فضيلة الإمام شيخ الأزهر... ولماذا لا يكون أمرًا بالمعروف ونهيا عن منكر
تحت مانشيت عريض نشرت «المصري اليوم» «شيخ الأزهر يحرض الرئيس ضد الصحافة.. ويفتي بــ ٨٠ جلدة للصحفيين»، قالت الجريدة:
«واصل الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، تحريض رئيس الجمهورية ضد الصحافة المستقلة والحزبية، مستغلاً الأحداث الجارية وبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو للقصاص من مثيري الفتنة ومروجي الشائعات.
المناسبة التي استغلها طنطاوي لشن هجومه كانت أثناء إلقائه خطبـــــة الجمعة الماضية في مسجد النور بالعباسية، وفي حضور رئيس الوزراء وعدد من الوزراء وقال في خطبته التي لم تتجاوز الدقائق العشـر:
«إن الصحافة التي تلجأ لنشر الشائعات والأخبار غير الصادقة تستحق المقاطعة، وحرم شراء القراء لها، ولم يوضح طنطاوي في حينها موقفه من الصحافة التي تنافق الحكام أو التي تنقل نفاق رجال الدين للحاكم».
وتستطرد «المصري اليوم»:
«ومساء أمس الأول، شرح طنطاوي وبإسهاب في حضور رئيس الجمهورية خلال الاحتفال بليلة القدر موقفه من هذه القضية، وطالب بالجلد ثمانين جلدة للذين يقذفون غيرهم بالتهم الباطلة، وقال طنطاوي: رغم أن جميع الشرائع السماوية وجميع القوانين الوضعية، تأبي التفرقة بين الناس فيمن يستحق الاحترام والثواب، وفيمن يستحق الاحتقار والعقاب، فإن الشريعة الإسلامية قد ساوت بين الجميع في عقوبة جريمة القذف التي فيها عدوان أثيم علي الأطهار الأخيار من الرجال والنساء.
واستدل طنطاوي بقول المولي عز وجل: «إِنَّ الَّذِينَ يرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، مضيفاً: إنما خص القرآن النساء بالذكر مع أن جريمة القذف عقوبتها علي الرجال والنساء، لأن قذفهن بالسوء أشــنع وأقبح، وإلا فالرجال والنســاء في هذه الأحكام سواء وقد عوقب هؤلاء الذين يقذفون غيرهم بالتهم الباطلة الكاذبة بثلاث عقوبات: الأولي: عقوبة حسية تتمثل في جلدهم ثمانين جلدة، والثانية: عقوبة معنوية تتمثل في عدم قبول شهادتهم، ويكونون منبوذين في المجتمع، وإن شهدوا لا تقبل شهادتهم لأنهم انسلخت عنهم صفة الثقــــة من الناس فيهم، والثالثة: تتمثل في وصف الله تعالي لهم بقــوله (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ).
لقد صعقت عندما قرأت هذه الكلمات، لأن الموقف الأصولي والذي عهده الشعب لرجل الدين، هو أن يقف مع الشعب ضد الحاكم، مع الضعيف ضد القوي، أن يدعو الحاكم للحكم بالعدل والإنصاف والاستجابة لمطالب الشعب، أما أن يحرض الحاكم علي سن عقوبات علي الصحافة، فهذا شيء يضع العالم «وارث الأنبياء»، في خندق واحد مع الحاكم المستبد، وتوظيف الدين طبقاً لإرادته السياسية.
يبدو لي أن الأمر اختلط علي الشيخ فاستشهد بالآية ٢٣ من سورة النور ونصها «إِنَّ الَّذِينَ يرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، ولأن هذه الآية لا توجب العقوبات التي ذكرها الشيخ، وجاءت في الآية ٤ من سورة النور ونصها «وَالَّذِينَ يرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ» ولكن هذا لا يهم، الذي يهم هو أن مضمون الآيتين واحد وتكمل الواحدة الأخري،
وأن هذه الآيات إنما نزلت لحماية «الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ» من القذف بتهمة الزنا، فقد أراد الله تعالي أن يحمي هؤلاء المسكينات اللاتي لا يملكن حولاً ولا طولاً، ولا يمكن أن يدافعن عن أنفسهن، أو حتي يتكلمن، فهل يستقيم أن نقيس علي هؤلاء المسكينات الحكومة ذات الحول والطول والجيش والأمن المركزي وأقسام البوليس التي تشيع الإرهاب وتمارس التعذيب! هل هذه الحكومة محتاجة إلي حماية، أم الشعب المغلوب علي أمره!؟
ومرة أخري فإن العقوبة إنما سنت لعلة معينة ومحددة هي القذف بالزنا ونشر الشائعات ــ كانت ما كانت ــ ليست زنا، فالآية لا يمكن الاستشهاد بها في هذا الصدد علي أي وجه قلبتها.
إن الشائعة التي ترددها الصحف لا تمس شخصية المسؤول فتكون من فصيلة القذف، ولكنها تتناول واقعة، وذكر ذلك لا يكون موضوعًا للعقاب، لأن من المسلم به أنه لا دخان بلا نار، وأن صحيفة ما إذا رددت شائعة، فلابد لها من أصل ما، وحتي إذا لم يكن لها أصل ما، وأنها مختلقة، فهذا الاختلاق في حد ذاته ينبني علي أصل وسبب، وأسوأ ما يقال عن الشائعة أنها مختلقة، وتكون عندئذ كالحديث الموضوع الذي لم يرفض لفيف من العلماء إعماله في فضائل الأعمال.
والصحافة، هي الآن الصوت الوحيد الذي يرتفع لحماية حقوق الشعب الأدبية والمادية وصون أصوله وثرواته، ومقاومة سياسة «بيع مصر»، ورفض التوريث الذي يتنافي مع الإسلام والديمقراطية، ومقاومة الفساد المستشري الذي عم وطم وشمل الوزارات والبنوك والمؤسسات.. إلخ...
والصحافة ليس لها إدارات للتحقيق والتدقيق ولا تملك أن تسائل الناس وتحقق معهم للوصول إلي الحقيقة، وهي تري من واجبها إذا وجدت شائعة سارية أن تبادر بنشرها ومقاومتها، فإذا كانت حقيقية فيكون لها فضل المبادرة والمسارعة، وإذا لم تكن حقيقية فسوف تسقط، قد تقول إنها مست شخصًا ما، فأقول إن الرجل العام ليس كالرجل الخاص، فلو أن هذا الرجل آوي إلي بيته ونفض يديه من العمل العام لما مسه أحد بسوء،
أما وهو يشغل منصبًا، فإن حماية ما يخوله هذا المنصب من سلطات أن ينحرف عنها أو يسيء استخدامها فهذا من صميم عمل الصحافة، وقد قبل الإسلام أن يكون لصاحب الحق مقال وقال الله «لا يحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً» (النساء: ١٤٨)، فكأنه أعطي من ظُلم حق الجهر بالسوء، وقد جذب أعرابي رداء الرسول «صلي الله عليه وسلم» وقال له «أنتم آل عبدالمطلب قوم مُطل »، فلم يؤاخذه الرسول «صلي الله عليه وسلم»، وسمع الله قول التي تجادل الرسول «صلي الله عليه وسلم» من فوق سبع سماوات، فهل نطلب من الصحافة أن تلتزم الصمت، وهي تري المزاد المنصوب، وكل يوم فيه بيع، وكل يوم فيه تفريط، وكل يوم فيه فضائح وكل يوم فيه فساد.
كنت آمل أن يري فضيلة شيخ الأزهر فيما تقوم به الصحافة نوعًا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاصة أنها الوحيدة التي يمكن أن تقوم به، وبالتالي فإنها تؤدي واجبًا عينيا، فهي القوة الوحيدة في بلد مستباح، والهيئة التي لديها هامش من الحرية بعد أن أغلقت الأبواب غلقاً بالسلاسل الغليظة، وفضيلة الدكتور يعرف منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام، وأن القرآن الكريم أوجبها علي الرجال والنساء وقدمها علي الصلاة والزكاة عندما قال «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (التوبة: ٧١)"، وكانت الصحافة في هذه الحالة تستحق من فضيلة الشيخ المدح والثناء.
أنا لا أتصور مصر دون صحافة، إنها الصوت الوحيد الذي يرتفع الآن ودونها ستصبح مصر قبرًا كبيرًا لشعبها، وبراحًا يرتفع ويعربد فيه الأغنياء والأثرياء والحكام والأمراء.
لقد قامت الصحافة بما كان يجب علي الأزهر أن يقوم به، وكنت أتصور أن يطالب فضيلة الإمام الأكبر بتطبيق حد السرقة علي الذين نهبوا المليارات من البنوك وبذلك هزوا الاقتصاد وهبطوا بالجنيه إلي ما يساوي عشرة قروش بعد أن كان يساوي ثلاثة دولارات، وكانوا يستحقون بجدارة قطع اليدين لا اليد الواحدة.
وكنت أتصور أن يطالب الشيخ بمصادرة المحتكرين الذين حققوا المليارات من وراء عصر المستهلك المسكين.
كنت أتصور أن يصرخ الشيخ عاليا «ليس هذا إسلاماً أن يوجد من يعيشون في العشش والمقابر، ومن يملكون الطائرات واليخوت والقصور، «ليس منا من بات شبعان وجاره جائع»!!.
إذا كنت لم تفعل يا سيدي الشيخ، فدع الصحافة تفعل، فهذا أضعف الإيمان، أما أن تطلب لهم العقوبات فكأنك لا تريد أمرًا بمعروف ولا نهيا عن منكر.
فضيلة الأستاذ الأكبر...
اسمحوا لي أن أضع تحت أنظاركم السطور التالية للذكري.. والذكري تنفع المؤمن:
«إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيعاً يسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيسْتَحْي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يحْذَرُونَ » (القصص: ٤ــ٦).
« إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يفْعَلُونَ » (النمل: ٣٤).
«وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراًً» ( الإسراء: ١٦).
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلي الله عليه وسلم: «ما من نبي ولا وال إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف (وفي رواية تنهاه عن المنكر)، وبطانة لا تألوه خبالاً ومن وقي شرهما، فقد وقي وهو مع التي تغلب عليه منهما» (رواه النسائي ورواه البخاري أيضًا من حديث أبي أيوب).
عن أبي هريرة قال إن النبي- صلي الله عليه وسلم- قال «إنكم ستحرصون علي الإمارة، وستصير ندامة وحسرة يوم القيامة، فبئست المرضعة، ونعمت الفاطمة» (رواه مسلم).
عن أبي هريرة قال: عن النبي «صلي الله عليه وسلم» أنه قال «ويل للأمراء، ويل للعرفاء، ويل للأمناء (وفي رواية ويل للوزراء) ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض ولم يكونوا عملوا علي شيء».
وعن أبي الدرداء قال «عهد إلينا رسول الله «صلي الله عليه وسلم» أن أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلون» (رواه أحمد والطبراني).
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهمـا أن النبي «صلي الله عليه وسلم» قال لكعب بن عجرة: «أعاذك الله من إمارة السفهاء، قال وما إمارة السفهاء، قال أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم علي ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردوا علي حوضي، ومن لم يعنهم علي ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردوا علي حوضي» (قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح).
وعن سعيد بن المسيب أنه قال «إذا رأيتم العالم يغشي الأمراء فاحذروا منه، فإنه لص» (إحياء علوم الدين للغزالي، حـ ١، ص ١٨).
n
اجمالي القراءات
5174
يجب فصل الدين عن السلطة وكفانا تلاعب على مشاعر الشعب الدينية!!!