اصلاح الدستور المصرى لا يكفى
اضطر الرئيس مبارك أخيرا الى الموافقة على تغيير مادتين فى الدستور ، فهل يكفى هذا فى تحقيق الاصلاح الشامل الذى نناضل من أجله منذ ربع قرن؟ ان المستخلص من هذا الاصلاح هو احلال الانتخاب محل الاستفتاء، وسيعمل ترزية القوانين – كالعادة - على تفريغ هذا التعديل الرشيق من مضمونه ليصب فى النهاية لصالح التمديد أو التوريث. لسنا بالبلاهة التى يتوهمها فينا الآخرون . لقد اضطر الرئيس مبارك اضطرارا لاعلان هذا التعديل الرشيق فى الدستور بعد سنوات من الرفض الصريح المعلن كان آخره منذ أيام قلائل. والمتصور أن يكون هدف هذا الاعلان أن يبقى الحال على ماهوعليه من الاستبداد والفساد .
باختصار ليس المطلوب فقط تغيير مادة أو مادتين من الدستور المصرى بل تغيير الدستور كله ليكون دستورا ديمقراطيا حقيقيا يليق بمصر وشعبها، والاصلاح الدستورى لا يكفى فلا بد له من اصلاح تشريعى كامل يضع الأرضية القانونية لاصلاح سياسى حقيقى. والاصلاح السياسى لا يكفى بدون اصلاح دينى يشد من أزره حتى لا نقفز من الظلام ويأتى طوفان عقيم يستعيد صرخة اوربا حين هتفت " اشنقوا آخر مستبد بامعاء آخر رجل دين". نريد لمصر العزيزة اصلاحا سلميا لا مفر منه ولم يعد ممكنا تأجيله أو المماطلة والا فالانفجار قادم . العناد هنا سيؤدى للهلاك ولا يصح لعناد شخص واحد أن يهدد السفينة المصرية فى أعاصير هذه التحولات التى يشهدها العالم منذ الحادى عشر من سبتمبر2001.
فى انتخابات مجلس الشعب فى أواخر 1995 كانت صدمتنا هائلة فى اصرار الحكومة المصرية على خنق الهامش الديمقراطى الضئيل فى الوقت الذى كان يمر فيه قطار الحرية والديمقراطية على محطات دولية عديدة أقل فى التطور الحضارى من مصر. بتأثر هذه الصدمة اتفقت مع الدكتور سعد الدين ابراهيم على بدء عقد الجلسات الاسبوعيةالعلنية لمركز ابن خلدون تحت اسم "رواق ابن خلدون" والتى بدأت مساء الثلاثاء 2 من يناير 1996 تحت عنوان " حتى لا نقفز فى الظلام : المشروع الحضارى لمصر للقرن الحادى والعشرين" ولا تزال جلسات الرواق مستمرة. بدأت الجلسات الاسبوعية فى الشهور الأولى بدعوة الرموز المصرية التى دخلت انتخابات مجلس الشعب واسقطتها الحكومة بخبرتها التاريخيةوالعالمية فى استغلال الانتخابات – رمز الديمقراطية - فى تثبيت الديكتاتورية. تأكد من الندوات التى حضرها رموز العمل السياسى المصرى وفقهاءالقانون انه لابد من اصلاح قانون الانتخابات واصلاح الدستور المصرى واصلاح قانون العقوبات ، بل لابد من اصلاح تشريع شامل. وعقد الرواق ندوات متفرقة تناقش سبل الاصلاح وغيره وكوفىء عليها مركز ابن خلدون والرواق بهجوم اعلامى وحكومى لا يزال مستمرا.
فى ذلك الوقت كتبت هذا المقال البحثى الذى ترجم الى اللغتين الانجليزية والالمانية سنة 1996ونشره تقرير ابن خلدون السنوى " المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى فى الوطن العربى" العدد الصادر سنة 1997 عن أحوال سنة 1996 .
أعيد نشر هذا المقال هنا بعد تسع سنوات عجاف ساءت فيها الأحوال المصرية أكثر وأكثر وعلى كل المستويات دليلا على جمود الحكم المصرى ورفضه الاصلاح ، وحتى اذا اضطر بعد التدخل الخارجى حاول التمويه والخداع فى الوقت الحرج .
وبعد هذا المقال نقرأ معا فى مقالات تالية فقرات الدستور المصرى قراءة نقدية وفصولا أخرى من الاصلاح المطلوب ، نشفعها بدعوة المفكرين والمثقفين المصريين ليكتبوا فى الاصلاح الدستورى والتشريعى والدينى والسياسىحتى لا تخلو الساحة لترزية القوانين وصناعتهم الكريهة.
الانتخابات والديمقراطية فى مصر فى ضوء انتخابات مجلس الشعب الأخيرة
(29-11-1995 ) (6- 122 – 1995)
د. أحمد صبحى منصور
مقنصور
مقدمة
1- لعل من أكثر الكلمات ترديدا على ألسنة الشعب المصرى هى الديمقراطية والشورىوالانتخابات خصوصا بعد تجربة الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب وما جرى فيها من تجاوزات أظهرت أن الفجوة واسعة بين الشعارات والتطبيق الصحيح لها.
2- وعلى سبيل المثال فان التيار الدينى السياسى الطامع فى الحكم يرفع لواء الشورى بديلا عن الديمقراطية، ويفهم الشورىعلى انها استشارة الحاكم – الذى يملك الوطن والشعب- لأعوانه اذا أراد ، وله أن ينشىء مجلسا للشورى اذا شاء ، وهو الذى يعين أعضاءه ويعزلهم ويستشيرهم متى أحب، وهم يفكرون فى ارضائه ونفاقه مثلما كان يفعل الملأ من قوم فرعون. التطبيق العملى المعاصر الآن لهذه الشورى الاستبدادية هو ما حدث أخيرا فى المملكة العربية السعودية فى أول مارس 1992 حين أصدر الملك فهد ثلاثة مراسيم ملكية عن النظام الأساسى- أى الدستور - للحكم ومجلس الشورى ونظام المناطق. وقام بتعيين الشيخ محمد بن جبير وزير العدل رئيسا لمجلس الشورى فى 17-9- 1992 وذلك بعد ثلاثة ارباع القرن من انشاء المملكة العربية السعودية، تلك المملكة التى تحمل اسم العائلة الملكية تأكيدا على أن الأسرة الحاكمة تملك الدولة ومن يعيش فيها أسوة بالدول التى كانت تتسمى باسماء الأسرات الحاكمة فى العصور الوسطى كالدولة الأموية والعباسية والعثمانية والطولونية .هذه الدولة السعودية هى النموذج الأسمى الذى يتطلع التيار الدينى السياسى لاقامة مثيل له فىمصر، وقد كان ذلك النموذج هو السائد فى تاريخ المسلمين منذ الخلافة الأموية الى الغاء الخلافة العثمانية سنة 1924 .
أما الواقع النظرى القرآنى والحقيقى للشورى والذى كان النبى محمد عليه السلام يطبقه فى دولته الاسلامية فان الشعب – وليس النبى الحاكم- كان مصدر السلطات، ولذلك امر الله تعالى النبى –وهو الحاكم- بأن يكون لينا فى تعامله مع الناس وألا يكون فظا غليظ القلب معهم حتى لا ينفضوا عنه، لأنهم اذا انفضوا عنه وتركوه فلن تكون له دولة ولن تكون له سلطة لأنه يستمد سلطته السياسية من اجتماعهم الاختيارى حوله لحمايته. اذن هم مصدر سلطته ودولته وبدونه ستعود قصة اضطهاده وملاحقته. لذلك أمره الله تعالى أن يعفو عنهم اذا أساءوا اليه وأن يستغفر لهم اذا أذنبوا فى حقه ليستميل اليه قلوبهم وتأييدهم، وأمره الله تعالى أن يستشيرهم فى الأمر لأنهم أصحاب الأمر(آل عمران 159). وقبلها حين كان المسلمون مجموعة مضطهدة فى مكة نزل الأمر الالهى بفريضة الشورى فى سورة الشورى(آية 38 )وجاءت فرضية الشورى تالية للصلاة مباشرة وبعدها الزكاة فى سابقة وحيدة يأتى فيها فى القرآن الكريم فاصل بين الصلاة والزكاة دليلا على أهمية فريضة الشورى. وكالصلاة فالشورى لا محل فيها للاستنابة أو التمثيل النيابى فكما لايصح أن يصلى عنك أحد لا يصح أيضا أن يقوم عنك غيرك بتأدية واجبك فى المشاركة السياسية بل تؤدى واجبك فى حضور مجالس الشورى بنفسك فيما يخص أمور المجتمع اى كما توجد صلاة الجماعة توجد فريضة الشورى الجماعية المجتمعية .وكالصلاةأوجب الله تعالى الشورى فريضة دينية اسلامية يؤديها المسلم فى بيته وعمله .واتيح للمسلمين أن يؤدوا تلك الفريضة علنيا فى مسجد المدينة وفق المعروف الآن بالديمقراطية المباشرة الكاملة حيث كان المسلمون جميعا يجتمعون فى مجالس الشورى يناقشون أمورهم فى حضور النبى محمد . وحين تخلف بعضهم عن الحضور بعذر وبدون عذر وحين كان بعضهم يتسلل لواذا بعد الحضور – كما يحدث عادة فى الاجتماعات – نزلت الآيات الأخيرة من سورة النور تؤكد على التحذير من هذا وتتوعد بالغضب الالهى كل من يتهاون فى تأدية هذه الفريضة. وبمجالس الشورى تعلم المسلمون الأوائل كيفية أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم وسط ظلام العصور الوسطى فى سابقة لم يعرفها تاريخ البشر. وفى هذه الدولة الاسلامية وديمقراطيتها المباشرة لا يوجد حاكم بالمفهوم الديمقراطى الحالى، كما لا يوجد حاكم بالمفهوم الثيوقراطى الذى كان سائدا فى العصور الوسطى ، ولهذا كان الخطاب السياسى – أى الأوامر السياسية - تأتى فى القرآن الكريم تخاطب جموع المسلمين فى حضور النبى لأنهم هم الذين كانوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم فى آلية سبق أن أوضحناها فى بحث منفصل عن الشورى. ولذلك ترك النبى المسلمين بعد وفاته بدون حاكم تأسيسا على هذه الآلية، ولكن النفوذ القريشى الأموى بعد النبى والتطورات المتعاقبة تجاهلت تشريع الشورى فتحولت فى عصر الخلفاء الراشدين الى وجود حاكم يستشير الناس ثم تقلصت الدائرة لتنحصر المشورة فى الكبار فقط ، ثم تتقلص اكتر لتقتصر على من يختارهم الخليفة الراشد من المقربين اليه أى "اهل الحل والعقد"أو "الملأ " كما كان يفعل عثمان فى خلافته . ثم جاءت الخلافة الأموية لتقضى على ذلك كله ولتجعلها ديكتاتورية وراثية متسقة مع ثوابت العصور الوسطى والتى كانت الشورى الاسلامية بديمقراطيتها المباشرة نقطة اعتراضية فى محيطها. لقدكا ن منتظرا أن يقضى ليل العصور الوسطى وظلامها على تلك الشمعة الوليدة التى أثبتت فى وقتها امكانية تطبيق الديمقراطية الكاملة حتى ولو كانت تناقض الاستبداد السائد فى عصرها وحتى لو كانت فى بيئة صحراوية لا تتمتع بحضارة أقوى دولنين فى العالم وقتها.وهكذا حوصرت الديمقراطية الاسلامية المباشرة حتى تم خنقها بعد سلسلة من الحروب الألية حملت اسما هينا هو "الفتنة الكبرى" التى أوصلت بينى أمية للحكم الاستبدادى الوراثى .وفى الدولة العباسية وعصر التدوين أهمل التدوين العباسى كل ما كان يدور بشأن مجالس الشورى فى عهد النبى ، والشورى هى ضمن بنود السنة الحقيقية التى كان يتبعهاالنبى فى حياته كجزء من عقيدة الاسلام وعباداته وتشريعاته ولكن جعلها المسلمون من الفروض الغائبة حين أفرغوها من مضمونها وجعلوها من مستلزمات الاستبداد ، اى مجرد حق للحاكم المستبد أن يستشير او لا يستشير . كان ذلك ضمن السنة المزيفة التى كتبها العصر العباسى لتلائم ثقافة العصور الوسطى القائمة على الاستبداد والفساد وظلم العباد، وربط ذلك كله بالنبى والاسلام زورا وبهتانا بحيث يبدو كلامنا هذا غريبا مع اعتماده على حقائق قرآنية.
التيار الدينى السياسى حين يرفع لواء الشورى لا يقصد اطلاقا تلك الشورى الاسلامية الحقيقية التى ذكرها القرآن وطبقها خاتم النبيين عليه وعليهم السلام وانما يقصد الشورى التراثية للملأ او"أهل الحل والعقد "أو شورى الخلافة العباسيةالعثمانية حيث يستمد الخليفة سلطته السياسية من الله تعالى وليس مسئولا امام أحد فى هذا العالم، لأنه سيكون مسئولا فقط امام الله تعالى يوم القيامة عن "الرعية".فهو "الراعى"الذى يملك قطعان "الرعية" أو الأنعام يتصرف فيهاكيف شاء بزعمهم.
3-ونفس الفجوة بين الشعار والتطبيق الصحيح له نراه فى الدولة العسكرية التى تحكم مصر منذ ثورة 1952 .
فقد شهدت مصر فترة مزدهرة للديمقراطية فيا بين ( 1923 -1952) لم تعرفها من قبل ولامن بعد حتى الآن، وذلك برغم وجود الاستعمار البريطانى وربما بسبب وجوده . وبرغم أن دستور 1923 كان يعطى الملك حق حل مجلس الوزراء ومجلس الأمة الا أن الانتخابات كانت أكثر نزاهة والحياة السياسية كانت أكثر ازدهارا وشفافية وليبرالية. كان منتظرا للحياة السياسية أن تتطور الى الأحسن ديمقراطيا لولا أنها وقعت فى خطر قاتل هو اهمال العدل الاجتماعى.
ان الحرية وحدها لا تكفى بدون عدل. كما أن شعارات العدل الاجتماعى بديلا عن الحرية التى رفعها عبد الناصر لا تنتج فى النهاية الا المزيد من الفساد والمزيد من الاستبداد وهوان الحاكم والمحكوم معا. والدليل على ذلك هو ماحدث لمصر قبل وبعد الثورة .
لم تستطع الحياة السياسية المزدهرة فى مصر فى الثلاثينيات والاربعينيات ان تواكب النطور الاجتماعى المصرى وتعطى الحقوق الكاملة لأغلبية الشعب المصرى من العمال والفلاحين، خصوصا بعد انتشار التعليم وزحف الوعى الى القرى والنجوع ودخول ابناء العمال والفلاحين الى المدارس وازدهار الطبقة الوسطى بالوافدين الجدد الباحثين عن مكان لهم تحت الشمس . لم يجدالجيل الجديد من الأفندية الجدد مكانا لهم فى الساحة السياسية الا دور الهتاف للسادة المتحكمين وابنائهم . وكان واضحا ان لا امل فى أى اصلاح اجتماعى يستوعب الطبقة القادمة من أعماق الوجود المصرى فكان سهلا ان تنتشر بينهم أفكار الرفض وجمعياته السرية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار من التنظيمات الشيوعية واليسارية الى القومية المصرية المتطرفة"مصر الفتاة" الى "الاخوان المسلمين".
ونظرا لطبيعة الشعب المصرى المتدينة- ولعوامل أخرى لا محل لذكرها الآن - كانت دعوة الأخوان هى الأكثر تأثيرا فنجح حسن البنا فى انشاء خمسين الف شعبة أغلبها فى الريف المصرى والأحياء الشعبية ،أى المناطق المهمشة سياسيا. وأصبح الاصلاح الزراعى والاجتماعى مطلبا حتميا لم تلتفت اليه وزارات الأقلية منشغلة عنه بالصراع الحزبى مع فساد الملكية التى بدأت تسير فى نهاية عصرها مع وجود فاروق وفساده ، وكان سهلا الزج بقضية الاستعمار البريطانى لمنطقة قناة السويس لاشعال الحركة الوطنية فى سبيل احداث هذا التغيير السياسى الاجتماعى.
ومن شباب الطبقة الجديدة تكون تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش المصرى وتحالف بعض افراده مع بعض التنظيمات السرية خصوصا الاخوان المسلمين اكبر تلك التنظيمات انتشارا. وقامت الثورة ونجحت بسهولة وتمتعت بتأييد شعبى جارف من اغلبية المصريين حيث كان الاصلاح هو مطلبها الأساسى ، وكان الاصلاح السياسى أو أقامة حياة ديمقراطية سليمة من مبادىء الثورة الستة.
وكان يمكن للثورة بعد أن استولت على الحكم بسهولة غير متوقعة أن تنقى دستور 1923 من عيوبه والتى لم تعد تجارى العصر بعد التطور الجديد الذى جاء بالثورة وجاءت به الثورة ومنه اسقاط الملكية واقامة النظام الجمهورى وصدور الاصلاح الزراعى واعلان المساواة بين المصريين. الا أن الثوار الشبان الجدد من العسكر بعد أن ذاقوا طعم السلطة رفضوا العودة الى ثكناتهم العسكرية وتحكموا بالجيش فى مقاليد الحكم المصرى ليؤسسوا أكبر خطأ تقع فيه السلطة العسكرية حين تتحول عن مهمتها فى حماية الوطن والأمة والديمقراطية والاستقلال والدستور الى حكم الوطن نفسه بالحديد والنارلتذيق ابناءه النكال ، حيث لا مجال فى الحياة العسكرية للديمقراطية، ولكن الطاعة العمياء للأوامر وتنفيذها بحيث تحولت مصر الىمعسكر كبير، وتحول الشعب الى جنود للثورة ومن يخرج على النظام مصيره السجن والتعذيب وربما الموت.
وتمتع الحكام العسكر الجدد واتباعهم بالسلطة فأتاحت لهم بعد حين التمتع بالثروة، وتحول التمتع بالثروة بعد حين الى استغلال واحتكار ـ أى فساد ـ أضاع شعار العدل الذى رفعه عبد الناصر فى البداية، والذى من اجله صادر الديمقراطية والحرية.وازداد الامر سوءا بعده.
كانت الدولةفى عهد عبد الناصر تتكفل بالمواطن فى التعليم وسائر الخدمات وتوفر له العمل وتعينه بالدعم لتوفير حاجاته الأساسية من غذاء وسكن شعبى ، وكان لمصر وزنها الدولى والاقليمى والعربى ، بها ينضبط ايقاع الشرق الأوسط والعالم العربىحيث تكافأت زعامة عبد الناصر مع زعامة مصر فى المنطقة .
سقطت الديكتاتورية الناصرية بسبب الاندفاع فى عداء المعسكر الغربى وتكريس الحل العسكرى وحده فى معالجة الصراع العربى الاسرائيلى لتبيرير مصادرة الديمقراطية والحرية على أساس :"ان لا صوت يعلو على صوت المعركة". وأدى سقوط عبد الناصر ومشروعه الى مجىء السادات بمشروع مختلف له ايجابياته وسلبياته. فتح السادات مصر اقتصاديا وأنشأ الأحزاب مع هامش ضئيل من الحرية- لا يتعدى حرية النباح - وعقد الصلح مع اسرائيل، الا أن اكبر أخطائه التى لا زلنا نعانى منها حتى الآن هى :1- اصدار الدستور المصرى الذى يجعل الرئيس الاها يملك كل السلطات ويتحكم فيها طيلة عمره وفى نفس الوقت ليس مسئولا امام الشعب.2- فتح ابواب مصر للنفوذ السعودى الوهابى وثقافة التطرف الدينى فجعل من التيار السلفى هو البديل القوى للحكم العسكرى . 3- أختيار ضابط عسكرى وهو حسنى مبارك نائبا للرئيس،واتاحة الفرصة له لتولى الرئاسة لينعم بتأليه الدستور له وليستمر الحكم العسكرى المعادى بطبيعته للديمقراطية مما أدى لافقار مصر وتقزيمها وافلاسها ونهبها .
أثر ذلك سلبا على منطقة الشرق الأوسط كلها ، لأنه بغياب الدور الرئيسى لمصر والتنازل عنه للسعودية التى لاتصلح لهذا الدور تشجع منافسون آخرون لا تؤهلهم اوضاع دولهم لريادة المنطقة بدلا عن مصر ،ولكى يعطوا أنفسهم شرعية القيادة والريادة محل مصر تفننوا فى أساليب المؤامرات والحروب ، وعانت المنطقة من مغامرات القذافى وصدام حسين وكلاهما حاول أن يرث دور عبد الناصروالدور المصرى الضائع.
زاد فى سوء الأحوال تخلى الدولة فى عصر مبارك عن دورها الاجتماعى والخدمى فلم يعد بوسعها توظيف الشباب أو اسكانهم أو دعم الفقراء ، وهو الدور الذى تكفل به عبد الناصر مقابل مصادرة الحرية والديمقراطية. فىالعصر الحالى ضاعت كل هذه المزايا مع سياسة السوق والغلاء الذى يتفاقم باستمرار مضيفا أعدادا جددا لدائرة الحرمان وطغيان الفقر وازدياد الفجوة بين الفقراء المعدمين والأغنياء المترفين وهم أقلية تذكرنا بأقلية ال 1% قبل الثورة ، أى عدنا الى منطقة الصفر، هذا مع مصادرة الحرية والديمقراطية فى ظل استمرار قانون الطوارىء وسياسة التعذيب وارهاب المواطنين وشيوع الاختفاء القسرى والنفوذ الهائل لمباحث أمن الدولة فى التنكيل بالمعارضين والمصلحين .كل ذلك حتى يتمتع الرئيس بسلطته المطلقة طيلة حياته .
ان ما يحدث الآن فى مصر يعد نكسة للتطور الديمقراطى والدستورى فى مصر، والذى سبقت به مصر منذالقرن التاسع عشر .فى الفترة مابين (1805 _ 1882) شهدت مصر نضالا مستمرا أسفر عن اصدار أول دستور مصرى سنة 1882 ، الا ان الاحتلال الانجليزىألغاه فتركز النضال المصرى بعدها فى طلب الاثنين معا : الجلاء والدستور. قامت ثورة 1919 ضد الاحتلال وكان من نتائجها اصدار دستور 1923 فى ابريل 1923 ، وعلى أساسه انعقد أول برلمان مصرى بعد الاحتلال فى 15 مارس 1924 . جاء اسماعيل صدقى فألغى دستور 1923 ليضع مكانه دستور 1930 ولكن مالبث الضغط الشعبى أن أعاد دستور 1923 الذى ظل معمولا به الى قيام ثورة 1952 التى الغته فى ديسمبر 10 سنة 1952.أصدرت الثورة بعض الاعلانات الدستورية والدساتير المؤقتة كمجرد شعارات لم تفلح فى زحزحة الاستبداد العسكرى.ٍ اخيرا أصدر السادات الدستور الدائم فى سبتمبر 11 لسنة 1971 وهو الدستور الذى لا يزال ساريا حتى الآن والذى يحمل فى طياته ملامح استبداد العسكرية المصرية والذى على أساسه تجرى الانتخابات المصرية وآخرها انتخابات مجلس الشعب الأخيرة فى اواخر العام الماضى – نوفمبر وديسمبر 1995 .
4- وهذه الورقة البحثية تحاول تحليل الانتخابات الاخيرة لمجلس الشعب دستوريا وقانونيا وواقعيا وتاريخيا، وهى تعتمد فى هذا التحليل على قراءة للدستور المصرى الحالى وقوانين الانتخابات المصرية وقراءة للتقارير التى صدرت عن واقع تلك الاننخابات المصرية الأخيرة ، كما تعتمد على ندوات مركز ابن خلدون التى عقدها لمناقشة تلك الاننخابات والتى كان يستضيف فيها مدير الرواق – كاتب هذه السطور – الرموز المصرية التىاسقطتها الحكومة فى الأنتخابات لتحكى تجربتها واقتراحاتها وتجرى مناقشة التجربة فى ضوء تصور أفضل لآلية الانتخابات المصرية فى المستقبل. وبعد هذا التحليل للانتخابات والديمقراطية المصرية فى هذه المرحلة الأخيرة من القرن العشرين تختتم الورقة بنظرة مستقبلية للديمقراطية المصرية فى القرن القادم : القرن الحادى والعشرين. والله تعالى المستعان ..
أولا : الديمقراطية والانتخابات المصرية : رؤية دستورية
اذا تخيلنا الدستور المصرى الحالى مسرحية فان البطل الوحيد فيها هو الرئيس ، وما عداه من هيئات وسلطات ليست الا مجرد كومبارس. فى هذا الدستور فالرئيس هو الذى يحتكر السلطات وهو الذى يسيطر عليها، ومجلس الشعب ليس الا مجرد خادم مطيع للرئيس ينفذ أغراضه ويأتمر بأمره شأن بقية السلطات الأخرى.. ونقدم الدليل وبالتفصيل:
فألف باء الديمقراطية هى الفصل بين السلطات الثلاث ، التنفيذية والتشريعية والقضائية واستقلال كل منها عن الأخرى ، وأن تراقب كل منها الأخرى ، مع تداول السلطة وحرية الصحافة والاعلام وملكيته للأفراد لا للحكومة. وفى النظام النيابى يكون الرئيس منزوع السلطات وحكما بين السلطات ، ويتداول السلطة التنفيذية – الحكومة – من يحصل على الأغلبية فى البرلمان . والشعب عن طريق الانتخاب الحر هو الذى يختار نواب الأحزاب. والأغلبية البرلمانية هى التى تشكل الحكومة التى تكون مسئولة امام البرلمان وتواجه بقية الأحزاب المعارضة لها. وهكذا تتبادل الأحزاب الحكم والمعارضة وتتنافس فى خدمة الشعب الذى يختار نواب البرلمان والأحزاب. هذا ما تقوم علية الديمفراطية النيابية فى انجلترة والهند واسرائيل. أما الديمقراطية الرئاسية فالرئيس يمارس سلطاته يعاونه وزراؤه وهم كالسكرتارية له فى ادارته الحاكمة. ويكون مسئولا أمام البرلمان. ويملك الشعب مساءلته وعزله ، وذلك ما يحدث فى أمريكا وفرنسا على وجود اختلافات فرعية بينهما فى الديمقراطية الرئاسية ، علاوة على تحديد مدة الرئاسة بفترتين حتى لا تؤبد السلطة فى شخص واحد أو حزب واحد. ولكن الدستور المصرى أخذ من النظامين البرلمانى والرئاسى كل ما يؤدى الى استبداد الرئيس واحتكار السلطة ، فالرئيس هو الحكم بين السلطات وهو الذى يراعى الحدود بينها – طبقا للنظام البرلمانى – ولكنه ايضا فى الدستور المصرى هو الذى يحتكر السلطات الثلاث مع عدم مسئوليته أمام المجلس النيابى، بل أن المجلس النيابى يعمل فى خدمته ، ثم أن الرئيس – طبقا للدستور – يظل متمتعا بالرئاسة طيلة حياته ، اذ يجوز له تجديد الرئاسة بالسلطة المطلقة لمدد أخرى بدون حد أقصى.
ونعطي صورة سريعة للدستور المصري لنري كيف اعطي استبداد مطلقا للرئيس ،مع ان هذا الدستور ينص علي ان الامة مصدر السلطات ،وعلي ان مبادئ الشريعة هي المصدر الاساسي للتشريع ،ثم تأتي مواده لتجعل الرئيس –دون الامة- مصدر السلطات ،وبالتالي يكون مناقضا للشريعة الاسلامية المبنية علي العدل والقسط ..
1-فقد تعرض الدستور لمنصب رئيس الجمهورية في الباب الخامس خلال فصلين ،الفصل الاول بعنوان رئيس الدولة (المواد من 73-85 )وفي الفصل الثالث بعنوان السلطة التنفيذية (من المواد 137: 152 ) باعتبار ان الرئيس هو الفرع الاول في السلطة التنفيذية وباعتباره محور السلطات .
ومواد الدستور تجعل مقاليد السلطة التنفيذية في يد الرئيس فهو الذي يتولي السلطة التنفيذية بنفسه (مادة 137 ) وهو الذي يضع السياسة العامة للدولة ويشرف علي تنفيذها مع مجلس الوزراء (مادة 138) وهو الذي يعين رئيس جلس الوزراء ونواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء ويعفيهم من مناصبهم (مادة 141 )وله حق دعوة مجلس الوزراء للانعقاد وحق حضور جلساته ورئاستها (مادة 142 ) أي ان مجلس الوزراء مجرد سيكرتارية للرئيس طبقا للنظام الديمقراطي في امريكا ، ولكن بدون مساءلة الرئيس امام مجلس الشعب عن هذه السلطة ،ثم من حق الرئيس تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين ،والممثلين السياسيين وعزلهم (مادة 143 ) أي انه يمسك بكل زمام الامور في السلطة التنفيذية ولكن دون ان يحاسبه احد.
2-ومجلس الوزراء التابع والخاضع لرئيس الجمهورية يضم وزير العدل الذي يتبعه النظام القضائي وذلك اخلال باستقلال السلطة القضائية الذي ينبغي ان تكون منفصلة عن السلطة التنفيذية من الرئاسة الي الوزارة ،ولكن الدستور المصري بعد ان يجعل القضاء من خلال وزارة العدل ضمن السلطة التنفيذية في مجلس الوزراء يبالغ في اخضاع القضاء اكثر واكثر ،حيث يجعل رئيس الجمهورية هو رئيس المجلس الاعلي للهيئات القضائية (137)ويجعل للرئيس حق التدخل في احكام القضاء طبقا للمادة (149) التي تقول (لرئيس الجمهورية حق العفو عن العقوبة او تخفيفها ).
3-ويحظر الدستور انشاء جماعات مسلحة او ذات طابع عسكري (مادة 55 ) ويحرم اجتماع المواطنين اذا كانوا مسلحين (مادة 54) أي يحصر حمل السلاح والعسكرة في الجيش والسلطة وفي تنظيماتهما ،وبعدها يجعل الرئيس هو المسيطر علي الجيش ،فهو القائد الاعلي للقوات المسلحة (مادة 15) وهو رئيس مجلس الدفاع الوطني (مادة 182 ) ثم هو ايضا الرئيس الاعلي لهيئة الشرطة ،وذلك مع وجود وزيرين للدفاع والداخلية في مجلس الوزراء التابع لرئاسة الجمهورية ،وبذلك تكون كل القوة العسكرية للجيش والشرطة في يد الرئيس وحده ،وطبقا للدستور فهو يملك تعيين وعزل الوزراء والموظفين بما فيهم قواد الجيش والشرطة .
4-والسلطة التشريعية في يد رئيس الجمهورية ايضا اما بطريق مباشر او غير مباشر ،فالرئيس من حقه اصدار القوانين والاعتراض عليها طبقا للمادة 112 من الدستور وفي اطار سلطته التنفيذية ،فهو الذي يصدر اللوائح التنفيذية للقوانين (مادة 144) وهو الذي يصدر لوائح الضبط (145) وهو الذي يصدر القرارات اللازمة لانشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة (مادة 146 ) .
ومع وجود مجلس نيابي للشعب من وظائفه التشريع الا انه يحق للرئيس ان يتجاهل مجلس الشعب ويستفتي الشعب مباشرة في المسائل الهامة التي تتصل بمصالح الدولة العليا (مادة 152) أي انه يمثل الشعب بدون حاجة الي مجلس نيابي ،وعن طريق سيطرته علي الاجهزة التنفيذية التي تسيطر بدورها علي آليات الانتخاب والاستفتاء ،فتأتي نتيجة الاستفتاء حسبما يريد .
وبالسلطة التنفيذية يتحكم الرئيس في انتخابات مجلس الشعب لتكون الاغلبية فيه من اتباع الرئيس ،ويقوم مجلس الشعب بمعاونة الرئيس في التشريع ،اذ ان التشريعات التي يصدرها المجلس تكون حسب الطلب. وأكبر دليل على ذلك هو صدور القانون المشبوه رقم 93 لسنة 1995 بشأن الصحافة. ذلك القانون الذى صيغ على عجل لتكبيل الصحافة حين بدأ انتقادها يصل الى شخص الرئيس مبارك. واعترض الصحفيون وواصلت نقابتهم التحرك حتى اضطر الرئيس لتعديل القانون، وتبارى نفس أعضاء مجلس الشعب – الذين هاجموا الصحافة والصحفيين وساندوا القانون 93 ضدهم – تباروا فى للاشادة بالصحفيين والصحافة بعد اضطرار الرئيس للتعديل. انصاع مجلس الشعب فأقر التعديل فوافقت نقابة الصحفيين فى 19-6- 1996 على وقف اجتماعاتها الطارئة التى استمرت عاما من النضال ضد ذلك القانون المشبوه. هذا يعطى دليلا على تبعية مجلس الشعب المنخب لارضاء الرئيس فىكل وقت.
واذا عرفنا طبيعة مجلس الشعب التابعة للرئيس فان القوانين التى يصدرها تكون فى حقيقة الأمر صادرة عن رغبة الرئيس نفسه ودليلا على تحكمه فى مجلس الشعب . على أن مواد الدستور نفسها هى التى تعطى الحق المباشر لرئيس الجمهورية فى اصدار القوانين والتشريعات ، وتعطى نفس الحق لمجلس الشعب، بل وتؤكد على وجود الرئيس كمشرع للقوانين مع وجود مجلس الشعب أو بمعاونته، فالمادة (108) تجعل من حق الرئيس أن يصدر قرارات لها قوة القانون بناء على تفويض من مجلس الشعب بأغلبية ثلثى الأعضاء ، وذلك فى الضرورة والحالات الاستثنائية، ثم تعرض هذه القوانين على مجلس الشعب فى أول جلسة بعد انتهاء التفويض للتصديق عليها. والخطورة ليست فى تبعية مجلس الشعب للرئيس وأوامره فقط ، ولكن أيضا فى أن هذا التفويض يأخذ سمة الاستمرارية، وقد أصبح معروفا أن مجلس الشعب قد دأب على تفويض الرئيس مبارك باستمرار فى موضوعات التسليح ، وهى التى يثور حولها الكثير من الكلام .
والمادة (113)تجعل من حق الرئيس الاعتراض علي مشروع قانون اقره مجلس الشعب ،واذا اعترض الرئيس علي مشروع ذلك القانون رده الي المجلس خلال ثلاثين يوما. والمفهوم من المادة ان القانون اذا اصدره مجلس الشعب يظل مشروع قانون الي ان يحظي بموافقة الرئيس حتي يصبح قانونا حقيقيا أي بمعني اخر ان الرئيس هو مصدر السلطة العليا للتشريع وليس مجلس الشعب .
والمادة (147) تجيز لرئيس الجمهورية اصدار قرارات بقوة القانون اثناء غيبة مجلس الشعب اذا حدث ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير ،ثم تعرض علي مجلس الشعب لأقرارها. وقد استغل الرئيس السادات هذه المادة لتمرير قانون الاحوال الشخصية الذي تم صياغته ليرضي زوجته السيدة جيهان السادات مع انه لم يكن هناك مبرر يستوجب اصدار هذا القانون في غيبة مجلس الشعب . وجدير بالذكر ان مجلس الشعب عاد والغي اهم بنود هذا القانون بعد مقتل السادات. والذين صاغوا القانون هم الذين قاموا بتعديله، والمستفاد هو تبعية المجلس لأهواء الرئيس غالبا واهواء زوجة الرئيس احيانا .
والمادة (151) تجعل من حق الرئيس ابرام المعاهدات وابلاغها لمجلس الشعب ثم تكون لها قوة القانون بعد التصديق عليها. والمستفاد منها تبعية المجلس للرئيس اذ للرئيس ان يعقد المعاهدة ويكتفى بابلاغ المجلس الذى ليس له سوى التصديق والتصفيق .
والمادة 189 تجعل من حق رئيس مجلس الشعب طلب تعديل مادة او مواد من الدستور ،وبينمايكون حق الرئيس مطلقا ،فأن حق مجلس الشعب يظل مشروطا بأن يكون الطلب موقعا عليه من ثلثي اعضاء المجلس علي الاقل !!!! ثم يناقش المجلس التعديل .وفي كل الاحوال فالرئيس هو الذي يملك -بالاصالة او عن طريق مجلس الشعب- حق تغيير مواد الدستور ، وفي كل الاحوال فالرئيس هو مصدر السلطة التشريعية وما وجود مجلس الشعب الا من اجل خدمة الرئيس وتحقيق رغباته.
5- حددت المادة (86) مهام مجلس الشعب فى التشريع وتقرير السياسات العامة للدولة والخطة العامة للتنمية والموازنة العامة للدولة. كما يمارس الرقابة على "أعمال السلطة التنفيذية " أى ليس له سلطة محاسبة رئيس الجمهورية وانما رئيس الوزراء والوزراء فقط . والواضح ان المهام الثلاث لمجلس الشعب – التشريع وتقرير السياسة والرقابة – هى نفس السلطة الممنوحة للرئيس ليعلو فوق السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعيةوالقضائية باعتباره الحكم بينهاوالمهيمن عليها.
والمادتان (124،125) تعطي مجلس الشعب الحق في سؤال واستجواب رئيس الوزراء والوزرء ، والمادة 126 تجعل الوزراء مسئولين امام مجلس الشعب وتجعل للمجلس حق سحب الثقة من الوزراء ،والمادة 127 تجعل للمجلس بناء علي عشر- بضم العين - اعضائه مساءلة الوزراء وتنظم المادة هذا الحق وتجعل رئيس الجمهورية حكما بين مجلس الشعب ومجلس الوزراء اذا تنازعا،ويستطيع الرئيس من خلال الاستفتاء ان يحكم بسقوط مجلس الشعب او مجلس الوزراء عند التنازع بينهما . والمفهوم من ذلك ان دور مجلس الشعب هو في الرقابة علي مجلس الوزراء ،وبحيث لا يتعدي دوره والا تعرض مجلس الشعب نفسه للحل والعزل، خصوصا وان المادة 136 تجعل من حق الرئيس حل مجلس الشعب عند الضرورة . وتحديد هذه الضرورة يملكة بالطبع الرئيس ، وبطريق الاستفتاء الذي تشرف عليه الحكومة يتمكن –اذا اراد-حل المجلس . ولذلك فعلي المجلس ان يجتهد في خدمة الرئيس وان يفهم ان مكانته تساوي مجلس الوزراء ،وان رئيس مجلس الشعب مع انه يمثل المجلس الذي يمثل الشعب الا انه اقل في المكانة من رئيس الجمهورية ،والقانون 38 لسنة 1972 يجعل مكافأة رئيس مجلس الشعب تساوي مكافأة نائب رئيس الجمهورية ،وبالتالي فأن مجلس الشعب هو مجرد مصلحة حكومية تتبع رئيس الجمهورية .
ولذلك فأن الدستور وهو ينظم آليات عمل مجلس الشعب يحرص علي هذا المعني ، أي ان يكون المجلس في خدمة الرئيس وتحت اشرافه ،فالمادة 101 تنص علي ان رئيس الجمهورية هو الذي يدعو مجلس الشعب للانعقاد للدور السنوي العادي وهو الذي يفض دورته العادية ،وكان يمكن أن تنص المادة علي الموعد السنوي لبدأ دورات مجلس الشعب ونهاية الدورات دون اشارة لتدخل الرئيس في الدعوة لبدأ الجلسات او لفضها لولا ان النظرة الاساسية هي ان الرئيس هو كل شئ وان مجلس الشعب هو مصلحة تابعة له . وتأتي المادة 102 لتؤكد هذا المعني ،فمن حق الرئيس ان يدعو مجلس الشعب لاجتماع غير عادي في حالة الضرورة- أى التي يري هو انها ضرورة ،ويمكن ان يتم نفس الاجتماع غير العادي بطلب اغلبية اعضاء مجلس الشعب ،بمعني اخر فالرئيس بنفسه او عن طريق الاغلبية التابعة له في المجلس يملك دعوة المجلس للانعقاد الطارئ اذا اراد . ثم لاتمام هيمنته على جلسات المجلس فالرئيس يملك التحكم في جلسات المجلس وجعلها سرية اذا اراد طبقا للمادة 106 .
6-الا ان اكبر خدمة يؤديها مجلس الشعب للرئيس ،هي انه الذي يقوم بتسمية الرئيس واختياره وتعيينه رئيسا للجمهورية او مد رئاستة لمدد اخري بطريق الاستفتاء ،مادة 76،77 .
وبسبب هاتين المادتين بالذات كان حرص مؤسسة الرئاسة علي صنع مجلس للشعب تكون اغلبيته مؤيدة للرئيس الذي يملك طيلة حياته كل السلطات في يده ويستطيع بها اجراء الاستفتاء علي الرئاسة وصنع انتخابات لمجلس شعب مستأنس ،ونلمح من خلال الدستور ما يؤيد ذلك .
فالمادة (88) تجعل الاقتراع فى انتخابات مجلس الشعب تحت اشراف اعضاء من هيئة قضائية، والهيئلت القضائية تقع تحت سيطرة السلطة التنفيذية وتتبع وزارة العدل ، والقضاة المشرفون على الانتخابات – خارج المحاكم – يفقدون حصانتهم القضائية ويصبحون موظفين عاديين يأتمرون بأوامر وزارة الداخلية التى تدير الانتخابات لصالح الرئيس . باختصار : الحكومة هى التى تنتخب نفسها أو أعضاء مجلس شعبها.
والمادة (89) تجيز للعاملين فى الحكومة والقطاع العام الترشيح لمجلس الشعب، والمادة (134) تجيز لرئيس مجلس الوزراء والوزراء ان يكونوا أعضاء فى المجلس. والمعنى ان يستخدموا كل امكانات الدولة ونفوذها – كما هو معتاد – فى الوصول للمجلس عبر انتخابات مصنوعة مزيفة وبالتأثير على الناس من خلال المنع والمنح. ثم وهم فى مجلس الشعب يصبحون اغلبية تساند الحكومة ورئيسها. ثم تضيف المادة (87) الحق لرئيس الجمهورية فى تعيين عشرة أعضاء فى المجلس ، وذلك حتى تكون الأغلبية المطلقة فى يده. وعن طريق هذه الأغلبية يتمكن مجلس الشعب –اذا أراد الرئيس – ان يفصل الأعضاء المعارضين" المشاغبين" بحجة أنه فقد الثقة والاعتبار ، أو انه أخل بواجبات العضوية طبقا للمادة (96). كما أن هذه الأغلبية يتمكن بها المجلس من رفض احكام القضاء التى تقرر بطلان الانتخابات بسبب تزوير الحكومة وحزبها الحاكم ، ويتحجج المجلس بانه هو الذى يختص بالفصل فى عضوية اعضائه أو بالتعبير الماثور( المجلس سيد قراره).!!
والطريف ان المادة ( 136) تجعل من التزوير حلا وحيدا: تقول المادة:" لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس الشعب الا عند الضرورة وبعد استفتاء الشعب.ويصدر رئيس الجمهورية قرارا بوقف جلسلت المجلس واجراء الاستفتاء خلال ثلاثين يوما، فاذا أقرت الأغلبية المطلقة – لعدد من أعطوا أصواتهم – الحل أصدر رئيس الجمهورية قرارا به.." والسؤال هنا هو : ما الذى يحدث اذا لم تقر الأغلبية حل مجلس الشعب؟ هل يستقيل رئيس الجمهورية لأن الشعب منحاز للمجلس ضده ؟ بالطبع لا. فالواقع أن الذى كتب الدستور لا يمكن ان يسجل هذا الاحتمال مع انه وارد بل ضرورى اذا كانت الاستفتاءات حقيقية ونزيهة ومعبرة عن الرأى الصحيح والحقيقى للشعب . غير ان كاتب الدستور يعرف تماما أن الاستفتاءات يجرى تزويرها وتصل بحكم العادة الى 99% . وطالما أن النتيجة معروفة مقدما وهى الاستجابة لطلب الرئيس فان المادة (136) ذكرت حالة واحدة هى الموافقة على الاستفتاء لتشير من طرف خفى بأن التزوير هو الذى يتكفل بالحل باعتباره الحالة الوحيدة المتفق عليها والتى تجعل نتيجة الاستفتاء تطابق رغبة رئيس الجمهورية اذا أراد حل المجلس.
وفى النهاية، فان من حق الرئيس حل المجلس دون أن يسائله أحد حتى لوكان خطؤه واضحا، ويتكفل الاستفتاء المصنوع والجاهز مقدما باعطاء الشكل الديمقراطى الشرعى لهذا الاستبداد. ونخلص من هذا الى أن تزوير الانتخابات تتراءى لنا من بين سطور ومواد الدستور. كما تتراءى بين سطور قانون الانتخابات.
ثانيا : الديمقراطية والانتخابات فى قانون الاننخابات المصرى
صدر قانون الانتخابات سنة 1956 وتم تعديل بعض مواده عام 1994 . ونعطى فكرة سريعة عن دور هذا القانون وتعديلاته فى تزييف الانتخابات والديمقراطية فى مصر.
1-فالقانون يعطى الحكومة الاشراف الكامل على العملية الانتخابية ، ليس بمجرد الاشراف القضائى وقد عرفنا خضوع اقضاء للسلطة التنفيذية – ولكن لأن القانون جعل اشراف القضاء مقصورا على اللجان العامة فى الدوائر الانتخابية فقط، بينما جعل الاشراف على اللجان الفرعية – وهى لب الانتخابات – للموظفين التابعين للحكومة. أى اذا كانت هناك احتمالات للحياد فى الاشراف القضائى فانه يجرى تحييد القضاء نفسه وابعاده عن القواعد الانتخابية الأصلية التى يشرف عليها موظفو الحكومة الذين يتلقون منها التعليمات . وبذلك يصبح اشراف القضاء مجرد تمويه شكلى ، هذا اذا افترضنا استقلالية القضاء عن الحكومة وعم تبعيته لها.
2-على أن التدخل الأكبر فى العملية الانتخابية يأتى من وزارة الداخلية طبقا للقانون نفسه. وهى وزارة سيادية تتعامل معها الجماهير بالخوف والرهبة ولا تشعر معها بأمن أو اطمئنان . وهى تتعامل مع الجماهير بالشك والتسلط والردع والبطش والتعذيب . وتهيمن هذه الوزارة على كل العملية الانتخابية من بدايتها الى نهايتها ، من تحرير واعداد وتنقية جداول الناخبين فى القرى والمدن واحتكار هذه الجداول ، الى الاشراف على عمليات الدعاية للمرشحين ، الى تحديد عدد اللجان العامة والفرعية وتعيين المشرفين عليها ، الى السيطرة التامة على جمع صناديق الاقتراع وفرز الاصوات واعلان النتائج . وكل الخيوط تتجمع فى يد وزير الداخلية الذى ينفذ أوامر رئيس الوزراء وأوامر رئيس الجمهورية الذى هو أيضا الرئيس الأعلى للشرطة. اذن على وزير الداخلية أن ينصاع للرئيس والا فقد منصبه.
3-وييسر القانون تزييف ارادة الناخبين اذ يجعل رئيس لجنة الانتخابات يقوم بالتوقيع على الشهادة الانتخابية للناخب بما يفيد ادلاء الناخب بصوته،وينص على أن يوقع أمين تلك اللجنة فى كشوف الناخبين امام اسم الناخب بينما أغفل القانون ضرورة ان يوقع الناخب بنفسه أو ببصمته . هذا يعطى اللجنة فرصة تسويد الكشوف بما يريدون وقيامهم بتزوير الكشوف طالما كانت معهم بطاقات الانتخابات التى تصدرها وتتحكم فيها وزارة الداخلية ، ويتم التزوير أحيانا بدون البطاقة طالما يوقع الموظف فى الكشف بما يفيد ان الناخب قد أدلى بصوته . ولذلك لا يذهب معظم الناخبين للتصويت فتقوم اللجان - متكرمة عليهم – بالانتخاب او الاستفتاء بدلا منهم لتكون النتيجة حوالى 99% . ولقد تتابعت المطالبات للحكومة بتعديل هذا البند وضرورة أن يقوم الناخب بنفسه بالتوقيع باسمه ولكن دون فائدة .
4-وفى تعديل قانون الانتخاب عام 1994 أضيف الى قوائم المحرومين من مباشرة الحقوق السياسية طوائف عديدة منها المفروض عليهم الحراسة والمفصولون من العاملين فى الدولة لأسباب نخل بالشرف، ومن اشهر افلاسه، مع أن اشهار الافلاس اصبح ظاهرة مألوفة بسبب الغلاء والكساد والفساد وهى كلها من صنع الحكومة. والطريف ان الذى يقع فى جريمة تزوير عادية أو يشهد زورا أمام المحكمة يعاقب بالسجن عدة أعوام مع انه أخطأ فى حق فرد واحد . أما اذا أخطأ فى حق الأمة بأكملها وزور ارادة الجماهير فى الانتخابات فعقوبته هينة لينة . على سبيل المثال فان عقوبة دخول احد الناس الى قاعة الانتخاب بالسلاح لا تتجاوز غرامة مائتى جنيه . وحين يدخل بالسلاح فانما لغرض الارهاب والتخويف للناخبين. بل أن القانون اعتبر كل الجرائم الانتخابية مجرد جنح لا تتجاوز عقوبتها الحبس والغرامة. وجعل الدعوى العمومية فى جرائم الانتخابات تسقط بعد مضى ستة شهور فقط. كل ذلك لتشجيع أذناب الحكومة وحزبها الرسمى على تزييف الانتخابات، ويشجع الآخرين أيضا اذا كان لهم نفوذ فى دوائرهم يستطيعون به فعل ما تفعله الحكومة.
ذلك هو الاطار النظرى والعملى دستوريا وقانونيا الذى تتحول به الانتخابات المصرية لتصبح أداة لتكريس الاستبداد تحت مظهر ديمفراطى حزين. وهذا ما سارت علية الانتخابات والاستفتاءات المصرية منذ ثورة 1952 وبدرجات متفاوتة، ولكن كان اسوؤها الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب المصرى ( نوفمبر – ديسمبر 1995 ) تلك الانتخابات التى حظيت لأول مرة بتسجيل انتهاكاتها مما يعطينا فرصة لقراءة واقعية للديمقراطية المصرية فى آخر انتخابات لها فى هذا القرن العشرين.
ثالثا : واقع الانتخابات المصرية خلال انتخابات مجلس الشعب الأخيرة ( نوفمبر – ديسمبر 1995)
1-كان المتوقع فى ظل المد الديمقراطى الذى يشهده العالم بعد سقوط الديكتانوريات الشيوعية أن تتعاظم "جرعة" الديمقراطية فى مصر ، خصوصا مع آخر انتخابات مصرية تودع القرن العشرين وتتأهب لاستقبال القرن القادم بتحقيق آمال أوسع تليق بمصر وريادتها ومكانتها . ولكن فوجىء الرأى العام بأن الحكومة المصرية قد اعدت لانتخابات مجلس الشعب الأخيرة اجرائين أفصحا عن نية مبيتة من الحكومة المستبدة لاجهاض الأحلام الديمقراطية. انهما اصدار قانون الصحافة المشبوه رقم 39 لسنة 1995 الذى عصف بالهامش الديمقراطى الهزيل والذى يعطى حرية مقيدة للصحافة، والقاء القبض على بعض القيادات من الأخوان المسلمين وتحويلهم للقضاء العسكرى. وهم عناصر سياسية ورموز انتخابية معروفة مما يؤكد ان اعتقالهم كان لتعويق ترشيحهم للانتخابات ، وهى لعبة معروفة للنظام يمارسها مع الاخوان وهم أقوى خصومه وأكبر حزب شعبى وان لم يكن غير معترف به رسميا. هذا بالاضافة الىٍٍجريان الانتخابات فى ظل قانون الطوارىء الذى يعطى الحكومة الحق فى اتخاذ اجراءات استثنائية مقيدة للحريات تستغلها لصالحهافى الانتخابات لارهاب المعارضين ومرشحيهم . وفعلا ، فى ظل قانون الطوارىء اعتقلت الحكومة(1392) من المتعاطفين مع الاخوان المسلمين فيما بين 15-11-الى 6-12-1995 حسبما تذكر المنظمة المصرية لحقوق الانسان.
وبسبب هذا الجو الملبد بالغيوم كان مركز ابن خلدون يدير ندوات خاصة حول برامج الأحزاب المصرية المختلفة متطلعا الى مناخ أفضل لادارة الانتخابات فى مصر. وفى الندوة المخصصة لحزب العمل ظهر اقتراح بتكوين لجنة مصرية لمراقبة انتخابات مجلس الشعب . وتولى مركز ابن خلدون الدعوة الى تكوين هذه اللجنة من العناصر المصرية الوطنية النشطة، وسرعان ما تكونت" اللجنة المصرية المستقلة لمتابعة الانتخابات " وشارك فيها مع مركز ابن خلدون بعض مراكز حقوق الانسان والمنظمة المصرية لحقوق الانسان. وقدمت تلك اللجنة "شهادة للتاريخ" تضمنت شهادة واقعية لما جرى فى تلك الانتخابات خلال متابعة ميدانية فى(88) دائرةقام بها (600) مندوب مارسوا عملهم تحت تهديد معلن ومستمرمن الحكومة المصرية وتصريحات من رئيس الوزراء ووزير الداخلية ترهب اللجنة وأعضاءها. وجاءت أحكام القضاءالادارى متفقة مع تقرير اللجنة اذ حكم ببطلان التصويت فى حوالى (120) دائرة.
وبالاضافة الى الشهادة التى أصدرتها اللجنة المصرية المستقلة لمتابعة الانتخابات فان المنظمة المصرية لحقوق الانسان قدمت عن هذه الانتخابات شهادة مستقلة بعنوان " الديمقراطية فى خطر : انتخابات لم ينجح فيها أحد " . ثم قام مركز ابن خلدون بانشاء "رواق ابن خلدون "ندوة اسبوعية مساء كل ثلاثاء ، قادها كاتب هذه السطور . بدأ هذا الرواق – الذى أصبح علامة بارزة فى الحياة الثقافية والسياسية المصرية - بعقد ندوات مع بعض الرموز المصرية التى لم تنجح فى الانتخابات الأخيرة ليعطى كل منهم شهادته الواقعية. ومن خلال المصادر الثلاثة نقدم هنا موجزا واقعيا للانتهاكات التى صاحبت العملية الانتخابية.
2- ونبدأ بشهادة اللجنة المصرية المستقلة لمتابعة الانتخابات. وقد قسمت فى شهادتها الانتهاكات الى ثلاثة أنواع" قبل الانتخابات ، يوم الاقتراع ، واثناء عملية فرز الاصوات. وقدمت أمثلة واقعية مثبتة بالبيانات .
فاثناء الحملة الانتخابية رصدت اللجنة المذكورة عيوبا فى جداول الانتخابات ، مثل عدم التزام الدولة بالقيد الالزامى للناخبين وعدم تنقية الجداول من اسماء المتوفين والمجندين والمحرومين من مباشرة الحقوق السياسية، مع تكرار الاسماء داخل الكشوف ، والتلاعب فىجداول الناخبين ، والتهاون فى اعطاء مرشحى المعارضة جداول الناخبين كاملة البيانات خلافا للقانون. هذا بالاضافة الى استخدام اعلام الدولة للدعاية لمرشحى الحزب الحاكم, واستخدام المال العام والنفوذ الحكومى بواسطة رجال الدولة فى الدعاية والحشد لصالح مرشحى الحكومة بالاضافة الى استخدام المال الخاص من الأثرياء المنتفعين بالحكومة المناصرين لها حسب العلاقات التحتية بين الفساد والاستبداد، مع الاضطهاد الادارى الحكوم للخصوم وتمزيق لافتات الدعاية ومنع المؤتمرات والمسيرات الانتخابية للمعارضة بواسطة الأمن المنحاز للحزب الحاكم. الأخطر هو استخدام الدين فى الدعاية ضد مرشحى الأقباط من خارج الحزب الحاكم ، واستخدام العنف وسقوط قتلى والقبض على بعض مرشحى المعارضة وأنصارهم.
وفى يوم الاقتراع رصد تقرير اللجنة المصرية الانتهاكات التالية: القبض على مندوبى المرشحين وطردهم أو منعهم من دخول اللجان ، زتدخل الأمن بشكل سافر باقتحام اللجان واعتقال أنصار المعارضة أو التستر على بلطجية الحزب الحاكم وهم يمارسون التزوير العلنى.
اثناء عملية الفرز اعتقلت الشرطة بعض مندوبى المعارضة فى لجان الفرز أو منعتهم من الدخول أو اصطحاب صناديق الأصوات حيث يسود الاعتقاد باستبدال الصناديق أثناء تجميعها أو يتم العبث فى محتوياتها لصالح مرشحى الحكومة. وكل هذه الملاحظات أكدتها شهادات الرموز المصرية التى لم تنجح فى الانتخابات وذلك فى الندوات التى عقدها رواق ابن خلدون بعد الانتخابات.
3-أما تقرير المنظمة المصرية لحقوق الانسان فقد تعرض لما فرضته الحكومة المصرية من قيود على حركة المرشحين المعارضين ، ونزع اللافتات الانتخابية ومصادرة مواد الدعاية واعتقال بعض المرشحين وأنصارهم ومنع المسيرات . وقدم التقرير حالات نموذجية لتدخلات رجال الحكم المحلى من استخدام امكانات الدولة فى دعم مرشحى الحكومة وفى اضطهاد الآخرين. وفى يوم الانتخابات رصد التقرير طرد المندوبين من لجان الانتخابات ولجان الفرز والتلاعب فى كشوف الناخبين ، وعدم تنقيتها ، والتزييف المباشرللجان كاملة ومنع الناخبين من التصويت، وشراء الأصوات الانتخابية. مع العنف الدموى والانتقادات الموجهة للرجال القضاء المشرفين عليها. وقد حرص تقرير المنظمة المصرية لحقوق الانسان على أعطاء بيانات كاملة بالاسماء والاماكن والارقام والتواريخ مع تحليل وتصوير الوثائق. ولاحظت المنظمة ان تلك الانتخابات تميزت باستخفاف الدولة بأحكام القضاء التى قضت ببطلان الانتخاب فى (112) دائرة حتى وقت صدور التقرير, وأن تزييف الانتخابات شارك فيه آخرون من خارج الحزب الحاكم، وأن دور اجهزة الحكم المحلى تصاعد فى التأثير على هذه الانتخابات ، وان معظم الذين عارضوا القانون المشبوه لاغتيال الصحافة رقم (93) لسنة 1995 فى آخر اجتماعات مجلس الشعب السابق قد أسقطتهم الحكومة بتزويرها فى تلك الانتخابات الجديدة لمجلس الشعب، وأن الأحزاب – وخصوصا الحزب الحاكم – لم تهتم بفكرة الوحدة الوطنية، اذ لم تهتم بترشيح نواب من الأقباط ، وأن هناك اختلافا بين النتائج التى أعلنها التليفزيون والنتائج التى أعلنتها بعض الصحف الرسمية، وانها أول انتخابات يتم فيها توجيه الانتقاد لرجال القضاء المشرفين عليها مما يوضح حقيقه انهم جزء من السلطه التنفيذية. ولاحظت المنظمه اخيرا ان الحكومه اهتمت بانجاح بعض معارضيها السياسيين ليقوموا بدور المعارضه بديلا عن الاخوان المسلمين .
4-أى ان الحكومه باختصار هي التي عقدت لنفسها الامتحان وهي التي وضعت الاسئله وهي التي اشرفت علي المراقبه وهي التي قامت بالتصحيح وهي التي قامت با علان النتيجة، فأعلنت فوزها واخنارت خصومها في مجلس الشعب، وفازت علي الشعب المصرى بالضربه القاضية.!!
رابعا الخاتمه
رؤيه تاريخيه للانتخابات والديمقراطيه المصريه علي أعتاب القرن الحادى والعشرين.
1-مصر صاحبه أعرق حكومه استبداديه في التاريخ، ولذلك فان من السهل فيها أن يقوم "الملأ" اى الطبقة العليا من الجند ورجال الدين وكبار الكتبة بتحويل أى حاكم متوسط الامكانات الى فرعون مستبد بحكم الطبيعة النهرية الزراعية واحتياجها الى حكم مركزى قوى يسيطر على النهر والزراعة.وتعاقب على مصر فراعنة أجانب من الفرس والروم والعرب والغرب الا أن القرن العشرين الحالى شهد تطورا جديدا ، هو قيام فرعون مصرى بحكم مصر من خلال المؤسسة العسكرية فى وجود بديل منافس له مصرى أيضا وهو التيار الوهابى السنى السياسى الطامح للحكم من الاخوان المسلمين وتنظيماتهم العلنية والسرية. كلاهما- الحكم العسكرى والاخوان - من افرازات الطبقة الوسطى والدنيا ، وكلاهما تقوم ايدلوجيته على الاستبداد العسكرى أوالدينى، وكلاهما يستخدم الدين جزئيا أو كليا فى الاحتفاظ بالسلطة أو الوصول اليها ، وكلاهما لا يعترف بالآخر المعارض له والمختلف معه فيتهمه بالخيانة أو بالكفر ، وكلاهما لايعرف طريقا للوصول للحكم أو الاحتفاظ به غير القوة والتآمر . بتعاونهما معا قامت حركة الجيش او الثورة المصرية بعد تحولها الى حركة شعبية بالتفاف الطبقات المهمشة حولها. بصراعهما معا يتكون تاريخ مصر – والشرق الأوسط – فى هذا النصف الثانى من القرن العشرين.
استخدم الرئيس مبارك ورقة التيار الدينى السياسى ليرهب بها المصريين من احتمال وصول الاخوان والمتطرفين للحكم، حتى يرضى الشعب بالسىء خوفا من الأسوأ. تمثل هذا فى تشجيع التدين الوهابى الحنبلى الذى تقوم عليه عقيدة الاخوان وسيطرة هذا الفكر الوهابى علىالأزهروعلى الساحة الدينية والتعليمية والاعلامية برغم طبيعته الاقصائية وعدم اعترافه بالآخر المختلف معه.وجرى الاعتراف باعتدال الاخوان تمييزا لهم عن غيرهم من التنظيمات السرية العسكرية من الشباب الذى آمن بالتدين الوهابى المسيطر على المساجد والتعليم والاعلام.ولكن تطور التطرف ليتمرد على الدولة نفسها وليصبح مخيفا لها. فأصبح الصراع علنيا بين الحكومة والأخوان. وتمثل هذا فى الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب. وهو فى النهاية –كما نؤكد – صراع بين نوعين من الديكتاتوريات ، كل منهما يؤدى للآخر ويتصارع معه ولا يستغنى عنه. احدهما يمارس الاستبداد العسكرى تحت اسم الديمقراطية والآخر يمارس الاستبداد الدينى تحت اسم الشورى. والشورى والديمقراطية معا ضد كل أنواع الاستبداد والفساد.
2- وقد شهدت التسعينيات الحالية من هذا القرن بروز عامل جديد تمثل فى المجتمع المدنى وتنظيماته من الجمعيات الأهلية والمراكز البحثية والمؤسسات الحقوقية لتعين المجتمع على ادارة بعض شئونه بنفسه بعيدا عن سيطرة الحكومة وتسلطها. تمتعت مؤسسات المجتمع المدنى بكراهية الحكومة والتيار الدينى على السواء، وان حاول التيار الدينى الاستفادة منها فى صراعه مع الحكومة. ولكن المهم أن تنظيمات المجتمع المدنى الأهلية هى الفاعلة فى الجهاد من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان ، وهى الأمل فى خروج مصر والعرب من تاريخهم العريق فى الاستبداد. ويرجح الأمل فى هذا وجود عاملين ، أحدهما خارجى والآخر داخلى .
يتمثل العامل الخارجى فى أن الديمقراطية وحقوق الانسان اصبحتا لغة العالم فى هذه المرحلة من النضج العقلى والعلمى بعد أن تحول العالم الى قرية كونية بلا حدود وبلا فواصل. هذه القرية الكونية تريد أن تتعامل بسلام فى داخل أجزائها، ولا تسمح لأى ديكتاتور ينتمى الى عصور الاستبداد فى القرون المظلمة أن ينفرد بشعبه يذيقه الهوان لأن ذلك لا بد أن ينعكس على سلام القرية الكونية كلها. فالديكتاتور الذى يتحكم فى شعبه كيف يشاء دائما يلجأ الى خلق المشاكل فى الداخل والخارج ويعكر صفو السلام فى العالم ليدارى عجزه وفشله فى داخل بيته.
ثم ان المنظمات الأهلية هى المرشحة لكى تحل محل الحكومات فى تسيير أمور الناس اليومية والحياتية. اذ أنه بسقوط الاتحاد السوفيتى والنظم الشيوعية والمركزية ظهر عجز وفشل البيروقراطية الحكومية التى تتدخل فى كل شىء بلوائحها وقراراتها ولم تفلح الا فى نشر الفساد وتضييع مصالح الناس. وبانسحاب الدولة من ميادين كثيرة من الانتاج والخدمات أصبحت الحاجة ماسة لتنظيم المحتمع فى مؤسسات أهلية تحل محل الحكومة ويقوم فيها الناس بتسيير امورهم وتعلم الديمقراطية والشفافية. وهكذا فان المستقبل هو للمجتمع المدنى فىقريتنا الكونية. وذلك يعطى املا خارجيا فى دعم الديمقراطية المصرية.
والعامل الداخلى يتمثل فى أن الديكتاتورية العسكرية وشعاراتها والديكتاتورية الدينية وأيدلوجيتها أصبحت تعيش خارج العصر الراهن الذى يرفض أى مساس بحقوق الانسان، والذى لا يقصر هذه الحقوق على الجانب السياسى فحسب بل يشمل الحقوق الدينية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. تلك الديكتاتوريات اعداء طبيعيون لتلك الحقوق. هذه الثقافة العالمية تجهض احلام العسكر فى الاستمرار والاستبداد ، كما تجهض احلام التيار الدينى فى الوصول للسلطة والاحتفاظ بها الا وفقا لآلية الديمقراطية وتداول السلطة واحترام سائر حقوق الانسان. المؤسف ان الدستور المصرى ألمح الى تأبيد السلطة فى العسكر والاستبداد العسكرى ، ليس فقط فى أنه أجاز استمرار الرئيس ( العسكرى) فى السلطة مدى الحياة (لمدد أخرى) ولكن أيضا لأنه فى المادة (84) جعل لرئيس مجلس الشعب ثم لرئيس المحكمة الدستورية العليا أن يتولى أحدهما الرئاسة مؤقتا فى حال وفاة رئيس الجمهورية أو عجزه لكن بشرط ألا يرشح احدهما للرئاسة، وذلك انتظارا لمجىء رئيس جديد خلال ستين يوما. والمفهوم ان الهيئة الوحيدة المنظمة والقوية والتى تستطيع فرض رئيس الجمهورية هى المؤسسة العسكرية.
كان ذلك مفهوما بقوة بعد الانتصار الجزئى للجيش المصرى فى حرب 1973 والذى رفع شأن العسكرية المصرية بعد سلسلة من الهزائم 1948- 1956- 1967 وأدى الى شهرة بعض القواد العسكريين .الا أن الحال اختلف بعد عقد الصلح مع اسرائيل وتهميش قيادات الجيش لصالح لسيطرة الأمنية البوليسية.اذ أنه بعد معاهدة السلام وانعدام حجة العدو الخارجى التى كانت ذريعة لتأجيل الاستحقاق الديمقراطى وبعد زوال ما كان يسمى بالجبهة الخارجية جرى تنشيط التيار الدينى فى الداخل لخلق ذريعة لاستمرار فرض الطوارىء من ناحية وتحويل الداخل الى جبهة داخلية يكون العدو فيها مبهما هو فى الأغلب كل من يعارض الحكومة. أدى هذا الى وجود أشد أنواع الاستبداد العسكرى خطورة ، وهو ذلك الخليط من الدولة البوليسية والعسكرية والذى يعبر عنه الدستور المصرى حين يجعل الرئيس مهيمنا على الجيش والعسكر والبوليس معا . وبالتالى يتم الانفصام والانفصال بين اقلية عسكرية بوليسية حاكمة ومعها خدمها من رجال الدين والقانون والكتبة والتكنوقراط ومعهم المعارضة المصنوعة التى يصنعها النظام على مقاسه ليمارس من خلالها أسوأ انواع الاستبداد ، وبين أغلبية صامتة اختارت الصمت عجزا ويأسا وخوفا . وصمتها وعزوفها عن المشاركة فى الانتخابات يعطى متسعا للحكومة فى تزييف الانتخابات . الجميع يتكلمون باسم هذه الأغلبية الصامتة ولكن المستحق الوحيد للحديث باسمها هى قوى المحتمع المدنى التى تستهدف أساسا تنشيط تلك الأغلبية وتشجيعها على النطق والمشاركة السياسية لتحمى مصالحها وتفرض الدييمقراطية.المفروض ان تقوم منظمات المجتمع المدنى بملء الفراغ الهائل بين الأقلية الحاكمة والأغلبية الصامتة. وهذا ما ينبغى أن يكون عليه الأمر فى المستقبل. وعليه فاذا خلا منصب الرئاسة فالمنتظر أن تبادر منظمات المجتمع المدنى الىالامساك بزمام الأمور وتكوين حكومة انتقالية تضع دستورا جديدا وتقوم بتنقية التشريعات من القوانين الاستبدادية والمركزية والمتخلفة والمعقدة والمناوئة لحقوق الانسان ، ثم تضع أساسا تشريعيا لاصلاح سياسى ودينى واقتصادى واجتماعى، وتضع الآلية التى تضمن التداول السلمى للسلطة فى سهولة ويسر وفق نظام ثابت وراسخ كما بحدث فى الدول الديمقراطية.
ولكن كيف يمكن هذا فى دنيا الواقع؟ الاجابة بسيطة: اذا صحا العملاق النائم : الأغلبية الصامتة وزأر مطالبا بحقه . السؤال التالى كيف ؟ الاجابة بالوعى الذى تقوم به منظمات المجتمع المدنى.
3- قد تكون هذه أحلاما، ولكن بدأ مركز ابن خلدون فى التجهيز لها وذلك عبر"مشروع مصر الحضارى – حتى لا نقفز فى الظلام " والذى قام على اساسه الرواق الاسبوعى لمركز ابن خلدون. وهو الآن يناقش الملامح العامة لدستور مصر فى القرن القادم. وعلى نفس المنوال تقوم مراكز ومنظمات أخرى للمجتمع المدنى على نشر مفاهيم المجتمع المدنى والديمقراطية وحقوق الانسان. كل ذلك لارساء الوعى بالحقوق والواجبات حتى تنهض الغلبية الصامتة لتأخذ حقها بيدها. فالوعى الجماهيرى هو أساس التحول الديمقراطى.
د. أحمد صبحى منصور
وتبقى نصف كلمة:
هذا ما قلته سنة 1996 . ومن المؤسف أن يظل صالحا لوصف الحال المتجمد فى مصر حتى الآن مع ان هناك اشاعة مغرضة تقول اننا فى عصر السرعة !!
اجمالي القراءات
19488