واضربوهن:
القرآن وضرب النسوان

نبيل هلال Ýí 2012-01-04


عندما تقرأ تفاسير القرآن فإنك لا تقرأ كلام الله , بل تقرأ آراء المفسرين وهي رهن بالمستوى المعرفي للمفسِّر ومدى رجاحة عقله,وهي أمور قد لا تسمح باقتناص المعاني الحقيقية للقرآن,فما توفر دائما للمفسر العلمُ ورجاحةُ العقل ولا سيما في العصور الخوالي التي سادها ظلام التخلف , ولم تسلم أمة من الأمم من الجهالة عبر تاريخها. وتبايُن التفاسير لا يقدح في ثبات النص وقدسيته ,إنما يعني اختلاف العقول المنتجة لها كما أسلفنا . ولا يُلام المفسرون إن أخطأوا ,فقد كان عليهم الاجتهاد فاجتهدوا,ولكن ليس علينا التسليم بما انتهوا إليه .ولا يمكن اقتناص معاني النص مالم تبحث عنها ,فهي لن تسقط عليك كتفاحة نيوتن ,بل هي كالكنز المدفون عليك أن تنبش الأرض كي تحصل عليه .وعليه ,جاء في القرآن الكريم ما فهمه البعض بأنه حض على ضرب المرأة { وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }النساء34 .ولما كانت معاني الفاظ القرآن تُستخلص من القرآن نفسه , فبتتبع معاني كلمة (ضرب) في المصحف وفي صحيح لغة العرب , نرى أنها تعني في غالبها المفارقة والمباعدة والانفصال والتجاهل,خلافا للمعنى المتداول الآن لكلمة (ضرب ) ,فمثلا الضرب على الوجه يستخدم له لفظ (لطم) ,والضرب على القفا(صفع) والضرب بقبضة اليد (وكز),والضرب بالقدم (ركل) . وفي المعاجم : ضرب الدهر بين القوم أي فرّق وباعد ,وضرب عليه الحصار أي عزله عن محيطه . وضرب عنقه أي فصلها عن جسده . فالضرب إذن يفيد المباعدة والانفصال والتجاهل .
والعرب تعرف أن زيادة (الألف)على بعض الأفعال تؤدي إلى تضاد المعني :نحو (ترِب)إذا افتقر و(أترب )إذا استغنى ,ومثل ذلك (أضرب )في المكان أي أقام ولم يبرح (عكس المباعدة والسياحة في الأرض). اسمع معي :( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى )طه 77 ,أي افرق لهم بين الماء طريقا. (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) (الشعراء 63-67, ,أي باعد بين جانبي الماء.والله يقول (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ) أي مباعدة وسفر, { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ }المزمل20,{ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ }الحديد13,أي فصل بينهم بسور.وضرب به عُرض الحائط أي أهمله وأعرض عنه احتقارا.وذلك المعني الأخير هو المقصود في الآية المظنون أنها حض على ضرب الزوجة(فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) والآية تحض على الهجر في المضجع والاعتزال في الفراش ,أي لا يجمع بين الزوجين فراش واحد وليس كناية عن عدم ممارسة العلاقة الزوجية كما فهم البعض ,وإن لم يجدِ ذلك فهو (الضرب )بمعنى المباعدة والهجران والتجاهل , وهو أمر يأخذ به العقلاء من غير المسلمين. ولاستكمال البحث نلفت النظر إلى بعض موضع جاءت فيه كلمة (ضرب) قريبة مما ألفناه من معنى الضرب , وهو في وصف لضرب الملائكة لأهل النار ,وهو أمر غيبي يحدث في عالم الغيب ولا نقف على كيفية حدوثه فكل ما يحدث في غيب يوم الحساب إنما ورد في القرآن عل نحو تمثيلي (ولا خطر على قلب بشر) , (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }الأنفال50, {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ }محمد27. وقانا الله شر أن نكون من شهود ضرب الملائكة ,آمين .
المراجع:لسان العرب –ابن منظور
المعجم الوسيط
الصاحبي في فقه اللغة –ابن زكريا
من كتاب المسكوت عنه في الإسلام – لنبيل هلال هلال

اجمالي القراءات 16053

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (6)
1   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الخميس ٠٥ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[63684]

السياق العام أو الخاص يحدد المعنى ..

 الاستاذ / نبيل هلال.. السلام عليكم ورحمة الله .. هكذا يكون تدبر القرآن وحب القرآن والبحث في القرآن .. فكانت هذه أحدى النقائص التي  تركها لنا  آباؤنا السابقين من جيل المفسرين الأوائل .. وكانت نقطة ضعف وقصور يمسكنا منها المستشرق او الأكاديمي الالذي ينقل من تراث المسلمين وينقد وينتقص من قدر الكتاب العزيز  اما عن عداء له أو عن جهل مستمد من الأخذ من كتب التراث أو تعمد المغالطة .. 


 اليوم  جاء الدكتور نبيل هلال وصحح ونقّح الهدف والمغزى من قوله تعالى { وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }النساء34


 فالضرب هنا كما تفضلت وقارنت واجتهدت ووفقت بعون الله تعالى.. معناه ..المفارقة والمباعدة والانفصال والتجاهل.. وهذه المعاني هى الأقرب إلى حقوق الانسان الحقيقية في كتاب الله تعالى .. وكما نعلم أن ألفاظ القرآن العظيم هى  أول من أشار إلى حقوق الانسان.. في قوله تعالى (وآتي ذا القربى حقه)  وقوله تعالى في حرية الاعتقاد بالايمان او الكفر ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر) .. الخ الخ من حقوق مواثيق حقوق الانسان المعلنة اليوم كدستور للإنسانية جميعا .. فلا يحق للزوج ان يضرب زوجته بالمعنى المتعارف عليه للضرب سواء كان باليد او بالعصا او بأي وسيلة من وسائل الإيذاء.. البدني.. وهذا يمكن ان نفهمه من أسلوب البحث في مصطلحات القرآن التي بها يوضح نفسه بنفسه فيها .. وهناك شئ  منهجية اخرة  تكمل طريقة التدبر والاستنباط من الكتاب العزيز هى:


2   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الخميس ٠٥ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[63685]

يتبع السياق العام أو الخاص

 وهو السياق العام او السياق الخاص .. فالسياق العام تتضمنه السورة أو مجموعة السور التي تناولت مسألة معينة أو عرضت موضوعا بعينه فالسايق العام  هنا ما يحدد كثير امعنى اللفظة أو المصطلح المستخدم.. ..


 كما أن السياق الخاص للآية نفسها ووردوه فيها  والموضوع الاخاص التي تناولته هذه الآية يحدد معنى اللفظة المراد اسباغه عليها في هذهى الآية ..


 من هذه القاعدة قاعدة السياق العام او السياق الخاص ... يمكن ان نتصور ان مادة .. ضرب الواردة في مقالكم المبارك.. لها معانِ اخرى في آيات أخرى غير التي ناقشتها في موضوكم القيم..


فعلى سبيل المثال.. فقد ورد الضرب بمعناه التراثي المتعارف عليه عند القتال بين جيش الكفار المعتدي على المسلمين وبين جيش المسلمين. في قوله تعالى:


{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ{9} وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{10} إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ{11} إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ{12} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{13


 شكرا لك والسلام عليك ورحمة الله


3   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الخميس ٠٥ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[63686]

يتبع السياق العام أو الخاص ..

كما ورد  لفظ .. ضرب .. بمعنى.. ذكر او شرح  أو فهّم او علّم او وَعَظَ . . في قوله تعالى ..


  {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }النحل75.


 


 


4   تعليق بواسطة   نبيل هلال     في   الخميس ٠٥ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[63687]

تحية للأستاذ محمود مرسي

شكرا أخي الكريم على تعليقك ,وكما تفضلتم فإن الآية الكريمة"فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان"تفيد أيضا معنى المفارقة والانفصال ,فضرب العنق أي (فصلها )عن الجسد ,وفي الحرب تكون الغاية قتل العدو أو شل قدرته على القتال ,فكان التوجيه  ب(واضربوا منهم كل بنان ) وضرب البنان هنا معناه فصل وقطع أصابع اليد فتبطل قدرة المقاتل على الإمساك بسيفه ومواصلة القتال وكلها معان تفيد ما ذهبنا إليه ,وكذلك كما تفضلتم من استعمال كلمة (ضرب ) في ضرب الأمثال صحيح ,ولكن ما من مبرر لمفسري التراث الأصفر في القول بضرب المرأة ,ذلك ابتدعوه في ثقافات البدو والصحراء. إن المرأة هي أولا الأم في حياة الرجل ثم الأخت فالزوجة فالابنة ,فمن منا يرضى بضرب أمه أو أخته أو ابنته ؟ فكلهن (زوجات )لآخرين ,وفي الوقت الذي يتاجرون فيه بالتأسي بالحبيب المصطفي ,لم يسأل منهم أحد :أثبت عن النبي ضربه لزوجاته؟ لقد كان مثالا للرقة في معاملتهن ,إن المرأةهي ذلك المخلوق الرائع في حياة الرجل ,  حمدا لله عليها .


5   تعليق بواسطة   نبيل هلال     في   السبت ١٤ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[63893]

اعتذار للأستاذ محمد عبد الرحمن محمد

الأستاذ  الكريم محمد عبد الرحمن ,لسهو غير مقصود مني كتبت اسم الأستاذ محمود مرسي بدلا من صاحب التعليق الحقيقي الأستاذ الفاضل محمد عبد الرحمن محمد ,وأكرر اعتذاري لهذا السهو .أخوك نبيل هلال هلال


6   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الأحد ١٥ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[63914]

الشخصيتان هما شخصية واحدة أستاذنا الفاضل / نبيل هلال


الأستاذ العزيز / نبيل هلال .. لم تخطئ سيادتك فمحمود مرسي هو إسم مستعار والاسم الحقيقي هو  محمد عبدالرحمن محمد.. وعندما كتبت باسم محمود مرسي  لم أكن أعرف كيف أعيد الصفحة القديمة باسم محمد عبدالرحمن  حتى أقدمت إدارة الموقع (أهل القرآن) على تحديث البيانات  وكانت هناك فرصة لتغيير بعض البيانات في الحساب الخاص بكل كاتب ووجدت المربع الخاص بذلك أمامي فانتهزت الفرصة وعدلت البيانات ..
 لذلك فالشخصيتان هما شخصية واحدة محمود مرسي هو في الأصل محمد عبدالرحمن
 بارك الله فيك وفي سرعة بديهتك وفي قلمك الذي ينشر الوعي وبتجلية حقائق الدين.. ...
شكرا لك وإلى لقاء

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-01-12
مقالات منشورة : 123
اجمالي القراءات : 1,421,082
تعليقات له : 109
تعليقات عليه : 282
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt