طفولــة إيمــان

يحي فوزي نشاشبي Ýí 2009-11-08


 

 

 

بسم الله  الرحمن  الرحيم

 

طفولة  إيمــان

 

        قال  لي :

        لقد أحرجني صديق لي عندما حللت عنده ضيفا ،  فنزلت عند رغبته وإلحاحه في الطلب ، فتوجهنا  معا إلى المسجد لصلاة الجمعة ، واستمعنا إلى  الخطبة وصلينا  الركعتين ، وما كدت أبلغ الباب  خارجا وأحمل حذائي حتى تنفست  الصعداء.

        وسيتساءل  المتسائلون  ولهم ذلك :

        - وهل يعقل أن يضيق الصدر والمرء داخـــل المسجد ؟

        نعم لقد كنت في تلك الحالة مع شديد الأسف ، وكنت  خائفا مترقبا ! أترقب لعلي أصاب بمثل ما أصابني سابقا ،  عندما انتبهت إلى أن هناك مؤمنا جالسا بجانبي بالمسجد ،  انتبهت إلى أنه من حين إلى آخر كان يسترق نحوي  نظرة خاطفة ،  وكانت  نظرة منحرفة ، وكنت في البداية أظن أنه يعرفني ، أو  شبهني  بأحد  يعرفه  وتأكد لي يومها ما كنت أتوقعه عندما سلم الإمام ، حيث مال علـيّ هذا المؤمن الجالس بجانبي ميلة واحدة ، وكان  كأنه  يطلّ علـيّ من عل بنظراته التي كانت تحمل مسحة من هجاء أو استغراب أو سخرية ، وكأنه في قرارة نفسه يتساءل : كيف يكون ممكنا أن يوجد هناك من يصلي بشكل ثان ؟  بل ولعله كان واثقا في أنه بصدد تغيير منكر مصداقا للحديث  المشهور المنسوب إلى رسول الله  عليه الصلاة .

        نعم لقد ملأني جاري المؤمن بأسئلته وتساؤلاته ونصائحه لي وإرشاده ووعظه ولومه ، ومن أين لي أن أصلي بجانبه وبالذات بهذا المسجد  وبهذا  الشكل وهذه  الكيفية التي  لا  يمكن أن يقبلها الله  الرحمن الرحيم  ما  دام  هو لم  يستسغها .

        ولم  يكن مني إلا  أن حاولت الرد عليه بكل ما أوتيت من رباطة جأش وتذلّل وتأييده خشية أن أثيره  وحتى لا  ينفجر أمام الملأ  وينتصب  واقفا ويحمد الله ويثني عليه ويطلب من الله العلي القدير أن يصلي على النبي ويسلم ، ليخبر الجميع أخيرا وينذرهم بهدا الإكتشاف الذي اكتشفه وهو أن هناك شخصا غريبا  تسلل إلى هذا المسجد وتجرأ على أن يصلّـي بهذا الشكل الغريب  ، هذا  الشكل الذي لا  يأتيه  إلا  المخالفون  لمذهبه  الذي يعـدّ  من الفرق  الوحيدة الناجية .

        ولهذا ترددت في  البداية ،  ولم  أستجب  لعرض صديقي  إلا  بعد  إلحاح منه   ترددت  من التوجه  معه إلى المسجد والصلاة  فيه  ،  ولهذا  تنفست  الصعداء  ولم أكد  اصدق أني  نجوت وبهذه  الأعجوبة .

        نعم هذا ما  حدث وتعرضت  له . أما  تصريح صديق آخر لي  فكان مثيرا ، لأنه سقط ضحية وهو جالس يصلي أمام الكعبة نفسها بمكة  المكرمة، وعندما جرى  تعارف بينه وبين مصل شاب كان بجانبه سرعان ما تكدّر  الصفو ،  وذلك لما علم هذا الجار المؤمن الذي  بجانبه أن صديقي يتبع مذهبا مغايرا  لمذهبه هو، ولم يتورع  فملأه اتهاما ولوما ومساءلة وأحكاما. ومما  صرح به  لي الصديق  الفريسة  قوله :

        - إني ندمت كثيرا عندما حاولت التقرب إلى المصلي الشاب الذي بجانبي والتودد إليه والتعرف عليه كأخ في الإيمان ، بل  وقد شعرت  وكأن الكعبة اهتزت أمامي  وزحزحت من مكانها وأصبحت هي  التي تطوف  علـيّ من شدة ما  انتابني من دوار الأسى والأسف  والخيبة والإحباط  من ذلك الدرك الأسفل الذي ما زلنا نرزح فيه.  ولا أخفي عليك أني كنت  كلما  توجهت إلى الصلاة  وأنا ما زلت في  مكة  كنت أحرص كل الحرص على تفادي ذلك الشاب الغيور الذي قدم لي نفسه وبأنه طالب علم  وآت من إحدى  دول أوروبا  الشرقية .( انتهى  تصريح المصلي الفريسة).

        وهناك آخرون أغبطهم لأنهم لا  يتحرجون في أن يصلوا في أي  مسجد يقع  أمامهم ، إلا أن معظمهم يبوحون بأنهم  وإن كانوا لا يتعرضون لمثل هذه الملاحظات  والمضايقات علنا ، فإنهم  يكونون حتما لوحظوا من طرف  بعضهم ومن طرف  خفي ،  ويكونون حتما  هم  وملاحظوهم  سهوا في  صلاتهم قليلا  او  كثيرا  بسبب  هذا  الشعور  أو  تلك  التهم المتبادلة  التي تملأ  أرجاء  المسجد ،  وإن كانت غير معلنة .

        وهكذا عندما نكون منصفين مع أنفسنا وصريحين فإننا سنتساءل حتما  قائلين:

-       نعم هذه هي حالتنا نحن المسلمين المفتقرين  إلى  الإيمان .

-       نعم  كثرت المساجد  وارتفعت المآذن  ناطحة

السحب ، وغطت الظاهرة  الصوتية الآفاق، ومــــع

  ذلك  فضّلنا الإنزلاق إلى أسفل وفضّلنا أن نرزح في خنادقنا  واطمأن كل  منا  وفرح بما  لديه  واحتقر ما  عند  الآخر .

        وأما إذا ازددنا  شجاعة وجرأة وإنصافا وإخلاصا، وتدبرنا مثل هذه التعليمات والأوامر الإلهية فإن النتيجة التي سنخرج منها  تكون مذهلة سلبا :

 

        (( ............. إن ربك واسع المغفرة وهو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة  في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )) النجم 32.

 

            (( يوم لا ينفع مال  ولا  بنون إلا من أتى الله بقلب  سليم ))  الشعراء 88/89

 

            ((  وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا  عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ...... فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )) المائدة – 48.

 

            ((  ... ولا تزر وازرة  وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )) الأنعام 164.

 

            (( ولا  تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة  أنكاثا تتخذون أيمانكم  دخلا بينكم أن تكون  أمة هي أربى من أمة  إنما يبلوكم الله به  وليبين لكم يوم القيامة  ما كنتم فيه تختلفون ))  النحل  92.

 

            ((  ....  ولولا دفع  الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات  ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره  وإن الله لقوي  عزيز. ))  الحج 40.

 

            ((  الله  يحكم بينكم يوم القيامة  فيما كنتم فيه تختلفون ))  الحج 69.

 

            (( .....  بأسهم بينهم  شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم  لا يعقلون ))  الحشر – 14-

 

            (( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا  واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا  ... )) آل عمران – 103.

 

            ((  وجاهدوا في الله حق  جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملّة  أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل .... ))  الحج -78-

 

وعليــــه

 

        ولعله من المعقول والعدل أن نتفق أن كل واحد من الأئمة والمرشدين  والوعاظ  له  كامل الحق أن  يتبع  وأن  يدعو  إلى ما  وجد عليه آباءه  الأولين في مذهبه أو  حزبه أو  طريقته ،  ولكن  واجبه  هو أن يفعل ذلك ويدعو إليه بكل  تواضع وتسامح  وروح رياضية .

        ولكن أن يسكت هؤلاء المرشدون وهؤلاء الوعاظ        والأئمة عن التصريح في كل مناسبة وغير  مناسبة  وبدون ملل بأن الدين عند الله هو الإسلام ، وأن المؤمنين كل المؤمنين هم إخوة حق الأخوة مهما كانت أساليبهم أو صورهم أو هيئاتهم أو  مظاهرهم  شتى ، ومهما  كانت  طريقتهم في  الصلاة  مثلا  مختلفة  فلا  مجال لأي حرج إو إحراج  أو استغراب  أو ظن .

        فإن تلك المواقف السلبية الهجائية الزارعة لبكتيريا الظن السيئ والشك  والكبر ومرض القلب وتزكية النفس والحرج إلى درجة جعلت المسلم أي مسلم وقبل أن يؤم أي  مسجد عليه أن يتخذ حذره ويراجع نفسه ويقدم  أوراق اعتماده ، بل حتى أن يقول - اللهم إن نيتي  واعتقادي أن أصلي في هذا المسجد واللهم اغفر لي اضطراري إلى هذا التمثيلية ولا تعتبرها نفاقا ولا تؤاخذني عليها-  حتى لا  يقع فريسة  الكواسر  ذات النظرات  الحادة ، المنحرفة ،  المتهمة  والمطلة  من  عل.

        وخلاصة الخلاصة هو أن سكوتنا  جميعا  وعدم تشجعنا  إن دل  على  شئ فإنما يدل على تواطئنا جميعا وعلى وقوعنا جميعا فريسة  ذلك  الكاسر ألا  وهو  العدو الحميم  الذي وفق  إيما  توفيق في ان يجعلنا  نتجاهل  تعليمات الخالق .

        ألا  نتشجع  جميعا  ونقولها  كلمة  صريحة  واضحة  بإن إيماننا ما زال في  طفولته ؟ وما  زال مراهقا ؟

        وما زال إيماننا يشبه  كثيرا  حالة رياضتنا  ورياضيينا  ومشجعيهم ؟ من حيث التشنج والهيستيريا  ؟  تلك الرياضة التي  هي ما زالت  في  سن  المراهقة  وبعيدة  كل  البعد  عن  الهدف  الأسمى النبيل ؟

 

       

 

 

اجمالي القراءات 9173

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-10-28
مقالات منشورة : 288
اجمالي القراءات : 3,141,514
تعليقات له : 384
تعليقات عليه : 401
بلد الميلاد : Morocco
بلد الاقامة : Morocco