تفسير سورة المؤمنون

رضا البطاوى البطاوى Ýí 2010-02-26


                                  سورة المؤمنون

سميت بهذا الاسم لذكر المؤمنون فى أولها بقوله "قد أفلح المؤمنون ".

"بسم الله الرحمن الرحيم قد أفلح المؤمنون الذين هم فى صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون"المعنى قد فاز المصدقون بحكم الله الذين هم لدينهم مطيعون والذين هم للباطل تاركون والذين هم للحق صانعون والذين هم لعروضهم حامون إلا على زوجاتهم أى ما تصرفت أنفسهم فإنهم غير معاقبين فمن عمل غير ذلك فأولئك هم المجرمون والذين هم لمواثيقهم أى عقدهم محافظون والذين هم لدينهم يطيعون أولئك هم المالكون الذين يسكنون الجنة هم فيها مقيمون ،يبين الله للناس أنه قد أفلح المؤمنون أى قد فاز برحمة الله المصدقون بحكم الله وهم المتزكون مصداق لقوله بسورة الأعلى "قد أفلح من تزكى "وفسرهم الله أنهم الذين هم فى صلاتهم خاشعون والمراد الذين هم لدينهم مطيعون أى متبعون له دائما مصداق لقوله بسورة المعارج "الذين هم فى صلاتهم دائمون"وفسرهم بأنهم عن اللغو معرضون والمراد للباطل تاركون أى عن الظلم مبتعدون وفسرهم بأنهم للزكاة فاعلون أى للحق صانعون والمراد للعدل محكمون وفسرهم بأنهم الذين هم لفروجهم وهى أعراضهم عند الجماع حافظون أى صائنون إلا مع أزواجهم وهى نسائهم  أى ما ملكت أيمانهم وهن اللاتى تصرفت فيهن أنفسهن وهن أنفسهن الزوجات فهن من عقد الأزواج عليهم الأيمان فهن من عقدوا عليهم عقدة النكاح  فهم غير ملومين أى غير معاقبين بالجلد فمن ابتغى وراء ذلك والمراد فمن جامع غير زوجاته فأولئك هم العادون وهم المجرمون المستحقون للعقاب والمؤمنون هم الذين لأماناتهم وفسرها بأنها عهدهم وهى مواثيقهم أى عقدهم مع الله راعون أى مطيعون وفسرهم بأنهم على صلاتهم يحافظون أى لدينهم وهو عهدهم يطيعون دوما ولذا فهم الوارثون أى المالكون الذين يرثون الفردوس أى الذين يسكنون أى يملكون الجنة مصداق لقوله بسورة المعارج "والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك فى جنات مكرمون "وهم فيها خالدون أى مقيمون أى ماكثون فيها أبدا مصداق لقوله بسورة الكهف "ماكثين فيها أبدا "والخطاب وما بعده وما بعده للناس.

"ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين "المعنى ولقد أنشأنا البشر من تراب ثم خلقناه منى فى مسكن حفيظ ،يبين الله أنه خلق الإنسان من سلالة من طين والمراد أنشأ البشر من قطعة من عجين التراب مصداق لقوله بسورة الحج "فإنا خلقناكم من تراب "وبعد ذلك تحولت قطعة الطين الذى منه طعام الإنسان إلى ماء مهين هو النطفة أى المنى مصداق لقوله بسورة السجدة "ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين "وهذه النطفة أى الجزء من المنى أصبح فى قرار مكين أى رحم حافظ له من الأخطار .

"ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا أخر فتبارك الله أحسن الخالقين "المعنى ثم حولنا المنى مرفوعة فحولنا المرفوعة لحما فحولنا اللحم عظاما فغطينا العظام بلحم ثم خلقناه شيئا أخر فدام الرب أفضل المصورين ،يبين الله أنه خلق النطفة علقة أى حول جزء المنى المسمى البويضة والحيوان المنوى فى عصرنا لقطعة مرفوعة فى وسط الرحم بواسطة الحبل السرى وبعد ذلك خلق العلقة مضغة أى حول المرفوعة لقطعة لحم تشبه قطعة اللحم التى تظهر فيها آثار الأسنان وبعد ذلك حول المضغة عظاما والمراد حول بعض من قطعة اللحم لأجزاء صلبة بدليل قوله بسورة الحج "من مضغة مخلقة وغير مخلقة "فالمضغة المتحولة هى الجزء المخلق وأما الجزء غير المخلق فحدث له أن الله كسى أى غطى به العظام لحما والمراد غطى الأجزاء الصلبة بأجزاء لينة وبعد ذلك أنشأه خلقا أخر والمراد خلقه خلقا مختلفا والمراد وضع فى الجسم النفس التى هى شىء مختلف عن الجسم  ويبين لنا أنه تبارك أحسن الخالقين أى دام أفضل المبدعين .

"ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون "المعنى ثم  إنكم بعد ذلك لمتوفون ثم إنكم يوم البعث عائدون ،يبين الله للناس أن بعد خلقهم ميتون أى متوفون مصداق لقوله بسورة الحج "ومنكم من يتوفى "ثم فى يوم القيامة وهى البعث تبعثون أى تحيون مرة ثانية للحساب  والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للناس.

"ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين "المعنى ولقد أنشأنا أعلاكم سبع سموات وما كنا عن العباد ساهين ،يبين الله للناس أنه خلق فوقنا سبع طرائق والمراد بنى أعلانا سبع سموات شداد مصداق لقوله بسورة النبأ "ولقد بنينا فوقكم سبعا شدادا "والله ما كان عن الخلق غافلا والمراد ما كان عن عمل العباد ناسيا أى غائبا مصداق لقوله بسورة مريم "وما كان ربك نسيا ".

"وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه فى الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون "المعنى وأسقطنا من السحاب مطر بحساب فحفظناه فى الأرض وإنا على إفناء له لفاعلون ،يبين الله للناس أنه أنزل من السماء وهى السحاب ماء أى مطر فأسكنه أى فسلكه ينابيع فى الأرض مصداق لقوله بسورة الزمر "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع فى الأرض "وهذا يعنى أن الله حفظ الماء فى مجارى المياه فى اليابس وهو على ذهاب به قادر والمراد وهو لإفناء الماء مريد فاعل إن أراد .

"فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون "المعنى فخلقنا لكم بالماء حدائق من نخل وأعناب لكم فيها منافع عديدة ومنها تطعمون ،يبين الله للناس أنه أنشأ لهم به والمراد خلق لهم بالماء جنات وهى حدائق من النخيل والأعناب ولنا فيها فواكه كثيرة والمراد ولهم من أشجار النخل والعنب منافع عديدة كشرب العصير والخشب للأثاث والظل للجلوس ومنها نأكل أى نطعم الثمار .

"وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ لآكلين "المعنى ونبتة تنبت فى أرض سيناء تعطى الزيت وطعام للطاعمين ،يبين الله للناس أنه أنبت بالماء شجرة تخرج من طور سيناء والمراد نبات ينبت من أرض جبل سيناء وهذه الشجرة تعطى الناس الدهن وهو الزيت صاحب الاستعمالات المتعددة والصبغ للآكلين وهو الطعام للطاعمين والمراد أن ثمار الزيتون طعام للناس والخطاب وما بعده وما بعده للناس.  

"وإن لكم فى الأنعام لعبرة نسقيكم مما فى بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون"المعنى وإن لكم فى الأنعام لآية نرويكم من الذى فى أجوافها ولكم فيها فوائد عديدة ومنها تطعمون وعليها وعلى السفن تركبون،يبين الله للناس أن فى الأنعام عبرة أى آية والمراد برهان على قدرة الله هو أنه يسقينا مما فى بطونها أى يروينا من الذى فى أجوافها لبنا خالصا ولنا فيها منافع كثيرة أى فوائد متعددة ومن الفوائد أن منها تأكلون أى من لحمها وجبنها وسمنها وغيره يطعمون ومن الفوائد أن عليها وعلى الفلك وهى السفن يحملون أى يركبون مصداق لقوله بسورة الزخرف "وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ".

"ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون "المعنى ولقد بعثنا نوحا (ص)لشعبه فقال يا شعبى أطيعوا الرب ليس لكم من رب سواه أفلا تفهمون ؟يبين الله للنبى(ص)أنه أرسل نوح (ص)إلى قومه وهم شعبه فقال لهم يا قوم أى يا شعبى اعبدوا الله أى اتبعوا حكم الرب ما لكم من إله غيره أى ليس لكم خالق سواه أفلا تتقون أى "أفلا تعقلون"كما قال بسورة يس وهذا يعنى أنه أمرهم بطاعة الله وحده وترك طاعة ما سواه والخطاب فى القصص للنبى(ص)ومنه للناس .

"فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا فى آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين "المعنى فقال الكبار الذين كذبوا من شعبه ما هذا إلا إنسان شبهكم يحب أن يتميز عليكم ولو أراد الرب لأرسل ملائكة ما علمنا بهذا فى آباءنا السابقين إن هو إلا ذكر به سفاهة فانتظروا به حتى موعد موته ،يبين الله للنبى(ص)أن الملأ وهم السادة الذين كفروا أى كذبوا بحكم الله من قومه وهم شعبه قالوا ما هذا إلا بشر مثلكم والمراد ما هذا إلا إنسان شبهكم يريد أن يتفضل عليكم أى يحب أن يتميز عليكم وهذا يعنى أن هدف نوح(ص)فى رأيهم هو أنه يحب التميز والتعظم على بقية الناس وقالوا ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا فى أبائنا الأولين والمراد ولو أراد الرب لأرسل ملائكة ما علمنا بهذا فى دين آبائنا السابقين وهذا يعنى أن الله لو أحب أن يرسل رسلا إليهم لجعل هؤلاء الرسل من الملائكة ويعنى أنهم لم يعلموا فى دين الأباء بأن الله أرسل بشر للناس وقالوا إن هو إلا رجل به جنة والمراد إن هو إلا ذكر به سفاهة وهذا يعنى إتهامهم لنوح (ص)بالجنون وقالوا فتربصوا به حتى حين أى فانتظروا حتى موعد يموت فيه فينتهى أمره .

"قال رب انصرنى بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيينا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون "المعنى قال إلهى أنجنى بما كفروا بى فألقينا له أن ابن السفينة برعايتنا وقولنا فإذا أتى حكمنا أى خرج الماء فاركب فيها من كل فردين اثنين وأهلك إلا من مضى فيه الحكم منهم ولا تنادينى فى الذين كفروا إنهم هالكون ،يبين الله للنبى(ص)أن نوح (ص)دعا الله فقال رب انصرنى بما كذبون والمراد خالقى أيدنى بسبب ما كفروا بى وهذا يعنى أنه طلب من الله أن ينصره على الكفار لإهلاكهم مصداق لقوله بسورة نوح"رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا "فأوحى أى فألقى الله له وحيا قال له فيه اصنع الفلك بأعيينا أى وحينا والمراد ابن السفينة بأمرنا أى قولنا وهذا يعنى أن الله أمر نوح(ص)أن يبنى السفينة حسبما يقول له فى الوحى المنزل وقال له فى الوحى فإذا جاء أمرنا أى فإذا أتى عقابنا أى فار التنور أى خرج الماء والمراد طغا الماء فافعل التالى اسلك فى الفلك والمراد اركب فى السفينة من كل نوع زوجين أى فردين اثنين أى ذكر وأنثى وأهلك وهى عائلتك إلا من سبق عليه القول منهم والمراد إلا من صدق فيه الحكم منهم وهذا يعنى أن ركاب السفينة هم ذكر وأنثى من كل نوع وأهل نوح (ص)عدا من قال الله فى الوحى أنهم لا يؤمنون وهم ابنه وزوجته وقال له ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون والمراد ولا تدعونى لأجل الذين كفروا إنهم هالكون وهذا يعنى أنه يطلب منه ألا يدعوه طالبا منه أن يغفر لولده أو لزوجته وقد خالف نوح (ص)هذا النهى فيما بعد رغم تحذير الله له .

"فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلنى منزلا مباركا وأنت خير المنزلين "المعنى فإذا ركبت أنت ومن معك فى السفينة فقل الطاعة لله الذى أنقذنا من الشعب الكافرين وقل إلهى اسكنى سكنا مقدسا وأنت أفضل المسكنين ،يبين الله للنبى(ص)أنه قال لنوح (ص)فى الوحى فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك والمراد فإذا ركبت أنت ومن معك فى السفينة فقل الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين والمراد فقل الطاعة لحكم الرب الذى أنقذنا من الناس الكافرين وهذا يعنى أنه طلب منه ومن المسلمين أن يحمدوه بسبب إنقاذه لهم وطلب منه أن يقول رب أنزلنى منزلا مباركا وأنت خير المنزلين والمراد اسكنى سكنا مقدسا وأنت أحسن المسكنين وهذا يعنى أن الله طلب منه أن يدعوه طالبا أن يسكنه فى مكان مقدس وهذا يعنى أن المكان الذى رست فيه سفينة نوح(ص)هو مكان مبارك وهو مكة وهذا يعنى أنه عاش فى مكة بعد الطوفان .

"إن فى ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين ثم أنشأنا من بعدهم قرناء أخرين فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون "المعنى إن فى ذلك لعبر وإن كنا لمختبرين ثم خلقنا من بعدهم أفرادا أخرين فبعثنا فيهم مبعوثا منهم أن أطيعوا الله ما لكم من رب سواه أفلا تطيعون ؟يبين الله للنبى(ص)أن فى ذلك وهو قصة نوح(ص)مع قومه آيات أى عظات أى عبر للناس ويبين له أنه كان مبتلى أى مختبر الناس بشتى أنواع الاختبارات ليعلم مسلمهم من كافرهم ويبين له أنه أنشأ من بعدهم قرناء أى ناسا أخرين من بعد هلاكهم فأرسلنا فيهم رسولا منهم والمراد فبعثنا لهم مبعوثا منهم فقال لهم اعبدوا أى اتبعوا حكم الله ما لكم من رب غيره والمراد أطيعوا حكم الرب ليس لكم من خالق سواه أفلا تتقون أى "أفلا تعقلون"كما قال بسورة يس وهذا يعنى أنه طلب منهم نفس ما طلب نوح(ص)من قومه وهو عبادة الله وحده وترك عبادة غيره .

"وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الأخرة وأترفناهم فى الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون منه ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون "المعنى وقال السادة من شعبه الذين كذبوا أى كفروا بجزاء القيامة ومتعناهم فى المعيشة الأولى ما هذا إلا إنسان شبهكم يطعم مما تطعمون منه ويرتوى مما ترتوون منه ولئن اتبعتم إنسانا شبهكم إنكم إذا لمعذبون ،يبين الله للنبى(ص)أن الملأ وهم السادة من قوم أى شعب الرسول (ص)الذين كفروا أى كذبوا حكم الله وهم الذين كذبوا بلقاء الآخرة أى الذين كفروا بجزاء القيامة وأترفهم فى الحياة الدنيا والمراد ومتعهم الله فى المعيشة الأولى مصداق لقوله بسورة القصص "متعناه متاع الحياة الدنيا "قالوا ما هذا إلا بشر مثلكم أى ما هذا إلا إنسان شبهكم يأكل مما تأكلون أى يطعم من الذى تطعمون منه ويشرب مما تشربون أى ويرتوى من الذى ترتوون منه ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون والمراد ولئن اتبعتم حكم إنسان شبهكم إنكم إذا لمعذبون،ونلاحظ أن هذا الرد هو نفسه رد قوم نوح(ص)وهذا يعنى أن ردود الكفار عبر مختلف العصور واحدة وهم هنا يركزون على تساوى الرسول (ص)فى البشرية مع الناس ويجعلون ذلك سبب فى عدم تميزه عليهم ويتناسون متعمدين أنهم تميزوا على الضعاف بالرئاسة والغنى ولم يشركوهم فيهم مع أنهم بشر مثلهم ،أضف لهذا أنهم جعلوا نتيجة طاعة الإنسان خسارة مع أن الضعاف يطيعونهم وهم أناس مثل الإنسان الذى هو الرسول ومن ثم فهم يتعمدون تشويه الحقائق ويهددون الناس بالخسارة وهى التعذيب لردهم عن الدين .

"أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر "المعنى أيخبركم أنكم إذا توفيتم وكنتم غبارا وفتاتا أنكم عائدون محال محال الذى تخبرون إن هى إلا معيشتنا الأولى نتوفى ونعيش وما نحن بعائدين ،يبين الله للنبى(ص)أن السادة سألوا الضعاف :أيعدكم أنكم إذا متم والمراد هل يخبركم أنكم إذا توفيتم وكنتم ترابا وعظاما أى رفاتا وفتاتا مصداق لقوله بسورة الإسراء "أإذا كنا عظاما ورفاتا "أنكم مخرجون أى أنكم مبعوثون للحياة مصداق لقوله بسورة الإسراء "أإنا لمبعوثون "هيهات هيهات والمراد مستحيل مستحيل ما توعدون أى تخبرون وهذا يعنى أنهم يطلبون منهم التكذيب بالبعث دون أى حجة أو برهان وهو ما يعنى أن يطيعوا كلامهم مع أنهم ناس مثل الرسول الذى نهوهم عن طاعته وقالوا للضعاف إن هى إلا حياتنا الدنيا أى معيشتنا الأولى والمراد ليس لنا سوى حياة واحدة هى حياتنا فى الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين والمراد نتوفى ونعيش فى الدنيا وما نحن براجعين للحياة مرة أخرى وهذا يعنى أنهم يقولون أنهم يعيشون ثم يموتون وبعد ذلك ليس هناك حياة أخرى بعد الموت

"إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين "المعنى إن هو إلا ذكر نسب إلى الله باطلا وما نحن له بمصدقين ،يبين الله للنبى(ص)أن السادة قالوا للضعاف عن رسولهم إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا أى إن هو سوى إنسان نسب إلى الرب باطلا وهذا يعنى أنهم يتهمون الرسول (ص)بتأليف الوحى ثم نسبته لله وقالوا وما نحن له بمؤمنين أى بمصدقين وهذا يعنى أنهم يطلبون منهم أن يكذبوا الرسول كما يكذبونه

"قال رب انصرنى بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين ثم أنشأنا من بعدهم قرونا أخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون "المعنى قال إلهى أنجنى بما كفروا بى قال بعد قليل ليكونن متحسرين فأهلكتهم الرجفة بالعدل فجعلناهم حطاما فسحقا للناس الكافرين ثم خلقنا من بعدهم ناسا أخرين ما تتقدم من فرقة موعدها وما يستأجلون ،يبين الله للنبى(ص)  أن رسول القوم دعا الله فقال رب انصرنى بما كذبون أى خالقى أيدنى بسبب ما كفروا برسالتى وهذا يعنى أنه طلب من الله أن ينقذه ويعاقب الكفار كما فعل نوح(ص)فقال الله عما قليل ليصبحن نادمين والمراد بعد وقت قصير ليكونن معذبين فأخذتهم الصيحة بالحق والمراد فأهلكتهم الرجفة جزاء عادلا مصداق لقوله بسورة الأعراف "فأخذتهم الرجفة "فجعلناهم غثاء والمراد فخلقناهم حطاما فبعدا للقوم الظالمين أى فسحقا للناس الكافرين والمراد أن العذاب للكفار ثم أنشأنا من بعدهم قرونا أخرين والمراد ثم خلقنا من بعد موتهم قوما أخرين مصداق لقوله بسورة الأنبياء "وأنشأنا بعدها قوما أخرين "ويبين أن ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون والمراد ما تتقدم من جماعة موعدها وما يستأجلون وهذا يعنى أن لا أحد يموت بعد أو قبل موعده المحدد من الله .

"ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون "المعنى ثم بعثنا مبعوثينا متتابعين كل ما أتى جماعة نبيها كفروا به فألحقنا بعضهم ببعض وجعلناهم قصص فسحقا لناس لا يصدقون ،يبين الله للنبى(ص)أنه أرسل رسله تترا والمراد أنه بعث أنبيائه متتابعين كلما جاء أمة رسولها كذبوه والمراد كلما أتى جماعة نبيها كفروا برسالته فكانت النتيجة أن أتبعناهم أى فألحقناهم بعضهم بعضا فى النار وجعلناهم أحاديث والمراد وجعلناهم قصص تروى لأخذ العظات منها ويبين لهم أن البعد وهو السحق أى العذاب هو لقوم لا يؤمنون أى لا يصدقون بحكم الله.

"ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملائه فاستكبروا وكانوا قوما عالين قالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون فكذبوهما فكانوا من المهلكين "المعنى ثم بعثنا موسى (ص)وأخاه هارون(ص)بعلاماتنا أى برهان عظيم إلى فرعون وقومه فاستعظموا أى كانوا ناسا ظالمين فقالوا أنصدق لإنسانين شبهنا وشعبهما لنا مطيعون فكفروا بهما فكانوا من المعذبين ،يبين الله للنبى(ص)أنه أرسل أى بعث كل من موسى (ص)وهارون (ص)أخاه إلى فرعون وملائه وهم قومه بآيات الله وهى علامات الله وفسرها بأنها سلطان مبين أى دليل عظيم أى برهان كبير فكان ردهم عليهما هو أن استكبروا أى استنكفوا تصديقهم والمراد استعظموا عليهم وفسر الله ذلك بأنهم كانوا قوما عالين أى شعبا كافرين والمراد أنهم كانوا شعبا مستكبرين فقال فرعون وملائه وهم قومه أنؤمن لبشرين مثلنا أى هل نصدق بإنسانين شبهنا وقومهما لنا عابدون أى وشعبهما لنا مطيعون فكانوا من المهلكين أى المعذبين وهذا يعنى أن الأسباب التى تدعوهم للكفر برسالة موسى (ص)وهارون (ص)هى كونهما ناس مثلهم لا يزيدون عليهم فى شىء بالإضافة إلى أن قومهما عابدون أى مطيعون لهم ومن ثم فإن المعبود لا يصبح عابد فى رأيهم ومن ثم كذبوهما أى كفروا بهما فكانوا من المهلكين وهم المعذبين فى الدنيا والآخرة .

"ولقد أتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون "المعنى ولقد أوحينا لموسى (ص)الهدى لعلهم يرشدون ،يبين الله للنبى(ص)أنه أتى موسى (ص)الكتاب والمراد أنه أعطاه التوراة وهى الهدى أى الفرقان مصداق لقوله بسورة غافر "ولقد أتينا موسى الهدى "وقوله بسورة الأنبياء "ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان "والسبب لعلهم يهتدون أى يتذكرون أى يطيعون أحكام الكتاب مصداق لقوله بسورة القصص "لعلهم يتذكرون".

"وجعلنا ابن مريم وأمه آية وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين "المعنى وخلقنا ولد مريم (ص)ووالدته معجزة وأدخلناهما إلى جنة ذات دوام أى متاع ،يبين الله للنبى(ص)أنه جعل ابن مريم وأمه آية والمراد أنه خلق عيسى ولد مريم (ص)ووالدته مريم (ص)معجزة للناس حتى يؤمنوا وبعد ذلك أواهما إلى ربوة ذات قرار ومعين والمراد أسكنهما بعد الموت فى جنة ذات دوام ومتاع والمراد أدخلهم  فى جنة الخلود والنعيم

"يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنى بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون "المعنى يا أيها المسلمون اعملوا من النافعات أى اصنعوا حسنا إنى بما تصنعون خبير وإن هذه جماعتكم جماعة متحدة وأنا إلهكم فأطيعون ،يخاطب الله الرسل وهم المسلمين وهذا يعنى أن كل مسلم رسول إلى أى كافر يقابله فيقول كلوا من الطيبات أى اعملوا من الصالحات ويكرر الطلب فيقول اعملوا صالحا أى افعلوا خيرا مصداق لقوله بسورة الحج "افعلوا الخير"ثم يبين لهم أنه بما يعملون عليم  أى أنه بما يفعلون خبير مصداق لقوله بسورة النمل "إنه خبير بما تفعلون "وهو تحذير لهم حتى يعملوا الصالح ولا يعملوا السيىء لعلمه بكل شىء ومن ثم حسابهم على ذلك ويبين لهم أن أمتهم وهى جماعتهم أمة واحدة أى جماعة ذات دين متشابه لا يختلف من مسلم إلى أخر ويبين لهم أنه ربهم أى إلههم وعليهم  أن يتقوه أى يطيعوا حكمه أى يعبدوه مصداق لقوله بسورة الأنبياء "وأنا ربكم فاعبدون "والخطاب للمؤمنين.

"فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم فى غمرتهم حتى حين "المعنى فتنازعوا دينهم بينهم فرقا كل فريق بالذى عندهم مسرورون فاتركهم فى غفلتهم حتى وقت محدد ،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس بعد ان كانوا كلهم على دين واحد تقطعوا أمرهم بينهم زبرا والمراد فرقوا دينهم بينهم فرقا مصداق لقوله بسورة الروم "من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا "والمراد أن الدين الحق حوله الناس لقطع كل فريق له قطعة أى تفسير مخصوص للدين وكل حزب بما لديهم فرحون والمراد وكل فريق بالذى عندهم مستمسكون وهذا يعنى أن كل فريق محافظ على تفسيره للدين مطيع له ويطلب الله من نبيه (ص)أن يذرهم فى غمرتهم حتى حين والمراد أن يتركهم فى خوضهم وهو كفرهم يستمرون حتى موعد موتهم بعد أن أخبرهم بوحى الله مصداق لقوله بسورة الأنعام "ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون "والقول محذوف منه الجزء الأول معناه كان الناس أمة واحدة الدين والآية مقطوعة السياق بما قبلها وبعدها.

"أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون "المعنى أيظنون أنما نعطيهم من ملك وعيال نزيد لهم فى العطايا بل لا يعلمون ،يسأل أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات والمراد هل يعتقدون أنما نزودهم به من ملك وصبيان نزيد لهم فى المنافع ؟والغرض من السؤال هو إخبار النبى (ص)والمؤمنين أن إمداد الله للكفار بمال والعيال ليس الهدف منه الخير للكفار وإنما الهدف أن يزدادوا إثما كما قال بسورة آل عمران "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما"ويبين له أن الكفار لا يشعرون أى "لكن لا يعلمون "كما قال بسورة البقرة فهم لا يعرفون أن الله يستدرجهم  بهذا العطاء والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص).

"إن الذين من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون فى الخيرات وهم لها سابقون "المعنى إن الذين من عذاب خالقهم خائفون أى الذين هم بأحكام خالقهم يصدقون أى الذين هم بخالقهم لا يكفرون أى الذين يعملون ما أطاعوا ونفوسهم مطمئنة أنهم إلى خالقهم عائدون أولئك يتسابقون فى الحسنات وهم لها فاعلون ،يبين الله لنبيه (ص)أن المسلمين من خشية ربهم مشفقون والمراد من عذاب إلههم خائفون مصداق لقوله بسورة المعارج "والذين هم من عذاب ربهم مشفقون "وفسرهم بأنهم بآيات ربهم يؤمنون أى أنهم بأحكام الوحى المنزل من خالقهم يصدقون مصداق لقوله بسورة البقرة "والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك "وفسرهم بأنهم الذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة والمراد الذين يطيعون ما أطاعوا وهو حكم الله ونفوسهم مطمئنة مصداق لقوله بسورة يونس "ألا بذكر الله تطمئن القلوب "وهم إلى ربهم راجعون أى إلى جزاء خالقهم وهو الجنة عائدون وهم الذين يسارعون فى الخيرات أى هم  لها سابقون والمراد يتسابقون فى عمل الحسنات أى هم للحسنات فاعلون .

"ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون "المعنى ولا نحمل نفسا إلا طاقتها وعندنا سجل يقول العدل وهم لا يبخسون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها والمراد لا يفرض على فرد إلا طاقته وهو ما أتاه فى الوحى والله لديه كتاب ينطق بالحق والمراد والله عنده سجل يقضى بالعدل أى يقول القسط وهم لا يظلمون أى لا يبخسون مصداق لقوله بسورة هود"وهم فيها لا يبخسون ".

"بل قلوبهم فى غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب فإذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون قد كانت آياتى تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون "المعنى إن نفوسهم فى غفلة عن هذا ولهم أفعال من سوى هذا هم لها فاعلون حتى إذا أصبنا كفارهم بالعقاب إذا هم يتضرعون لا تتضرعوا الآن إنكم منا لا تنقذون قد كانت أحكامى تبلغ لكم فكنتم إلى أديانكم ترجعون مستعظمين عليه حكما تكذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قلوبهم فى غمرة عن هذا والمراد أن الكفار نفوسهم فى غفلة عن طاعة القرآن مصداق لقوله بسورة الأنبياء "وهم فى غفلة معرضون "ولذا لهم أعمال دون ذلك هم لها عاملون والمراد لذا لهم أفعال من غير القرآن هم لها فاعلون وهى أفعال الكفر حتى إذا أخذنا أى أنزلنا على مترفيهم وهم كفارهم العذاب وهو العقاب إذا هم يجأرون أى ينادون الله ليكشف العذاب فيقال لهم لا تجأروا اليوم أى لا تنادوا الآن لكشف العذاب إنكم منا لا تنصرون أى من عذابنا لا تنقذون وهذا يعنى أنه لا يستجيب لدعاء القوم لأنه أصدر حكمه بعدم نجاتهم من العذاب ويقال لهم أيضا قد كانت آياتى تتلى عليكم والمراد قد كانت أحكامى تبلغ لكم فكنتم على أعقابكم تنكصون والمراد فكنتم إلى أديانكم الضالة ترجعون لطاعتها مستكبرين أى مستعظمين على طاعة حكمى سامرا تهجرون أى حكما تكفرون به وهذا يعنى أن الوحى كان يبلغ للكفار فيرجعون إلى أعقابهم وهى أديانهم فى العمل ويرفضون طاعة حكم الله وقد جعلوا السامر وهو الوحى مهجورا أى متروكا لا يعمل به .

"أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت أباءهم أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون "المعنى هل لم يعلموا الوحى أم جاءهم الذى لم يجىء آباءهم أو لم يعلموا نبيهم (ص)فهم به جاهلون أن يزعمون به سفاهة ،لقد أتاهم بالعدل وأغلبهم للعدل باغضون ،يسأل الله أفلم يدبروا القول أى هل لم يفهموا الوحى ؟والغرض من السؤال إخبارنا أن القوم لم يطيعوا القرآن مصداق لقوله بسورة محمد"أفلا يتدبرون القرآن "ويسأل أم جاءهم ما لم يأت آباءهم والمراد هل أتاهم الذى لم يجىء آباءهم ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الوحى عبر العصور كان واحدا فما أتى الأباء أتى لهم ويسأل أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون والمراد هل لم يعرفوا نبيهم (ص)فهم به جاهلون والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار كانوا يعرفون الرسول (ص)معرفة شخصية ويعرفون أنه عاقل وليس مجنونا ويسأل أم يقولون به جنة أى سفاهة وهذا يعنى أنهم يتهمون النبى (ص)بالجنون وهو ما ليس فيه ويبين لنا أن النبى (ص)جاءهم بالحق والمراد لقد أتاهم بالعدل وأكثرهم  للحق كارهون أى ومعظمهم للعدل باغضون والخطاب وما بعده للمؤمنين.

"ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون "المعنى ولو أطاع الله أحكامهم لخربت السموات والأرض ومن فيهن لقد جئناهم بحكمهم فهم لحكمهم مخالفون ،يبين الله أن الحق وهو الله العدل لو اتبع أهوائهم والمراد لو أطاع شهوات الكفار لفسدت والمراد لدمرت السموات والأرض ومن فيهم من الخلق ويبين لنا أنه أتاهم بذكرهم والمراد جاءهم بحكمهم وهو الحق مصداق لقوله بنفس السورة "بل أتيناهم بالحق "فهم عن ذكرهم  وهو حكم الله لهم معرضون أى مخالفون وهذا يعنى أنهم مكذبون عاصون لحكم الله لهم .

"أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون "المعنى هل تطالبهم بمال فرزق خالقك أفضل وهو أحسن المعطين وإنك لترشد إلى دين عادل وإن الذين لا  يصدقون بالقيامة عن الدين لمنحرفون ،يسأل الله نبيه (ص)أم تسألهم خرجا أى هل تطالبهم بأجر أى مال مصداق لقوله بسورة الطور "أم تسألهم أجرا "والغرض من السؤال هو إخبار الكل أن لا مال مقابل إبلاغ الوحى ويبين له أن خراج ربه خير والمراد أن رزق إلهه أفضل مصداق لقوله بسورة طه"ورزق ربك خير "والله هو خير الرازقين أى أحسن المعطين المال للخلق ويبين له أنه يدعو الناس إلى صراط مستقيم والمراد أنه ينادى الناس لإتباع دين عادل هو الهدى مصداق لقوله بسورة الأعراف "وإن تدعوهم إلى الهدى "ويبين له أن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون والمراد إن الذين لا يصدقون بالقيامة للإسلام مخالفون وهذا يعنى تكذيبهم به .

"ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا فى طغيانهم يعمهون ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون "المعنى ولو نفعناهم أى أزلنا ما بهم من أذى لمضوا فى كفرهم يسيرون ولقد عاملناهم بالعقاب فما خضعوا لإلههم وما يعودون حتى إذا أسكناهم مقاما ذا عقاب أليم إذا هم فيها معذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لو رحم الكافرين والمراد لو نفع الكافرين وفسر هذا بأنه كشف ما بهم من ضر أى أزال الذى أصابهم من أذى لكانت النتيجة أن لجوا فى طغيانهم يعمهون والمراد لاستمروا فى كفرهم يسيرون وهذا يعنى استمرارهم فى الكفر وهو الشرك مصداق لقوله بسورة النحل "ثم إذا كشف عنكم الضر إذا فريق منكم بربهم يشركون "ويبين له أنه أخذهم بالعذاب والمراد أنه اختبرهم بالضرر فكانت النتيجة أنهم ما استكانوا أى ما أطاعوا حكم الله وفسر هذا بأنهم ما يتضرعون أى ما يتبعون حكم الله بسبب ما نزل بهم من عذاب ويبين له أنه إذا فتح عليهم بابا ذا عذاب شديد أى إذا أدخلهم مكانا صاحب عقاب مهين إذا هم فيه مبلسون أى معذبون أى محضرون مصداق لقوله بسورة سبأ"أولئك فى العذاب محضرون "والخطاب وما قبله للنبى(ص).

"وهو الذى أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون "المعنى وهو الذى خلق لكم العقل أى البصائر أى العقول قليلا ما تطيعون ،يبين الله للناس أنه هو الذى أنشأ أى خلق أى جعل لهم السمع وهو القلوب أى الأبصار أى الأفئدة وهى العقول لنطيع حكمه مصداق لقوله بسورة الملك "وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة "ويبين لهم أنهم قليلا ما يشكرون أى قليلا ما يطيعون حكم الله أى ما يتذكرون مصداق لقوله بسورة غافر "قليلا ما تتذكرون "والخطاب وما بعده  وما بعده للناس.

"وهو الذى ذرأكم فى الأرض وإليه تحشرون "المعنى وهو الذى خلقكم فى الأرض وإليه ترجعون ،يبين الله للناس أنه هو الذى ذرأهم أى خلقهم أى استخلفهم فى الأرض وهى البلاد مصداق لقوله بسورة الأنعام "وهو الذى جعلكم خلائف الأرض "وإليه تحشرون والمراد وإلى جزاء الله تعودون بعد الموت .

"وهو الذى يحيى ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون "المعنى وهو الذى يخلق ويتوفى وله تغير الليل والنهار أفلا تفقهون ؟يبين الله للناس أنه هو الذى يحيى أى يخلق الخلق وهو الذى يميت أى يتوفى الخلق وله اختلاف والمراد وبقدرته تغير الليل والنهار ويسألهم أفلا تعقلون أى "أفلا تذكرون "كما قال بنفس السورة والغرض من السؤال هو إخبارهم بوجوب التفكير فى قدرة الله وأنه وحده الإله الواجب الطاعة حيث لا إله غيره .

"بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين "المعنى لقد قالوا شبه ما تحدث السابقون قالوا هل إذا توفينا وأصبحنا فتاتا وعظاما هل إنا عائدون لقد أخبرنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أكاذيب السابقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا مثل ما قال الأولون والمراد تحدثوا بشبه ما تحدث الكفار السابقون حيث قالوا أإذا متنا أى هلكنا وكنا ترابا أى رفاتا أى فتاتا وعظاما مصداق لقوله بسورة الإسراء "أإذا كنا عظاما ورفاتا "أإنا لمبعوثون أى لعائدون للحياة أى مخرجون مصداق لقوله بسورة النمل "أإذا كنا ترابا وآباؤنا أإنا لمخرجون "لقد وعدنا أى أخبرنا نحن وآباؤنا هذا من قبل وهذا يعنى أن الرسل السابقين أخبروا آبائهم بنفس القول- إن هذا إلا أساطير الأولين وهى خلق أى أكاذيب السابقين مصداق لقوله بسورة الشعراء"إن هذا إلا خلق الأولين "وهذا يعنى أنهم يكذبون بالبعث ويعتبرونه كذب والخطاب للنبى(ص).

"قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله أفلا تتذكرون "المعنى قل لمن ملك الأرض ومن بها إن كنتم تدرون سيقولون ملك الله أفلا تعقلون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الكفار لمن الأرض ومن فيها والمراد من يملك الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون أى تعقلون مصداق لقوله بسورة آل عمران "إن كنتم تعقلون "ويبين له أنهم سيقولون أى سيجيبون ملك لله ويطلب منه أن يقول لهم أفلا تتذكرون أى "أفلا تعقلون "كما قال بنفس السورة والغرض من السؤال أن يخبرهم بتناقض أقوالهم فهم يرفضون طاعة حكم الله فى نفس الوقت الذى يعترفون بملكيته للكون ومن المعروف أن الملك لابد أن يطاع  والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"قل من رب السموات السبع رب العرش العظيم سيقولون الله قل أفلا تتقون "المعنى قل من خالق السموات السبع خالق الكون الكبير سيقولون لله قل أفلا تطيعون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الكفار من رب أى خالق السموات السبع رب أى خالق العرش العظيم أى الكون الكريم مصداق لقوله بنفس السورة "رب العرش الكريم "ويبين له أنهم سيقولون أى سيجيبون الله هو خالقهم ويطلب منه أن يسألهم أفلا تتقون أى "أفلا تذكرون "كما قال بنفس السورة والغرض من السؤال هو إخبارهم بوجوب طاعة حكم الله لأنه الخالق والخالق لا بد أن يطاع من مخلوقه.

"قل من بيده ملكوت كل شىء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون "المعنى قل من بأمره حكم كل مخلوق وهو ينصر ولا ينتصر عليه إن كنتم تعقلون سيجيبون لله قل فكيف تكفرون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الكفار من بيده ملكوت كل شىء والمراد من بأمره حكم كل مخلوق وهو يجير أى ينصر خلقه ولا يجار عليه أى ولا ينتصر عليه إن كنتم تعلمون أى تعقلون كما قال بسورة آل عمران "إن كنتم تعقلون"وهذا يعنى أن الله ملك كل شىء وهو المنتصر دائما ويبين له أنهم سيقولون أى سيجيبون لله ومن ثم عليه أن يسألهم فأنى تسحرون أى "فأنى تؤفكون "كما قال بسورة التوبة "والمراد فكيف تكفرون بحكم الله وأنتم تقرون بملكيته للكون والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون "المعنى لقد جئناهم بالعدل وإنهم لكافرون ،ما اصطفى الرب من ابن ،وما كان معه من شريك إذا لأخذ كل رب ما أنشأ ولكبر بعضهم على بعض ،تعالى الله عن الذى يقولون ،عارف الخفى والظاهر فارتفع عن الذى يعبدون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أتاهم بالحق والمراد أنه جاءهم بآياته وهى العدل مصداق لقوله بسورة الحجر "وأتيناهم بآياتنا "وإنهم لكاذبون أى لكافرون أى لمعرضون مصداق لقوله بسورة الحجر "فكانوا عنها معرضين "ويبين لنا أنه ما اتخذ من ولد أى ما أنجب من ابن مصداق لقوله بسورة الإخلاص "لم يلد "وما كان معه من إله أى شريك فى الملك مصداق لقوله بسورة الإسراء "ولم يكن له شريك فى الملك "ويبين لنا أنه لو كان معه من إله لذهب كل إله بما خلق والمراد
لأخذ كل رب ما أنشأ والمراد ملك كل شريك ما أنشأ من  الخلق ولعلا بعضهم على بعض والمراد لقوى بعضهم على بعض وهذا يعنى أن وجود بعض الآلهة- وليس لهم وجود-معناه لو كان فيه آلهة غير الله سيحارب كل واحد الآخرين وينتصر عليهم  وهذا يعنى وجود تفاوت بين قوى الآلهة ويبين له أنه سبحان الله عما يصفون أى تعالى الرب عن الذى يقولون والمراد أنه أحسن من الذى يشركون معه من آلهة مزعومة مصداق لقوله بسورة المؤمنون "فتعالى عما يشركون "ويبين لنا أنه عالم الغيب والشهادة والمراد أنه عارف الخفى والظاهر وقد تعالى عما يشركون أى قد ارتفع عن الذى يعبدون والمراد أنه أفضل من آلهتهم المزعومة .

"قل رب إما ترينى ما يوعدون رب فلا تجعلنى فى القوم الظالمين "المعنى قل إلهى إما تشهدنى ما يخبرون إلهى فلا تدخلنى مع الناس الكافرين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول رب إما ترينى ما يوعدون والمراد خالقى إما تشهدنى الذى يخبرون وهذا يعنى أن يشاهد عذابهم ،رب فلا تجعلنى فى القوم الظالمين أى خالقى فلا تدخلنى العذاب مع الناس الكافرين الذين أرى عذابهم .والخطاب وما بعده للنبى(ص)

"وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ادفع بالتى هى أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون "المعنى وإنا على أن نشهدك الذى نخبرهم لفاعلون أزل بالتى هى أفضل الفاسدة نحن أعرف بما يقولون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه قادر على أن يريه ما يعدهم والمراد عامل على أن يشهده الذى يخبر الكفار من العذاب فى الدنيا وهذا يعنى أن الله أنزل بعض العذاب على الكفار فى عهد الرسول (ص)ويطلب الله منه أن يدفع بالتى هى أحسن السيئة والمراد أن يزيل بالتى هى أفضل وهى العمل الصالح العمل الفاسد مصداق لقوله بسورة هود"إن الحسنات يذهبن السيئات "ويبين له أنه أعلم  بما يصفون أى أعرف بالذى يقولون من الافتراءات .

"وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون "المعنى وقل إلهى احتمى بك من وساوس الشهوات أى احتمى بك إلهى أن يهزمون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول الدعاء التالى رب أعوذ بك من همزات الشياطين أى خالقى اعتصم بطاعة حكمك من وساوس الشهوات وهى القرناء وفسر هذا بقوله أعوذ بك رب أن يحضرون أى واعتصم بطاعة حكمك خالقى أن ينتصرون على بطاعتى  لهم .

"حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون "المعنى حتى إذا أتت أحدهم الوفاة قال إلهى أعدنى لعلى أصنع حسنا فى الذى خليت،حقا إنه قول هو متحدثه ومن خلفهم حياة إلى يوم يعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار إذا جاء أحدهم الموت أى إذا أتت أحدهم الوفاة علم دخوله النار فقال رب ارجعون لعلى أعمل صالحا فيما تركت والمراد خالقى أعدنى للحياة الدنيا  لعلى أفعل حسنا فى الذى خليت وهو الدنيا وهذا يعنى أن الكافر يطلب من الله إعادته للدنيا التى تركها حتى يعمل صالحا ينفعه لأن ما عمله فى المرة الماضية أدخله النار هذه المرة ويبين له أن كلا وهى الحقيقة هى أن طلب الكافر بالعودة للدنيا ليس سوى كلمة هو قائلها أى ليس إلا قولة هو متحدث بها وهذا يعنى أنه لن يعمل الصالح الذى قاله فى تلك القولة ويبين له أن من وراء الكفار برزخ إلى يوم يبعثون والمراد أن من بعد موت الكفار حياة فى السماء ليوم يرجعون فى القيامة وهذا يعنى أن بعد الموت حياة ثانية فى القبر فيها عذاب الكفار والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص).

"فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم فى جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون "المعنى فإذا نودى فى البوق فلا قرابات بينهم يومذاك ولا يستفهمون فمن قبلت أعماله فأولئك هم الفائزون ومن رفضت أعماله فأولئك الذين أدخلوا أنفسهم فى النار مقيمون تلسع أجسامهم النار وهم فيها مسودون ،يبين الله لنبيه (ص)أن إذا نفخ فى البوق أى نفث فى الصور أى نقر فى الناقور مصداق لقوله بسورة المدثر "فإذا نقر فى الناقور "فلا أنساب بينهم يومئذ والمراد فلا قرابات بينهم والمراد أن الله يلغى صلة النسب وهى القرابة بين الأب والابن وهم لا يتساءلون أى لا يستفهمون عن شىء ويبين له أن من ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون والمراد أن من قبلت أعماله المبنية على إسلامه فأولئك هم العائشون فى العيشة الراضية مصداق لقوله بسورة القارعة "فأما من ثقلت موازينه فهو فى عيشة راضية "وأما من خفت موازينه أى من ساءت أى من حبطت أعماله فأولئك الذين خسروا أنفسهم فى جهنم خالدون والمراد فأولئك الذين أدخلوا أنفسهم فى النار مقيمون مصداق لقوله بسورة القارعة "وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حاميه "وهم تلفح وجوههم النار أى تؤلم أجسامهم النار وهى وسائل العذاب وهم فيها كالحون أى مسودون أى مغبرون مصداق لقوله بسورة عبس "ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ".

"ألم تكن آياتى تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون "المعنى ألم تكن أحكامى تبلغ لكم فكنتم بها تكفرون قالوا إلهنا انتصرت علينا شهوتنا وكنا ناسا كافرين ،إلهنا أطلعنا منها فإن رجعنا فإنا كافرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله يسأل الكفار عن طريق الملائكة فيقول ألم تكن آياتى تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون والمراد هل لم تكن أحكامى تقال لكم فكنتم عنها تنكصون أى تكفرون كما قال بنفس السورة "فكنتم على أعقابكم تنكصون"فقالوا أى أجابوا ربنا غلبت علينا شقوتنا والمراد خالقنا انتصرت علينا شهوتنا وهى هوانا الضال وكنا قوما ضالين أى ظالمين مصداق لقوله بسورة الأنبياء "إنا كنا ظالمين "ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون والمراد إلهنا أطلعنا أى أبعدنا عن النار فإن رجعنا للباطل فإنا كافرون وهذا يعنى أنهم يريدون الخروج من النار للدنيا حتى يعملوا صالحا حتى لا يدخلوها مرة أخرى والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"قال اخسؤا فيها ولا تكلمون إنه كان فريق من عبادى يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكرى وكنتم منهم تضحكون إنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون "المعنى قال أقيموا فيها ولا تدعون إنه كانت جماعة من عبيدى يقولون إلهنا صدقنا اعفو عنا أى انفعنا وأنت أحسن النافعين فجعلتموهم أضحوكة حتى اتركوكم طاعتى وكنتم عليهم تضحكون إنى أعطيتهم بما أطاعوا أى أنهم هم المرحومون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه قال للكفار على لسان الملائكة اخسؤا فيها أى أقيموا في النار بلا خروج منها ولا تكلمون أى ولا تتحدثون أى ولا تنادون طالبين الرحمة ،إنه كان فريق من عبادى والمراد أنه كان جماعة من خلقى يقولون ربنا آمنا أى صدقنا بالوحى فاغفر لنا أى ارحمنا أى انفعنا أى أدخلنا الجنة وأنت خير الراحمين أى وأنت أحسن النافعين أى أنت أرحم الراحمين مصداق لقوله بسورة الأعراف "وأنت أرحم الراحمين "فاتخذتموهم سخريا والمراد فجعلتموهم أضحوكة مصداق لقوله بسورة المطففين "إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون "حتى أنسوكم ذكرى والمراد حتى أتركوكم طاعة حكمى أى كنتم منهم تضحكون أى تستهزءون إنى جزيتهم اليوم بما صبروا والمراد إنى رحمتهم اليوم بالذى أطاعوا وهو أحسن ما عملوا مصداق لقوله بسورة الزمر "ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "وفسر هذا بأنهم هم الفائزون أى المرحومون فى الآخرة .

"قال كم لبثتم فى الأرض  سنين عددا قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فسئل العادين قل إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون "المعنى قال كم عشتم فى الدنيا عدد أعوام قالوا عشنا يوما أو جزء من اليوم فاستخبر المحصين قل إن عشتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعقلون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الملائكة سألت الكفار كم لبثتم فى الأرض سنين عددا والمراد كم بقيتم فى الدنيا أعواما عددا ؟فكان جوابهم هو لبثنا أى عشنا يوما أو بعض يوم فسئل العادين والمراد فاستخبر المحصين وبالطبع هو جواب يظهر لنا حالة الذهول التى تصيب الكفار يوم القيامة فتجعلهم لا يعرفون ما يقولون فقالوا لهم إن لبثتم أى عشتم إلا قليلا أى مدة قصيرة لو أنكم كنتم تعلمون أى تفهمون الحق .

"أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون "المعنى هل ظننتم أنما أنشأناكم لهوا وأنكم إلينا لا تعودون ؟يبين الله لنبيه (ص)أنه يقول للكفار فى الدنيا :أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا أى هل اعتقدتم أنما أنشأناكم  لهوا وأنكم إلينا لا ترجعون أى لا تبعثون ؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن الله لم يخلق الكون من أجل اللعب وأنهم يعودون إلى جزاء الله فى الآخرة والخطاب وما قبله للمؤمنين.

"فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم "المعنى فارتفع الرب الحكم العدل لا رب سواه هو خالق الكون العظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله تعالى أى ارتفع أى علا على الآلهة المزعومة لأنه أفضل منها وهو الملك أى الحاكم للكون الحق وهو العدل فى حكمه لا إله إلا هو أى لا رب سواه وهو رب العرش الكريم أى خالق الكون العظيم مصداق لقوله بسورة المؤمنون "رب العرش العظيم ".

"ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لايفلح الكافرون "المعنى ومن يعبد مع الله ربا مزعوما لا علم له به فإنما عقابه لدى خالقه ،يبين الله لنبيه (ص)أن من يدع مع الله إلها آخر والمراد أن من يجعل أى يعبد مع الله ربا مزعوما لا برهان له به والمراد لا علم له به والمراد لا وحى يبيح عبادته فيه فإنما حسابه عند ربه والمراد فإن عقابه لدى خالقه وهو قعوده مذموما مخذولا مصداق لقوله بسورة الإسراء "لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا "ويبين له أنه لا يفلح الكافرون أى أنه لا يرحم الظالمون مصداق لقوله بسورة الأنعام "إنه لا يفلح الظالمون".

"وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين "المعنى وقل اعفو أى انفع وأنت أحسن النافعين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يدعوه رب أى خالقى اغفر أى ارحم والمراد انفع وأنت خير الراحمين أى وأنت أحسن النافعين لى وهذا يعنى أنه يطلب منه أن يدخله الجنة والخطاب وما قبله وما قبله للنبى(ص).

 

                                  سورة المؤمنون

سميت بهذا الاسم لذكر المؤمنون فى أولها بقوله "قد أفلح المؤمنون ".

"بسم الله الرحمن الرحيم قد أفلح المؤمنون الذين هم فى صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون"المعنى قد فاز المصدقون بحكم الله الذين هم لدينهم مطيعون والذين هم للباطل تاركون والذين هم للحق صانعون والذين هم لعروضهم حامون إلا على زوجاتهم أى ما تصرفت أنفسهم فإنهم غير معاقبين فمن عمل غير ذلك فأولئك هم المجرمون والذين هم لمواثيقهم أى عقدهم محافظون والذين هم لدينهم يطيعون أولئك هم المالكون الذين يسكنون الجنة هم فيها مقيمون ،يبين الله للناس أنه قد أفلح المؤمنون أى قد فاز برحمة الله المصدقون بحكم الله وهم المتزكون مصداق لقوله بسورة الأعلى "قد أفلح من تزكى "وفسرهم الله أنهم الذين هم فى صلاتهم خاشعون والمراد الذين هم لدينهم مطيعون أى متبعون له دائما مصداق لقوله بسورة المعارج "الذين هم فى صلاتهم دائمون"وفسرهم بأنهم عن اللغو معرضون والمراد للباطل تاركون أى عن الظلم مبتعدون وفسرهم بأنهم للزكاة فاعلون أى للحق صانعون والمراد للعدل محكمون وفسرهم بأنهم الذين هم لفروجهم وهى أعراضهم عند الجماع حافظون أى صائنون إلا مع أزواجهم وهى نسائهم  أى ما ملكت أيمانهم وهن اللاتى تصرفت فيهن أنفسهن وهن أنفسهن الزوجات فهن من عقد الأزواج عليهم الأيمان كما قال تعالى بسورة النساء" والذين عقدت أيمانكم"فهن من عقدوا عليهم عقدة النكاح  فهم غير ملومين أى غير معاقبين بالجلد فمن ابتغى وراء ذلك والمراد فمن جامع غير زوجاته فأولئك هم العادون وهم المجرمون المستحقون للعقاب والمؤمنون هم الذين لأماناتهم وفسرها بأنها عهدهم وهى مواثيقهم أى عقدهم مع الله راعون أى مطيعون وفسرهم بأنهم على صلاتهم يحافظون أى لدينهم وهو عهدهم يطيعون دوما ولذا فهم الوارثون أى المالكون الذين يرثون الفردوس أى الذين يسكنون أى يملكون الجنة مصداق لقوله بسورة المعارج "والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك فى جنات مكرمون "وهم فيها خالدون أى مقيمون أى ماكثون فيها أبدا مصداق لقوله بسورة الكهف "ماكثين فيها أبدا " والخطاب وما بعده وما بعده للناس.

"ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين "المعنى ولقد أنشأنا البشر من تراب ثم خلقناه منى فى مسكن حفيظ ،يبين الله أنه خلق الإنسان من سلالة من طين والمراد أنشأ البشر من قطعة من عجين التراب مصداق لقوله بسورة الحج "فإنا خلقناكم من تراب "وبعد ذلك تحولت قطعة الطين الذى منه طعام الإنسان إلى ماء مهين هو النطفة أى المنى مصداق لقوله بسورة السجدة "ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين "وهذه النطفة أى الجزء من المنى أصبح فى قرار مكين أى رحم حافظ له من الأخطار .

"ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا أخر فتبارك الله أحسن الخالقين "المعنى ثم حولنا المنى مرفوعة فحولنا المرفوعة لحما فحولنا اللحم عظاما فغطينا العظام بلحم ثم خلقناه شيئا أخر فدام الرب أفضل المصورين ،يبين الله أنه خلق النطفة علقة أى حول جزء المنى المسمى البويضة والحيوان المنوى فى عصرنا لقطعة مرفوعة فى وسط الرحم بواسطة الحبل السرى وبعد ذلك خلق العلقة مضغة أى حول المرفوعة لقطعة لحم تشبه قطعة اللحم التى تظهر فيها آثار الأسنان وبعد ذلك حول المضغة عظاما والمراد حول بعض من قطعة اللحم لأجزاء صلبة بدليل قوله بسورة الحج "من مضغة مخلقة وغير مخلقة "فالمضغة المتحولة هى الجزء المخلق وأما الجزء غير المخلق فحدث له أن الله كسى أى غطى به العظام لحما والمراد غطى الأجزاء الصلبة بأجزاء لينة وبعد ذلك أنشأه خلقا أخر والمراد خلقه خلقا مختلفا والمراد وضع فى الجسم النفس التى هى شىء مختلف عن الجسم  ويبين لنا أنه تبارك أحسن الخالقين أى دام أفضل المبدعين .

"ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون "المعنى ثم  إنكم بعد ذلك لمتوفون ثم إنكم يوم البعث عائدون ،يبين الله للناس أن بعد خلقهم ميتون أى متوفون مصداق لقوله بسورة الحج "ومنكم من يتوفى "ثم فى يوم القيامة وهى البعث تبعثون أى تحيون مرة ثانية للحساب  والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للناس.

"ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين "المعنى ولقد أنشأنا أعلاكم سبع سموات وما كنا عن العباد ساهين ،يبين الله للناس أنه خلق فوقنا سبع طرائق والمراد بنى أعلانا سبع سموات شداد مصداق لقوله بسورة النبأ "ولقد بنينا فوقكم سبعا شدادا "والله ما كان عن الخلق غافلا والمراد ما كان عن عمل العباد ناسيا أى غائبا مصداق لقوله بسورة مريم "وما كان ربك نسيا ".

"وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه فى الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون "المعنى وأسقطنا من السحاب مطر بحساب فحفظناه فى الأرض وإنا على إفناء له لفاعلون ،يبين الله للناس أنه أنزل من السماء وهى السحاب ماء أى مطر فأسكنه أى فسلكه ينابيع فى الأرض مصداق لقوله بسورة الزمر "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع فى الأرض "وهذا يعنى أن الله حفظ الماء فى مجارى المياه فى اليابس وهو على ذهاب به قادر والمراد وهو لإفناء الماء مريد فاعل إن أراد .

"فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون "المعنى فخلقنا لكم بالماء حدائق من نخل وأعناب لكم فيها منافع عديدة ومنها تطعمون ،يبين الله للناس أنه أنشأ لهم به والمراد خلق لهم بالماء جنات وهى حدائق من النخيل والأعناب ولنا فيها فواكه كثيرة والمراد ولهم من أشجار النخل والعنب منافع عديدة كشرب العصير والخشب للأثاث والظل للجلوس ومنها نأكل أى نطعم الثمار .

"وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ لآكلين "المعنى ونبتة تنبت فى أرض سيناء تعطى الزيت وطعام للطاعمين ،يبين الله للناس أنه أنبت بالماء شجرة تخرج من طور سيناء والمراد نبات ينبت من أرض جبل سيناء وهذه الشجرة تعطى الناس الدهن وهو الزيت صاحب الاستعمالات المتعددة والصبغ للآكلين وهو الطعام للطاعمين والمراد أن ثمار الزيتون طعام للناس والخطاب وما بعده وما بعده للناس.  

"وإن لكم فى الأنعام لعبرة نسقيكم مما فى بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون"المعنى وإن لكم فى الأنعام لآية نرويكم من الذى فى أجوافها ولكم فيها فوائد عديدة ومنها تطعمون وعليها وعلى السفن تركبون،يبين الله للناس أن فى الأنعام عبرة أى آية والمراد برهان على قدرة الله هو أنه يسقينا مما فى بطونها أى يروينا من الذى فى أجوافها لبنا خالصا ولنا فيها منافع كثيرة أى فوائد متعددة ومن الفوائد أن منها تأكلون أى من لحمها وجبنها وسمنها وغيره يطعمون ومن الفوائد أن عليها وعلى الفلك وهى السفن يحملون أى يركبون مصداق لقوله بسورة الزخرف "وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ".

"ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون "المعنى ولقد بعثنا نوحا (ص)لشعبه فقال يا شعبى أطيعوا الرب ليس لكم من رب سواه أفلا تفهمون ؟يبين الله للنبى(ص) أنه أرسل نوح (ص)إلى قومه وهم شعبه فقال لهم يا قوم أى يا شعبى اعبدوا الله أى اتبعوا حكم الرب ما لكم من إله غيره أى ليس لكم خالق سواه أفلا تتقون أى "أفلا تعقلون"كما قال بسورة يس وهذا يعنى أنه أمرهم بطاعة الله وحده وترك طاعة ما سواه والخطاب فى القصص للنبى(ص)ومنه للناس .

"فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا فى آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين " المعنى فقال الكبار الذين كذبوا من شعبه ما هذا إلا إنسان شبهكم يحب أن يتميز عليكم ولو أراد الرب لأرسل ملائكة ما علمنا بهذا فى آباءنا السابقين إن هو إلا ذكر به سفاهة فانتظروا به حتى موعد موته ،يبين الله للنبى(ص) أن الملأ وهم السادة الذين كفروا أى كذبوا بحكم الله من قومه وهم شعبه قالوا ما هذا إلا بشر مثلكم والمراد ما هذا إلا إنسان شبهكم يريد أن يتفضل عليكم أى يحب أن يتميز عليكم وهذا يعنى أن هدف نوح(ص)فى رأيهم هو أنه يحب التميز والتعظم على بقية الناس وقالوا ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا فى أبائنا الأولين والمراد ولو أراد الرب لأرسل ملائكة ما علمنا بهذا فى دين آبائنا السابقين وهذا يعنى أن الله لو أحب أن يرسل رسلا إليهم لجعل هؤلاء الرسل من الملائكة ويعنى أنهم لم يعلموا فى دين الأباء بأن الله أرسل بشر للناس وقالوا إن هو إلا رجل به جنة والمراد إن هو إلا ذكر به سفاهة وهذا يعنى إتهامهم لنوح (ص)بالجنون وقالوا فتربصوا به حتى حين أى فانتظروا حتى موعد يموت فيه فينتهى أمره .

"قال رب انصرنى بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيينا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون "المعنى قال إلهى أنجنى بما كفروا بى فألقينا له أن ابن السفينة برعايتنا وقولنا فإذا أتى حكمنا أى خرج الماء فاركب فيها من كل فردين اثنين وأهلك إلا من مضى فيه الحكم منهم ولا تنادينى فى الذين كفروا إنهم هالكون ،يبين الله للنبى(ص) أن نوح (ص)دعا الله فقال رب انصرنى بما كذبون والمراد خالقى أيدنى بسبب ما كفروا بى وهذا يعنى أنه طلب من الله أن ينصره على الكفار لإهلاكهم مصداق لقوله بسورة نوح"رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا "فأوحى أى فألقى الله له وحيا قال له فيه اصنع الفلك بأعيينا أى وحينا والمراد ابن السفينة بأمرنا أى قولنا وهذا يعنى أن الله أمر نوح(ص)أن يبنى السفينة حسبما يقول له فى الوحى المنزل وقال له فى الوحى فإذا جاء أمرنا أى فإذا أتى عقابنا أى فار التنور أى خرج الماء والمراد طغا الماء فافعل التالى اسلك فى الفلك والمراد اركب فى السفينة من كل نوع زوجين أى فردين اثنين أى ذكر وأنثى وأهلك وهى عائلتك إلا من سبق عليه القول منهم والمراد إلا من صدق فيه الحكم منهم وهذا يعنى أن ركاب السفينة هم ذكر وأنثى من كل نوع وأهل نوح (ص)عدا من قال الله فى الوحى أنهم لا يؤمنون وهم ابنه وزوجته وقال له ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون والمراد ولا تدعونى لأجل الذين كفروا إنهم هالكون وهذا يعنى أنه يطلب منه ألا يدعوه طالبا منه أن يغفر لولده أو لزوجته وقد خالف نوح (ص)هذا النهى فيما بعد رغم تحذير الله له .

"فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلنى منزلا مباركا وأنت خير المنزلين "المعنى فإذا ركبت أنت ومن معك فى السفينة فقل الطاعة لله الذى أنقذنا من الشعب الكافرين وقل إلهى اسكنى سكنا مقدسا وأنت أفضل المسكنين ،يبين الله للنبى(ص) أنه قال لنوح (ص)فى الوحى فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك والمراد فإذا ركبت أنت ومن معك فى السفينة فقل الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين والمراد فقل الطاعة لحكم الرب الذى أنقذنا من الناس الكافرين وهذا يعنى أنه طلب منه ومن المسلمين أن يحمدوه بسبب إنقاذه لهم وطلب منه أن يقول رب أنزلنى منزلا مباركا وأنت خير المنزلين والمراد اسكنى سكنا مقدسا وأنت أحسن المسكنين وهذا يعنى أن الله طلب منه أن يدعوه طالبا أن يسكنه فى مكان مقدس وهذا يعنى أن المكان الذى رست فيه سفينة نوح(ص)هو مكان مبارك وهو مكة وهذا يعنى أنه عاش فى مكة بعد الطوفان .

"إن فى ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين ثم أنشأنا من بعدهم قرناء أخرين فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون "المعنى إن فى ذلك لعبر وإن كنا لمختبرين ثم خلقنا من بعدهم أفرادا أخرين فبعثنا فيهم مبعوثا منهم أن أطيعوا الله ما لكم من رب سواه أفلا تطيعون ؟يبين الله للنبى(ص) أن فى ذلك وهو قصة نوح(ص)مع قومه آيات أى عظات أى عبر للناس ويبين له أنه كان مبتلى أى مختبر الناس بشتى أنواع الاختبارات ليعلم مسلمهم من كافرهم ويبين له أنه أنشأ من بعدهم قرناء أى ناسا أخرين من بعد هلاكهم فأرسلنا فيهم رسولا منهم والمراد فبعثنا لهم مبعوثا منهم فقال لهم اعبدوا أى اتبعوا حكم الله ما لكم من رب غيره والمراد أطيعوا حكم الرب ليس لكم من خالق سواه أفلا تتقون أى "أفلا تعقلون"كما قال بسورة يس وهذا يعنى أنه طلب منهم نفس ما طلب نوح(ص)من قومه وهو عبادة الله وحده وترك عبادة غيره .

"وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الأخرة وأترفناهم فى الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون منه ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون "المعنى وقال السادة من شعبه الذين كذبوا أى كفروا بجزاء القيامة ومتعناهم فى المعيشة الأولى ما هذا إلا إنسان شبهكم يطعم مما تطعمون منه ويرتوى مما ترتوون منه ولئن اتبعتم إنسانا شبهكم إنكم إذا لمعذبون ،يبين الله للنبى(ص) أن الملأ وهم السادة من قوم أى شعب الرسول (ص)الذين كفروا أى كذبوا حكم الله وهم الذين كذبوا بلقاء الآخرة أى الذين كفروا بجزاء القيامة وأترفهم فى الحياة الدنيا والمراد ومتعهم الله فى المعيشة الأولى مصداق لقوله بسورة القصص "متعناه متاع الحياة الدنيا "قالوا ما هذا إلا بشر مثلكم أى ما هذا إلا إنسان شبهكم يأكل مما تأكلون أى يطعم من الذى تطعمون منه ويشرب مما تشربون أى ويرتوى من الذى ترتوون منه ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون والمراد ولئن اتبعتم حكم إنسان شبهكم إنكم إذا لمعذبون،ونلاحظ أن هذا الرد هو نفسه رد قوم نوح(ص)وهذا يعنى أن ردود الكفار عبر مختلف العصور واحدة وهم هنا يركزون على تساوى الرسول (ص)فى البشرية مع الناس ويجعلون ذلك سبب فى عدم تميزه عليهم ويتناسون متعمدين أنهم تميزوا على الضعاف بالرئاسة والغنى ولم يشركوهم فيهم مع أنهم بشر مثلهم ،أضف لهذا أنهم جعلوا نتيجة طاعة الإنسان خسارة مع أن الضعاف يطيعونهم وهم أناس مثل الإنسان الذى هو الرسول ومن ثم فهم يتعمدون تشويه الحقائق ويهددون الناس بالخسارة وهى التعذيب لردهم عن الدين .

"أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر "المعنى أيخبركم أنكم إذا توفيتم وكنتم غبارا وفتاتا أنكم عائدون محال محال الذى تخبرون إن هى إلا معيشتنا الأولى نتوفى ونعيش وما نحن بعائدين ،يبين الله للنبى(ص) أن السادة سألوا الضعاف :أيعدكم أنكم إذا متم والمراد هل يخبركم أنكم إذا توفيتم وكنتم ترابا وعظاما أى رفاتا وفتاتا مصداق لقوله بسورة الإسراء "أإذا كنا عظاما ورفاتا "أنكم مخرجون أى أنكم مبعوثون للحياة مصداق لقوله بسورة الإسراء "أإنا لمبعوثون "هيهات هيهات والمراد مستحيل مستحيل ما توعدون أى تخبرون وهذا يعنى أنهم يطلبون منهم التكذيب بالبعث دون أى حجة أو برهان وهو ما يعنى أن يطيعوا كلامهم مع أنهم ناس مثل الرسول الذى نهوهم عن طاعته وقالوا للضعاف إن هى إلا حياتنا الدنيا أى معيشتنا الأولى والمراد ليس لنا سوى حياة واحدة هى حياتنا فى الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين والمراد نتوفى ونعيش فى الدنيا وما نحن براجعين للحياة مرة أخرى وهذا يعنى أنهم يقولون أنهم يعيشون ثم يموتون وبعد ذلك ليس هناك حياة أخرى بعد الموت

"إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين "المعنى إن هو إلا ذكر نسب إلى الله باطلا وما نحن له بمصدقين ،يبين الله للنبى(ص) أن السادة قالوا للضعاف عن رسولهم إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا أى إن هو سوى إنسان نسب إلى الرب باطلا وهذا يعنى أنهم يتهمون الرسول (ص)بتأليف الوحى ثم نسبته لله وقالوا وما نحن له بمؤمنين أى بمصدقين وهذا يعنى أنهم يطلبون منهم أن يكذبوا الرسول كما يكذبونه

"قال رب انصرنى بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين ثم أنشأنا من بعدهم قرونا أخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون "المعنى قال إلهى أنجنى بما كفروا بى قال بعد قليل ليكونن متحسرين فأهلكتهم الرجفة بالعدل فجعلناهم حطاما فسحقا للناس الكافرين ثم خلقنا من بعدهم ناسا أخرين ما تتقدم من فرقة موعدها وما يستأجلون ،يبين الله للنبى(ص)  أن رسول القوم دعا الله فقال رب انصرنى بما كذبون أى خالقى أيدنى بسبب ما كفروا برسالتى وهذا يعنى أنه طلب من الله أن ينقذه ويعاقب الكفار كما فعل نوح(ص)فقال الله عما قليل ليصبحن نادمين والمراد بعد وقت قصير ليكونن معذبين فأخذتهم الصيحة بالحق والمراد فأهلكتهم الرجفة جزاء عادلا مصداق لقوله بسورة الأعراف "فأخذتهم الرجفة "فجعلناهم غثاء والمراد فخلقناهم حطاما فبعدا للقوم الظالمين أى فسحقا للناس الكافرين والمراد أن العذاب للكفار ثم أنشأنا من بعدهم قرونا أخرين والمراد ثم خلقنا من بعد موتهم قوما أخرين مصداق لقوله بسورة الأنبياء "وأنشأنا بعدها قوما أخرين "ويبين أن ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون والمراد ما تتقدم من جماعة موعدها وما يستأجلون وهذا يعنى أن لا أحد يموت بعد أو قبل موعده المحدد من الله .

"ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون "المعنى ثم بعثنا مبعوثينا متتابعين كل ما أتى جماعة نبيها كفروا به فألحقنا بعضهم ببعض وجعلناهم قصص فسحقا لناس لا يصدقون ،يبين الله للنبى(ص) أنه أرسل رسله تترا والمراد أنه بعث أنبيائه متتابعين كلما جاء أمة رسولها كذبوه والمراد كلما أتى جماعة نبيها كفروا برسالته فكانت النتيجة أن أتبعناهم أى فألحقناهم بعضهم بعضا فى النار وجعلناهم أحاديث والمراد وجعلناهم قصص تروى لأخذ العظات منها ويبين لهم أن البعد وهو السحق أى العذاب هو لقوم لا يؤمنون أى لا يصدقون بحكم الله.

"ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملائه فاستكبروا وكانوا قوما عالين قالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون فكذبوهما فكانوا من المهلكين "المعنى ثم بعثنا موسى (ص)وأخاه هارون(ص)بعلاماتنا أى برهان عظيم إلى فرعون وقومه فاستعظموا أى كانوا ناسا ظالمين فقالوا أنصدق لإنسانين شبهنا وشعبهما لنا مطيعون فكفروا بهما فكانوا من المعذبين ،يبين الله للنبى(ص) أنه أرسل أى بعث كل من موسى (ص)وهارون (ص)أخاه إلى فرعون وملائه وهم قومه بآيات الله وهى علامات الله وفسرها بأنها سلطان مبين أى دليل عظيم أى برهان كبير فكان ردهم عليهما هو أن استكبروا أى استنكفوا تصديقهم والمراد استعظموا عليهم وفسر الله ذلك بأنهم كانوا قوما عالين أى شعبا كافرين والمراد أنهم كانوا شعبا مستكبرين فقال فرعون وملائه وهم قومه أنؤمن لبشرين مثلنا أى هل نصدق بإنسانين شبهنا وقومهما لنا عابدون أى وشعبهما لنا مطيعون فكانوا من المهلكين أى المعذبين وهذا يعنى أن الأسباب التى تدعوهم للكفر برسالة موسى (ص)وهارون (ص)هى كونهما ناس مثلهم لا يزيدون عليهم فى شىء بالإضافة إلى أن قومهما عابدون أى مطيعون لهم ومن ثم فإن المعبود لا يصبح عابد فى رأيهم ومن ثم كذبوهما أى كفروا بهما فكانوا من المهلكين وهم المعذبين فى الدنيا والآخرة .

"ولقد أتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون "المعنى ولقد أوحينا لموسى (ص)الهدى لعلهم يرشدون ،يبين الله للنبى(ص) أنه أتى موسى (ص)الكتاب والمراد أنه أعطاه التوراة وهى الهدى أى الفرقان مصداق لقوله بسورة غافر "ولقد أتينا موسى الهدى "وقوله بسورة الأنبياء "ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان "والسبب لعلهم يهتدون أى يتذكرون أى يطيعون أحكام الكتاب مصداق لقوله بسورة القصص "لعلهم يتذكرون".

"وجعلنا ابن مريم وأمه آية وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين "المعنى وخلقنا ولد مريم (ص)ووالدته معجزة وأدخلناهما إلى جنة ذات دوام أى متاع ،يبين الله للنبى(ص) أنه جعل ابن مريم وأمه آية والمراد أنه خلق عيسى ولد مريم (ص)ووالدته مريم (ص)معجزة للناس حتى يؤمنوا وبعد ذلك أواهما إلى ربوة ذات قرار ومعين والمراد أسكنهما بعد الموت فى جنة ذات دوام ومتاع والمراد أدخلهم  فى جنة الخلود والنعيم

"يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنى بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون "المعنى يا أيها المسلمون اعملوا من النافعات أى اصنعوا حسنا إنى بما تصنعون خبير وإن هذه جماعتكم جماعة متحدة وأنا إلهكم فأطيعون ،يخاطب الله الرسل وهم المسلمين وهذا يعنى أن كل مسلم رسول إلى أى كافر يقابله فيقول كلوا من الطيبات أى اعملوا من الصالحات ويكرر الطلب فيقول اعملوا صالحا أى افعلوا خيرا مصداق لقوله بسورة الحج "افعلوا الخير"ثم يبين لهم أنه بما يعملون عليم  أى أنه بما يفعلون خبير مصداق لقوله بسورة النمل "إنه خبير بما تفعلون "وهو تحذير لهم حتى يعملوا الصالح ولا يعملوا السيىء لعلمه بكل شىء ومن ثم حسابهم على ذلك ويبين لهم أن أمتهم وهى جماعتهم أمة واحدة أى جماعة ذات دين متشابه لا يختلف من مسلم إلى أخر ويبين لهم أنه ربهم أى إلههم وعليهم  أن يتقوه أى يطيعوا حكمه أى يعبدوه مصداق لقوله بسورة الأنبياء "وأنا ربكم فاعبدون "والخطاب للمؤمنين.

"فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم فى غمرتهم حتى حين "المعنى فتنازعوا دينهم بينهم فرقا كل فريق بالذى عندهم مسرورون فاتركهم فى غفلتهم حتى وقت محدد ،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس بعد ان كانوا كلهم على دين واحد تقطعوا أمرهم بينهم زبرا والمراد فرقوا دينهم بينهم فرقا مصداق لقوله بسورة الروم "من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا "والمراد أن الدين الحق حوله الناس لقطع كل فريق له قطعة أى تفسير مخصوص للدين وكل حزب بما لديهم فرحون والمراد وكل فريق بالذى عندهم مستمسكون وهذا يعنى أن كل فريق محافظ على تفسيره للدين مطيع له ويطلب الله من نبيه (ص)أن يذرهم فى غمرتهم حتى حين والمراد أن يتركهم فى خوضهم وهو كفرهم يستمرون حتى موعد موتهم بعد أن أخبرهم بوحى الله مصداق لقوله بسورة الأنعام "ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون "والقول محذوف منه الجزء الأول معناه كان الناس أمة واحدة الدين والآية مقطوعة السياق بما قبلها وبعدها.

"أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون "المعنى أيظنون أنما نعطيهم من ملك وعيال نزيد لهم فى العطايا بل لا يعلمون ،يسأل أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات والمراد هل يعتقدون أنما نزودهم به من ملك وصبيان نزيد لهم فى المنافع ؟والغرض من السؤال هو إخبار النبى (ص) والمؤمنين أن إمداد الله للكفار بمال والعيال ليس الهدف منه الخير للكفار وإنما الهدف أن يزدادوا إثما كما قال بسورة آل عمران "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما"ويبين له أن الكفار لا يشعرون أى "لكن لا يعلمون "كما قال بسورة البقرة فهم لا يعرفون أن الله يستدرجهم  بهذا العطاء والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص) .

"إن الذين من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون فى الخيرات وهم لها سابقون "المعنى إن الذين من عذاب خالقهم خائفون أى الذين هم بأحكام خالقهم يصدقون أى الذين هم بخالقهم لا يكفرون أى الذين يعملون ما أطاعوا ونفوسهم مطمئنة أنهم إلى خالقهم عائدون أولئك يتسابقون فى الحسنات وهم لها فاعلون ،يبين الله لنبيه (ص)أن المسلمين من خشية ربهم مشفقون والمراد من عذاب إلههم خائفون مصداق لقوله بسورة المعارج "والذين هم من عذاب ربهم مشفقون "وفسرهم بأنهم بآيات ربهم يؤمنون أى أنهم بأحكام الوحى المنزل من خالقهم يصدقون مصداق لقوله بسورة البقرة "والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك "وفسرهم بأنهم الذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة والمراد الذين يطيعون ما أطاعوا وهو حكم الله ونفوسهم مطمئنة مصداق لقوله بسورة يونس "ألا بذكر الله تطمئن القلوب "وهم إلى ربهم راجعون أى إلى جزاء خالقهم وهو الجنة عائدون وهم الذين يسارعون فى الخيرات أى هم  لها سابقون والمراد يتسابقون فى عمل الحسنات أى هم للحسنات فاعلون .

"ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون "المعنى ولا نحمل نفسا إلا طاقتها وعندنا سجل يقول العدل وهم لا يبخسون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها والمراد لا يفرض على فرد إلا طاقته وهو ما أتاه فى الوحى والله لديه كتاب ينطق بالحق والمراد والله عنده سجل يقضى بالعدل أى يقول القسط وهم لا يظلمون أى لا يبخسون مصداق لقوله بسورة هود"وهم فيها لا يبخسون ".

"بل قلوبهم فى غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب فإذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون قد كانت آياتى تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون "المعنى إن نفوسهم فى غفلة عن هذا ولهم أفعال من سوى هذا هم لها فاعلون حتى إذا أصبنا كفارهم بالعقاب إذا هم يتضرعون لا تتضرعوا الآن إنكم منا لا تنقذون قد كانت أحكامى تبلغ لكم فكنتم إلى أديانكم ترجعون مستعظمين عليه حكما تكذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قلوبهم فى غمرة عن هذا والمراد أن الكفار نفوسهم فى غفلة عن طاعة القرآن مصداق لقوله بسورة الأنبياء "وهم فى غفلة معرضون "ولذا لهم أعمال دون ذلك هم لها عاملون والمراد لذا لهم أفعال من غير القرآن هم لها فاعلون وهى أفعال الكفر حتى إذا أخذنا أى أنزلنا على مترفيهم وهم كفارهم العذاب وهو العقاب إذا هم يجأرون أى ينادون الله ليكشف العذاب فيقال لهم لا تجأروا اليوم أى لا تنادوا الآن لكشف العذاب إنكم منا لا تنصرون أى من عذابنا لا تنقذون وهذا يعنى أنه لا يستجيب لدعاء القوم لأنه أصدر حكمه بعدم نجاتهم من العذاب ويقال لهم أيضا قد كانت آياتى تتلى عليكم والمراد قد كانت أحكامى تبلغ لكم فكنتم على أعقابكم تنكصون والمراد فكنتم إلى أديانكم الضالة ترجعون لطاعتها مستكبرين أى مستعظمين على طاعة حكمى سامرا تهجرون أى حكما تكفرون به وهذا يعنى أن الوحى كان يبلغ للكفار فيرجعون إلى أعقابهم وهى أديانهم فى العمل ويرفضون طاعة حكم الله وقد جعلوا السامر وهو الوحى مهجورا أى متروكا لا يعمل به .

"أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت أباءهم أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون "المعنى هل لم يعلموا الوحى أم جاءهم الذى لم يجىء آباءهم أو لم يعلموا نبيهم (ص)فهم به جاهلون أن يزعمون به سفاهة ،لقد أتاهم بالعدل وأغلبهم للعدل باغضون ،يسأل الله أفلم يدبروا القول أى هل لم يفهموا الوحى ؟والغرض من السؤال إخبارنا أن القوم لم يطيعوا القرآن مصداق لقوله بسورة محمد"أفلا يتدبرون القرآن "ويسأل أم جاءهم ما لم يأت آباءهم والمراد هل أتاهم الذى لم يجىء آباءهم ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الوحى عبر العصور كان واحدا فما أتى الأباء أتى لهم ويسأل أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون والمراد هل لم يعرفوا نبيهم (ص)فهم به جاهلون والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار كانوا يعرفون الرسول (ص)معرفة شخصية ويعرفون أنه عاقل وليس مجنونا ويسأل أم يقولون به جنة أى سفاهة وهذا يعنى أنهم يتهمون النبى (ص)بالجنون وهو ما ليس فيه ويبين لنا أن النبى (ص)جاءهم بالحق والمراد لقد أتاهم بالعدل وأكثرهم  للحق كارهون أى ومعظمهم للعدل باغضون والخطاب وما بعده للمؤمنين.

"ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون "المعنى ولو أطاع الله أحكامهم لخربت السموات والأرض ومن فيهن لقد جئناهم بحكمهم فهم لحكمهم مخالفون ،يبين الله أن الحق وهو الله العدل لو اتبع أهوائهم والمراد لو أطاع شهوات الكفار لفسدت والمراد لدمرت السموات والأرض ومن فيهم من الخلق ويبين لنا أنه أتاهم بذكرهم والمراد جاءهم بحكمهم وهو الحق مصداق لقوله بنفس السورة "بل أتيناهم بالحق "فهم عن ذكرهم  وهو حكم الله لهم معرضون أى مخالفون وهذا يعنى أنهم مكذبون عاصون لحكم الله لهم .

"أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون "المعنى هل تطالبهم بمال فرزق خالقك أفضل وهو أحسن المعطين وإنك لترشد إلى دين عادل وإن الذين لا  يصدقون بالقيامة عن الدين لمنحرفون ،يسأل الله نبيه (ص)أم تسألهم خرجا أى هل تطالبهم بأجر أى مال مصداق لقوله بسورة الطور "أم تسألهم أجرا "والغرض من السؤال هو إخبار الكل أن لا مال مقابل إبلاغ الوحى ويبين له أن خراج ربه خير والمراد أن رزق إلهه أفضل مصداق لقوله بسورة طه"ورزق ربك خير "والله هو خير الرازقين أى أحسن المعطين المال للخلق ويبين له أنه يدعو الناس إلى صراط مستقيم والمراد أنه ينادى الناس لإتباع دين عادل هو الهدى مصداق لقوله بسورة الأعراف "وإن تدعوهم إلى الهدى "ويبين له أن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون والمراد إن الذين لا يصدقون بالقيامة للإسلام مخالفون وهذا يعنى تكذيبهم به .

"ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا فى طغيانهم يعمهون ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون "المعنى ولو نفعناهم أى أزلنا ما بهم من أذى لمضوا فى كفرهم يسيرون ولقد عاملناهم بالعقاب فما خضعوا لإلههم وما يعودون حتى إذا أسكناهم مقاما ذا عقاب أليم إذا هم فيها معذبون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لو رحم الكافرين والمراد لو نفع الكافرين وفسر هذا بأنه كشف ما بهم من ضر أى أزال الذى أصابهم من أذى لكانت النتيجة أن لجوا فى طغيانهم يعمهون والمراد لاستمروا فى كفرهم يسيرون وهذا يعنى استمرارهم فى الكفر وهو الشرك مصداق لقوله بسورة النحل "ثم إذا كشف عنكم الضر إذا فريق منكم بربهم يشركون " ويبين له أنه أخذهم بالعذاب والمراد أنه اختبرهم بالضرر فكانت النتيجة أنهم ما استكانوا أى ما أطاعوا حكم الله وفسر هذا بأنهم ما يتضرعون أى ما يتبعون حكم الله بسبب ما نزل بهم من عذاب ويبين له أنه إذا فتح عليهم بابا ذا عذاب شديد أى إذا أدخلهم مكانا صاحب عقاب مهين إذا هم فيه مبلسون أى معذبون أى محضرون مصداق لقوله بسورة سبأ"أولئك فى العذاب محضرون " والخطاب وما قبله للنبى(ص).

"وهو الذى أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون "المعنى وهو الذى خلق لكم العقل أى البصائر أى العقول قليلا ما تطيعون ،يبين الله للناس أنه هو الذى أنشأ أى خلق أى جعل لهم السمع وهو القلوب أى الأبصار أى الأفئدة وهى العقول لنطيع حكمه مصداق لقوله بسورة الملك "وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة "ويبين لهم أنهم قليلا ما يشكرون أى قليلا ما يطيعون حكم الله أى ما يتذكرون مصداق لقوله بسورة غافر "قليلا ما تتذكرون " والخطاب وما بعده  وما بعده للناس.

"وهو الذى ذرأكم فى الأرض وإليه تحشرون "المعنى وهو الذى خلقكم فى الأرض وإليه ترجعون ،يبين الله للناس أنه هو الذى ذرأهم أى خلقهم أى استخلفهم فى الأرض وهى البلاد مصداق لقوله بسورة الأنعام "وهو الذى جعلكم خلائف الأرض "وإليه تحشرون والمراد وإلى جزاء الله تعودون بعد الموت .

"وهو الذى يحيى ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون "المعنى وهو الذى يخلق ويتوفى وله تغير الليل والنهار أفلا تفقهون ؟يبين الله للناس أنه هو الذى يحيى أى يخلق الخلق وهو الذى يميت أى يتوفى الخلق وله اختلاف والمراد وبقدرته تغير الليل والنهار ويسألهم أفلا تعقلون أى "أفلا تذكرون "كما قال بنفس السورة والغرض من السؤال هو إخبارهم بوجوب التفكير فى قدرة الله وأنه وحده الإله الواجب الطاعة حيث لا إله غيره .

"بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين "المعنى لقد قالوا شبه ما تحدث السابقون قالوا هل إذا توفينا وأصبحنا فتاتا وعظاما هل إنا عائدون لقد أخبرنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أكاذيب السابقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا مثل ما قال الأولون والمراد تحدثوا بشبه ما تحدث الكفار السابقون حيث قالوا أإذا متنا أى هلكنا وكنا ترابا أى رفاتا أى فتاتا وعظاما مصداق لقوله بسورة الإسراء "أإذا كنا عظاما ورفاتا "أإنا لمبعوثون أى لعائدون للحياة أى مخرجون مصداق لقوله بسورة النمل "أإذا كنا ترابا وآباؤنا أإنا لمخرجون "لقد وعدنا أى أخبرنا نحن وآباؤنا هذا من قبل وهذا يعنى أن الرسل السابقين أخبروا آبائهم بنفس القول- إن هذا إلا أساطير الأولين وهى خلق أى أكاذيب السابقين مصداق لقوله بسورة الشعراء"إن هذا إلا خلق الأولين "وهذا يعنى أنهم يكذبون بالبعث ويعتبرونه كذب والخطاب للنبى(ص).

"قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله أفلا تتذكرون "المعنى قل لمن ملك الأرض ومن بها إن كنتم تدرون سيقولون ملك الله أفلا تعقلون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الكفار لمن الأرض ومن فيها والمراد من يملك الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون أى تعقلون مصداق لقوله بسورة آل عمران "إن كنتم تعقلون "ويبين له أنهم سيقولون أى سيجيبون ملك لله ويطلب منه أن يقول لهم أفلا تتذكرون أى "أفلا تعقلون "كما قال بنفس السورة والغرض من السؤال أن يخبرهم بتناقض أقوالهم فهم يرفضون طاعة حكم الله فى نفس الوقت الذى يعترفون بملكيته للكون ومن المعروف أن الملك لابد أن يطاع  والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"قل من رب السموات السبع رب العرش العظيم سيقولون الله قل أفلا تتقون "المعنى قل من خالق السموات السبع خالق الكون الكبير سيقولون لله قل أفلا تطيعون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الكفار من رب أى خالق السموات السبع رب أى خالق العرش العظيم أى الكون الكريم مصداق لقوله بنفس السورة "رب العرش الكريم "ويبين له أنهم سيقولون أى سيجيبون الله هو خالقهم ويطلب منه أن يسألهم أفلا تتقون أى "أفلا تذكرون "كما قال بنفس السورة والغرض من السؤال هو إخبارهم بوجوب طاعة حكم الله لأنه الخالق والخالق لا بد أن يطاع من مخلوقه.

