ليس من خفق في امتحان لنيل شهادة بالخاسر، إنما الخاسر حقا هو من خسر الدنيا والآخرة.
عزمت بسم الله،
في هذه الأيام تعلو الزغاريد من بعض البيوت فرحا لنيل أولادهم شهادات التعليم بجميع أنواعها، ويخيم السكون والغضب بعض البيوت التي لم ينجح أولادها في نيل الشهادات بجميع أنواعها كذلك.
لكن الحقيقة التي يجب أن يعرفها الناس هي أن النجاح أو الخسران في نيل شهادات التعليم ليس ذلك الفوز العظيم ولا الخسران المبين، لأن النجاح أكيد جاء بجدية الطالب وحرص الأولياء على مؤازرة أولادهم ومتابعتهم طيلة السنة الدراسية، فإن كان الولد ( الذكر والأنثى) محظوظا ووجد الجو ملائما في البيت وفي دور التعليم، فإنه يفرح ويُفرح أهله بالفوز في آخر السنة، أما الذي، لأمر ما لم يجد نفس الجو في البيت أو في دور التعليم، أو تلهى بملاهي الحياة المتعددة فإنه يقنط ويغضب أهله في آخر السنة،
بداية أهنئ كل من فاز بشهادة التعليم، فله أن يفرح ويفرح أهله ويواصل في طلب العلم بكل جدية ومثابرة، وأشد على يد كل من لم يسعفه الحظ لنيل شهادته لهذا العام، وأهنئه مسبقا لأنه سيكون من الفائزين العام المقبل إن اجتهد وغير بعض سلوكه وحرص في تلقي العلم بكل الوسائل المتاحة، ولا يعتبر رسبه في الامتحان نهاية العالم، بل يجب أن يكون انطلاقا جديدا للحرص على تلقي العلم بجدية وحماس ومثابرة، فإن فعل فإنه أكيد سيكون من الفائزين العام المقبل، وهذا يصلح لكل من لم ينجح في حياته الدنيا، فالرسوب مدعاة لتجديد العزم للمضي قدما بجدية أكثر وأمل ونشاط.
لكن هناك خسران مبين لا عوض له ولا إمكانية لتجديد النية والعمل للفوز مرة أخرى، وهو إما الفوز الكبير أو الخسران المبين يوم الفرقان، يوم يؤتى الإنسان بكتابه عن يمينه حينئذ يتباهى لأنه فاز الفوز العظيم والكبير. يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ*فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِي*إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِي*فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ*فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ*كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ. الحاقة.18/ 24. الحاقة. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِي*وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِي*يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ*مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِي*هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِي*خُذُوهُ فَغُلُّوهُ*ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ*ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ*إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ*وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ*فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ*وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ*لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ. 25 /37. الحاقة. في الحقيقة هذا هو الخسران المبين. قال رسول الله عن الروح عن ربه: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(52).العنكبوت. أما الفوز العظيم فيكون من نصيب الصادقين الذين يلتزمون حدود الله تعالى ويطيعون الله ورسوله. تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(13). النساء. قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(119).المائدة.
وليس الخسران المبين هو الرسوب في امتحان الحياة الدنيا الفانية، والتي يمكن للخاسر أن يستعيد قوته واجتهاده، فيفوز بعد رسوب في الحياة، وكم من عبقري خلد اسمه في التاريخ إلى يوم الناس هذا، وقد رسب في بداية حياته، ثم فجأة نشط وعزم على أن ينجح ولم يستسلم ولم يفشل، فأصبح عالما يُقتدى به وتُدرس كتبه التي هي من أثاره.
والسلام على من اتبع هدى الله تعالى فلا يضل ولا يشقى.
اجمالي القراءات
3300
عند الامتحان يكرم المرء أو يهان.
********
وفعلا، إنّ الموضوع هام، وحيوي، وفارض نفسه، ويبدو أنه كذلك منذ عهود ضاربة في القدم، ويعلم الله كم هو عمره، والأهم: يعلم الله وحده كم خلّف من ضحايا وإعاقات وعاهات، وكم من نفس عقّدها وثبّطها بسبب تلك المقولة المشهورة (عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان).
وكان لي حلم منذ سنين، منذ عهود الطفولة وعهود المدرسة، وعهود المعلمين والأساتذة والمربين في شتى الميادين، حلم أن تتغير هذه المقولة وهذه التصرفات القاسية لتتحول إلى (...... يكرم المرء ولا يهان....) وأن يحاط بالعناية ذلك الذي لم يسعفه الحظ على أن يجمع تلك النقط التي تجعله ناجحا. وكم حلمت وتمنيت أن يشجع ذلك الذي لم ينجح بأسلوب كله هدوء ورباطة جأش من طرف الجميع لاسيما من طرف الأولياء، وأن لا تقام الدنيا أمامه وتقعد أو لا تقعد، وكم هو جميل أن يقنع هذا "المسكين" بأن أمامه المجال الواسع لإعادة الكرّة وأن يٌجدد النية لمزيد من الجد والاجتهاد والعمل الدؤوب.