ميشيل كيلو.. وتحصين سوريا ضد التدخل الأمريكى

سعد الدين ابراهيم Ýí 2012-02-25


من أكثر المُعارضين السوريين شراسة لنظام بشار الأسد، المُفكر القومى ميشيل كيلو، والذى قضى سنوات فى سجون آل الأسد- حافظ ثم ابنه بشار.

وقد قدم الرجل ورقة مهمة فى الندوة التى نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بمنتجع «الحمامات»، قُرب العاصمة التونسية، وترجع أهمية الورقة إلى أنها عُرضت، وأصوات القنابل والمدافع تفتك بأبناء الشعب السورى فى مدينة سورية بعد الأخرى، فما بدأ كمظاهرة أطفال فى شوارع مدينة درعا فى أقصى جنوب سوريا، والطريقة الوحشية التى استجاب بها النظام، أدى إلى انتفاضة سرعان ما انتشرت فى بقية المُدن والأرياف السورية.

وجاء تحليل ميشيل كيلو ليتناول أبعادا سوسيولوجية، نادراً ما يتم التطرق إليها بواسطة المُراقبين والباحثين، سواء من العرب أو الأجانب، من ذلك التقاطعات العمودية والأفقية للطبقات، والطوائف، والملل والنحل السورية فى سياقات إقليمية ودولية مُعقدة، وعلى خلفية اختراقات هذه القوى للداخل السورى، عبر تركيا والعراق ولبنان، بما فى ذلك الاختراق الإيرانى المُباشر أو عبر لبنان وحزب الله.

ومع تسليم ميشيل كيلو باستبداد وفساد نظام آل الأسد، إلا أن المُعارضين السوريين، وهو ضمن قياداتها، رفضوا أى استعانة بمُساعدات خارجية أو تدخل أجنبى، كما استعرض ميشيل كيلو تطور المواجهة بين المُعارضين ونظام الأسد، من المُطالبة السلمية بالإصلاح، ثم التغيير، ثم إسقاط ورحيل النظام البعثى الحاكم، ومع التطور الأخير، وارتفاع سقف المطالب، لم يكن هناك بُد من الانزلاق للصراع المُسلح.

ومع الامتداد الجغرافى والزمنى للصراع المُسلح تقارب الجانبان فى القوة على الأرض، وهو توازن فى أحد تداعياته يؤدى إلى الاستنزاف البشرى والمادى للدولة والمجتمع فى سوريا، وأن ذلك فى النهاية يصب فى مصلحة إسرائيل.

وفى أحد التداعيات الأخرى هو فرصة للوصول إلى تسوية عادلة أو معقولة بين قوى المعارضة ونظام البعث، وينطوى ذلك على حكومة يكون للمُعارضة فيها ثلت المقاعد، ولحزب البعث ثلث المقاعد، وللمستقلين ثلث المقاعد، مع خروج آمن لبشار الأسد وأسرته من سوريا.

كان هذا الطرح موضع استحسان من معظم المُشاركين، لكن كالعادة، كانت هناك أصوات اعترضت على فكرتى إشراك حزب البعث فى السُلطة الجديدة، وعلى الخروج الآمن لأسرة بشار الأسد، والإصرار على ضرورة مُحاكمته هو وذويه أمام قضاء عادل، أسوة بما يحدث مع آل مبارك فى مصر، فما ارتكبه نظام مبارك فى حق المصريين لا يتجاوز واحداً بالمائة مما ارتكبه آل الأسد من جرائم، لا فى سوريا وحدها، ولكن فى لبنان وبُلدان عربية أخرى مُجاورة.

كذلك ذكر بعض المُشاركين أن آل الأسد هم الذين ابتدعوا مُمارسة توريث السلطة من أب إلى ابن، وربما إلى حفيد، أى أن آل الأسد هم الذين مارسوا ما كان قد أطلق عليه كاتب هذه السطور مُصطلح «الجملوكية»- أى أنظمة الحكم الجمهورية شكلا، ملكية وراثية مضمونا.

وكان واضحا أن بعض هؤلاء المُعلقين، خاصة من الشباب، لا يعرفون التاريخ النضالى لميشيل كيلو، الذى عانى على أيدى «آل الأسد» ترويعاً وسجناً، مما يشيب له الولدان، ومع ذلك خلت ورقة ميشيل كيلو تماماً من المرارة والكراهية، وركّزت على كل ما يمكن أن يكون إيجابيا وتصالحياً لمُستقبل وطنه السورى.

كذلك جدير بالتنويه، أن الباحث المصرى النابه سامح فوزى وجّه سؤالاً لميشيل كيلو حول موقف المسيحيين السوريين من نظام بشار الأسد، والثورة التى انفجرت ضده، فأجاب ميشيل كيلو بأن المسيحيين فى سوريا شأنهم شأن بقية شعبهم، فهم ينقسمون، بعضهم مع النظام، وبعضهم مع الثورة، وأنه منذ الحروب الصليبية قبل عشرة قرون، ومسيحيو بلاد الشام كانوا دائماً ضد أى غزو أجنبى لبُلدانهم، وأنه لولا هذا الموقف المبدئى الوجودى، لما بقى مسيحى واحد فى سوريا، وبقية بلاد الشام.

وتعتبر هذه الرؤية لميشيل كيلو، استمراراً لتقليد عظيم بين مسيحيى الشرق، فإلى جانب تمسكهم بتراب أوطانهم على مر العصور، فإنهم يعتزون بأصولهم العربية، السابقة حتى على ظهور الإسلام فى القرن السابع الميلادى، فهم «الغساسنة» على الحدود الشمالية للجزيرة العربية، و«المُناذرة» على الحدود الشرقية لها، وهم الذين حفظوا اللغة العربية، وطوّروها، وكانوا المُدافعين عن الجزيرة العربية ضد غزوات الفرس والروم، وفى القرنين التاسع عشر والعشرين كانوا هم الذين التفوا حول فكرة القومية العربية التى وحدتهم مع المسلمين العرب فى مواجهة الاستبداد العثمانى، ثم فى مقاومة الاستعمار الغربى، فمن جورج أنطونيوس إلى ميشيل عفلق بشّر المسيحيون العرب بالصحوة القومية، وكوّنوا الروابط والأحزاب العربية التى عملت من أجل توحيد الأقطار العربية. وهى مسيرة طويلة تعرضت لمدّ وجزر، خلال القرن الأخير. وتعرفنا فيها على مسيحيين عرب من كل البُلدان، من وليام مكرم عبيد فى مصر، إلى فارس خورى فى سوريا، إلى جورج حبش فى فلسطين، إلى نايف حواتمة فى الأردن، إلى وليد خدورى فى العراق، إلى إدوارد سعيد المصرى الفلسطينى الأمريكى.

حقاً، إن ميشيل كيلو هو نموذج فذ لمُناضل سورى الموطن، عربى الانتماء، ديمقراطى الاختيار، إنسانى الرؤية، فتحية له من مصر الثورة.

وعلى الله قصد السبيل

اجمالي القراءات 8338

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   احمد العربى     في   السبت ٢٥ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[64755]

السؤال المهم

ما هي وجهة نظر المعارضة السورية بالجرائم التي ترتكبها العصابات السلفية بحق الاقليات السورية


ما هي وجهة نظر المعارضة السورية من الدعم الوهابي للتكفيريين تحت ما يسمى الجيش السوري الحر


ما موقف المعارضة السورية من استطلاعات الراي التي تؤكد ان 55% من السوريين يؤيدون بقاء بشار الاسد


اين هو برنامج المعارضة السياسي وما هو موقفهم من الدستور الجديد


 


 


2   تعليق بواسطة   ايناس عثمان     في   السبت ٢٥ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[64767]

الجملوكية

 مصطلح الجملوكية يعني أي انظمة الحكم الجمهورية شكلا ملكية وراثية مضمونا :  مصطلح جديد وظريف يدل على  ظرف وروح المصرية  المعتادة في تعليقاتها الظريفة


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 217
اجمالي القراءات : 2,328,162
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 410
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt