ـ العصر الآيوبى ثم المملوكى ـ وفيها تحول أئمة الفقه والحديث في العصر العباسى الأول الى آلهة معصومة من الخطأ ـ ثم جاء عصر التأخر والتخلف فى العصر العثمانى الذى قدم بلاد المسلمين غنيمة سهلة للنفوذ الأوربى أو العدو التقليدى للعرب والمسلمين مما أدى الى وجود حركتين منفصلتين للنهضة , الوهابية فى نجد والعلمانية في مصر، وقد انتصرت الوهابية على مصر والعلمانية المصرية .
الفقه السلفى يزدهر حاليا بالدولة السعودية
لقد بدأت الوهابية بتكوين الدولة السعودية الأولى بالعهد بين ابن سعود وابن عبد الوهاب سنة 1745. تلك الدولة التى كان شعارها " الدم الدم ..والهدم الهدم" واستخدمت الجهاد لتحتل بلاد المسلمين وتتوسع على حسابهم وتقيم لهم مذابح وحمامات دم من نجد الى الشام والعراق شمالا ومن نجد الى الطائف ومكة والمدينة جنوبا حتى قضى عليها محمد على 1818 . ثم أعيد تأسيسها لعدة عقود فى القرن التاسع عشر وسقطت ثانية ، ثم فى القرن العشرين بدأ عبد العزيز آل سعود تأسيسها للمرة الثالثة فيما بين 1920-1926 وأعطاها اسم السعودية ـ اسم أسرته ـ سنة 1932 كاحدى الأخطاء الكبر ى للقرن العشرين والتى يدفع ثمنها ـ ليس العالم العربى والاسلامى والغربى ـ ولكن أيضا الدين الاسلامى الذى أصبح فى دائرة الاتهام منذ أن علا المد الوهابى فى العالم. هذه الدولة التى تدفع الثمن الآن هى المسئولة عن نشر تيار التطرف وحركات الارهاب بكل الوانها وتنظيماتها ـ نقصد منها ما يحمل اسم الاسلام زورا وبهتانا.
والذي ساعد عبد العزيز فى إنشاء هذه الدولة كان "الإخوان" وهم أعراب متشددون أرضعهم الفكر الحنبلى الوهابي على أساس أنه الإسلام الحقيقي الذى ينبغي فرضه بالقوة ، وأن المسلمين الآخرين هم مشركون ، وأن النصارى واليهود كفار ، وينبغي التعامل معهم بالسيف طبقا لتعليمات محمد بن عبد الوهاب فى رسائله الكثيرة . اختلف الإخوان مع سيدهم عبد العزيز حين رأوه يتعامل مع المصريين "الذين هم مشركون حسب التوصيف الوهابي" وحين رأوه يتعامل مع الإنجليز"الكفار" وحدثت حروب بين الإخوان وعبد العزيز فقضى عليهم ، إلا أنه بدلا من اصلاح الفكر الوهابي الذى تعلمه الإخوان "إخوان عبد العزيز" فإنه صدّر هذا الفكر الى مصر ، والشرق الأوسط ، والهند. عن طريق عميله الشيخ رشيد رضا وبتخطيط من مستشاره المصري حافظ وهبة . واستطاع عبد العزيز أن يحول الجمعية الشرعية فى مصر من توجهها الصوفى المسالم إلى التوجه السلفى المتشدد سنة 1927 وفى نفس العام الذى يليه ، أنشأ عبد العزيز جمعية وهابية بحتة ، هى أنصار السنة المحمدية ، التى تزعمها الشيخ حامد الفقى ، وأنشأ جمعية أخرى حركية ، شبه عسكرية ، هى جمعية الشبان المسلمين ، وكان حسن البنا أشهر المنتمين اليها ، فتم تكليفه عن طريق رشيد رضا لإنشاء جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928 كجماعة سياسية (عسكرية) تريد الوصول إلى الحكم وإقامة الخلافة. وبنفس المنوال أنشأ عبد العزيز التيار السلفى داخل الهند بمدارسة وكوادرة مستغلا الشعور العدائي بين المسلمين الهنود والهندوس ، مما ساعد على تقسيم الهند وإقامة باكستان كإحدى الأخطاء الكبرى ـ الأخرى ـ فى القرن العشرين .
نعود الى مصر والإخوان "المصريين" الذين أنشئوا تحت نفس اسم الإخوان السعوديين من قبل ، ونرى حسن البنا قد استغل تقاصر الحكومات فى عصره عن الإصلاح الاجتماعي ووجود شباب ناقم مع ليبرالية سياسية ـ استغل ذلك كله فى ما بين 1928 – 1948 فى أن ينشئ خمسين ألف فرع للإخوان فى ربوع مصر ، وأن ينشئ جيشا سريا "التنظيم السري", وأن ينشئ حركة الإخوان المسلمين العالمية وفروعا لها فى البلاد العربية أو الاسلامية وأن ينجح فى قلب الحكم فى اليمن "ثورة الميثاق" مما نبه الدولة المصرية إلى خطورته ، فاغتالوه ، وكان قبلها قد اغتال اثنين من رؤساء الوزارات المصرية وأحد القضاة، وكان قد نجح فى التسلل الى الجيش والتحالف مع الضباط الأحرار .
وقامت الثورة المصرية بتأييد معلن من الإخوان ، إذ كانوا جناحها المدني ، ثم حدث الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر ، فهرب معظمهم إلى السعودية موطنهم الروحي ، ثم عادوا فى عصر السادات ، حيث تحكموا فى الثقافة والاعلام والتعليم والأزهر ، فتحولت مصر فى خلال القرن العشرين من تدينها المشهور بتسامحه وتصوفه الى تدين آخر, اكثرة سني متعصب حنبلي . وردّ الإخوان الجميل للسادات باغتياله ، حيث أن التنظيمات الكثيرة التى تفرعت كلها تنتمي فى الأصل الى الإخوان من الجهاد والجماعة الإسلامية والتحرير الإخواني .. ألخ . انةوهذا مجرد توزيع أدوار بين الشيوخ المهادنين : يصدرون الفتاوى ويتحكمون فى الحياة العقلية والدينية والفكرية ، بينما الشباب يتولى التنفيذ ، ومقتل فرج فودة أكبر دليل.
هذه هى جذور وطبيعة الحركة الدينية السلفية السياسية فى مصر ، والعالم العربي ، وكلها نتاج للدولة السعودية وتدينها الحنبلى الوهابي والذى ينتج عنه عادة إقصاء الطرف الآخر ، إما بحد الردة أو تحت مسمى الجهاد . والمتاح فى ظل الوهابية الحنبلية ان تقام دولة كالدولة السعودية أو دولة الطالبان , واذا كانت ظروفها أفضل فستكون كجبهة الانقاذ فى السودان . انظروا كيف أنقذت السودان فى عهدها السعيد . تلك هى الشريعة الحقيقية المراد تطبيقها علينا
مقالات متعلقة
بالفتوى
: