كثرت اللمم (الذنوب الصغيرة) هذه الأيام سواء عن قصد أو دون قصد ، و لكل شخص تجربته اليومية في لمّ اللمم ، في هذا المقال و بلا فخر و لا غرور هي قصة يوم عادي في حياة مواطن عربي و أتمنى منكم كتابة أي تجارب أخرى قد مررتم بها.
طلب المواطن اجازة من العمل كانت بدايتها بعد حوالي شهر من ذاك اليوم و هو حقه المشروع (في العقد الذي تراضى عليه مع المسئول عن العمل) و لكن على ما يبدو فأن هذا الشيء يعطي مبرر لاستعباده من قبل الشركة..
بدأ ذلك النهار بجرس الهاتف يرن فصحى من النوم خائفا مذعورا و كأن قنبلة قد انفجرت في البيت، رد على الهاتف فاذا به المدير (سامحه الله) يخبره بأن عليه المجيء فورا الى مكان العمل (مع أن دوامه كان دواما ليليا في اليوم السابق و كان هذا اليوم يفترض بأنه اجازة) أي كان تعبانا من العمل طيلة الليل فوضح ذلك للمدير، و لكن المدير قال له جملة جعلت المواطن يركض مسرعا الى هناك، لم تكن الجملة وعد بأن العمل الاضافي له أجر زيادة ( حاشا لله أن يفعلوا ذلك) و لكنه ذهب لأن المدير ذكره بالاجازة التي طلبها (و ما طلب الاجازة الا لأنه اشتاق لعائلته) ، أي عندما أغلق سماعة الهاتف بدأ يلمّ لمم (صباحية) و لكل طريقته في اللم ، طريقته في اللم كانت الشتم القلبي لذاك الرجل الذي لا يعاملك كرجل مثله و لكنه يستعبدك و يعاملك كعبيد.
عموما ذهب و كان نصف نائم و المشكلة أنه عليه التعامل مع مواطنين عرب (سعداء مثله)، أي أن كلا منهم يقابله بابتسامة و لكنها مقلوبة ، فيسمع شتيمة من هنا و أخرى من هناك و عليه دائما الابتسام (بطريقة صحيحة) مع أن قلبه في الداخل يلمّ.
بعد انتهاء الدوام كان عليه دفع فاتورة الهاتف و الا لقطعوا (الهاتف لا الرقبة) فذهب الى مركز الاتصالات، دخل الى مركز الاستعلامات ليسأل (يستعلم) و لكن الأخت الفاضلة (التي المفروض منها أن تعلمك) تتكلم على الهاتف مع شخص (ان بعض الظن اثم) و رآها مبتسمة ابتسامة لكأن شفتاها ستنشق مما سيمكنك من رؤية الجمجمة ، و لكن سبحان مغير الأحوال عندما تنتهي مكالمتها (بعد طول انتظار) تتغير هذه الابتسامة الى أخرى مقلوبة لتقول له نعم (ليس بطريقة حنونة كما كانت تتحدث على الهاتف) فعندما استعلم جاوبته بالاشارة فقط كأنها خسرت القدرة على النطق ، أي أنه انتظر حوالي ثلث ساعة ليأخذ اشارة فقط (فلمّ) و مشي ، وصل الى مكان دفع الفاتورة فرأى الأخ المناضل يشرب الشاي ، مع انه على حسب علمي أن الشاي يجعل مزاجك رايق الا أنه لم يعط مفعوله مع هذا الشخص على ما يبدو،قال المواطن له أخي الكريم أريد أن أدفع الفاتورة فأجابه ألم تر ماذا أفعل (و كأنه يخترع ذرة)، عموما انتظر المواطن حتى شرب الأخ الشاي بالهناء و الشفاء و عند مجيء ساعة الفرج (الانتهاء من الشاي) ذهب له مرة أخرى فرآه قد انتهى من اختراع الذرة و لكنه يتحدث مع زميل له ، ناداه المواطن فلم يرد عليه، عموما بعد أن أشفق عليه طلب منه الفاتورة، أعطاه الفاتورة فرآه المواطن ينظر اليها باستغراب و كأنه أول مرة يرى ورقة مطبوعة ، يدقق بها بشدة ويستمخ كأن بها صور خليعة ، عموما بعد فحصها و محصها أتته الاجابة (الصفعة) بأن الجهاز لا يعمل و أن عليه أن يأتي غدا ،خرج يلمّ و يلمّ و لا يدري هل يبكي أو يضحك.
بعد المعاناة من أجل دفع فاتورة الهاتف (مع انه لم يدفعها) يكون الوقت قد حان للاستراحة و مشاهدة التلفاز ، فتح قناة الاخبار فشاهد كلام السياسيين عن محاربة الفساد (مع انهم أم الفساد) فلملم كم كبير من اللمم بعد سماع هذا الخبر (أي لا يكفي أن الساسة فلسوه من المال بسبب محاربتهم للفساد بل يفلسوه من حسناته أيضا) ، شاهد حال العراق و الساسة متفرجون ، شاهد الفيتو الأمريكي ضد ادانة (و الله ادنة فقط) المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، فلمّ و لمّ و لمّ ، فغير ليستمع للأغاني لعله يستريح من كل هذا الهراء الذي سمعه ، فسمع هراء أفظع فمثلا سمع أغنية تأمره بوضع النقط على الحروف (كأن المغنية هي سيبويه) و لم بالنظر اليها لما (مسائيا) و تأتي الأغنية التالية ليسمع بها لفظ الجلالة ينطق مع هز في الأفخاذ مقداره 6 على مقياس ريختر ، فقال يلعن أبو التلفاز (لمّ) و أغلقه.
احتار هذا المواطن ماذا يفعل حتى يرتاح (نفسيا) فقرر أن يتصفح الانترنت ليشاهد المنتديات الاسلامية الحوارية ليرى الاجتهادات و النقاشات الجميلة حول الموضوعات ، تأتي الرياح بم لا تشتهي السفن لأن ما شاهده في تلك المنتديات هو عبارة عن حرب ضروس مشتعلة بين أهل السنة و أهل الشيعة، حرب ضروس كل (فسطاط) فيها له أسلحته الخاصة ، من أحد أهم أسلحة أهل السنة الصواريخ بعيدة المدى من طراز بخاري التي تحتوي على المادة المتفجرة الآتية : عنعنات – روايات و من أهم أنواعها روايات أبي هريرة ، يصل مدى صاروخ بخاري الى شتم و قدح و ذم في أهل البيت بل و التدخل في خصوصياتهم أيضا و رفع في قيمة معاوية و معاونيه ، أما من أهم أسلحة أهل الشيعة روايات المهدي و أبي ذرة الغفاري التي (على الأقل) ترفع من قيمة أهل البيت و تقدح معاوية و معاونيه و بعض الصحابة أحيانا، احتار هذا المواطن المسكين فهو يرى الفسطاطين يعنعنون و كلا منهم يكذب عنعنة الآخر ، و المشكلة أن كلا من الفسطاطين يأتي بأدلة صحيحة تفند عنعنات الفسطاط الآخر، بل و المشكلة الكبيرة أنهم لو تجادلوا بالقرآن (الذي رموه وراء ظهورهم) لخرس الفسطاطان سريعا بل لاختفت جميع الفساطيط الاسلامية بمجرد قراءة هذه الآية الكريمة:
((ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء انما امرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون)) الأنعام الآية 159
عموما لملم هذا المواطن بعض اللمم نتيجة ما قرأه و قرر أن يغير هذا النوع من المنتديات ليذهب الى منتدى آخر ليرى أن صاروخ بخاري يصل مداه أيضا الى البورنو لأنه لو قرأ أحد مخرجي أفلام البورنو تلك الأحاديث (التي يسموها وحي) لأعلن المخرج اعتزاله العمل (الفني) ، عموما حديث لم يدخل رأس هذا المواطن المسكين الذي فيه أن عائشة أرادت أن تري الناس كيف تطهر ذلك الشيء فوضعت حجاب بينها و بينهم و بدأت تتطهر،فاذا وضعت حجاب بينها و بينهم فما الذي استفادوه (رأوه) أي كيف سيرون كيفية التطهر؟
لا حول و لا قوة الا بالله و اعتذر عن بذاءة الألفاظ و لكنه واقع لا يمكن نكرانه ، عموما نعود الى ذلك المواطن المسكين الذي قرر بعد أن لملم فيما تخيله من تلك الأحاديث (لهو الحديث) أن يغلق الجهاز و قرر أن يخلد الى النوم و لكنه فكر بقراءة القرآن (أحسن الحديث) قبل النوم فوجد الآيات الكريمة الآتية
((يا ايها الذين امنوا استعينوا بالصبر والصلاة ان الله مع الصابرين)) البقرة الآية 153
((قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ،الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)) آل عمران الآيات 15-16-17
((وانك لعلى خلق عظيم)) القلم الآية 4
((يا ايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون)) الحجرات الآية 11
فتعلم أنه يجب أن يصبر و يجب أن يكون حسن الخلق و تعلم أنه أخطأ كثيرا عندما كان يلم اللمم فقرر أن يتقي الله و يستغفره ، فارتاح ضميره و نام.
من المؤكد أن الكثير مر بأحداث مشابهة لأحداث هذه القصة و ما أردته من سردها أن نتذكر أن نستغفر الله دائما حتى لا نخسر أعمالنا نتيجة ذنوب بسيطة أصبحت حياتنا اليومية سواء شئنا أم أبينا تكسبنا اياها. لنقرأ معا هذه الآية الكريمة:
((الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم ان ربك واسع المغفرة هو اعلم بكم اذ انشاكم من الارض واذ انتم اجنة في بطون امهاتكم فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى)) النجم الآية 32
فنصيحة بعد قراءة هذا المقال أوجها لنفسي أولا و لكم جميعا أن نتقي الله و نستغفره دائما.
استغفروا الله بعد قراءة هذا المقال، و دائما ادعوه و اشكوه همومكم.
((والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)) آل عمران الآية 135
اجمالي القراءات
25445