"قل من بيده ملكوت كل شىء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون "المعنى قل من بأمره حكم كل مخلوق وهو ينصر ولا ينتصر عليه إن كنتم تعقلون سيجيبون لله قل فكيف تكفرون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الكفار من بيده ملكوت كل شىء والمراد من بأمره حكم كل مخلوق وهو يجير أى ينصر خلقه ولا يجار عليه أى ولا ينتصر عليه إن كنتم تعلمون أى تعقلون كما قال بسورة آل عمران "إن كنتم تعقلون"وهذا يعنى أن الله ملك كل شىء وهو المنتصر دائما ويبين له أنهم سيقولون أى سيجيبون لله ومن ثم عليه أن يسألهم فأنى تسحرون أى "فأنى تؤفكون "كما قال بسورة التوبة "والمراد فكيف تكفرون بحكم الله وأنتم تقرون بملكيته للكون والخطاب وما بعده للنبى(ص) .

"بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون "المعنى لقد جئناهم بالعدل وإنهم لكافرون ،ما اصطفى الرب من ابن ،وما كان معه من شريك إذا لأخذ كل رب ما أنشأ ولكبر بعضهم على بعض ،تعالى الله عن الذى يقولون ،عارف الخفى والظاهر فارتفع عن الذى يعبدون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أتاهم بالحق والمراد أنه جاءهم بآياته وهى العدل مصداق لقوله بسورة الحجر "وأتيناهم بآياتنا "وإنهم لكاذبون أى لكافرون أى لمعرضون مصداق لقوله بسورة الحجر "فكانوا عنها معرضين "ويبين لنا أنه ما اتخذ من ولد أى ما أنجب من ابن مصداق لقوله بسورة الإخلاص "لم يلد "وما كان معه من إله أى شريك فى الملك مصداق لقوله بسورة الإسراء "ولم يكن له شريك فى الملك "ويبين لنا أنه لو كان معه من إله لذهب كل إله بما خلق والمراد
لأخذ كل رب ما أنشأ والمراد ملك كل شريك ما أنشأ من  الخلق ولعلا بعضهم على بعض والمراد لقوى بعضهم على بعض وهذا يعنى أن وجود بعض الآلهة- وليس لهم وجود-معناه لو كان فيه آلهة غير الله سيحارب كل واحد الآخرين وينتصر عليهم  وهذا يعنى وجود تفاوت بين قوى الآلهة ويبين له أنه سبحان الله عما يصفون أى تعالى الرب عن الذى يقولون والمراد أنه أحسن من الذى يشركون معه من آلهة مزعومة مصداق لقوله بسورة المؤمنون "فتعالى عما يشركون "ويبين لنا أنه عالم الغيب والشهادة والمراد أنه عارف الخفى والظاهر وقد تعالى عما يشركون أى قد ارتفع عن الذى يعبدون والمراد أنه أفضل من آلهتهم المزعومة .

"قل رب إما ترينى ما يوعدون رب فلا تجعلنى فى القوم الظالمين "المعنى قل إلهى إما تشهدنى ما يخبرون إلهى فلا تدخلنى مع الناس الكافرين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول رب إما ترينى ما يوعدون والمراد خالقى إما تشهدنى الذى يخبرون وهذا يعنى أن يشاهد عذابهم ،رب فلا تجعلنى فى القوم الظالمين أى خالقى فلا تدخلنى العذاب مع الناس الكافرين الذين أرى عذابهم .والخطاب وما بعده للنبى(ص)

"وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ادفع بالتى هى أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون "المعنى وإنا على أن نشهدك الذى نخبرهم لفاعلون أزل بالتى هى أفضل الفاسدة نحن أعرف بما يقولون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه قادر على أن يريه ما يعدهم والمراد عامل على أن يشهده الذى يخبر الكفار من العذاب فى الدنيا وهذا يعنى أن الله أنزل بعض العذاب على الكفار فى عهد الرسول (ص)ويطلب الله منه أن يدفع بالتى هى أحسن السيئة والمراد أن يزيل بالتى هى أفضل وهى العمل الصالح العمل الفاسد مصداق لقوله بسورة هود"إن الحسنات يذهبن السيئات "ويبين له أنه أعلم  بما يصفون أى أعرف بالذى يقولون من الافتراءات .

"وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون "المعنى وقل إلهى احتمى بك من وساوس الشهوات أى احتمى بك إلهى أن يهزمون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول الدعاء التالى رب أعوذ بك من همزات الشياطين أى خالقى اعتصم بطاعة حكمك من وساوس الشهوات وهى القرناء وفسر هذا بقوله أعوذ بك رب أن يحضرون أى واعتصم بطاعة حكمك خالقى أن ينتصرون على بطاعتى  لهم .

"حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون "المعنى حتى إذا أتت أحدهم الوفاة قال إلهى أعدنى لعلى أصنع حسنا فى الذى خليت،حقا إنه قول هو متحدثه ومن خلفهم حياة إلى يوم يعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار إذا جاء أحدهم الموت أى إذا أتت أحدهم الوفاة علم دخوله النار فقال رب ارجعون لعلى أعمل صالحا فيما تركت والمراد خالقى أعدنى للحياة الدنيا  لعلى أفعل حسنا فى الذى خليت وهو الدنيا وهذا يعنى أن الكافر يطلب من الله إعادته للدنيا التى تركها حتى يعمل صالحا ينفعه لأن ما عمله فى المرة الماضية أدخله النار هذه المرة ويبين له أن كلا وهى الحقيقة هى أن طلب الكافر بالعودة للدنيا ليس سوى كلمة هو قائلها أى ليس إلا قولة هو متحدث بها وهذا يعنى أنه لن يعمل الصالح الذى قاله فى تلك القولة ويبين له أن من وراء الكفار برزخ إلى يوم يبعثون والمراد أن من بعد موت الكفار حياة فى السماء ليوم يرجعون فى القيامة وهذا يعنى أن بعد الموت حياة ثانية فى القبر فيها عذاب الكفار والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص).

"فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم فى جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون "المعنى فإذا نودى فى البوق فلا قرابات بينهم يومذاك ولا يستفهمون فمن قبلت أعماله فأولئك هم الفائزون ومن رفضت أعماله فأولئك الذين أدخلوا أنفسهم فى النار مقيمون تلسع أجسامهم النار وهم فيها مسودون ،يبين الله لنبيه (ص)أن إذا نفخ فى البوق أى نفث فى الصور أى نقر فى الناقور مصداق لقوله بسورة المدثر "فإذا نقر فى الناقور "فلا أنساب بينهم يومئذ والمراد فلا قرابات بينهم والمراد أن الله يلغى صلة النسب وهى القرابة بين الأب والابن وهم لا يتساءلون أى لا يستفهمون عن شىء ويبين له أن من ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون والمراد أن من قبلت أعماله المبنية على إسلامه فأولئك هم العائشون فى العيشة الراضية مصداق لقوله بسورة القارعة "فأما من ثقلت موازينه فهو فى عيشة راضية "وأما من خفت موازينه أى من ساءت أى من حبطت أعماله فأولئك الذين خسروا أنفسهم فى جهنم خالدون والمراد فأولئك الذين أدخلوا أنفسهم فى النار مقيمون مصداق لقوله بسورة القارعة "وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حاميه "وهم تلفح وجوههم النار أى تؤلم أجسامهم النار وهى وسائل العذاب وهم فيها كالحون أى مسودون أى مغبرون مصداق لقوله بسورة عبس "ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ".

"ألم تكن آياتى تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون "المعنى ألم تكن أحكامى تبلغ لكم فكنتم بها تكفرون قالوا إلهنا انتصرت علينا شهوتنا وكنا ناسا كافرين ،إلهنا أطلعنا منها فإن رجعنا فإنا كافرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله يسأل الكفار عن طريق الملائكة فيقول ألم تكن آياتى تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون والمراد هل لم تكن أحكامى تقال لكم فكنتم عنها تنكصون أى تكفرون كما قال بنفس السورة "فكنتم على أعقابكم تنكصون"فقالوا أى أجابوا ربنا غلبت علينا شقوتنا والمراد خالقنا انتصرت علينا شهوتنا وهى هوانا الضال وكنا قوما ضالين أى ظالمين مصداق لقوله بسورة الأنبياء "إنا كنا ظالمين "ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون والمراد إلهنا أطلعنا أى أبعدنا عن النار فإن رجعنا للباطل فإنا كافرون وهذا يعنى أنهم يريدون الخروج من النار للدنيا حتى يعملوا صالحا حتى لا يدخلوها مرة أخرى والخطاب وما بعده للنبى(ص) .

"قال اخسؤا فيها ولا تكلمون إنه كان فريق من عبادى يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكرى وكنتم منهم تضحكون إنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون "المعنى قال أقيموا فيها ولا تدعون إنه كانت جماعة من عبيدى يقولون إلهنا صدقنا اعفو عنا أى انفعنا وأنت أحسن النافعين فجعلتموهم أضحوكة حتى اتركوكم طاعتى وكنتم عليهم تضحكون إنى أعطيتهم بما أطاعوا أى أنهم هم المرحومون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه قال للكفار على لسان الملائكة اخسؤا فيها أى أقيموا في النار بلا خروج منها ولا تكلمون أى ولا تتحدثون أى ولا تنادون طالبين الرحمة ،إنه كان فريق من عبادى والمراد أنه كان جماعة من خلقى يقولون ربنا آمنا أى صدقنا بالوحى فاغفر لنا أى ارحمنا أى انفعنا أى أدخلنا الجنة وأنت خير الراحمين أى وأنت أحسن النافعين أى أنت أرحم الراحمين مصداق لقوله بسورة الأعراف "وأنت أرحم الراحمين " فاتخذتموهم سخريا والمراد فجعلتموهم أضحوكة مصداق لقوله بسورة المطففين "إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون "حتى أنسوكم ذكرى والمراد حتى أتركوكم طاعة حكمى أى كنتم منهم تضحكون أى تستهزءون إنى جزيتهم اليوم بما صبروا والمراد إنى رحمتهم اليوم بالذى أطاعوا وهو أحسن ما عملوا مصداق لقوله بسورة الزمر "ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "وفسر هذا بأنهم هم الفائزون أى المرحومون فى الآخرة .

"قال كم لبثتم فى الأرض  سنين عددا قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فسئل العادين قل إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون "المعنى قال كم عشتم فى الدنيا عدد أعوام قالوا عشنا يوما أو جزء من اليوم فاستخبر المحصين قل إن عشتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعقلون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الملائكة سألت الكفار كم لبثتم فى الأرض سنين عددا والمراد كم بقيتم فى الدنيا أعواما عددا ؟فكان جوابهم هو لبثنا أى عشنا يوما أو بعض يوم فسئل العادين والمراد فاستخبر المحصين وبالطبع هو جواب يظهر لنا حالة الذهول التى تصيب الكفار يوم القيامة فتجعلهم لا يعرفون ما يقولون فقالوا لهم إن لبثتم أى عشتم إلا قليلا أى مدة قصيرة لو أنكم كنتم تعلمون أى تفهمون الحق .

"أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون "المعنى هل ظننتم أنما أنشأناكم لهوا وأنكم إلينا لا تعودون ؟يبين الله لنبيه (ص)أنه يقول للكفار فى الدنيا :أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا أى هل اعتقدتم أنما أنشأناكم  لهوا وأنكم إلينا لا ترجعون أى لا تبعثون ؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن الله لم يخلق الكون من أجل اللعب وأنهم يعودون إلى جزاء الله فى الآخرة والخطاب وما قبله للمؤمنين.

"فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم "المعنى فارتفع الرب الحكم العدل لا رب سواه هو خالق الكون العظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله تعالى أى ارتفع أى علا على الآلهة المزعومة لأنه أفضل منها وهو الملك أى الحاكم للكون الحق وهو العدل فى حكمه لا إله إلا هو أى لا رب سواه وهو رب العرش الكريم أى خالق الكون العظيم مصداق لقوله بسورة المؤمنون "رب العرش العظيم ".

"ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لايفلح الكافرون "المعنى ومن يعبد مع الله ربا مزعوما لا علم له به فإنما عقابه لدى خالقه ،يبين الله لنبيه (ص)أن من يدع مع الله إلها آخر والمراد أن من يجعل أى يعبد مع الله ربا مزعوما لا برهان له به والمراد لا علم له به والمراد لا وحى يبيح عبادته فيه فإنما حسابه عند ربه والمراد فإن عقابه لدى خالقه وهو قعوده مذموما مخذولا مصداق لقوله بسورة الإسراء "لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا "ويبين له أنه لا يفلح الكافرون أى أنه لا يرحم الظالمون مصداق لقوله بسورة الأنعام "إنه لا يفلح الظالمون".

"وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين "المعنى وقل اعفو أى انفع وأنت أحسن النافعين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يدعوه رب أى خالقى اغفر أى ارحم والمراد انفع وأنت خير الراحمين أى وأنت أحسن النافعين لى وهذا يعنى أنه يطلب منه أن يدخله الجنة والخطاب وما قبله وما قبله للنبى(ص).

                               

اجمالي القراءات 23226

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2008-08-18
مقالات منشورة : 2605
اجمالي القراءات : 20,691,618
تعليقات له : 312
تعليقات عليه : 512
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt