نبيل هلال Ýí 2011-12-30
كما أن طول انطباق الفم يورث الخُلوف (رائحة الفم الكريهة), كذلك فإن تكميم أفواه الناس يورثهم الجبن والعجز. وأُرغم المسلمُ على أكل لسانه للحفاظ على عنقه .ولم يكن من الغريب أن يصدِر أحدُ الخلفاء مرسوما سلطانيا " بترك الخوض فيما لا يعني واشتغال كل أحد بمعيشته عن الخوض في أعمال أمير المؤمنين وأوامره ( هو الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله , انظر المقريزي – اتعاظ الحنفا )ومن ذلك الوقت أصبح الجامع بلا حصانة , ولم يعد بيت الله , بل بيت , مجرد بيت يُدفن فيه الدراويش , ويجمع الأفاقون من صناديق نذوره الأموال الطائلة , بل وإذا لزم الأمر يُذبح المعارضون تحت منبره (تم ذبح المعارِض الجعد بن درهم في ليلة عيد الأضحى بالكوفة في المسجد وتحت المنبر )
وتفتقد الثقافة الإسلامية الموروثة فكر المناقشة والتحاور, واسمع مشايخنا وهم يتحاورون في التلفاز, تراهم يتصايحون ويسفه بعضهم البعض , مع أنهم جميعا يقرأون الآية الكريمة :" ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " النحل 125 .
وكان الخلفاء الأمويون يختمون أعناق المسلمين من الموالي كما توسم البهائم والمواشي . ولما جلس مسلم بن عقبة والي المدينة من قِبل الخليفة يزيد بن معاوية (رضي الله عنه وعن أبيه) , في مسجد رسول الله لأخذ بيعة أهل المدينة , كان يبايعهم على أن كلا منهم عبد قِن (والعبد القِن هو الذي مُلِك هو وأبواه) لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية , ولم يستثن من ذلك غير الحسين حفيد المصطفى صلى الله عليه وسلم , الذي بايعه على أنه أخوه وابن عمه .
ذات يوم , خطب عمر بن الخطاب فقال :" يا أيها الناس , إني والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم , ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسننكم ويقضوا بينكم بالحق , ويحكموا بينكم بالعدل فمن فُعل به شىء سوى ذلك فليرفعه إليَّ , فوا الذي نفس عمر بيده لأقصنه منه . فوثب عمرو بن العاص فقال: " يا أمير المؤمنين , أرأيت إن كان رجلا من أمراء المسلمين على رعيته فأدب بعض رعيته إنك لتقصه منه ؟ قال :" أي والذي نفس عمر بيده إذن لأقصنه منه , وكيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتص من نفسه ؟ ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تجمروهم فتفتنوهم , ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم .
وكان الوالي على البصرة من قِبل معاوية بن أبي سفيان هو عبد الله ابن عمرو بن غيلان , وبينما كان يخطب في المسجد إذ رماه رجل بحجر تعبيرا عن اعتراضه , فألقي القبض على الرجل وقُطعت يده , وما كان لهم أن يقطعوا يدا في غير حد السرقة وبلا محاكمة, ولما استغاث الرجل بالخليفة معاوية , قال: " لا سبيل إلى القود من نوابي ولكن الدية " ودفع للمقطوع الدية من بيت المال (ابن الأثير والبداية والنهاية) .
كذلك لما رمى بعض الناس الحجارة على زياد ابن سمية وهو يخطب على المنبر, وكان معاوية قد عينه واليا على الكوفة , أمر بغلق باب المسجد والقبض عليهم جميعا ثم قطعوا أيديهم وكانوا بين ثلاثين إلى ثمانين رجلا , وهو قطع غير قانوني تم تحت سمع وبصر الخليفة (الطبري وابن الأثير).
وفي خلافة عمر بن عبد العزيز أصدر أوامر مشددة إلى ولاته ألا يجلدوا مسلما أو ذميا ولو جلدة واحدة بغير الحق , وأمر ألا تطبق عقوبة القتل أو قطع اليد دون الرجوع إليه شخصيا (الطبري وابن الأثير ).وفقيه السلطان لا يفُتْه أن يدلي دلوه في كل مناسبة ليدفع عن سيده وولي نعمته , فاسمعه يقول مُعلِما الناس بالطريقة التي ينصحون بها سيدهم السلطان , يقول : " وينبغي لمن صحب السلطان- فليس لكل الناس أن يقوموا بواجب نصيحته وإنما ذلك لصحبته المقربين - أن لا يكتم عنه نصيحة , وإن استثقلها , وليكن كلامه له كلام رفق لا كلام خُرْق , حتى يخبره بعيبه من غير أن يواجهه بذلك !! ولكن يضرب له الأمثال , ويخبره بعيب غيره ليعرف عيب نفسه(العقد الفريد), وما أدري كلاما ينضح بصَغار النفس وسقوط الهمة مثل ذلك الكلام ! وبرُخَص طاعة المستبد التي أفتى بها فقيه السلطة , مضى الناس في طريق الخنوع وكأن الفقيه أراد لهم "الاستنعاج" , فكان له ما أراد , ولم يستردوا بعدُ فحولتهم !
كان ذلك مقتبسا من كتاب كتبناه قبل تفجر الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا, وما أشد سعادتي أن خاب ظني بدوام استنعاجنا , ولم يخب رجائي في استعادة فحولة شعوبنا .
الأستاذ نبيل هلال
الأستاذ محمد عبد المجيد
لقد نقب الدكتور أحمد صبحي منصور في التاريخ محاولاً أستخراج نماذج تؤمن بحرية الفكر والعقيده والتسامح وتؤصل لها .. فلم يجد إلا نماذج معدوده على أصابع اليد .. والبقية الكاسحه عكس ذلك كما وضح من مقال الأستاذ نبيل هلال ..
ولكن عندما يجتمع في عصر واحد أمثال الدكتور أحمد صبحي منصور ونبيل هلال ومحمد عبدالمجيد ، وسعد الدين إبراهيم وجمال البنا والأستاذ عدنان وغيرهم العشرات لابد أن يخيب ظن الأستاذ نبيل هلال .. لأن كل هؤلاء لم يخرجوا من فراغ ولم ولن يخرجوا إلى فراغ .. هؤلاء الكتاب يعبرون عن تيار من الثقافه يجري في جسد المجتمع فيحيي به الجسد شيئاُ فشيئاً ويصحوا من غفوته ..
كتابات هؤلاءالكتاب وغيرهم العشرات وربما المئات تعتبر مضادات حيويه وفيروسيه ضد الأستنعاج والأستجحاش ..
وأنا أقول انها مضادات حيويه وأقصد هذا وذلك لأن كتاباتهم مؤلمه تشبه الدواء المر ..
ولا تنتظر من مريض أن يحب دواؤه أو علاجه أو يحب طبيبه إلا إذا عرف انه مريض وآمن بالعلاج الذي يأخذه ..
ولابد له أن يجب ناصحه ولا يفعل مثل من قال الله سبحانه وتعالى فيهم على لسان أحد الأنبياء " ولكن لا تحبون الناصجين " ..
الشكر لجميع الكتاب الذين يساهمون في علاج الجسد المسلم من أمراضه وأكثر الله منهم .
الاستاذ الكريم .. نبيل هلال كل عام وأنت وأسرتك الكريمة في أحسن حال بمناسبة عيد من أعياد الانسانية هو عيد رأس السنة الميلادية.... أعاده الله عليكم باليمن والبركات...
أم عن القول المأثور الذي ذكرته في هذا المقال عن ما نسب لعمر بن الخطاب في قولك عن عمر انه(.ذات يوم , خطب عمر بن الخطاب فقال :" يا أيها الناس , إني والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم , ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسننكم ويقضوا بينكم بالحق , ويحكموا بينكم بالعدل فمن فُعل به شىء سوى ذلك فليرفعه إليَّ , فوا الذي نفس عمر بيده لأقصنه منه . فوثب عمرو بن العاص فقال: " يا أمير المؤمنين , أرأيت إن كان رجلا من أمراء المسلمين على رعيته فأدب بعض رعيته إنك لتقصه منه ؟ قال :" أي والذي نفس عمر بيده إذن لأقصنه منه , وكيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتص من نفسه ؟ ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تجمروهم فتفتنوهم , ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم .) انتهى النقل..
هل لديكم خلاصة لأقوال وتبريرات فقعاء الاستنعاج (فقهاء السلطان) عن تبرير استخدام عمر بن الخطاب للدرة في تأديب المسلمين الموالي بالدرة وهو يمر بطرقاتها .. وما مدى صحة القول المذكور في مقالكم عن عمر وتوافقه او تعارضه مع الدرة الشهيرة في التاريخ العمري.؟
أخى الحبيب محمد عبد المجيد ,كل عام وأنت بخير حال وأتم صحة ,وعام سعيد ,شكرا لك على إطرائك وأنت دائما المجامل .أنا الذي نعمت بصداقتك ,فمن مكتبتك -ونحن صبية- كان أول ما قرأت ,ومنك تعلمت حب الفن والحياة والجمال ,كما تعلمت منك الكفران بظلم العمالقة والتمرد ورفض القهر وألا أخشى في الله لومة لائم , وقد دفع ذلك بك إلى مباحث أمن الدولة وأنت في الجامعة ,وانتهى بك المطاف إلى قرار بالهجرة إلى حيث يمكنك ممارسة حرية الفكر والتعبير . إنه غير محظوظ من لا يصادف صديقا مثلك .دمت بخير وأتم صحة .أخوك نبيل هلال
شكر وتحية للأستاذ عبد المجيد سالم على مروركم على مقالي وعلى تعليقكم ,وما من فائدة للكاتب مالم يقرأ له القارئ الواعي المستنير ,فالفضل الحقيقي للقارئ ,دمتم بخير وجعلني الله عند حسن ظنكم ,شكرا ,نبيل هلال
كل عام وأنت بخير وسنة مقبلة سعيدة لك والأسرة الكريمة , في المقال يستنكر سيدنا عمر ضرب أبشار الناس ,و(عَطَف) ضرب الأبشار على أخذ الموال ,مما يوحي بأن ضرب أبشار الناس في منزلة أخذ أموالهم .وجاء في المقال أن من يفعل ذلك (أي ضرب الناس أو سلب أموالهم )سيقوم عمر بالقصاص منه -وجاء في المقال (المقولة المنسوبة إلى سيدنا عمر) نهي واضح عن ضرب المسلمين إذ يفضي ذلك إلى إذلالهم , وإن صح أن عمر كان يحمل درته معه فذلك ليهش بها الغنم لا( ليؤدب ) المسلمين ,فالمسلم أكرم على الله وأعز من (يؤدبه)مؤدب بدرة أو عصا ,فذلك لا يكون إلا للمواشي لا الإنسان الذي نفخ الله فيه من روحه .هل أجبت عن سؤالك؟
الباحث والمفكر / الاستاذ / نبيل هلال وعليكم السلام وعليكم ورحمة الله.. إجابة رقيقة من مفكر وباحث رقيق الفكر و عظيمه في آن واحد.. نعم فالمقولة المنسوبة لــ عمر بن الخطاب ... أنه قال تلك المقولة.. وما رأي سيادتك في صحة انه كان يمسك بالدرة لايهش فقط بها.. بل يؤدب ويضرب بها أحد رواة الأحاديث الكبار وهو أبو هريرة .. ما مدى قبول سيادتك لهذه الأطروحة التاريخية والسيرة الذاتية ل,, عمر الفاروق " ومامدى عدل عمر .. بين المسلمين العرب والمسلمين من الموالي .. وهل كان العدل أو الجور سببا في اغتياله على يدي أبو لؤلؤة.. في صلاة الفجر بالمسجد .. وطعنه لأربعة عشر من الصحابة ... كانوا هم من بين المساعدين لعمر في الخلافة .. والحكم .. .. هل يتفق القول او المقولة المنسبوبة لعمر الفاروق .. مع إمساكه الدائم للدرة (العصا أو النبوت).. للتهويش او للتخويف أو للتأديب المباشر بدون استئناف أو دفاع قولي من الذين تم في حقهم التاديب أو التهويش او التخويف..؟؟!
أخي الكريم هل هناك فرق بين السلطان المفوض من جانب أصحابه وعشيرته للحكم بالحق الالهي المقدس وبين فقيه السلطان الذي يدعو أفراد الأمة للاستنعاج.. أليس كلاهما يدعو للاستنعاج؟؟
شكرا وإلى لقاء
في البداية يجب النظر بحذر شديد إلى كل ما جاء في تراثنا الأصفر ,فاستخلاص الحقيقة منه كالبحث عن إبرة في كومة قش , فصحيحه أدنى بكثير من باطله ,فتراثنا أخلاط من روايات القصاص الذين اصطنعهم السلاطين بدءا من معاوية وأدوا نفس الأدوار التي تؤديها الآن وسائل الإعلام العميلة ,فوجب النظر إليه بريبة .أما عن درة عمر فأتخيلها في يده (كالمنشة) التي يحملها أهلنا في الأرياف لطرد الذباب أو حتى من باب العادة أو حتى الوجاهة ولا تستخدم في الضرب كالنبوت ,أما التمييز بين المسلمين (عرب وموالي) فلم يعرفها أحد قبل الدولة الأموية .أما التفويض الإلهي فهو أرخص وأشهر الوسائل لسلب السلطة الإلهية ليتمكن بها الحكام من تسيير المحكومين كيفما أرادوا ,وهذا التفويض استغله الفراعنة وملوك أوروبا ورجال الكنيسة في العصور الوسطى وربما تناولته بمزيد من الإفاضة في مقال مستقل .
الحقيقة أن مقالات الأستاذ نبيل هلال تشدني إلى القراءة لهو للمصلح الذي يغلف تجربته الإصلاحية بقالب طريف ، وقد أعجبني وصفك للإنسان الذي قفل : " أن طول انطباق الفم يورث الخُلوف (رائحة الفم الكريهة), كذلك فإن تكميم أفواه الناس يورثهم الجبن والعجز " فقد كان التشبيه شديد الدقة ، فمن تعود على عدم الحرية يرى صعوبة ب ، بل يصبح طبعفيه : الجبن والعجز " فهل نننتظر طويلا حتى تشفى هذه النفوس والزمن كفيل ،أم علاج المضادات الحيوية يكفي ، أم لابد من اختراع علاج سريع لهم . دمت بخير والسلام عليكم .
شكرا أختنا الفاضلة على مرورك على المقال ,العجز والجبن والتخاذل داء عضال لا علاج له ,نسأل الله القدير أن يبرئ كل مصاب به . شكرا
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - الأنوناكي- ج14
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - عربة حزقيال - ج13
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - سلالة الآلهة- ج12
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - هذا ما تقوله الأساطير - ج11
دعوة للتبرع
عقاب الشواذ: يتعرض الشوا ذ لعقوب ة السجن واحيا نا القتل...
السّر فى القرآن : مامعن ى ( السّر ) الذى فى القرآ ن الكري م فى...
بين العفو والغيظ : هناك آيات تأمر بالعف و والصف ح والغف ران ...
الاحتكار جريمة : ما رايك فى احتكا ر السلع ة عن طريق تاجر أو عن...
وهما فى الغار: في قراءت ي لكتاب المسك وت عنه من تاريخ...
more
أخي الحبيب نبيل هلال،
كل عام وأنتَ بألف خير، وتمنياتي لكَ بعام جديد سعيد يقل فيه الاستنعاج، والاستجحاش والاسترناب والاستفران والاستلحاء ( والأخيرة كلمة من اختراعي وتعني الحُكم على الفرد وفقاً لطول لحيته)!
الذي لا يعرفه الدكتور أحمد صبحي منصور والاخوة والأخوات في موقع ( أهل القرآن ) أن بيننا صداقة عميقة تكاد تتفوق على صلة الرحم، وتمتد لــ 53 عاماً، وأنني أول من قرأ محاولتك الأولى لكتابة قصة وكان ذلك منذ 48 عاماً، أليس كذلك؟
لا أريد أن أحرق بقية الحكاية لأنها ستأتي لاحقاً بإذن الله في مقال منفصل يتخمر في ذهني على نار هادئة، وينتظر فقط الإشارة الخضراء عندما توافق منطقة الذاكرة على طلب مشترك من القلم والعقل والقلب فتتحرك الأنامل لتستدعي ذكريات ومشاهد وفصولا من حكاية العمر!
شهادتي في كتاباتك مجروحة، وما أريد قوله لقارئيك الكرام بأنهم محظوظون بالاستمتاع مع سطور كتابات واحد من أفضل من أمسك القلم، وسطــَّرَ نـونــَه، وأحيا ضادَه، وامتلك مهارة الغوّاص الباحث في الدُرِّ الكامن بين صدفات كنوزِ لغتــِنا الجميلة.
تهنئة من قلبي لــ ( أهل القرآن ) ، فنبيل هلال البنا يكتب هنا.
مع محبتي
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج