القاضي فؤاد راشد::
القضاء والتوريث و عصر المظالم !

فؤاد راشد Ýí 2011-05-29


 

المستشار . فؤاد راشد : القضاء والتوريث و عصر المظالم !

منذ فجر التاريخ قدس المصري القديم العدالة وبلغ الأمر أن كانت لها ” الهة ” هي معت , ولم يكن الأمر بعيدا عن نبات الأخلاق ذاتها كفكرة ومبدأ في أرض مصر قبل نشأة الديانة اليهودية بنحو الفي عام  , وهو ماحدا بالعلامة جيمس بريستد أن يضع أحد أهم الكتب التاريخية في القرن العشرين وهو كتاب ” فجر الضمير ” ومن اللافت ايمان المصري العميق بالبعث والحساب وأنه يوم القيامة يسأل عن جرائم محددة ليقول ” لم أسرق , لم أقتل , لم أكن متكبرا , لم أدع انسانا يموت جوعا , لم أنقص المكيال والميزان  , لم أكذب ولم أضع الكذب مكان الصدق “  !

وفي أعماق وعي المصري علي مدي تاريخه روح متحضرة , تلك الروح التي تجلت في حرب أكتوبر ومعاملة الأسري اليهود كما  تجلت في ميدان التحرير علي نحو أذهل العالم وحدا بالرئيس الأمريكي أن ينصح شباب بلاده ليتعلموا من الشباب المصري , ولم يكن ذلك وليد يوم الثورة بل هو مخزون حضاري هائل داخل قلوب المصريين يستدعي وقت الملمات فتجده حاضرا مبهرا .

ولقد درج المصري علي احترام القاضي احتراما ذا  خصوصية تعطي القضاء مايمكن أن يكون مسحة قدسية , وللأمر بعده الديني فضلا عن بعده  الحضاري والتاريخي , لأن كلمة القاضي هي العدل ولأن نزاهة القاضي وتجرده أمر مسلم  يردده الجميع , ولكثرة ماسمعت جملة ( القاضي نزيه ) في طفولتي  صرت كلما سمعت كلمة ” نزيه ” لا أتصورها الا بحضور كلمة القاضي لكثرة اقترانهما .

ومن فضل الله علي أرض الكنانة أن قلعة القضاء عزت علي محاولات نظام مبارك  افسادها ترغيبا وترهيبا , وبقيت  عزيزة شامخة  .

وفي الامكان أن نسمي عصر مبارك بضمير مرتاح  ” عصر المظالم ” لأن  كل  كارثة ارتكبها وراءها مظالم من بيع القطاع العام الي سلب مال الناس وحرياتهم الي اطلاق يد الأمن عليهم لترويعهم الي اهدار كرامة المصري علي أرضه وخارج أرضه .

وكان من سوء الحظ أن مبارك  ومنذ ظهور ولده علي الساحة متربصا متحفزا لانتهاز فرصة القفز علي أنفاس المصريين , صار هاجس مبارك الأب  ومحرك سياسة الدولة خارجيا وداخليا هو توريث ولده الحكم ,  فكان الانسحاق أمام الولايات المتحدة واسرائيل لمباركة المشروع , وكان السعي في الداخل لاشاعة مناخ التوريث ضمن ثقافة المصريين ليصبح جزءا كامنا في اللاوعي يؤتي أثره علي نحو تلقائي ,  وظهرت بقوة فكرة ” أبناء العاملين ” في كل مصلحة حكومية ليكون ابن موظف الكهرباء موظفا بها وابن موظف المحكمة موظفا بها وابن الضابط ضابطا وابن القاضي قاضيا , حتي اذا حانت لحظة التوريث كانت  الغالبية مشبعة بالفكرة لا من خلال اقناع قولي وانما بمنطق واقع علي الأرض  , والا ففيم غضب الضابط ابن الضابط مثلا  علي الرئيس ابن الرئيس وكلاهما جلس حيث يجلس من خلال أبيه .

