إسلامك ناقص بتحريمك الموسيقى على أذنيك!

محمد عبد المجيد Ýí 2011-11-27


أراك الآن وقد رفعت حاجبيك دهشة، وضربت كفاً بكف، واستغفرت اللهَ على شبه الشرك، وربما دعوت أن يجعل الله كيدي في نحري، أو دعوت لي بالهداية على ضلال لم يدر بذهنك أن مسلماً يمكن لعقله أن استدعاء هذا التحليل الغريب!


خدعوك فقالوا إن خالق الكون والجمال والطبيعة وزقزقة العصافير، وتغريد البلابل، وتسبيح الطيور بحمده، يــُحـَرّم على أكرم خلقه استخدام معجزة الأذنين لاستقبال معجزة الحنجرة أو عبقرية الأنامل في الموسيقى!
أشفق عليك من صــِدْام مصطنع بين الدين والموسيقى، فأوحى إليك من يرهبونك آناء الليل وأطراف النهار بغضب الله، أن تلك الأنغام الجميلة، الموسيقى والغناء، التي تتسلل إلى الفؤاد فتهزه، ثم تنعشه، ثم تسري قشعريرة في الجسد توقظ أحاسيس جميلة ما كان لها أن تدلف لموطن تليين طباعك إلا عن هذا الطريق.
لو غادر النغم الكون لاصطدمت كواكبه، وانفجرت نيازكه في أرضه، وجفت أحاسيس الإنسان، ولم يعد قادرا على استقبال أي رسالة سماوية تمهد له الطريق للعبادة، فالكتب المقدسة لا يفهمها غير من يقوم أولا بتنظيف وجدانه من التصحر، فيرويه، ويطفئ ظمأه، ثم يبدأ في تلقي الكلمات السامية.
استمع بتأمل إلى شخص حرّم على نفسه الاستمتاع بالموسيقى والغناء وهو يدعو بعد صلاته، أو يختلف مع معارضيه، أو يصدر أحكاماً على مخالفيه، فلن تجد غير الكراهية، والتعصب، وتمنيات بأن يريه الله عجائب قدرته في تعذيب الآخرين بدلا من إنارة طريق الهداية والرحمة لهم.
ستراه يرجم الناس في يقظته ومنامه، في أحلامه وأحكامه، في عداوته وخصومته، فالروح في عاشق النغم تلجأ إلى كل جوانب النفس المضيئة بالحب والتسامح وإيجاد الأعذار للناس لعلها تقنعها أنها لن تغادر صاحبنا قبل أن يعود إلى نداء الطبيعة.
في الإنسان مكان إذا جــَفَّ، تراجعت القدرة على استدعاء الذكريات الجميلة، وازدادت مساحة استقبال الآلام والأحزان واليأس وكراهية الحياة.
إنــه القلب القادر على توطين العبادة والجمال معاً، الدين والنغم، التسامح تجاه الآخرين وتذوق حلاوة الإيمان.
النغم لا يسألك الخبرة ومعرفة اللغة والإلمام بالنوتة الموسيقية، فإذا فتحت له أبواب القلب دخل بهدوء، وقام بعملية إزالة الفيروسات التي تعترض طريقه، وألقى التحية على موطن المشاعر الدينية الشفافة، ولم يلمس أقدس وأجمل وأسمى القيم الإيمانية والعقائدية والخيرية التي يمر عليها.
إذا كنت مسلماً كارهاً للموسيقى، مقتنعاً أن الغناء بكافة أصنافه وأنواعه وأصواته حرام كحرمة الموبقات، والدماء، والأعراض، والاستبداد، فأنت في حاجة ماسة لعلاج نفسي وروحي وعقلي وعصبي، وكلما طالت فترة عداوتك للموسيقى والنغم جدبت نفسك، وتصحرت مشاعرك، وتضاعفت قسوتك، واتسعت الفجوة بينك وبين عباد الله الذين يمشون على الأرض هوناَ، والذين إذا جاءهم نبأ عن ذنب ارتكبه أحد عثروا له في أعماق نفوسهم المتسامحة على سبعين عذراً.
خدعوك فقالوا لك بأن " حديث الروح"و" يا ساكني مطروح جنيـّة في بحركم"و" همسة حائرة"و" لحن الوفاء"و" وسلوا قلبي"و" مصر التي في خاطري"و" يا ليلة العيد آنستينا" هي مزامير الشيطان، وأن العلي العظيم مالك المــُلك العزيز الرحيم يـُحـَرّمها عليك، والحقيقة أنها منظفات لمشاعر الإنسان، فإذا حاول الإيمان الدخول تيسرت له كل سبل الاستقرار في القلب.
إذا وصلت، قولا وفعلا، إلى تلك المرحلة المريضة من كراهية النغم، واعتباره من المــُحـَرّمات، فعليك بالعلاج دون تأخير، فأنت خطــِر على أهلك، وعلى أحبابك، وعلى المجتمع، وعلى زوجتك وأولادك.
إن كل الذين يفجرون أنفسهم في الأبرياء، ويقتلون من لم يؤذهم ببرود أعصاب، ويقومون بتكفير الآخر من أجل كلمة أو جملة أو حديث عابر أو رأي مخالف أو كتاب يسلك طريق العقل في صوابه وأخطائه، سلكوا نفس طريقك المــُعـَبـَّد بالشوك، والذي ينتهي حتماً بإعلان الحرب على الآخرين.
إذا حاولت قطعة موسيقية جميلة أن تخترق أذنيك مصادفة ونفرت منها ومن كل ما يعرفه النغم من أصوات وكلمات وآلات، فلن تجد حلاوة الإيمان ولو أقسم لك أولياؤك، وأرباب معارفك الدينية، ومفسرو الكتب الصفراء لموتى تفصلهم عنك مئات السنوات أن هذا يرضي الله، جلت قدرته وعظمته، فتذكر أن الكون الذي يــُســَبــِّح، يغني أيضا.
النفس المفرَّغة من بهجة استشعار مواطن الجــَمال في النغم والموسيقى والغناء سيكون الإيمان فيها غير سويّ، وتكون الأحكام على الآخرين كأنها مقصلة تعمل جنبا إلى جنب مع قناعة يحسبها المرء دينا، لكنها عبادة أقوال موتىَ لم يتحقق العقل من صحتها، فهو يغيب كلما غاب المرء مع تقديس عنعنات تضر و.. لا تنفع.
إسلامك ناقص إذا دخل قلبــَك نغمٌ ولم يجد فيه مساحة خالية ليضع ذكريات تستدعيها إذا مرَّت بك صورة أو تسللت إلى أنفك رائحة، أو إلى أذنيك أغنية تنقل لك مشهدا عائليا قديما، أو جلسة ســَمــَر مع أصدقاء الطفولة، أو يوم عرس أختك، أو ليلة استيقاظك فجأة لتجد أمك تستمع إليها قبل أن تقوم إلى صلاة الفجر، ثم تتأكد أن غطاء فراشك يغطي جسد فلذة كبدها، ثم تأوي هي إلى فراشها.
إسلامك ناقص وأنت تبحث بلذة مريضة عن كل المحرمات حتى لو كانت وردة حمراء في عيد الحب، أو عزف بيانو يصل إليك خافتاً من نافذة الجيران، أو أغنية لعزة بلبع عن السجون والمعتقلات وظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
استحلفك بالله أن تــُعـَجــِّل في علاج نفسك، وأن تعيد ملء خزان إذا جف وقوده فلن تعرف إلا القسوة والوحشية والبغضاء وفرض سطوتك المستبدة على الآخرين، أو وضع رقبتك تحت سيف مخادعيك.
راقب حياة أيٍّ من زملائك الذين اقتنعوا فجأة بحــُرمة النغم، ودخلوا معركة خاسرة مع الأذنين، وجاهدوا في تحريم كل نغمة موسيقية أو غنائية خشية أن تصل إلى القلب، فستجد في الحقيقة قــَتــَلة ولو لم يقتلوا بعد، ومعتدين حتى بدا أنهم لا يكترثون، وخصوم للحياة في صورة مزيفة لعشاق الآخرة.
تأمل نعمة الله، وتدبر معجزته في مخلوقاته، وتعلــَّم من الطيور، فإذا كانت أول كلمة هي اقرأ، فإن أول لقاء الإنسان بالدنيا بعد سقوطه من بطن أمه هو صراخ جميل يصل إلى الأم والأب نغماً تصغر بجانبه كل أنغام الكون.
لا تصدّقهم فهم يصنعون في أعماقك سيارات مفخخة، وعلى لسانك ســِبـْابا وتكفيرا وكراهية، وفي قلبك منطقة متصحرة يدخلها الإيمان متردداً، ويقيم فيها علىَ مضض، ويهرب منها في أول امتحان للتسامح والحب والرأفة.
إسلامك ناقص ما لم تــُعــِدْ النظر والتدبر والتبصر والتأمل في الكون، والجــَمال، والطبيعة، وأسباب خلق الله، تعالى، لكل حاسة من حواسك المعروفة والزائدة والخفية.
لا تتأخر لئلا تذبل النفس، وتموت الأحاسيس، وتصعد الروح إلى بارئها حتى لو ظننت أنها لا تزال تنفخ فيك الحياة!

تأكد أن المرض لم يستفحل بعد، ولم يصل إلى مرحلة اللاعودة، وإذا كنت تكره الموسيقى والنغم والغناء بكافة صوره فينبغي أن نأخذ حذرنا منك، فأنت خطر علينا جميعاً، وعلى القيم والمباديء والخير ومحبة الآخرين.
قبل أن تلقمني بحجر، قم برحلة إلى أعماقك، إذا كنت كارها للنغم والموسيقى، وستجد أن التصحر لم يستقر في قلبك فقط، لكنه أصاب العقل أيضا!


محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 26 نوفمبر 2011

Taeralshmal@gmail.com

 

اجمالي القراءات 11028

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   نجلاء محمد     في   الأحد ٢٧ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[62382]

عزة بلبع .. مغردة الثورة

(إسلامك ناقص وأنت تبحث بلذة مريضة عن كل المحرمات حتى لو كانت وردة حمراء في عيد الحب، أو عزف بيانو يصل إليك خافتاً من نافذة الجيران، أو أغنية لعزة بلبع عن السجون والمعتقلات وظلم الإنسان لأخيه الإنسان).


ذكرتني هذه الفقرة عن الفنانة عزة بلبع بموقف حدث في ميدان التحرير وقت الثورة الاولى فكانت تشعل حماس الثوار بأغانيها المختارة بعناية وكانت وقتها اعنيةعن الفلاح المصري وكيف سلبوا منه بقرته الحلوب التي تدر عليه اللبن فكانت صورة رمزية جميلة ، ومع جمالها لم تلقي إعجاب بعض الحضور وقاطعوها بقولهم هذا ليس وقت الغناء دعينا من هذا واتركي الفرصة لغيرك للتحدث - فرددنا عليهم بأن الاغاني والموسيقى أكثر تعبيرا من الكلام المسترسل والشعارات فهى تتحدث في لب الموضوع وليس مجرد أغنية والسلام .




سلمت يداك أستاذ / محمد عبد المجيد فالموسيقى هى غذاء الروح ودواء فعَّال للترويح عن النفس ، فمن يبغض الموسيقى والنغم الهادئ - بخلاف الصاخب - يحتاج لعلاج نفسي وسوف يكون العلاج بالموسيقى أيضاً


2   تعليق بواسطة   غالب غنيم     في   الأحد ٢٧ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[62386]

الا سلم فاك مع هديه

وأنصحكم بالمناسبة بسماع :

S.Rachmaninov- Piano concerto no.4 G minor op.40




http://www.youtube.com/watch?v=HPp0nNbiwds


فهو بالفعل يترقرق الى القلوب العطشى




أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-07-05
مقالات منشورة : 571
اجمالي القراءات : 5,911,076
تعليقات له : 543
تعليقات عليه : 1,339
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Norway