ف 9 : المرأة فى ( الزكاة المالية ) ( 1 ) تحديد المفاهيم قرآنيا
ف 9 : المرأة فى ( الزكاة المالية ) ( 1 ) تحديد المفاهيم قرآنيا:
القسم الأول من الباب الثالث : عن تشريعات المرأة التعبدية بين الاسلام والدين السنى
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف 9 : المرأة فى ( الزكاة المالية ) ( 1 ) تحديد المفاهيم قرآنيا:
مقدمة
1 ـ الزكاة هى الوجه الاجتماعي للإسلام، وهى إحدى الوسائل الإسلامية في إقامة المجتمع الفاضل وفي إقامة النفس "الزكية" وفي داخل كل إنسان ، فللزكاة دور اقتصادي إجتماعي كما أن لها دوراً أخلاقياً نفسياً . ولأن الزكاة هى العبادة الأكثر ارتباطاً بحركة المجتمع ودرجة تطوره فإن الكتابات عن الزكاة وتطبيقاتها تعبر دائماً عن العصر الذي تكتب فيه، ومن يحاول في عصرنا أن يقرأ عن الزكاة ومقدارها في كتب الدين السنى فى العصور الماضية سيفاجأ بمكاييل وموازين وعملات وعبارات وإصطلاحات لم تعد معروفة في عصرنا ، كما أن مفردات حياتنا العصرية الاقتصادية والمالية لن نجد حكماً فقهيا في كتب التراث، هذا بالإضافة إلى ما إمتلأت به كتب الفقه من اختلافات وتفريعات واستطرادات وتعقيدات لا يصبر عليها القاريء المتعجل الذي يبحث عن الإجابة العملية العصرية لأسئلته.. ومن هنا نقدم لمحة مبسّطة فى موضوع الزكاة المالية مع التأكيد مقدما أنه ليس للمرأة وضع خاص أو إستثناء ، يسرى عليها ما يسرى على الرجل .
تحديد المفاهيم قرآنيا: ماهى الزكاة ؟ وماهى الصدقة ؟
الزكاة
بين الزكاة والصلاة
في أغلب ورودها جاءت كلمة الزكاة مرتبطة بالصلاة كقوله تعالى ("فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) ( التوبة 5 ،11 ) ".
والزكاة فى العرف السائد هي تقديم جزء من المال لله تعالى ، وأيضا فالصلاة هى تقديم جزء من الوقت لله تعالى نعبده فيه ، والهدف من الصلاة والزكاة هو التطهير ، تطهير الوقت وتطهير المال ، أو بمعنى آخر هو تطهير النفس ..
ومعروف أن إقامة الصلاة لا تعنى مجرد أداء الصلاة وإنما هي تعميق الصلة بالمولى جلا وعلا كى يخشاه المؤمن فى أثناء الصلاة وفيما بين الصلوات الخمس ، أي يكون المؤمن في حالة تقوى دائما .. وبذلك يطهر وقته ويطهر حياته وتنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) ( العنكبوت 45 ).
الزكاة المالية بالتصدق بالمال:
إذن فالصلاة تزكية النفس . وكذلك الزكاة المالية ـ أى الصدقة والانفاق فى سبيل الله تعالى ـ هى تطهير وتزكية للمال والنفس معا ، يقول تعالى عن الذين اعترفوا بذنوبهم (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) (التوبة 103 ) فحين تعصى تبادر بالتوبة الصادقة وتقدم زكاة تبرهن على رغبتك في التطهير والتزكية والسمو
وشأن المؤمن أن يبادر في كل الأوقات للصدقة كى يزكى ماله وكي يزداد طهارة وسموا يقول تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ) ( الليل 18 ). أي حين يعطى الزكاة ابتغاء مرضات ربه جل وعلا فإنه يقوم لنفسه بعملية تزكية وتطهير ..أي أنه تطهير للمال يعقبه تطهير للنفس في حالة صفاء النية وإخلاص القلب لله تعالى ..
الزكاة عموما هى موجز كل الرسالات السماوية:
وتأتى كلمة الزكاة ومشتقاتها منفردة وتعنى التطهر والسمو يقول تعالى عن النفس البشرية : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ) ( الشمس ـ 10 ). أي قد أفلح من طهر نفسه بطاعة ربه وبالعقيدة الصحيحة.
ويقول تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ) ( الأعلى 14 ). فالمفلح فى الآخرة هو كل من تزكى فى حياته الدنيا بعمله وقلبه، أى عقيدته.أى قام بتنقية وتطهير قلبه وجوارحه مما يغضب المولى جل وعلا. وهذه هو موجز كل الرسالات السماوية.
وطاعة الله تتحقق بطاعة الرسل أى طاعة الرسالة، أى طاعة الوحى الالهى الذى نزل على الرسل ، لذلك أمر الله تعالى موسى : (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى ) ( : النازعات 18) . أى كانت وظيفة موسى عليه السلام ـ وكل الرسل ـ هى الدعوة للتزكية و التطهر.
وقال تعالى عن خاتم النبيين عليهم السلام " كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ )( البقرة 151 ) . وتكرر هذا المعنى كثيرا فى القرآن الكريم.
الزكاة عموما تدل على التقوى وأداء كل العبادات:
المتقون فقط هم أصحاب الجنة. ومحروم من دخول الجنة من لم يزك نفسه بطاعة ربه كقوله تعالى : ( وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) ( فصلت 6 ). فكلمة الزكاة هنا تشمل كل العبادات وكل الطاعات وكل الأخلاق السامية وليس مجرد الزكاة المالية . وفى النهاية فإن الجنة هي مصير الذي يتزكى أى يكون مؤمنا قد عمل الصالحات فتزكى و تطهر ليليق بالجنة (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى ) ( طه 76 )
جعلنا الله تعالى ممن تزكى . .. فى الاسلام الزكاة تعنى تزكية النفس بالأعمال الصالحة و بالتقوى .
ومن تزكية النفس التصدق بالمال، أو تزكية المال و تطهيره ونماؤه بالانفاق فى سبيل الله تعالى وفق ما حدد رب العزة جل وعلا.
الصدقة :
هناك نوعان من الصدقة :
1 ـ الصدقة التي يجمعها الحاكم المسلم في توقيت سنوي محدد أو يجمعها سنويا حسب حالة كل ممول. وهى تقترب من مفهوم الضريبة في عصرنا الراهن. وتقوم الدولة بتوزيعها على الفقراء والمساكين والموظفين العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم الذين تريد الدولة استمالتهم وفي عتق الرقاب وتحرير الرقيق وفي مساعدة الغارمين وفي ضيافة ابن السبيل وفي الجهاد في سبيل الله ..
2 ـ الصدقات التطوعية.التى يقوم المسلم بإنفاقها بنفسه كل يوم. وقد يكون للصدقات الرسمية موعد سنوي ولكن الصدقة التطوعية كل يوم وفي كل الظروف ..
وكما حدد القرآن مستحقي الزكاة الرسمية في آية " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها " فإنه حدد مستحقي الصدقة الفردية التطوعية في قوله تعالى " يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ : البقرة 215 "
الدولة الإسلامية تتعامل مع شرائح وسجلات رسمية في توزيع الزكاة المالية ،ولا تتعامل مع أشخاص محددين. وعليها أن تضع حدا لمستوى الفقير المحتاج للصدقة ، ومن هو أفقر الفقراء أو المسكين ، ومن تنطبق عليه مصطلحات الغارمين و المؤلفة قلوبهم..وفى سبيل الله ..لا أقصد مجرد التعريفات الفقهية أو القانونية ولكن التحديد الاقتصادى ومستوى الدخل. وبعد هذا التقنين تقيم تضع قواعد التوزيع لتلك الشرائح فى كل مدينة و قرية وحىّ. ثم تقيم دورا لإيواء العجزة وكفالة الأرامل واستضافة أبناء السبيل ورعاية المرضي .. ولكن السجلات الرسمية وبيوت الخير لا يمكن أن تستوعب كل المستحقين خصوصا أن هناك من يدخل دائرة الحرمان كل يوم.
ماذا يكون مصير أولئك ؟ هنا يكون دور الصدقة الفردية التطوعية لتسد النقص وتستوعب ما تعجز الدولة عن رعايتهم ـ خصوصا فى أوقات المحن و النكبات . وفى الأوقات العادية هناك أفراد مستحقون ، و فقراء يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يمدون أيديهم الى أحد ، و يستنكفون من تسجيل أسمائهم لدى الجهات الرسمية . ومفروض أن يعرفهم المسلم الذي يتصدق بماله.
تقديم الصدقة فى كل وقت
هذا المسلم هو أعرف بالمستحقين من الأفراد ، وعليه أيضا أن يعطى أقاربه وجيرانه ومعارفه وأولهم الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين وابن السبيل ..
وهنا لا يكون التوقيت سنويا ، بل في كل يوم وفي كل الظروف. إذا مرض الوالدان هل تقول لهما : سوف أعالجكما حين يحول الحول ؟ إذا سقط بيت فى الحى و تشرد سكانه هل سينتظرون فى الشارع وفى العراء الى ان يحول الحول ؟
يقول تعالى عن الصدقة الفردية التطوعية " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ : البقرة 274 " إذن هو إنفاق مستمر ليل نهار ولا ينتظر حتى يحول الحول. ولأنه مستمر ليلا ونهارا فلا يهتم صاحبه إذا كان ذلك سرا أو علانية المهم أن يرضي ربه ، لذا فلا خوف عليه ولا يحزن . ويقول تعالى " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ : آل عمران 134 " إذن هو إنفاق في الغنى والفقر ، في العسر واليسر ، في الربح والخسارة في السراء والضراء ، وليس مثل صاحب اللحية والمسواك والجلباب والملايين يكتنز الأموال عاما بعد عام وهو يخدع الناس بمعسول الكلام والحوقلة والبسملة ، وكأنه لم يقرأ قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ : التوبة 34 .
إن السائل – أو المحتاج الذي يسأل المعونة – له حق ، وللمحروم حق ، وحين يأتي الإيراد شهريا أو يوميا فلابد من إخراج ذلك الحق " وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ : الأنعام 141 " والمسكين الجائع يحتاج ثلاث وجبات يوميا ، وابن السبيل يأتي في أي يوم ، والأقارب قد يحتاجون في أي وقت ولابد لكل منهم أن يحصل على حقه " وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ: الإسراء 26 " " فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : الروم 38 "
المؤمن بدين الله تعالى السماوى ينسى عبارة " حتى يحول الحول .. " أما اصحاب الديانات الأرضية فيشرعون لأنفسهم ما يحبون... وفى دينهم لا بد أن ينتظر الجائع و المحروم و المحتاج (حتى يحول الحول.)..!!..
اجمالي القراءات
2528