واقترنت سياسة توريت الوظائف بنكبة أخري هي  شيوع الوساطة والمحسوبية وهو ما أشاع جوا من عدم الثقة ومناخا ملائما لاطلاق كل صنوف الشائعات دون أن يكون أحد معنيا بالتحقق من صدقها أو كذبها , وكانت بعض تلك الشائعات تتردد كأنها الحق المبين  لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه كشائعة أسعار الوظائف العامة متدرجة وبالأرقام صعودا وهبوطا بعائد الوظيفة المالي والاجتماعي  , فاذا أضفنا لكل ذلك أن بعض المناصب تحتاج بالفعل تدقيقا اضافيا حول ” أهلية ” المرشح الأخلاقية  , وهو تدقيق جري التوسع فيه بادخال الأهلية العائلية لينحي  – بحق وبغير حق – بعض أهل الكفاءة العلمية مهما علت أسهمهم  لحساب أهل الكفاءة العائلية مهما تدنت الكفاءة الشخصية للمرشح  , ولم تكن هناك جهة لم يقتحمها هذا المنطق الكارثي  , سواء القضاء أو الشرطة أو الخارجية أو غيرها , فماجري في نطاق الوظائف العادية جري مثله وأسوأ منه في نطاق الوظائف الأكثر اثارة للطموح  , وهو ما انتهي في آخر المطاف الي انهيار الثقة العامة في سلامة قواعد الاختيار وامتد الغضب الي  القضاء قلعة المصريين التليدة ومحرابهم المقدس عبر تاريخهم الطويل ! وراحت سهام ذلك  الغضب تطلق تجاه القضاء علي نحو لم تعتده مصر ولا اعتاده القضاة وهم جزء من نسيج الوطن ومحط آماله في اقامة العدل سيما في مرحلة تحتاج مصر فيها أكثر ماتحتاج الي عدل يقيمه القضاة محميين  بثقة أهلهم  ودعمهم .

ولايجادل الا مكابر أن ظلما   مفجعا حاق بالكثيرين جراء سياسات التوريث تلك التي تبناها مبارك الكامن وراء كل مصيبة  ,  ولنا أن نتخيل طالبا حاصلا علي تسع وتسعين بالمائة في الثانوية العامة يحرم الالتحاق بكلية الشرطة لأن والده فلاح أو موظف  بينما يصبح ضابطا زميله في الفصل الحاصل علي ستين بالمائة لأن والده صاحب منصب أو جاه  , وحال الخريج الحاصل علي تقدير عام جيد جدا في كلية الحقوق ولايعين بالقضاء ليخلي مكانه لابن أحد  الكبار فقير الكفاءة !

ولابد أن نسلم أنه ليس كل أبناء الكبار ضعاف الكفاءة , فذلك قول يجافي الواقع الذي يشهد بأن الكفاءة لاتقف عند باب دون باب , وكثير من الضباط أبناء الضباط مثلا  هم أوائل الخريجين , وكثير من أبناء القضاة هم أوائل دفعاتهم وهو نفس الحال في كل موقع  ,  وتلك أمور يعلمها الكافة , ولكن لابد أن نسلم أيضا  أنه علي امتداد مصر كلها جلس أناس حيث لم تؤهلهم قدراتهم وان أهلتهم قدرات ذويهم  , ونحي أناس – ظلما وقهرا –   عن أماكن يستحقونها لأن مؤهلاتهم لم تكن كافية في غياب مؤهلات ذويهم  ! وفي الحالين فان الخاسر الأكبر هي مصر نفسها حيث يوسد الأمر في النهاية غير أهله !

ان مايثار حول القضاء والشرطة والخارجية وغيرها يثار أضعافه حول الكليات العملية خاصة  الطب , وماينشر ان صح عشر معشاره فاننا نكون أمام مجتمع تتهاوي أركانه ,  حيث يسير ابن الأستاذ  في وسط دفعته وربما في ذيلها  ثم فجأة وعلي حين غرة يتقدم مركزه ليصبح بالنهاية أحد الأوائل , وامتحانات الشفوي ومايجري بها هي جزء من سياق موضوعنا .

لقد دفعت مصر دم الأحرار ثمنا للكرامة والعدل والحرية  , و  لابد من وضع ضوابط صارمة كي ينال كل انسان حقه بقدر جهده وكفاءته لا كفاءة أهله سواء كان ذلك في القضاء أو الشرطة أو الجامعات  أو أية جهة أخري  , فقد أهلك الذين كانوا قبلنا ترك الشريف ان سرق واقامة الحد علي الضعيف , ونحن نريد الا يهلكنا نفس المنطق مع اختلاف في التفاصيل !

اجمالي القراءات 8246

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الإثنين ٣٠ - مايو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[58132]

ومن أين البداية

القال  يضع النقاط فوق الحروف ، المشكلة  إن النقاط ملت من  كثرة الحروف ،  والحروف ملت من حديث النقاط ، وكل يبكي على ليلاه  ، ، ولكن بودي  أن أسأل : من أين نبدأ   ؟ إن الكتاب والمفكرين يكتبون ويكتبون ..   فهل من مجيب ؟! إن الإصلاح لابد أن يبدأ بخطا سريعة لكن واثقة وقوية ، ذات قبضة حديدية لكن  تسمح بإبداء الرأي ، إن هذا لا يتأتى إلا بوضع دستور جديد جيد ، وهذه هي البداية الحقيقية ،  لا البرلمان ولا الرئيس ، فنحن لابد أن نستفيد مما حدث قبل ذلك ، فلا نضع أنفسنا تحت رحمة رئيس مهما كان ،ولا ننتظر برلمان أولا يضع دستور بالطريقة السابقة بأغلبيتها وإجماعها !!  فالشعب ليس أخرق بل  يستطيع التمييز بين مواد  الدستور ، أيها أفضل ؟  وإذا عجزنا  عن وضع دستور مصري  ،وأعيتنا الحيل ، فما المانع أن نسير على الدستور الدولي  ، ولا أظن أن به اختلافات كثيرة  تحتاج إلى تعدبل  نعجز عنها ويعجز عنها فقهاؤه !!.


2   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الإثنين ٣٠ - مايو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[58133]

ومن أين البداية

القال  يضع النقاط فوق الحروف ، المشكلة  إن النقاط ملت من  كثرة الحروف ،  والحروف ملت من حديث النقاط ، وكل يبكي على ليلاه  ، ، ولكن بودي  أن أسأل : من أين نبدأ   ؟ إن الكتاب والمفكرين يكتبون ويكتبون ..   فهل من مجيب ؟! إن الإصلاح لابد أن يبدأ بخطا سريعة لكن واثقة وقوية ، ذات قبضة حديدية لكن  تسمح بإبداء الرأي ، إن هذا لا يتأتى إلا بوضع دستور جديد جيد ، وهذه هي البداية الحقيقية ،  لا البرلمان ولا الرئيس ، فنحن لابد أن نستفيد مما حدث قبل ذلك ، فلا نضع أنفسنا تحت رحمة رئيس مهما كان ،ولا ننتظر برلمان أولا يضع دستور بالطريقة السابقة بأغلبيتها وإجماعها !!  فالشعب ليس أخرق بل  يستطيع التمييز بين مواد  الدستور ، أيها أفضل ؟  وإذا عجزنا  عن وضع دستور مصري  ،وأعيتنا الحيل ، فما المانع أن نسير على الدستور الدولي  ، ولا أظن أن به اختلافات كثيرة  تحتاج إلى تعدبل  نعجز عنها ويعجز عنها فقهاؤه !!.


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-03-30
مقالات منشورة : 13
اجمالي القراءات : 118,419
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 6
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt