آحمد صبحي منصور Ýí 2010-07-07
أولا :مقدمة
1 ـ فى كتابنا ( الصلاة فى القرآن الكريم ) ( الجزء الأول )المنشور على موقعنا (أهل القرآن ) ومواقع أخرى أهمها (الحوار المتمدن ) أثبتنا أن الصلاة التى نعرفها اليوم هى أهم معالم ملة ابراهيم المتوارثة ، وقد أمر الله جل وعلا خاتم المرسلين باتباع ملة ابراهيم ( حنيفا ) أى اخلاص العبادات كلها لله جل وعلا وحده من صلاة وصيام وحج وصدقات ، وقلنا أن العبادات فى الاسلام هى وسائل للتقوى ، وأن مراعاة التقوى فى الصلاة وتقديم الصدقات لم يكن معروفا لدى العرب فى الجاهلية ، لذÇedil; نزل القرآن لا يأمر بأداء الصلاة ، لأنهم كانوا يؤدون نفس الصلوات الخمس التى نعرفها ولكن مع الانحلال الخلقى و الظلم والاعتداء والتجارة بالدين وتقديس الأولياء ، بل يأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بمعنى أن تكون الصلاة والصدقات وسائل للتقوى وحسن الخلق و خشية الله جل وعلا بالغيب .
2 ـ ونحن فى التدين السطحى نكرر ما كان الجاهليون يفعلون ، نؤدى الصلاة ولكن لا نقيم الصلاة بالخشوع أثناءها وبالتقوى وسمو الخلق فيما بين الصلاة و الصلاة ، نسينا أن وظيفة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر . ونحن نعتبر تأدية الصلاة ليس وسيلة للتقوى والتطهر وحسن الخلق ، ولكن نعتبرها هدفا فى حد ذاتها ،اى طالما تصلى فليس عليك بعدها وزر مهما فعلت ،فأصبحت الصلاة مجرد حركات مظهرية سطحية للرياء ، بل وأصبحت مشجعا على الانحراف فطالما تصلى فأنت مغفور لك مهما عصيت ومهما ظلمت الناس ، بل من حقك وأنت تتحلّى بزبيبة الصلاة فى وجهك أن تتسيد على الناس بالدين بل أن تطمح لتركب ظهورهم باسم الدين .
هذا هو مافعلناه بشعيرة الصلاة ..أفرغناها من محتواها العقيدى بوقوعنا فى تقديس الأولياء والأئمة الأحياء والموتى كما يفعل الشيعة والصوفية ، وأفرغناها من محتواها الأخلاقى حين جعلناها وسيلة ليس للتقوى ولكن لسوء الخلق .
3 ـوعلى هامش الصلاة تلاعب المسلمون بالمناداة للصلاة ـ أو ما يطلق عليه الأذان للصلاة . لحقه التغيير والابتداع والتحوير. والجزء الثانى من كتابنا ( الصلاة فى القرآن الكريم ) وهو لم ينشر بعد ـ يقدم عرضا تاريخيا لكيفية تأدية المسلمين للصلاة ، وفيه فصل موثق تاريخيا يرصد ملامح التغيير والتحوير فى ( الأذان ) .
ثانيا : ونعطى هنا لمحة قرآنية عن الموضوع :
1 ـ وهذا التلاعب بدأ فى عهد خاتم المرسلين عليه وعليهم السلام ، فحين كان ينادى للصلاة كان بعض المنافقين يسخرون ويستهزئون بالأذان أوالإعلام بدخول وقت الصلاة . يقول جل وعلا :( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ )( المائدة 58 ).
2 ـ ويبدأ الآذان بتكبير الله تعالى (الله أكبر) المؤكدة لعقيدة الاسلام فى أنه لا اله الا الله .
وشرح (الله أكبر ) وصلتها بالصلاة ومخالفة المسلمين لمعناها يحتاج الى مجلدات.
وبعد ( الله أكبر ) تأتى تؤكدها شهادة الإسلام ( لا اله إلا الله ).
ثم الدعوة للصلاة (حىّ على الصلاة ) التى يجب أن تقام لذكر الله وحده وتقديسه وحده وتعظيمه وحده والتسبيح بحمده وحده ، فذلك هو محتوى ومضمون الصلاة لله جل وعلا رب العالمين :(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ( طه 14).
والذى يقيم هذه الصلاة فى قلبه خشوعا وهو يصلى ، ثم يقيمها فى سلوكه سموا فى الخلق يستحق الفلاح ، لذا يقال فى الأذان ( حىّ على الفلاح ) أى دعوة للفلاح ليكون المؤمن ضمن المؤمنين المفلحين الذين وردت صفاتهم فى مطلع سورة ( المؤمنون )،
وياليت المسلمين يتدبرون هذه الآيات ويطبقونها ليعرفوا معنى اقامة الصلاة والمحافظة عليها ، حتى لا يكونوا من المؤمنين غير المفلحين.
ويختتم الأذان باعادة التكبير(الله أكبر ) للتأكيد على نفس المعنى ، وأنه لا إله إلا الله.
تلك هى صيغة الأذان الشرعية التى تتناسب مع النداء الاسلامى ( الله أكبر) التى تعنى أن الله تعالى (أكبر) لأنه الخالق وحده ،وأنه أكبر من أن يوضع الى جانب اسمه الكريم أى إسم لأى مخلوق من مخلوقاته ، لأن ماعداه من مخلوقات هى بالنسبة إليه (أصغر) ويحرم أن يذكر (الأصغر ) إلى جانب (الأكبر ) سبحانه وتعالى.
3 ـ هذا ما كان عليه النداء فى حياة النبى عليه السلام . لم يكن فيه ذكر لغير الله جل وعلا ، ولم يكن إسمه عليه السلام يرتفع فى الأذان وفى الدعاء للصلاة .
ولكن بدأت تظهرعقائد الشرك وتقديس البشر منذ القرن الثالث الهجرى بتقديس وعبادة النبى محمد وجعله شريكا لله جل وعلا فى شهادة الاسلام:
3 / 1 : فلم يعد يكفى أن تقول فى شهادة الاسلام ( لا اله إلا الله) وفق التشهد الاسلامى ، بل لا بد أن تذكر محمدا الى جانب رب العزة ، وترتفع به الى منزلة المساواة مع الله جل وعلا، وتقع فى جريمة تفضيله على بقية الأنبياء والمرسلين والتفريق بين الله جل وعلا ورسله ، وتلك من أبرز علامات الشرك والكفر طبقا للقرآن الكريم ( البقرة 136 ، 285 : 286 ) ( آل عمران 84) ( النساء 150 : 152)( الأحقاف 9 ).
3 / 2 : ولم يعد يكفى ان تحج لله تعالى وحده فى البيت الحرم بل جعلوا للنبى محمد حرما هو المدينة ، وأصبح الحج للكعبة مقترنا بالحج الى ما جعلوه قبرا للنبى ،وأحاطوه بالأساطير والخرافات ، ولم يسأل أحدهم نفسه: لو كان هذا من الاسلام فهل كان النبى يحج الى قبره ؟ وهل كان يفعل ذلك الخلفاء الراشدون ؟
3 / 3 : ولم يعد يكفى أن تصلى لله تعالى وحده بل يجب ان يكون لمحمد وغيره نصيب فى صلاتك ، ليس فقط فى أن تصلى ( سنة ) للنبى ، ولكن أيضا فى داخل الصلوات الخمس المكتوبة استبدلوا التشهد الاسلامى القرآنى : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( آل عمران 18 ) بما يعرف بالتحيات التى تحتوى على أكثر من عشر صيغ مختلفة ينسبونها لعممر والسيدة عائشة وغيرهما اعترافا منهم بأنها لم تكن معروفة فى عهد النبوة.
3 / 4 : وبالتالى لم يأبه المسلمون بمعنى ( الله أكبر ) فى الأذان ، لأن الله جل وعلا لم يعد هو الأكبر فى عقيدتهم ، بل تحتم تعظيم النبى محمد فى الأذان للصلاة ، ليكون محمد شريكا لرب العزة الخالق جل وعلا فى الصلاة والأذان معا.
3 / 5 : واستتبع تقديس النبى محمد وعبادته أن يضاف الى قائمة التقديس أولياء الصوفية وأئمة الشيعة ، فاتسعت لهم عبادات المسلمين بالحج الى قبورهم والاستغاثة بهم وطلب المدد والعون منهم ، وذكرهم فى الصلاة والأذان .
وبالتالى فان التقديس لله جل وعلا ـ والمفروض أن يكون لله جل وعلا وحده خالصا بنسبة مائة فى المائة ـ قد تضاءل باتساع مساحة التقديس للبشر من الأنبياء والأئمة والأولياء ، بحيث انهم لا يتخيلون تقديسا لله جل وعلا وحده ، وبحيث أنهم يهاجمونك لو دعوتهم للاستغاثة والتوسل بالله وحده دون جاه النبى أو جاه الولى ،أو دعوتهم لأن يقرءوا الفاتحة لله تعالى وحده دون (الفاتحة للنبى ) .
ويوم القيامة وهم فى النار يرجون الخروج منها سيقال لهم :(ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) ( غافرـ 12 ).
ثالثا :ونعطى هنا لمحة تاريخية عن التغيير فى (الأذان للصلاة ) من خلال (الخطط المقريزية )
1 ـ نقل المقريزى فى الخطط ما ذكره المؤرخون السابقون عن تاريخ العمران المصرى
وبعض مظاهر الحياة داخله ، وتعرض للأذان فى فصل خاص ، ومنه نفهم أن الابتداع فى الأذان ارتبط باقامة مآذن يرتفع فيها الأذان للصلاة .
وننقل منه ما يخص موضوعنا عن التغيير فى الأذان .
1 / 1 : ينقل المقريزى : ( قال أبو الخير: حدثني أبو مسلم وكان مؤذنًا لعمرو بن العاص أنالأذان كان أوله لاإله إلا الله وآخره لاإله إلا الله وكان أبو مسلم يوصي بذلك حتىمات ويقول هكذا كان الأذان( أى فى عهد عمرو بن العاص لم يكن يقال فى الأذان ( أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ) بل تقال شهادة التوحيد الاسلامية ،اى الشهادة الواحدة بأنه لا اله إلا الله ، وبها يكون الايمان بكل الرسل والأنبياء دون تفرقة بينهم أو تفضيل لواحد على الآخر طبقا لعقيدة الاسلام.
وظل الأذان بمصر كما هو فى المدينة ،ينقل المقريزى : (وكان الأذان أولًا بمصر كأذان أهلالمدينة وهو الله أكبر الله أكبر وباقية كما هو اليوم ، فلم يزل الأمر بمصر على ذلكفي جامع عمرو بالفسطاط وفي جامع العسكر وفي جامع أحمد بن طولون وبقية المساجد ).
1 / 2 : ثم حدث أول تغيير مشهور فى الأذان فى الدولة الفاطمية الشيعية التى أنشأت القاهرة و الجامع الأزهر، يقول عن الابتداع الشيعى الفاطمى : (إلىأن قدم القائد جوهر بجيوش المعز لدين الله وبني القاهرة ، فلما كان في يوم الجمعةالثامن من جمادي الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة صلى القائد جوهر الجمعة في جامعأحمد بن طولون ..وأذنالمؤذن حي على خير العمل وهو أول ما أذن به بمصر ... ثمأذن بحي على خير العمل في سائر مساجد العسكر إلى حدود مسجد عبد الله.. فلم يزل الأمر على ذلك طول مدةالخلفاء الفاطميين. ).
1 / 3 : ولكن الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله المشهور بتقلبه و حماقاته وإدّعائه الالوهية تلاعب أيضا بالأذان ، ينقل المقريزى (.. إلا أن الحاكم بأمر الله سنة أربعمائة أمر بجمع مؤذني القصروسائر الجوامع وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي وقرأ
أبو العباسي سجلًا فيهالأمر بترك حي على خير العمل في الأذان ، وأن يقال في صلاة الصبح "الصلاة خير من النوم"،وأن يكون ذلك من مؤذني القصر عند قولهم : السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله ، فامتثلذلك.) أى أن قولهم ( الصلاة خير من النوم فى أذان الفجر من اختراعات الحاكم بأمر الله الفاطمى .!.
1 / 4 : وبعد موت الحاكم عاد الأذان الشيعى لما كان عليه سنة 401 ، ينقل المقريزى : ( ثم عاد المؤذنون إلى قول "حي على خير العمل " في ربيع الآخر سنة إحدىوأربعمائة )
4 / 5 : ثم استحدث الفاطميون تغييرات وزيادات أخرى عام 405 ، يقول المقريزى :(ومنع في سنة خمس وأربعمائة مؤذني جامع القاهرة ومؤذني القصر من قولهم بعدالأذان "السلام على أمير المؤمنين "، وأمرهم أن يقولوا بعد الأذان .:" الصلاة رحمك الله ".!) .
2ـ على أن ما فعله الفاطميون كان امتدادا للاستغلال السياسى للمساجد والصلاة وخطبة الجمعة ، وهذا موضوع شرحه يطول ، ونعطى منه بعض لمحات: .
2 / 1 :فقد سبق الأمويون بجعل لعن (على بن ابى طالب ) أحد شعائر خطبة الجمعة وصلاة يوم الجمعة ، وظل ذلك ساريا الى أن دمر العباسيون الدولة الأموية وأقاموا مكانها خلافة ودولة دينية لا تحكم بمنطق القوة وثقافة القبيلة العربية كشأن الأمويين ولكن بشعائر الدولة الدينية التى يزعم الحاكم فيها أنه يستمد سلطته من الله جل وعلا ، وأنه الراعى وأن الناس رعية له كالأنعام يملكها ويستعلها كيف يشاء.
والعصر العباسى هو الذى شهد التأطير للدولة الدينية ، وفى ظلال هذا التأطير والتقعيد للحكم الملكى المقدس جرى تدوين التراث ، وتأثر هذا التدوين بالسياسة العباسية ، وأقيمت مصانع لتأليف الأحاديث ( النبوية ) وصناعة إسناد لها يصلها بالنبى محمد ظلما وعدوانا ، ويقوم بتدوينها أيضا .
/ 2 : وفيما يخص موضوعنا عن الأذان للصلاة ، فبدلا من (لعن على ) الذى اخترعه الأمويون ثم أبطله العباسيون فقد استحدث العباسيون السلام على الخليفة العباسى فى الأذان للصلاة ، ثم تابعهم الفاطميون فيما بعد . وحتى يتم تبرير هذا فقد أضاف العباسيون السلام على النبى محمد والخلفاء الراشدين ، وتولت مصانع الأحاديث وصناعة الروايات التاريخية افتراء أحاديث وروايات تسوغ هذا التلاعب بالأذان للصلاة .
2 / 3 : ونعود للمقريزى ،وهو يسترجع قول الواقدى فى العصر العباسى : ( قال الواقدي كان بلال رضي الله عنه يقف على باب رسول الله صلى اللهعليه وسلم فيقول: السلام عليك يا رسول الله ، وربما قال: السلام عليك بأبي أنتوأمي يا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة السلام عليك يا رسول الله.)المفهوم هنا أن بلال كان ينبه النبى لموعد الصلاة ، ولم يكن يؤذن فى المسجد بالسلام على النبى .
2 / 4 : وسرعان ما شمل السلام الخلفاء الراشدين ، وينقل المقريزى عن البلاذرى : ( قال البلاذري وقال غيره : كان يقول السلام عليك يا رسول الله ورحمةالله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا رسول الله ، فلما ولي أبو بكر رضيالله عنه الخلافة كان سعد القرظ فيقول السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة اللهوبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا خليفة رسول الله.
فلما استخلف عمر رضي الله عنه كان سعد يقف على بابه فيقول السلامعليك يا خليفة خليفة رسول الله ورحمة الله حي على الصلاة حي على الصلاة يا خليفةخليفة رسول الله....فدعي أميرالمؤمنين استطالة لقول القائل يا خليفة خليفة رسول الله ...كان المؤذن يقول السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته حيعلى الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا أمير المؤمنين.ثم إن عمر رضي الله عنه أمر المؤذن فزاد فيها رحمك الله.ويقال أن عثمان رضي الله عنه زادها).
أى اختصروها فجعلوا السلام لأمير المؤمنين ، وهو لقب ينطبق على كل ( أمير للمؤمنين ) فى العصر العباسى ، وبذلك أدخل العباسيون السلام عليهم فى الأذان .
2 / 5 : ثم توسعوا فى الأمر حين تضاءل نفوذ الخليفة العباسى سياسيا وغلب عليه نفوذ القواد والولاة و قادة العسكر ،فأصبح لهؤلاء نصيب أيضا فى التسليم عليهم فى الأذان للصلاة ، يقول المقريزى : ( وما زال المؤذنون إذا أذنواسلموا على الخلفاء وأمراء الأعمال ثم يقيمون الصلاة بعد السلام فيخرج الخليفة أوالأمير فيصلى بالناس ) ويخطىء المقريزى حين يقول ( هكذا كان العمل مدة أيام بني أمية ثم مدة بني العباس أيام كانتالخلفاء وأمراء الأعمال تصلي بالناس.) فالذى نراه حسبما نعلم أن هذا لم يحدث فى الدولة الأموية ، بل فى العصر العباسى الأول .
2/ 6 : ومن مستحدثات الدولة الفاطمية الدعاء للخليفة فى أذان الفجر ، وتعرض هذا للتقلبات السياسية ، أى كان الأذان للصلاة لعبة سياسية ، يقول المقريزى : (ولما تغلب أبوعلي بن كتيفات بن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي على رتبة الوزارة فيأيام الحافظ لدين الله ..في سادس عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة وسجن الحافظ وقيدهواستولى على ما فى القصر من الأموال والذخائر وحملها إلى دار الوزارة وكان إماميًامتشدد في ذلك ، خالف ما عليه الدولة من مذهب الإسماعيلية وأظهر الدعاء للإمام المنتصروأزال من الأذان حي على خير العمل وقولهم محمد وعلي خير البشر وأسقط ذكر إسماعيل بنجعفر الذي تنتسب إليه الإسماعيلية. فلما قتل في سادس عشر المحرم سنة ست وعشرينوخمسمائة عاد الأمر إلى الخليفة الحافظ وأعيد إلى الأذان ما كان أسقط منه.)
3 / 7 : وبعد أن أسقط صلاح الدين الأيوبى الدولة الفاطمية وأعاد مصر والشام للتبعية الاسمية والدينية للخلافة العباسية وحارب التشيع فكريا وأعلى من شأن الدين السّنى انعكس الأمر على الأذان ، فإقتصرت الزيادة على السلام على النبى بدلا من السلام على الخليفة العباسى أو الخليفة الفاطمى ، يقول المقريزى : (ولم يكن أحد من الخلفاء الفاطميين يصلى بالناس الصلوات الخمس في كليوم فسلم المؤذنون في أيامهم على الخليفة ( الفاطمى ) بعد الأذان للفجر فوق المنارات. فلما انقضتأيامهم وغير السلطان صلاح الدين رسومهم لم يتجاسر المؤذنون على السلام عليه ( أى على الخليفة الفاطمى )احترامًا للخليفة العباسي ببغداد ، فجعلوا عوض السلام على الخليفة (
الفاطمى ) السلام على رسولالله صلى الله عليه وسلم ، واستمر ذلك قبل الأذان للفجر في كل ليلة بمصر والشاموالحجاز )
4 ـ وقبل ظهور صلاح الدين ، وفى الدولة الحمدانية فى حلب جدّ ابتداع جديد فى الأذان ، يقول المقريزى : (وأول من قال في الأذان بالليل : " محمد وعلي خير البشر" ....ابن شكنبة ويقال أشكنبة وهو اسم أعجمي معناه الكرش ، وهو علي بن محمد بن عليبن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وكان أول تأذينة بذلك فيأيام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة.قاله الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة ، ولم يزل الأذان بحلب يزادفيه : "حي على خير العمل" ، و" محمد وعلي خير البشر" إلى أيام نور الدين محمود. فلما فتح ( أى السلطان نورالدين زنكى ) المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن عليبن الحسن بن محمد البلخي الحنفي إليها ، فجاء ، ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقي بها الدروس، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم مروهم يؤذنونالأذان المشروع ومن امتنع كبوه على رأسه ، فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به، واستمر الأمرعلى ذلك.).
أى استطاع الشيعة تغيير الأذان فى الدولة الحمدانية ، وهى دولة عربية قبلية ( نسبة للقبيلة ) وكان هواها مع الشيعة ، فلما تغلب محمود نور الدين زنكى على حلب تحت شعار مواجهة الصليبيين وارساء المذهب السّنى وحربه للتشيع أقام مدرسة الحلاوية السّنية واستقدم لها الفقهاء السنيين الذين أبطلوا الأذان الشيعى . أى أصبح الأذان للصلاة ميدانا للصراع السياسى بين الشيعة والسّنة .
5 ـ والسلطان صلاح الدين الأيوبى كان فى شبابه مع أبيه نجم الدين وعمه شيركوه من قواد السلطان نور الدين زنكى . وباسمه جاء شيركوه وصلاح الدين لمصر فى خلافة العاضد الفاطمى وقت الصراع بين الوزيرين شاوروضرغام . وانتهى الأمر باستيلاء صلاح الدين على مصر باسم الدولة الزنكية السنية واسقاطه الدولة الفاطمية وارجاعها للمذهب السنى وحرب التشيع .
ونعود للمقريزى ، وهو يقول عن مصر الفاطمية ( وأما مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم (أى الفاطميين ) إلى أن استبد السلطانصلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستينوخمسمائة ،وكان ( صلاح الدين ) ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبي الحسنالأشعري رحمه الله، فأبطل من الأذان قول حي على خير العمل وصار يؤذن في سائر إقليممصر والشام بأذان أهل مكة ) أى الأذان السّنى الذى ساد فى العصر العباسى بمكة ، والذى يضاف فيه تقديس النبى محمد الى الأذان ، أى كما يقول المقريزى ( وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين .)
6 ـ واستمر هذا طيلة الدولة الأيوبية ، ثم الى الدولة المملوكية التى عاش فيها المقريزى لقائل : ( فاستمر الأمر علىذلك إلى أن بنت الأتراك (أى المماليك من سلاطين وأمراء ) المدارس بديار مصر ، وانتشر مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه فيمصر ، فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصلاة أيضًاعلى رأيهم ، وما عدا ذلك فعلى ما قلنا . ) أى حدث اختلاف فى الأذان السّنى بين أذان مكة وأذان الكوفة .
ثم جدّ ابتداع جديد فى العصر المملوكى بعدعام 760 ، أخترعه المحتسب صلاح الدين البرلسى، يقول عنه المقريزى : ( إلا أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون منالتأذين سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو شىء أحدثه محتسب القاهرة صلاحالدين عبد الله بن عبد الله البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة .) أى أضاف هذا المحتسب الصلاة على النبى بعد الفراغ من الأذان ، وجعل ذلك فى ليالى الجمعة .
7 ـ ثم تم تعميم هذا ليشمل كل أذان وليكون فى صلب الأذان وليس خاتمة له . وتم هذا عبر اكذوبة المنامات التى برع فيها شيوخ التصوف ، وكان للتصوف سطوته فى العصر المملوكى ، وكان أولياؤه يتمتعون باعتقاد الناس فى خوارقهم وكراماتهم وعلمهم اللدنى ومناماتهم ، وكل الأكاذيب التى ينسبونها لأنفسهم ولأوليائهم. يقول المقريزى : (إلا أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون منالتأذين سلموا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو شىء أحدثه محتسب القاهرة صلاحالدين عبد الله بن عبد الله البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة .....فسمع بعض الفقراء ( أى الصوفية ) الخلاطين ( مهاجرون لمصر من بلدة خلاط ) سلام المؤذنين على رسول الله صلى اللهعليه وسلم في ليلة جمعة ، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه ، فقال لهم : أتحبون أن يكونهذا السلام في كل أذان ؟ قالوا: نعم . فبات تلك الليلة وأصبح متواجدًا ( أى أخذه الوجد والحال والجذب بزعمهم ) يزعم أنه رأى رسولالله صلى الله عليه وسلم في منامه ، وأنه ( أى النبى ) أمره أن يذهب إلى المحتسب فيبلغه عنه أنيأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان . فمضى ( ذلك الولى الصوفى أو الفقير الصوفى ) إلى محتسبالقاهرة وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي)
ويصف المقريزى هذا المحتسب نجم الدين الطنبدى بأسوأ الصفات ، يقول عنه: ( وكان شيخًا جهولًا ، وبلهانًا مهولًا ، سيءالسيرة في الحبسة والقضاء ، متهافتًا على الدرهم ولو قاده إلى البلاء ، لايحتشم من أخذالبراطيل والرشوة ، ولا يراعي في مؤمن إلا ولا ذمة ، قد ضرى على الآثام ، وتجسد ( أى تضخم جسده ) من أكلالحرام ، يرى أن العلم إرخاء العذبة ، ولبس الجبة ، ويحسب أن رضي الله سبحانه في ضربالعباد بالدرة وولاية الحسبة ، لم تحمد الناس قط أياديه ، ولا شكرت أبدًا مساعيه ، بلجهالاته شائعة ، وقبائح أفعاله ذائعة ، أشخص غير مرة إلى مجلس المظالم ( أى حوكم كثيرا أمام مجلس المظالم ) وأوقف مع من أوقفللمحكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح ، حقق فيها شكاته عليه القوادح ، وما زال فيالسيرة مذمومًا ، ومن العامة ملومًا.)
وبعد هذا الهجاء المسجوع يذكر المقريزى أن ذلك الشيخ الصوفى ذهب للمحتسب وحكى له المنام قائلا ان النبى ( يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بانيزيدوا في كل أذان قولهم : "الصلاة والسلام عليك يا رسول الله "، كما يفعل في ليالي الجمع، )
ويقول المقريزى معلقا بعقيدته السنية : (فأعجب الجاهل ( أى المحتسب ) هذا القول ، وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لايأمر بعد وفاته إلابما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته . وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابهالعزيز عن الزيادة فيما
شرعه حيث يقول: "أم لهم شركاء شرعوا لهم منالدين ما لم يأذن به الله" الشورى.وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم ومحدثات الأمور ")
ويعود المقريزى يروى عن المحتسب : (فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة ، وتمت هذه البدعة واستمرت إلى يومنا هذا فيجميع ديار مصر وبلاد الشام وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذانالذي لايحل تركه . ) أى أصبح دينا بالتعود .
8 ـ وكالعادة أضافوا السلام على الأولياء المقدسين فى القرى و النجوع ، يقول المقريزى : ( وأدى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلامبعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإن للهوأن إليه راجعون.)
ثالثا : تغيير الأذان فى المصادر التاريخية
وفى الحوليات التاريخية للعصر المملوكى ـ التى تسجل أحداث التاريخ كل عام أو كل حول باليوم والشهر ـ نجد تأكيدا لما قاله المقريزى فى الخطط .
1- ففي سنة765 هجرية أمر الصوفي صلاح الدين البرلسي محتسب القاهرة المؤذنين أن يضيفوا بعد الآذان لعشاء ليالي الجمعة وقبل الفجر قولهم (السلام عليك يا رسول الله، الصلاة والسلام عليك يا رسول الله)(فاستمر ذلك ولم يكن قبله إلا الآذان فقط) (السلوك للمقريزى ج 2 القسم الأول ص 94 ، النجوم الزاهرة لأبى المحاسن بن تغرى بردى ج 11 ص 85 . )
2 ـ وفي سنة 782(أحدث السلام علي النبي عقب آذان العشاء ليلة الآذان الإثنين) . ([1]إنباء الغمر جـ1/218، تاريخ ابن اياس جـ1/2/265.)
3 ـ وفي عام 791 استمع بعض الصوفية إلى الصلاة على النبي بعد العشاء فقال لمريديه(أتحبون أن يعمل هذا في كل آذان ؟ قالوا: نعم،فبات وأصبح وقد زعم أنه رأى الرسول عليه السلام في منامه يأمره أن يقول لنجم الدين ال المؤذنين بالصلاة عليه عقب كل آذان وكان الطبندي في غاية الجهل فسره قول الرائي فأمر بالصلاة على النبي بعد كل آذان واستمر ذلك) . (السلوك جـ3/2/669، النجوم الزاهرة جـ11/331، المنهل الصافى مخطوط جـ4/606،تاريخ ابن اياس جـ1/2/390.)
4- ثم أحدث التوسل بجاه النبي عليه السلام بعد صلاة الصبح ، وأمر القاضي الشافعي بذلك ، وكان سببه اعتراض بعض تلامذة ابن تيمية على قصيدة صوفية تتوسل بالرسول. وكان ذلك سنة 874.( [1] انباء الغمر جـ1/290. ). ومعنى التوسل بغير الله في الآذان أن يجهر بعقيدة تخالف الإسلام، ثم يقولون (الله أكبر) وهو تناقض لا يستسيغه إلا التصوف ..
5- ثم أضحى الآذان في أواخر القرن التاسع مجالاً خصباً للزيادة لكل من هب ودب.. يقول البقاعي في حوادث 880 (أحدث بعض أتباع الشيطان العاشقون في البدع أن يقال عقب آذان الصبح بصوت كصوت الآذان مع الاتصال به : يا دايم المعروف يا كثير الخير يا من لا ينقطع معروفه أبداً) وقد أبطل البقاعي ذلك في كل مئذنة له فيها تعلق كما يقول ([1]تاريخ البقاعى مخطوط ..حوادث سنة 880 هـ.)
6- ثم كان وصف النبي بعبارات إلهية (لطائف المنن للشعرانى 272 :273 الطبعة القديمة ) تمهيداً لأن يوصف الصوفية بتلك الصفات على المآذن، لذا بعدها فكانوا يقولون فى الأذان تقديسا للسيد البدوى (السلام عليك يا سيدي أحمد يا بدوي ) بعد التسليم على النبي . وانتشرت المنامات وإشاعات الكرامات تحذر من ينكر على ذلك بانتقام أحمد البدوي (الحلبى النصيحة العلوية 37.مخطوط. )
رابعا : اللهو والغناء في الآذانفى مصر العصر المملوكى:
1 ـ قام الدين الصوفى على أساس الغناء والرقص تحت شعار ( الذكر ) و( الوجد ).وبهذا تحول دين التصوف الى دين حقيقى للهو واللعب . وبتسيد التصوف للعصر المملوكى
انتشر التغنى بالقرآن بالألحان و(الجوقات ) و الأدوات الموسيقية ، وزحف الغناء الى الأذان للصلاة مصطحبا معه ما شاع فى العصر المملوكى من شيوع للشذوذ الجنسى متأثرا أيضا (أى الشذوذ الجنسى ) برعاية التصوف . وننقل بعض سطور من موسوعة التصوف عن التغنى بالأذان والقرآن .
2 ـ وبسبب تسيد التصوف للعصر المملوكى فقد تطرف الناس فى تأدية شعائر التصوف تلك الى درجة أثارت حنق الصوفية الفقهاء فاحتجوا على ما يحدث ، ومنهم الفقيه المغربى الصوفى ابن الحاج العبدرى فى كتابه ( المدخل ) الذى خصّصه لنقد ما يحدث فى التدين المصرى فى عصره فى القرن الثامن الهجرى . يقول ابن الحاج"وكان الغالب فى صفة الإمام في قيام رمضان أن يكون حسن الصوت"[1].
وعن طريق الصوت الحسن تتحول الصلاة في رمضان إلى لهو ،وعكست وثائق الوقف ذلك فكانت تشترط في قراء القرآن في المؤسسات الصوفية أن يكونوا حسنى الصوت ،ففي وثيقة وقف برسباي "ويصرف الأربعة نفر حسنى الصوات يجلسون مع الصوفية ويقرءون ما شرط على كل من الصوفية "و"يصرف لخمس جوق كل جوقة ثلاث نفرمن حفاظ القرآن العظيم تقرأ كل جوقة بعد كل صلاة جزبين من القرآن العظيم على العادة ألف درهم "[2].
أى جعل قارئى القرآن " جوقاً "والجوقة هم مجموعة مطربين .
3 ـ وفي وثيقة وقف قراقجا الحسني " يصرف لخمسة عشر نفراً من حملة كتاب الله العزيزعن ظهر قلب بالسوية بينهم ..على أن يكونوا خمسة جوق لكل جوقة منهم مائتا درهم ،على أن تقرأ جوقه منهم بعد صلاة الصبح بالجامع المذكور حزباً واحداً من تجزئة ستين حزباً من القرآن العظيم .. ويجتمعون قراءتهم بالصلاة على النبى (ص) ويدعون أحسنهم صوتاً"[3].
4ـ وفي وثيقة وقف الغورى "تصرف لرجل من أهل العلم الشريف حافظاً لكتاب الله.. مشهور بالخير والدين حسن الصوت"واشترطت ذلك للخطيب والمؤذن " وعند القراءة
والدعاء للواقف يتولى ذلك "من يكون أحسنهم صوتاً وأطربهم نغمة"[4].
5ـ ولاحظ ابن بطوطة في رحلته أن المصريين في القرافة "يرتبون القرآن ،يقرءون القرآن ليلاً ونهاراً بالأصوات الحسان"[5].
6ـ ونفس الشرط اشترطته حجج الوقوف للمؤذن والإمام في الصلاة ،ففي وثيقة قراقجا الحسنى "يصرف لتسعة نفر من المؤذنين حسان الأصوات على أن يكونوا ثلاث جوق"[6].
وفي حجة قايتباى "ويصرف لتسعة نفر رجالاً مؤذنين.. يكون كل منهم حسن الصوت وفي ليلة الجمعة ينشد أحسنهم صوتاً ما تيسر له من مدح النبى عند آذان الفجر "[7].وفي حجة برسباى"..فيصرف لستة مؤذنين حسنى الأصوات مبلغ ألف درهم.."[8].وفي حجة مغلطاى الجمالى"ويرتب معه قارئ ميعاد حسن الصوت من حملة الفقرا العشرة المذكورين .. ويرتب بها أيضاً مؤذنين حسنى الصوت عارفين بالمواقيت"[9].
وكان المؤذنون ينشدون القصائد والمواعظ والسحريات والفجريات. وتكاد تجمع وثائق الوقف على اشتراط كون المؤذن حسن الصوت [10]. وبعضهم كان أمرد مخنثا في عصر انتشر فيه الشذوذ الجنسى.
وقد احتج على هذا الوضع الفقيه ابن الحاج يقول"ما أحدثوه من صعود الشبان على المنابر للآذان ولهم أصوات حسنة ونغمات تشبه الغناء "فيرفعون عقيرتهم بذلك ،فكل من له غرض خسيس يصدر منه في وقت سماعه مالا ينبغى ،وقد يكون ذلك سبباً إلى تعلق قلب من لا خير فيه بالشاب الذى يسمعونه ، ويترتب على ذلك من الفتن أشياء لا تنحصر"[11]. أى صار النداء الإسلامى للصلاة " الله أكبر" نداء للفتنة والشذوذ الجنسى.
مؤذنون مطربون:
واشتهر بعض المؤذنين في مجال الغناء والطرب .منهم نجم الدين الصوفي ت731
رئيس المؤذنين بجامع الحاكم "وكان بارعاً في فنه له أوضاع عجيبة وآلات غريبة"[12]. وكان المازونى ت 862 "أحد الأفراد في إنشاد القصيد وعمل السماع،وكان من عجائب الدنيا في فنونه، كان صوته كاملاً.. مع شجاوة ونداوة وحلاوة،وكان رأساً في إنشاء القصيد على الضروب والممدود.. وكان له تسبيح هائل على المآذن.. وكان يشارك فى الموسيقى ويعظ في عقود الأنكحة"[13]. وكان البدر الفيشى ت879 "أمام المؤيدية " "أتقن القراءات،وازدحم العامة علي سماعه ،حصوصاً في ليالى رمضان"[14].وكان المحلاوى مؤذن السلطان الغورى"وكان حسن الصوت مطبوعاً في فنه"[15].
ويقول ابن خلدون فى مقدمته (والظاهر تنزيه القرآن عن هذا كله..لأن القرآن محل الخشوع بذكر الموت وما بعده وليس مقام التذاذ بإدراك الحسن من الأصوات " [16].
خاتمة :
وفى العصر الحديث كتب توفيق الحكيم معترضا على التسابيح الملحقة بالأذان والتى تتغزل فى النبى محمد عليه السلام وتصفه بصفات انثوية ، كقولهم يا كحيل العينين يا أحمر الخدين .!! ولاشك ان فوضى الأذان تستدعى تنظيما ، وهذا مشكور لوزير الأوقاف الحالى محمود زقزوق . ولكن الأهم هو الرجوع للصيغة الاسلامية الأصيلة للأذان : الله أكبر الله أكبر . أشهد أن لا اله الا الله .حى على الصلاة . حى على الفلاح . الله أكبر الله أكبر.لا اله ألا الله .
المدخل جـ / 86 .
[2]حجة وقف برسباى نشر أحمد دراج ص3
[3]وثيقة قراقجا الحسنى . ص 210 . نشر عبداللطيف ابراهيم ، سطر 126 ، 131 . دوريات جامعة القاهرة
[4]وثيقة وقف الغورى : 43 ، 44 نشر عبداللطيف ابراهيم .
[5] رحلة ابن بطوطه جـ 1 / 21 .
[6]وثيقة قراقجا الحسنى . ص 208 سطر 114 .نشر عبداللطيف ابراهيم . دوريات جامعة القاهرة .
[7] حجة قايتباى ص65 .
[8] حجة برسباى 2 .
[9]حجة مغلطاى الجمالى .
[10]محمد أمين : الأوقاف 234 ، عبداللطيف ابراهيم دوريات القاهرة 241 .
[11] المدخل جـ 2 / 67 .
[12]تاريخ ابن الوردى جـ 2 / 295 .
[13]النجوم الزاهرة جـ 16 / 192 : 193 .
[14]الضوء اللامع جـ 3 / 117 .
[15] تاريخ ابن اياس جـ 4 / 218 .
[16]مقدمة ابن خلدون 425 ، 426 .
ثم ماذا عن ( الصلاة خير من النوم)؟ إليكم هذه الرواية من موطأ مالك ج 1 ص 210. جاءه فيه: و سُئِلَ مَالِك عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ تَنَفَّلَ فَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِك لَمْ تَزَلْ الصُّبْحُ يُنَادَى لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّا لَمْ نَرَهَا يُنَادَى لَهَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ وَقْتُهَا و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُؤْذِنُهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا فَقَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ.
وفي سنن النسائي ج3 ص 19 جاء فيها: 643 - أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سَلْمَانَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ
كُنْتُ أُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ أَقُولُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ وَلَيْسَ بِأَبِي جَعْفَرٍ الْفَرَّاءِ.
وجاء في سنن الترمذي ج 1 ص 332 مايلي: قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ بِلَالٍ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْرَائِيلَ الْمُلَائِيِّ وَأَبُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَأَبُو إِسْرَائِيلَ اسْمُهُ إِسْمَعِيلُ بْنُ أَبِي إِسْحَقَ وَلَيْسَ هُوَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ التَّثْوِيبِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ التَّثْوِيبُ أَنْ يَقُولَ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ و قَالَ إِسْحَقُ فِي التَّثْوِيبِ غَيْرَ هَذَا قَالَ التَّثْوِيبُ الْمَكْرُوهُ هُوَ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَاسْتَبْطَأَ الْقَوْمَ قَالَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ وَهَذَا الَّذِي قَالَ إِسْحَقُ هُوَ التَّثْوِيبُ الَّذِي قَدْ كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالَّذِي أَحْدَثُوهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي فَسَّرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ أَنَّ التَّثْوِيبَ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ وَيُقَالُ لَهُ التَّثْوِيبُ أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَرَأَوْهُ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَسْجِدًا وَقَدْ أُذِّنَ فِيهِ وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِ فَثَوَّبَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَقَالَ اخْرُجْ بِنَا مِنْ عِنْدِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ قَالَ وَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ التَّثْوِيبَ الَّذِي أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدُ.
ويخبرنا المولى تعالى أن نضع ميزانا لكل هذا التناقض والاختلاف في شيئ يسمع عدة مرات في اليوم ولم يستطع الرواة أن ينقلوا لنا الأذان موحدا متواترا... والميزان هو قوله سبحانه: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا(82). النساء . صدق الله العظيم.
شكرا مرة أخرى على الجهود ولكم مني التحية.
1 ـ حدثت أخطاء مطبعية من الوورد نفسه ، وهذا يستلزم اصلاحا من المشرف التقنى على الموقع .
2 ـ خالص الشكر للاستاذ ابراهيم دادى على ايراده بعض الأحاديث فى موضوع الأذان . ومنهج المقال هو العرض التاريخى للتغيرات التى طرأت على الأذان ، وعلى الهامش يأتى دور مصانع الأحاديث فى تسويغ وتشريع هذه التغييرات والاختلافات بينها .
3 ـ لزيادة الفائدة ..أرجو من الأستاذ دادى وبقية أهل القرآن الاتيان بالأحاديث الشيعية فى الأذان ـ لو أمكن .
خالص التحية
من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 290
والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا وزادوا في الاذان " محمد وآل محمد خير البرية " مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول الله " أشهد أن عليا ولي الله " مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك " أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا " مرتين ولا شك في أن عليا ولي الله وأنه أمير المؤمنين حقا وأن محمدا وآله صلوات الله عليهم خير البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الاذان ، وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض ، المدلسون أنفسهم في جملتنا....انتهى .
www.almanhaj.net/vb/showthread.php
www.youtube.com/watch
www.youtube.com/watch
www.youtube.com/watch
تناقش قانة الحكمة الجمعة الموافق 9 يوليو الساعة الحادية عشرة والنصف موضوع هذا البحث عن الآذان ويتهمون فيه الدكتور منصور باردة مؤيدين ما قاله علماء الزهر فى أول رد فعل صدر منهم بعد ما قاله الدكتور منصور فى بحثه هذا
كيف نقول علي من يضل الناس علماء وقد قالي الله تعالي علي من يضل الناس أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ{28} جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ{29} وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ{30} إبراهيم أي أن العلم الحقيقي الذي لم يبدل نعمة الله أي ليس بعد نعمة القران نعمة
لماذا تسمح هذه القنوات ان تسمع لطرف واحد وتغتاب الناس بدون بينه ولا علم اين العدل هذه القنوات على حد قولهم تسضيف علماء فى الدين هؤلاء العلماء لا يدركون معنى الغيبه واذا كانوا هم على الحق لماذا لا يعطيون الفرصه للدكتور احمد ان يدافع عن حقه ويقوموا بالتسجيل معه ويسمعون لرأيه ويعطوا الفرصه للناس أن تسمع وتحكم بنفسها هذا هو العدل هذا ان دل يدل على ضعف موقفهم هم يعلمون جيدا انهم لا يسطيعون الرد بالقران ولا بالعلم كل ما عليهم هو التكفير والسب فى الشخص هم يعلمون ان الدكتور منصور يرد عليهم بالحجه والبرهان لذلك لا يقدرون على المواجهه .
لا عجب أن نتهم نحن أهل القران من مجموعة من المرتزقة ويدعوا أنهم علماء في هذا العصر بالكفر وفي الماضي أتهم من نزل علية القران بالجنون والسحر علي نفس القران
الأستاذ المحترم الدكتور منصور .. أقدم لك هذا المقال الذي كتبه الدكتور زكي نجيب محمود عن شهادة الإسلام وكيف انها شهادة واحدة ينبع منها كل شيئ ..يخص المؤمن .. حيث أن الرجل ذكر في مقاله عن شهادة الإسلام بإنها ( لا إله إلا الله فقط ) ولم يقع فيما وقع فيه معظم الشيوخ من إضافة شطر آخر إلى هذه الشهادة ..ونحمد الله سبحانه وتعالى على وجود علماء في كل زمان ومكان أمثالك ينذرون حياتهم لقول الحق غير آبهين بموقف الرأي العام منهم ..
أهو شرك من نوع جديد ؟!
" أشهد أن لا إله إلا الله " شهادة هي أول كلمة في إسلام المسلم . يقول " أشهد " لتدل صيغة الفعل على أنه لمتكلم فرد مفرد فريد مسئول عما يقول : إنه لا يقول " نشهد " لينضم بشخصه إلى غيره من أبناء أسرته أو أمته ، لأنها شهادة يحملها مفردا ، حتى ولو لم يكن معه إنسان آخر من أهل الأرض جميعا . كلمة " أشهد" دالة وحدها ، منذ أول حرف من حروفها ـ حرف " الألف "ـ على أن الإيمان بالدين من شأن كل مؤمن على حدة ، يدفعه إليه ضميره ، وحتى حين يفرض عليه دينه بعد ذلك أن يجتمع مع شركائه في الدين ، أن يجتمع معهم في جهاد،أو في صلاة ، أو في حج ، فذلك إنما يجئ بعد أن قال ـ أصالة عن نفسه ، لا ينوب عنه أحد ولا ينوب هو عن أحد ـ " أشهد " ـ بصيغة المتكلم المفرد . والصيغة تبقى هي هي ، إذا كان ذلك المتكلم المفرد رجلا أو امرأة ، حاكما او محكوما ، غنيا أو فقيرا ، حرا أو مقيدا . فأنظر إلى حرف " الألف " الذي هو أول حرف في أول كلمة ، أول جملة يدخل بها المسلم في دينه ، دين الإسلام .. انظر هذا الحرف الواحد ، كم يتضمن من مواثيق تضمن للإنسان فرديته ، ومسئوليته ،إلا أنه أسلم ، وليكن بعد ذلك ذا مال أو متربة ، صاحب سلطان أو مجردا من كل سلطان .
وبماذا يشهد الشاهد في شهادته أن لا إله إلا الله ؟ إنه يقرر شيئين في وقت واحد ، أحدهما بالسلب ، وثانيهما بالإيجاب .. وهو يبدأ بقرارة السالب أولا ، إذ هو يبدأ بأن يمحو الباطل ، ثم يعقب على هذا بأن يثبت الحق ، فهو ينكر وجود آلهة أخرى ، لينتقل بعد هذا الإنكار إلا إثبات وجود "الله " ، لا إله ـ إلا ـ الله . وليس هذا التعاقب بين سلب االباطل قبل إثبات الحق ، أمرا جاء في الشهادة مصادفة ، أو عن غير قصد ، بل إنه هو نفسه التعاقب الذي يحتمه منطق العقل في كل منهج للتفكير السليم ، بل إنه تعاقب نلحظه في حياة الناس العملية إذا ما توافرت لهم أركان الفطرة السليمة ، فتراهم يزيحون الأنقاض قبل ان يقيموا البناء الجديد ، وينظفون البيت قبل تأثيثه بفرش نظيف . وأما في منهج التفكير العلمي ، فهذا التعاقب بين إزالة الأخطاء القائمة قبل عرض الفكرة الجديدة ، أمره معروف للباحثين ، فتراهم يبدءون بإستعراض ما قد قيل فيما سبق عن الموضوع المطروح للبحث ، ليرد الباحث تلك الأراء السابقة ، رأيا بعد رأي ، مقيما رده على بيان مواضع بطلانها ، حتى إذا ما خلت له الأرض ، أقام هو فكرته مقرونة بأدلة صدقها ، وعلى هذا التعاقب نفسه جاءت شهادة الشاهد بأن لا آلهة لها وجود إلا " الله " .
كانت الآلهة الباطلة التي جاءت بشهادة المسلم لتنفي عنها الوجود ، أول ما جاء الإسلام ، اصناما لها أسماء ، فهذا الصنم هو " اللات " وذلك هو "العزى ". وهكذا دار بنا الزمان قرونا تتلوها قرون ، حتى بعد العهد بتلك الآلهة بعدا " أصبح مستحيلا معه أن يرتد عابد عن عقيدته ، ليعبد " اللات " أو ليعبد " العزى ". لكن ذلك الزمان نفسه الذي دار بقرونه ما دار ، إنما هو كالوحش الكاسر ، يتربص بفرائسه أن يدب في انفسهم دبيب الضعف فيفتك بهم فتكا لا رحمة فيه . فلئن أستحال على الناس ، حتى وهم في حالة الضعف ، أن يرتدوا إلى عبادة اللات والعزي ، فضعف نفوسهم _ إذا ضعفت _ كفيل أن يوسوس لهم فى صدورهم بما يحملهم على خلق أرباب أخرى من دون الله ، ولتلك الأرباب عندهم اسماء . ولن اذكر هنا شيئا عن رب عندهم اسمه " الذهب " ولا عن رب اسمه " السلطان " أو رب اسمه " الشهوة " ، فتلك وغيرها صنوف من الآلهة عرفها الناس منذ أقدم قديم فى تاريخهم ، وجاءت الاديان ، وجاء المصلحون ، ليوقظوهم من تلك الغفلة ، لكنها غفلة إذا استحكمت فى الغافى فهيهات له أن يفيق . وإنه لفى مستطاع الإنسان ، إذا كان قوى الروح ، مؤمنا بالله الواحد ، واثقا فى نفسه ، عاقلا ، حرا ، مسئولا أمام ضميره وأمام الله الذى هو مؤمن به ، أقول : إنه لفى مستطاع الإنسان أن ينزع عن تلك الآلهة الزائفة شوكتها ، بحيث لا يكون لها هى القوة فى أن تملك عليه زمامه و تتحكم فيه ، بل يبقيها أدوات فى يديه ، يوجهها كما يشاء لها هو ، لا كما تشاء هى له ، وعندئذ لا يعاب فيه ذهب ، أو سلطان ، أو رغبة ، لأنها لم تعد الأرباب التى كانت يوم أن ذل لأحكامها وخشع .
لا ، لن أذكر هنا شيئا عن تلك الآلهة الزائفة ، لأن أمرها فى حياة الإنسان الضعيف معروف ، لكننى سأذكر إلها جديدا ظهر حديثا فى حياة الناس ، وهو _ بدوره _ ذو وجهين ، فهو بوجه منهما لا عيب فيه ، بل إنه ضرورة مطلوبة ، وذلك إذا نزعت عنه شوكة التأله ، ولكنه بوجهه الآخر ، الذى يتسلح فيه بتلك الشوكة الرهيبة ، ينقلب إلى طاغية يسحق فردية الأفراد سحقا ، ليحيلهم إلى أشباح من ظلال ، وأعنى بذلك الإله الزائف الجديد ، شيئا اسمه " الرأى العام " . ولهذا الرأى العام نحنى رءوسنا طاعة وإجلالا ، على شرط واحد ، وهو ألا يكون فى معنى من معانيه ، حرمانا لأى فرد أراد ان يختلف بفكره المستقل ، عما أعلنه الرأى العام ، حتى ولو جاء ذلك الإعلان نتيجة سليمة لاستفتاء صحيح ومشروع ، لأن ذلك الفرد _ إذا كان مسلما _ كان قد التزم حين شهد ، بوصفه فردا مفردا فريدا ، أن لا إله إلا الله .
إن وجود فرد واحد ، لا يرى الرأى الذى هو " رأى عام " ، ينفى عن الرأى العام عموميته ، حتى ولو كان من حق الرأى العام ان يضغط بقوته العددية فى اتخاذ القرارات ، وفى انتخاب النواب الذين ينويون عنه _ وهو حق للناس لا نشك فيه _ فليس له ذلك الحق نفسه فى منع الآراء والأفكار التى لا تعجب جمهوره . إن الذى يربط أفراد الجمهور بعضهم ببعض فى تكوين رأى عام ، يغلب ان يكون هو " الانفعال " لا " العقل " . فالانفعال ينتقل من فرد إلى فرد بالعدوى ، وأما الفكرة العقلية فينقلها صاحبها إلى متلقيها بالإقناع ، والإقناع بحكم طبيعته عملية فردية وليست عملية جماعية . وحتى إذا استطاع صاحب فكرة عقلية أن يقنع بها جمهورا من الناس ، فذلك إنما يتحقق حين يقتنع كل فرد على حدة ، بينه وبين نفسه ، بصدق الفكرة التى تلقاها ، اما " الجمهور " من حيث هو كذلك ، فليس العقل هو الوسيلة إليه ، ألم تر إلى الآية الكريمة التى فصلت الوسائل الثلاث فى الدعوة إلى سبيل الله ؟ إنها ذكرت : " الموعظة الحسنة " و " الحكمة " و " المجادلة بالتى هى أحسن " . إنها وسائل مختلفة ، ويظهر اختلافها عند تدبرها وتحليلها . واختلافها هذا يقابل تفاوت الناس فى الطريقة التى تناسب الدرجة الثقافية التى لكل منهم . فعامة الناس _ عادة _ لا يتحملون " البرهان العقلى " ويكفيهم ان تضرب لهم الامثلة الموضحة للفكرة التى تعرضها عليهم ، ويحسن أن تساق إليهم تلك الأمثلة فى أدب خطابى يثير انفعالهم ، ليحرك قلوبهم وتلك هى الموعظة . وأما " الحكمة " _ حين تساق فى معرض الدعوة والإقناع _ فشأنها شأن آخر ، لأنها طريقة لا تبنى النتيجة على " فروض " يفرضها عارض الفكرة الجديدة ، إنما هى تبدأ مع المتلقى من " الصفر " وكأنهما _ عارض الفكرة ومتلقيها _ يبدآن المعرفة من أول وجديد ، وهنا يسير عارض الفكرة مع المتلقى خطوة خطوة ، ولا ينتقل من خطوة إلى التى تليها إلا إذا أقام على الفكرة الأولى برهان صدقها ، كما ترانا نفعل فى علم الحساب أو علم الهندسة . وواضح أن منهاج " الحكمة " هذا ، لا يناسب إلا الصفوة التى ظفرت بتدريب عقلى أكسبها القدرة على إقامة البراهين . وأخيرا تأتى طريقة " المجادلة بالتى هى أحسن " . فلئن كانت الموعظة الحسنة اصلح الوسائل إلى " قلوب" الجمهور العريض ، ثم كانت " الحكمة " انسب الوسائل إلى " عقول " الصفوة ، فهنالك وسط بين الطرفين ، فلا هو من الصفوة الممتازة بقدرتها العقلية العلمية ، ولا هو من عامة الناس الذين لا يطيقون الاستماع إلى البراهين العقلية فى بطء سيرها ، وفى دقة لفظها ، إنما هو وسط بين بين . فهؤلاء يناسبهم ، لا أن تبدأ معهم من الصفر ، بل أن تبدأ معهم بنص معين ، أو بفكرة معينة ، تعلم أنهم على استعداد لقبولها بلا نقاش ، ثم تستخرج لهم من تلك المقدمة المسلم بها نتائجها التى تلزم عنها لزوما منطقيا ، فلا مفر عندئذ من قبولها .. فالآية الكريمة حين جعلت لكل درجة من درجات القدرة العقلية وسيلتها إلى قبول الفكرة الجديدة ، تضمن فيها أن ما يدركه فرد من الناس ، قد لا يستطيع إدراكه فرد آخر أو أفراد آخرون ، والذى يهمنا فى سياق حديثنا هذا ، هو ان نخلص إلى حق الفرد الواحد فى أن ينفرد وحده بفكرة معينة ، حتى ولو كانت تلك الفكرة مستعصية على الآخرين ، وحسبه فى ذلك انه " فرد " ضمنت له " الألف " التى هى أول حرف فى " أشهد أن لا إله إلا الله " أن تصان فرديته حتى ولو خالفه سائر أفراد البشر جميعا .
على أن هذا الحق الذى يبيح للفرد أن يتفرد بفكره وبعقيدته لا يمتد به إلى دنيا العمل تطبيقا لذلك الفكر او لتلك العقيدة ، لأن دنيا العمل هى على الاغلب دنيا الناس ، اللهم إلا إذا حصر صاحبنا نفسه فى عالم مغلق لا شأن لأحد به ، أما ما دامت دنيا العمل شاملة لأفراد آخرين ، فهاهنا يصبح لكل منهم نفس الحق الذى هو لصاحب الفكرة او العقيدة ، الذى انفرد وحده بما رأى وما اعتقد . فدنيا الناس المشتركة ، والتى هى مجال الحياة العلمية ، من حقها أن تسير وفق متوسط الرأى عند معظم الجمهور _ وذلك هو الرأى العام _ دون أن يكون فى ذلك حرمان للفرد المختلف برأيه من الدعوة إلى فكرته بالوسائل المشروعة ، لعل يوما يجىء ، وتحل فيه الفكرة الجديدة محل الفكرة القديمة ، وتصبح بدورها هى " الرأى العام " .
إننى ما ذكرت مرة هذه المفارقة العجيبة بين الرأى الفردى والرأى العام ، إلا وذكرت معها موقفا رائعا لسقراط ، وهو فى سجنه على وشك أن ينفذ فيه الحكم بالموت ، وهو حكم قضت به محاكم أثينا ، استجابة " للرأى العام " الذى وجد فى سقراط خطرا على تقاليدها الفكرية . وكانت المحكمة التى أصدرت عليه حكمها بالموت ، قد طلبت منه أن يعارض هذا الحكم باقتراح من عنده ، لتحدث الموازنة بين الحكمين ، ثم يكون الرأى الأخير النافذ ، فأجابها سقراط بسخريته المعروفة _ إن اقتراحى هو أن تنفق على أثينا ، لأننى أعلمها ما فيه خير لها ، أقول : إنه حين دنا موعد تنفيذ الحكم بالموت مسموما ، أنبأه بعض الأثرياء من أتباعه ، بأنهم قد مهدوا الطريق لفراره من السجن ، حتى يخرج من أثينا سالما ، فعجب لأمرهم ، ولم يتردد فى رفض ما عرضوه قائلا لهم : إنه إذ يحاول جهده ان تغير أثينا من قوانينها وتقاليدها ما من شأنه أن يعرقل سيرها نحو ما هو أفضل ، إلا أنه يظل ملتزما بالعمل فى ظل تلك القوانين ، إلى أن تتغير عن اقتناع من أبنائها .
ذلك هو المثل الأعلى فى العلاقة بين الرأى الفردى والرأى العام . فللفرد حريته الكاملة فى عرض الفكرة التى يراها صالحة ومصلحة لحياة الناس ، ولجمهور الناس حق القبول والرفض ، دون أن يتعرض صاحب الفكرة للأذى . إن للرأى العام حرمته وقيمته ، ولكن ليس له شىء من التقديس الذى يتوهمه له من يتوهم ، فليس الرأى العام تنزيلا من التنزيل ، بل هو رأى ينقد ، ويتغير إذا ألزمته الظروف المستحدثة أن يتغير . أما قيمته التى أشرنا إليها ، فهى أنه صمام للأمان من العثرات القاتلة . فليس كل جديد تأتى به الحضارة الجديدة فى أى عصر تنشأ فيه حضارة غير الحضارة التى يكون لها السيادة عندئذ ، أقول : إنه ليس كل جديد مقطوعا له بالصواب منذ أول ظهوره ، بل الأمر مرهون بالتجربة خلال الممارسة العملية ، فإما ثبت ذلك الجديد ، وإما أهمل وترك ليزول ، وهنا يكون للرأى العام قيمته الحضارية ، لأنه رأى بطبيعته أميل للتمسك بما هو قائم ، فهو _ عادة _ يبادر برفض القادم الجديد، حتى إذا ما أخذ ذلك القادم الجديد يتسلل فى حياة الناس قطرة قطرة ، ويقابل بالرضا شيئا فشيئا ، أرخى الرأى العام قبضته الحديدية على القديم . تلك هى القيمة الكبرى للرأى العام وجموده النافع ، إلا أنه لا بد فى الوقت نفسه للجديد أن يتسلل ولو خلسة ، لكى يوضع تحت الامتحان . فمن الذى يفتح له الثقوب التى يتسلل منها خلال الجدران المصمتة ؟ إنهم أفراد اخلصوا للفكر إخلاصهم لشعبهم الذى هم من أبنائه . ولعلنا نلحظ خلال القرن الأخير كله ، ظواهر تدل على قيام الحالة التى وصفتها لتوى ، وهى أن جديدا يتسلل إلينا ، رذاذا احيانا ، وغيثا منهمرا أحيانا أخرى ، وهذا وذاك يقابله الرأى العام بالرفض الشفوى من ناحية ، وبأخذه واستخدامه فى الحياة العملية من ناحية أخرى ، ولست أشك لحظة فى أن النصر آخر الأمر هو للجديد النافع ، وستذهب صيحات الرفض أدراج الرياح .
حدث لى فى إحدى اللجان الرسمية التى كنت عضوا من أعضائها ، أن كان الموضوع المطروح هو مطالبة الدولة بأن تكفل حرية الفرد فى التعبير عن فكره ، فأبديت رأيا أعلق به على الحوار الدائر ، فقلت : إنها ليست الدولة التى تكمم الأفواه عن الفكر الحر ، بقدر ما هو " الرأى العام " . وهذا الرأى العام لا يفك عنه الجمود قوانين تصدرها الدولة ، بل يفعل ذلك بعلم وإعلام . ولعلنى قلتها فى مناسبة سابقة مما كتبته ، وأعنى تلك الظاهرة العجيبة فى حياتنا الثقافية ، وهى أن التعليم قد ازداد اتساعا ، والأفراد الأفذاذ قد ازدادوا عددا فى كل ميدان من ميادين حياتنا ، مما يشهد بنجاح نسبى لحركة التعليم فى بلادنا . لكن الأمر الذى يدعو إلى العجب حقا ، هو أن " الرأى العام " لم يكد يتقدم قيد أنملة فى أواخر القرن عنه فى أوائله . ولذلك فقد يحدث أن ترى العالم من علمائنا قديرا فى علمه وهو فى ميدانه ، لكنه ما إن يفرغ من واجبه إزاء تخصصه العلمى ، حتى يسرع الخطى لينخرط مع الرأى العام فيما هو غارق فيه من تهاويم قد تبلغ أحيانا كثيرة حد الخرافة العمياء .
وسر ذلك هو أن الفكرة إذا جاء بها إلى الناس فرد يحمل رؤية حضارية معاصرة ، لم يستطع أن ينفذ بها إلى عامة الجمهور ، وبين تلك العامة ـ من الناحية الثقافية ـ أعداد ضخمة ممن تلقوا تعليمهم في المدارس والجامعات ، كاملا أو منقوصا ، إذا كانت عامة الجمهور في شبة احتكار لجماعة وجدت مكانتها وأرزاقها وشهرتها ومناصبها في الدعوة إلى بعث الماضي لتعيش فيه ، لا لمجرد استلهامه وتشرب قيمه المبثوثة في نصوصه . ولكي يزيدوا موقفهم رجحانا وقوة ، مزجوا ذلك بسلامة الإيمان الديني ، وبحرارة الشعور الوطني في آن واحد . نعم ، إنه لا مراء في أن إحياء الروح الديني وقيم الأسلاف ضرورة لا غنى عنها في ترسيخ الشعور القومي ، وتثبيت الهوية الخاصة بنا ،ولكن أبناء النصف الأول من هذا القرن عرفوا كيف يضيفون إلى ذلك الأساس الضروري ، أقباسا قبسوها من ثقافة العصر ، فكاد الميزان الثقافي الجديد تعتدل له كفتاه ، لكن جاءت هذه الموضة التي تغمرنا اليوم ، والتي أزعم أنها قد استمدت قوتعا من هزيمة 1967 التي زعزعت فينا الثقة بالنفس ، وأقول : إن هذه الموجة الجديدة جاءت لتحذف من المركب الثقافي ذلك الجانب العصري ، ولتشكك الناس في طواياه ونواياه ،حتى لقد أصبح الفرد السابح بثقافته مع توازن النهضة في العشرينات والثلاثينات إنما يسبح ضد التيار ، ويعرض نفسه لغضب الرأي العام وسخطه ،فتراه في معظم الحالات يلوذ بالصمت وإيثار السلامة ، متجاهلا ـ أمام غضب الجمهور العام ـ انه فرد مسئول امام ضميره وأمام ربه ، بحكم قوله : "أشهد أن لا إله إلا الله " . المسلم مسلم لكونه أسلم إرادته لمشيئة الله ، وإننا لنخطئ خطأ خطير ، إذا أخذنا الظن بأن معنى ذلك هو أن يتجرد الإنسان من إرادته ، لأنه لو فعل ، لأصبحت عبادته لله ذاتها معدومة القيمة ، إذ هي في هذه الحالة عبادة تحولت إلى حركات يتحرك بها من لا إرادة له ، في حين أننا نعلم ان إعلان العابد لنيته بأن يعبد ، نقطة جوهرية في اداء تلك العبادة ، لأن إعلان النية مقدما ، كأن يقول القائم للصلاة :نويت الصلاة ، وأن يقوم المتأهب للصوم : نويت الصوم ،أقول إن إعلان النية مقدما معناه أن العابد يؤدي عبادته عن إرادة واعية وأختيار حر . إذن لابد أن يكون إسلام المسلم لإرادته لمشيئة الله ، ذا معنى آخر ، وهو أن المسلم يسخر إرادته لتحقيق ما أمر الله بأن يتحقق ، كما يدعونا أخلاصنا للوطن ـ مثلا ـ أن نوجه إرادتنا إلى فعل ما هو صالح للوطن .
على أن تسليم المسلم لإرادته ، لتتجه نحو ما يرضي الله ـ سبحانه ـ لا يشمل فيما يشمله من معان ، تسليم المسلم لعقله ، لأننا لو زعمنا ذلك كنا ننقض أنفسنا بأنفسنا . وشرح ذلك هو أن الإرادة ووظيفتها أن تضع الأهداف ، كأن يقول القائل : أريد بناء مسجد بما أنعم الله به علي من مال ، فإذا ما وضع الهدف ، بدأ العقل مسيرته في سبيل الوصول إلى ذلك الهدف ، من شراء للأرض الملائمة لبناء المسجد ، والاستعانة بمهندس معماري قادر ، وإنفاق على عمال البناء .. إلخ .
وهذه كلها خطوات من تصميم "العقل " في خدمة ما وقع عليه اختياره " الإرادة ". وواضح من هذا ان القوة العاقلة في الإنسان تفقد مبرر وجودها ، إذ هي لم تصب فاعليتها على رسم الخطوات المؤدية إلى تحقيق الأهداف ، فإذا لم يكن لمجتمع الناس في وقت معين ، أهداف معلومة وواضحة ، تبعثرت قوته العاقلة فى لت وعجن لا ينتهيان بالناس إلى رغيف من الخبز ، وكذلك إذا رأينا مجتمع الناس فى مرحلة معينة ذات أهداف معلومة وواضحة ، لكن عقولهم كالمخدرة بنعاس أو بيأس أو بضلالة وجهالة ، ظلت تلك الأهداف معلقة وكأنها احلام النائمين !!
المجتمع الذى يريد أن يخرط أفراده بمخرطة تسوى بينهم جميعا فى الفكر والسلوك ، كما يخرط النجار قوائم المقاعد والمناضد على مخرطة واحدة ، كى تصبح " طاقما " واحدا ، هو مجتمع يبعثر فى الهواء هبة الله لعباده . فإذا سألتنى : و كيف _ إذن _ تريد للأفراد الذين اختلفت أهواؤهم أن يصبحوا " امة " واحدة ؟ اجيبك بأن العلاقة كما اتصورها بين مختلف الأفراد وما يوحدهم فى أمة واحدة _ مصرية ، أو عربية ، أو إسلامية _ هى ان تكون " الوحدة " بمثابة " إطار " وأن يكون كل فرد بمثابة عجينة خاصة متميزة تنصب فى ذلك الإطار . فالصورة القومية واحدة ، والمضمونات الفردية متمايزة ، ويطوف بخاطرى الآن تشبيه جيد ، وهو أن تكون العلاقة بين الطرفين كالعلاقة بين الصورة الرياضية فى علم الجبر ، وما يملأ تلك الصورة نفسها من قيم عددية لتتعين وتتحدد فتصبح جزءا من علم الحساب . وبالطبع لا حصر للمضمونات العددية التى يمكن اختيارها لتملأ الصورة الجبرية المفرغة . فمثلا خذ هذه الصورة برموز الجبر :
( س + ص ) 2 = س2 + 2س ص + ص 2 ، فها هنا تستطيع أن تستبدل بالرمزين س ، ص أى عددين أردت ، فتتحول الصيغة الجبرية المفرغة لتصبح صيغة حسابية محددة كأن تختار _ مثلا _ العددين 2 ، 3 بدل الرمزين س، ص الصيغة التى أمامك ( 2+ 3 ) 2 = 4 + 12+ 9 = 25 . فالعلاقة بين الإطار الصورى فى الجبر ، ومضموناته العددية التى يمكننا أن نملأ بها ذلك الإطار والتى لا حصر لها ، هى كالعلاقة بين إطار قومى وأفراده ، فالإطار واحد ، والأفراد الداخلون به متمايزون ، وبهذا يحقق كل فرد فرديت الكاملة دون أن يخرج على الروح القومية الواحدة ، التى تجمع فى ظلها جميع الأفراد ، وبهذه الفردية المنتمية إلى أمتها يتحقق للإنسان المسلم ما كان متضمنا فى قوله : " أشهد أن لا إله إلا الله "...
سلام عليكم اخوتي في الدين ..
امتناني للدكتور احمد صبحي منصور على هذا المقال الطيب والذي ينم عن عدم التعنصر والتفرقة بين الانبياء
وموضوعي على النداء كما يلي
بسم الله الرحمن الرحيم
يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون ((سورة الجمعة اية 9 ))
فهنا لدينا ندء أما الاذان
بسم الله الرحمن الرحيم
واذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق (( سورة الحج اية 27 ))
والان قد علمنا أن للصلاة نداء وللحج اذان
لنعرف النداء هل هو صوت عالي ؟ او منخفض ؟ او ماذا يكون دعونا نستشهد بالايات
بسم الله الرحمن الرحيم
ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا
((سورة مريم اية 2-3 ))
بسم الله الرحمن الرحيم
فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ ** أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ ** فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ
((سورة القلم اية 21-22-23))
فالنداء هو الصوت المنخفض وليس الصوت العالي
اما الاذان ...
بسم الله الرحمن الرحيم
فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل اخيه ثم اذن مؤذن ايتها العير انكم لسارقون ((سورة يوسف اية 70))
واضح جدا من هذه الحال بأن المؤذن اراد ان يسمع من حوله بأنهم سرقوا بغض النظر عن التفاصيل الاخرى ضمن القصة
فالاذان صوت مرتفع وجاء في اية الحج
بسم الله الرحمن الرحيم
واذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق (( سورة الحج اية 27 ))
وواضح جدا ان الاذان صوت مرتفع ايضا
وبما أننا علمنا بأن للصلاة نداء وليس اذان فما رأيكم ثم اليكم ملاحظة انا لست عليكم بوكيل لكي انبهكم على ان تذكروا الله خمس مرات في اليوم ولماذا انبهكم
بسم الله الرحمن الرحيم
يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون ((سورة الجمعة اية 9 ))
(( إذا نودي للصلاة )) من يوم الجمعة فقط وليس كل الايام ... نحن نعلم ان الصلاة الجماعية هي الافضل اكيد
بسم الله الرحمن الرحيم
يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين (( سورة ال عمران اية 43 ))
ومن خلال فاتحة الكتاب . (اياك نعبد )) (( نستعين ))(( اهدنا ))
وإضافة اخيرة الى كلمة (( حي على الصلاة )) فمعنى كلمة (( حي )) في الاذان تعني ((هلموا))
بسم الله الرحمن الرحيم
اذ انتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب اسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله امرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وان الله لسميع عليم (( سورة الانفال اية 42 ))
وهنا لها معنى مختلف تماما .. وشيء اخير ما الفائدة من اذان المغرب ان كنت اذهب قبل أن يؤذن لكي الحق بالصلاة فإذا سمعت المؤذن وانا في البيت فلن الحق بالصلاة لإنهم بمجرد انتهاء الاذان تبدأ الصلاة
سلام عليكم
السلام عليكم و تحياتي للسيد أحمد صبحي منصور على هذا البحث الرائع كما عودنا على ذلك. مما فهمته من إجتهادكم يا أستاذ منصور أن شهادة أن محمدا رسول الله هي بدعة و ليست من الإسلام، أريد فقط أن أقول قبل البدء في إبداء رأيي أني لست مختص في القرآن و لا أحفظه عن ظهر قلب و إنما أستعمل بعض الأدوات الرقمية (Software tools) للبحت في القرآن و لذا قد يكون بحثي ناقصا لأني أعول على تلك الأدوات وهي مهما كانت من صنع بشر.
أريد هنا أن أسأل عن شهادة أن محمدا رسول الله بغض النظر عن موضوع الأذان، يقول الله سبحانه و تعالى في القرآن : (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (آل عمران 86) ألا نفهم من هذه الآية القرآنية أن المسلم يشهد أن الرسول حق و هو الاعتراف بأنه رسول من عند الله، و في سورة "المنافقون" يقول الله : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون 1) أليست هذه الآية تفيد أن المنافقين يشهدون كذبا أن محمد رسول الله و هذا يفيد أن المؤمنين يشهدون حقا و صدقا أن محمد رسول الله. ثم لماذا تكون شهادة أن محمدا رسول الله تفريق بين الرسل، أليست هي تصديق لما جاء به النبي محمد صلى الله عليه و سلم من قرآن و إيمان بالله و ملائكته و رسله.
لقد أثبتم في بحثكم أن الأذان قد أضيف إليه مقاطع ثم غيرت ثم حذفت ثم أضيفت مقاطع أخرى ثم غيرت ثم حذفت... بأهواء السلاطين و أثبتم ذلك من خلال كتب التاريخ و هو دليل على أنه أريد التلاعب بالأذان و تحريفه و أعتقد أنكم وفقتم لذلك، أما فيما يخص مقطع "أشهد أن محمدا رسول الله" فهو إجتهادا منكم حرصا منكم على إخلاص التوحيد لله و لكني لا أرتاح لهذا مع كل إحترامي لكم و تقديري لإجتهاداتكم الكثيرة و الصائبة و دوركم الرائد من أجل إصلاح الأمة الإسلامية.
أرجوا أن يتقبل الأستاذ أحمد صبحي منصور تدخلي بصدر رحب و أن يجيبني بنفسه لأني أعتقد أنه من أنزه علماء المسلمين و أكفأهم، و السلام على كل محبي القرآن
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5095 |
اجمالي القراءات | : | 56,283,138 |
تعليقات له | : | 5,427 |
تعليقات عليه | : | 14,786 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
سيبويه وتأكيد منهج الخليل بن أحمد فى هجر القرآن الكريم
الخليل بن أحمد العبقرى العربى مبتدع علمى النحو و العروض
دعوة للتبرع
تناقض فى الرّق: اللاف ت للنظر عن موضوع الرق وملك اليمي ن وما...
إبن أصل : نقول فى مدح شخص إنه (إبن ناس ) . ما هى جذور هذه...
رؤية الله جل وعلا: لماذا لا يستطي ع البشر رؤية الله في الدني ا ،...
خُلُق : البخا رى عليه اللعن ة ينسب اشياء بشعة للنبى...
الوسوسة : هل يوجد فرق بين وساوس الشيط ان وما يسميه...
more
شكرا لك أخي الحبيب الدكتور أحمد على هذا البحث في التراث،
في الحقيقة من زمان كنت أتسائل عن صيغة الأذان كيف كان في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لأن الأنواع الكثيرة من الأذان لدليل قاطع على أنه استُحدث فيه ما لم يكن في زمن النبي عليه الصلاة والتسليم بما جاء به، مثل اقتران الشهادة بوحدانية الله تعالى بالشهادة لمحمد رسول الله، وهذا يعتبر تفريق بين رسل الله، رغم أن الآية واضحة في ذلك: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)."285" البقرة.
هل كان الرسول يقول أشهد أن محمدا رسول الله، أم كان يقول أشهد أني رسول الله؟ وهل الداخلون في دين الله أفواجا كانوا يقولون أمامه أشهد أنك رسول الله، أم أنهم كانوا يقولون أشهد أن محمدا رسول الله؟