سعد الدين ابراهيم Ýí 2009-06-20
أمريكا هى حقاً بلد العجائب : فهى مُجتمع مفتوح ملىء بالفُرص لكل من يعيش على أرضه، ويفهم قوانينه، ويتأقلم مع ثقافته. وكنا قد تحدثنا فى عدة مقالات عما يُمثله انتخاب زنجى أسود لرئاسة الولايات المتحدة، وهو الذى أتى أجداده إلى هذه القارة عبيداً مُستضعفين. وهذا ما قصدناه فى عنوان أحد مقالاتنا «بثورة اجتماعية داخلية». ثم لأن الولايات المُتحدة هى أغنى وأقوى بُلدان المعمورة، فقد وصفنا نفس الحدث فى مقال آخر بأنه «ثورة كونية».
ومن عجائب وغرائب أمريكا أن التغيير واácute;تجديد فى كل شؤونها هو «فريضة». فمن الأزياء والسيارات التى تتغير سنوياً إلى الرؤساء الذين يتغيرون كل أربع سنوات، حافظت أمريكا على حيويتها، وجذبت بنموذجها فى الثقافة والحياة مُغامرين وعباقرة فى كل المجالات، كما جلبت أو أنتجت مُجرمين ومُنحرفين عُتاة. ورغم ما يبدو على هذا النموذج للوهلة الأولى من تناقضات، فإن آلياته الداخلية قد وفّرت له على مدى ثلاثمائة عام، درجة عالية من الضبط والتوازن، ومُعدلا مُنتظما من النمو الاقتصادى، وريادة علمية وتكنولوجية غير مسبوقة.
ومن آليات النموذج الأمريكى قدرته على صهر أو تعديل الوافدين إليه من بُلدان وثقافات أخرى. دارت هذه الخواطر بعقلى فى أحد صلوات الجُمعة وأنا أستمع إلى الخطيب فى مسجد مُلحق بمبنى البنك الدولى بالعاصمة الأمريكية واشنطن، فى أعقاب الزيارة الخاطفة للرئيس باراك أوباما للقاهرة، وإلقاء خطاب من منبر جامعتها العتيدة.
فقد كانت لحظات سريالية بالنسبة لى، وربما بالنسبة لكثيرين غيرى، خاصة أننى أعرف الأمكنة التى شهدت هذه الأحداث. فقد تخرجت كما تخرج خطيب الجُمعة فى جامعة القاهرة، ووقفنا على نفس المسرح الذى ألقى منه أوباما رسالته إلى مُسلمى العالم. وها هو خطيب الجُمعة، وهو مصرى أمريكى، هو الدكتور نعيم الشربينى، يُلقى مواعظه فى مسجد فى البنك الدولى على بُعد خطوات من «البيت الأبيض».
لقد عرفت الخطيب، د. نعيم الشربينى، منذ كُنا طلبة ندرس فى جامعات أمريكا فى ستينيات القرن الماضى. وكان واحدا من الطلبة العرب اليساريين فى جامعة كاليفورنيا ـ بيركلى، وحيث كانت تلك الجامعة تحديداً هى مركز ثورة الشباب فى تلك السنوات.
واندمج الشباب العربى ومنهم نعيم الشربينى، ومحمد عامر، وفوزى كشك، وصبرى الشبراوى مع أقرانهم الأمريكيين فى التساؤل والتمرد والرفض لكل شىء من السُلطة، إلى الأسرة، إلى الدين. ولكن ها هو أحد هؤلاء المُتمردين، بعد أربعين سنة أو تزيد، يقف خاشعاً مُتضرعا، يخطب فى الناس، ويؤم صلاة الجمعة.
حتى قاعة الصلاة، فى الطابق السُفلى لمبنى البنك الدولى، لم يكن لها وجود، حينما بدأت أنا التردد على هذه المؤسسة منذ ثلاثين عاماً، كخبير للتنمية الاجتماعية. لم يكن بين آلاف العاملين فى البنك فى ذلك الوقت (سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى) سوى عدد محدود من المصريين والعرب والمسلمين الذين ذاع صيتهم فيما بعد، المرحومين د. سعيد النجار، ود. إبراهيم شحاتة، ود. إسماعيل سراج الدين، المُدير الحالى لمكتبة الإسكندرية، أمدّ الله فى عُمره. ولكن حتى هذا العدد المحدود من المُسلمين بالبنك الدولى فى ذلك الحين، لم يكونوا بالضرورة من المُتدينين الحريصين على طقوس صلاة الجمعة.
ولكن العقدين التاليين شهدا زيادة محسوسة فى عدد المُسلمين العاملين فى البنك، وزيادة درجة تدينهم وحرصهم على طقوس صلاة الجُمعة. واستجابت لهم إدارة البنك، حينما طلبوا تخصيص مكان مُلائم لصلاة الجُمعة، وكان جميع المُصلين فى ذلك اليوم من شهر يونيه، أشبه بمشهد فى «مكة المُكرمة»، و «المدينة المُنورة».
فقد كانوا من كل الأجناس والألوان ـ منهم من هو أشقر شديد البياض، أو أسود شديد السواد، ومنهم الأصفر والنحاسى. لقد كانوا مجموعة مُمثلة للمليار ورُبع مليار مُسلم الذين خاطبهم باراك أوباما من جامعة القاهرة.
وكان د. نعيم الشربينى، المُتمرد الثائر فى شبابه، الاقتصادى المُتمكن فى كهولته، والمُتدين الواعظ فى شيخوخته، مُدركاً طبيعة اللحظة التى يعيشها هو والعالم فى عصر أوباما. وقد خصّص خُطبة الجُمعة للتنويه بمُعظم ما ورد فى خطابات أوباما الثلاثة للمسلمين ـ سواء فى حديثه فى شهر فبراير لقناة العربية، أو كلمته فى شهر أبريل للبرلمان التركى، أو خطابه الجامع فى ٤ يونيه من القاهرة.
وبتمكن شديد، عاد د.نعيم إلى القيم التى ركّز عليها أوباما فى سعيه لاكتشاف الأرضيات المُشتركة بين بلاده الأمريكية وقومه الأمريكيين من ناحية والمسلمين من ناحية أخرى، وحاول بدوره أن يجد لها تأصيلاً فى قرآننا الكريم.
من أهم هذه القيم «التعددية»، أى قبول الاختلاف، بل والاحتفاء به، كسُنة كونية وحكمة إلهية منذ بداية الخليقة: « «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (سورة الحجرات).
ولأن المسلمين الأمريكيين أصبحوا عددياً جماعة تقترب من ثمانية ملايين، فإن أمريكا - بمعنى من المعانى، كما يقول سياسى أمريكى أسود هو عضو الكونجرس كيث أليسون، - قد أصبحت «بلداً مسلماً»، فمسلموها هم أكثر عدداً من عشرين بلداً من أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامى.
وهو نفس ما كرره أوباما منذ خطاب تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، حيث قال «نحن أمة من المسيحيين واليهود والمسلمين والبوذيين والهندوس والمشركين». فإلى جانب إقراره بحقيقة قائمة فعلاً، فإن تصريحه بأن حتى المُشركين (Non believer) لهم مكان محفوظ كمواطنين متساوين فى مجتمع تعددى.
وحتى هنا ذكّرنا د. نعيم الشربينى بأن القرآن كان قد أقر هذا المبدأ قبل أربعة عشر قرناً، حيث خاطب الله عباده بأنهم أحرار فى اختيار أديانهم، بل حتى فى الإيمان به من عدمه (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ) «سورة الكهف».
وذكّرنا خطيبنا المُفوه بأن أكرمنا عند الله هو أكثرنا تقوى، وصلاحاً، وإحساناً. ولم تكن صدفة أن يذكر أوباما المسيحيين الموارنة فى لبنان والأقباط فى مصر، كأنه يُنبهنا لأهمية الحفاظ عليهم وحماية حقوقهم.
سألت د. نعيم الشربينى، بعد الصلاة، عن عملية تحوله من متمرد ثائر إلى واعظ صالح. فقال، لا فض فوه، إن التحول هو فى الأسلوب والمظهر، وليس فى المقصد والجوهر.
«فالعدالة» و «الحُرية» كانتا ولا تزالان هما القيمتان اللتان جعلتا منه يسارياً مُتمرداً فى شبابه ومؤمناً ورعاً فى شيخوخته، فإسلامنا يجعل «العدل أساس الملك» ويجعل الحُرية أول حق للإنسان عند مولده «ثم ذكّرنى د. نعيم الشربينى بالقول الفرنسى الشهير، إن أى إنسان دون الثلاثين من عُمره، وليس ثائراً فلا قلب له، وإن أى إنسان تجاوز الستين ولا يزال ثائراً فلا عقل له.
وقال إنه فى يوم ١٣ يونيه، أى بعد أيام معدودات، يصل إلى السبعين من عُمره. فهنيئاً للشيخ نعيم الشربينى على اكتمال سبعينه، وإيمانه وعقله. وسُبحان مُغير الأحوال.
بالتأكيد يا استاذ(عبدالمجيد) -إن فكر القرآنيون بدأ يتغلغل فى قلوب المفكرين والمُستنيرين من أمثال الدكتور الفاضل (نعيم الشربيتى) ، فلقد قرأ لفكرهم كثيراً من خلال إشرافه على برامج الإصلاح الدينى بمركز (إبن خلدون) ،التى ساهم فيها بشكل كبير الأستاذ الدكتور (منصور) والأستاذ (احمد شعبان) ،وكاتب هذه السطور ،وغيرهم ، ممن ساهموا فى ندوات وحوارات وكتابات المركز ..بالإضافة لمساهمة (موقع أهل القرآن) العظيمة فى زيادة رقعة فكر الإستنارة وأتباعه لدى أبناء العالمين العربى والإسلامى .
بعدما وصل الغرب لما وصل له من تقدم في كل المجالات فإن خطاب القرآن الكريم أصبح أكثر تأثيرا فيهم لأنهم الأكثر تقدما والأكثر حضارة والأكثر علما وعملا .
والله في كتابه الكريم يقول ( {هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }محمد38
فأي مجموعة بشرية أو أي فرد يتولى عن الحق فإن الله يستبدلهم ويستبدله بآخرين لا يعانون من نفس مرضه .
إخواني العزاء
شكرا جزيلا لكم على انصافكم وقولكم كلمة حق دون انتظار جزاء ولا شكورا .
فكلما رأيت استزادة عدد المخلصين لدينهم وأوطانهم ، ومن قبل ومن بعد الانتصار لكلمة الحق ، أجد السعادة والسرور وإشراقات الأمل تزداد يقينا أمام ناظري .
واسمحوا لي إخواني أن أقدم شكري الجزيل لأخي وصديقي الدكتور عثمان الذي يذكرني بالخير دائما .
فجميعنا حزمة واحدة كلما زاد عددها ازدادت قوة
بارك الله لكم وزادتكم من فضله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا د/ سعد
على تلك السياحة التى تأخذنا إليها فنتعرف من خلالها على معانى وأحداث وشخصيات كريمة مثل د/ نعيم
المؤسسة الأزهرية: لا هى راغبة ولا قادرة على التطوير
الجشع والفساد فى تجريف أراضى المحروسة
هل الشعب المصرى فى حالة عِشق دائم مع جيشه؟
دعوة للتبرع
كلامنا فى السياسة: انضمم ت للموق ع اعجاب ا بفكرت ه وايما نا ...
أسماء الصحابة : مقالك م عن القرا مطة وآل سعود روعة خالصة ....
احكام التجويد: اريد ان اسالك م ،قد قرأت فيما سبق في موقع اهل...
سؤالان : السؤا ل الأول : ما معنى ( رجيم )؟ وهل يمكن بها...
كلمتى للمغفلين : انت لا تؤمن بالرو ايات التار يخية فلماذ ا ...
more
هاهي القراءة المستنيرة للقرآن الكريم تجد طريقها للكثيرين في العالم أجمع ، وها هي الرؤية القرآنية القائمة على التسامح وقبول الآخر والعدل تجد طريقها ، وربما يكون ممهدا من أي وقت آخر ، ومن يقرأ الأحداث في العقدين الماضيين قراءة متعمقة أو حتى سطحية لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يصدق ما يحدث الآن من قراءة موضوعية للقرآن الكريم ، فالذي يتابع الثمن الذي يدفعه القرآنيين من أمثال الدكتور أحمد وغيره في خلال العشرين عاما الماضية ، يجد أن تضحياتهم تأتي بنتائج أسرع من المتوقع بكثير ..وها هو الدكتور نعيم الشربيني وهناك الآلاف غيره يدعون للقرآن الكريم وأسس التعاون والتسامح والعدل من خلاله ..