فن الروايس و القضية الامازيغية اية ابعاد و مقاربات ؟
فن الروايس و القضية الامازيغية اية ابعاد و مقاربات ؟
مقدمة لا بد منها
اي فن مهما كان نوعه او شكله هو ابن بيئته الثقافية ثم الدينية ثم السياسية حيث ان الفن بشكل عام له مجموعة من الوظائف و المهام تختلف من مجتمع الى اخر و من منظور ديني الى اخر فمثلا المنظور السلفي المتشدد للاسلام يعتبر ان الفن هو حرام في الدين بالعموم باعتباره يثير الغرائر الجنسية و دعوة الى الاختلاط بين الرجال و النساء للفساد و شرب الخمر الخ من هذه الممارسات السائدة في مجتمعات دولة الخلافة المسماة بالاسلامية حيث كان علية القوم مثل الخلفاء و الوزراء الخ من هؤلاء القوم يملكون المئات من الجواري بدون عقد الزواج الشرعي و يشربون الخمر في لياليهم الحمراء الخ من هذه الافعال التي كانت عادية و علنية انذاك.
لكن دعاة الاسلام السياسي في مساجدنا و في اذاعاتنا المختلفة يحاولون اظهار دولة الخلافة كاحسن نموذج لتطبيق الاسلام من الناحية الاخلاقية و السياسية لكنهم بالمقابل يحاولون اخفاء هذه الحقائق التاريخية و الهجوم على الدولة الحديثة باعتبارها لا تطبق الشريعة الاسلامية او حدودها و تحلل الغناء و بيع الخمر الخ بهدف تظليل عامة المسلمين بجعلهم عبيدا للماضي باسم الاسلام علما ان الاسلام هو دين كل العصور و الازمنة حتى قيام الساعة بشرط الاجتهاد المستمر كما يدعو اليه رموز التنوير الاسلامي امثال المرحوم محمد شحرور و الاستاذ اسلام بحيري و الاستاذ عندان ابراهيم الخ.
ان من يسلك طريق هؤلاء فانني معهم و من يسلك طريق الطعن في الاسلام كدين و كقيم عليا فانني لست معهم كرسالة صريحة الى البعض في كل التيارات و التوجهات..
مدخل متواضع
ان من الصعب تاريخ لبداية فن الروايس في الجنوب المغربي بشكل نهائي و حاسم لان اجدادنا الكرام كانوا لا يهتمون بكتابة تاريخ الفنون الامازيغية الاصيلة و المنتشرة على امتداد هذا الوطن الغالي المغرب و هذا لا يمنع من وجود اشارات هنا او هناك حول بداية فن الروايس او ترويسا كما يسميه الاستاذ محمد ولكاش و الاستاذ ابراهيم باوش الخ من اساتذتنا في هذا الفن الاصيل بملابسه و بالالات الموسيقية من قبيل الة الرباب السوسي و الة لوطار الخ و المقام الخماسي المنتشر في شمال افريقيا و جنوب الصحراء الافريقية و حتى الصين الشعبية كبلد بعيد كل البعد عنا جغرافيا و ثقافيا و دينيا لكن المقام الخماسي هو رابط مشترك بيننا..
انني ساحاول في هذا المقال المتواضع ابراز ابعاد و مقاربات اهتمام فن الروايس بالقضية الامازيغية في شموليتها باذن الله تعالى .
الى صلب الموضوع
ان البعد الديني و البعد الوطني كانا حاضران في شعر فن الروايس طيلة النصف الاول من القرن الماضي بحكم ان المغرب كان بلد محتل من طرف فرنسا و اسبانيا المسيحيتان فمن الطبيعي ان ينخرط مجموعة من الروايس في مقاومة هذا الاستعمار المسيحي انطلاقا من شعورهم الديني و شعورهم الوطني المجتمعان لان الرايس وقتها كان يملك الهيبة و المكانة الرفيعة في بوادي سوس الكبير او في المدن الكبرى مثل امام المسجد او شخصية اخرى لها مكانتها الاعتبارية داخل مجتمعنا الامازيغي .
ان الرايس في الغالب الاعم هو من ثمار المدارس العتيقة و المنتشرة في بادية سوس اي يتعلم من هذه المؤسسات القراءة و الكتابة و كتاب الله الخ من المواد الدينية و بالتالي فالرايس له معرفة دينية ضرورية لارشاد الناس و توعيتهم باهمية مقاومة الاستعمار الغاصب للارض و خيراتها و هنا اتساءل الا يعد هذا نضالا من اجل القضية الامازيغية في شموليتها في عز الاستعمار ؟
لقد وجد فن الروايس بعد الاستقلال الشكلي نفسه كغيره من الفنون الامازيغية الاصيلة مهمشا الى ابعد الدرجات و المستويات بسبب تولي عائلات بعينها تسيير امور البلاد على مختلف المستويات و الاصعدة فقامت هذه الاخيرة بثمين فنونها المحلية بجعلها وطنية تمثل الاصالة الاسلامية للمغرب من قبيل فن الطرب الاندلسي و فن الملحون و هكذا فاصبحت هذه الاخيرة تدعم رسميا من طرف السلطة و تفرض على المغاربة عبر الاعلام السمعي البصري في اوقات مناسباتنا الدينية مثل بعد اذان المغرب في شهر رمضان اي ان المغاربة كانوا يفطرون على ايقاعات الطرب الاندلسي عقود من الزمان علما ان الفنون الامازيغية الاصيلة عموما و فن الروايس خصوصا لم تتجاهل الشعر الديني على الاطلاق بل يعتبر الشعر الديني احد اعمدة فن الروايس حسب رايي المتواضع كباحث في هذا الفن منذ سنة 2006 .
ان هذه الظروف المشارة اعلاه قد جعلت فن الروايس مهمشا شانه في ذلك شان الثقافة الامازيغية وقتها اي منتصف الخمسينات و الستينات و السبعينات و الثمانينات الخ حيث اضيف ان الوعي الجمعي لدى ما يسمى بالحركة الوطنية كان يحارب الامازيغية بشموليتها باستعمال ايديولوجية الظهير البربري دينيا و سياسيا على نطاق واسع يشمل مختلف مناحي الحياة العامة.
و بعد ظهور الحركة الثقافية الامازيغية في سنة 1967 رسميا بالمغرب اتجه الجيل الاول منها الى كتابة مقالات هنا او هناك حول ضرورة العناية بالثقافة الامازيغية او الشعبية كما تسمى انذاك و بعد ظهور مجموعة اوسمان المشرف وطنيا و دوليا بدا الوعي الثقافي الامازيغي يدخل الى فن الروايس عبر المرحوم الحاج محمد البنسير الذي كان له علاقة بالجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي حيث انطلق المرحوم البنسير في نضاله الامازيغي و الموجه الى عموم امازيغي المغرب و امازيغي فرنسا مستعملا المصطلحات المتداولة في ذلك الزمان من قبيل شلوح و تشلحيت و ايشلحين الخ من المصطلحات لان في ذلك الزمان كان ممنوع استعمال تمازيغت او ايمازيغين في الاعلام العمومي كالاذاعة و التلفزة طيلة عهد الراحل الحسن الثاني بالرغم من وجود بعض الاستثناءات النادرة حسب ما اتذكره و اكثر من هذا كانت الاذاعة الامازيغية المركزية تمنع بث اغاني الروايس المدافعة عن الثقافة الامازيغية في ذلك العهد ......
و بعد انتقال البنسير الى جوار ربه في نونبر 1989 تركا وراءه ارث فني و نضالي تابع تلاميذه طريقه الشاق و الطويل انذاك حيث ساذكر الرايس احمد اوطالب المزوضي و الرايسة فاطمة تاباعمرانت باعتبارهما اول مدرسة للنضال الامازيغي الاولي بالنسبة لي منذ سنوات التسعينات على اعتبار ان انتاجاتهما الفنية قد كانت متوفرة في بيتنا حيث كنت ارقص على ركبتي على ايقاعاتهما الموسيقية الخ من ذكريات طفولتي و مراهقتي الحساسة و شبابي الواعي .
ان هذان الفنانان المناضلان قد ساهما وقتها في نشر الوعي الثقافي الامازيغي لدى شرائح واسعة داخل المغرب و خارجه بينما كانت نخبتنا الدينية الرسمية و مازالت الى حد الان تمارس الاحتقار و التكفير تجاه الامازيغية بشموليتها باسم الاسلام.
و هناك روايس اخرين قد تناولوا مواضيع اللغة و الثقافة الامازيغيتان من قبيل المرحوم الرايس حسن اكلاوو و الحاج لحسين اخطاب في بعض سهراته منذ تسعينات القرن الماضي .
لكن الفنانة الكبيرة فاطمة تاباعمرانت حسب تقديري المتواضع استطاعت ان تستمر بنفس القوة و الشجاعة الادبية باضافة مواضيع جديدة في شعرها المدافع عن الثقافة الامازيغية من قبيل الدفاع عن تقاليدنا الامازيغية الاسلامية كما اسميها عبر قصيدتها الشهيرة بابا يوبا سنة 2006 و غيرها من هذه القصائد الخالدة التي تستهدف محاربة المد الوهابي و المد الاخواني معا و ليس الاسلام كما يحاول فقهاء الوهابية الجدد بسوس قوله على منصات مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات قليلة ك ان تاباعمرانت ليس لها اية قصائد دينية على الاطلاق و كانها ليست مسلمة على الاطلاق الخ من هذه الافكار الهادمة لاي مجتمع مسلم يريد الحفاظ على هويته الثقافية و الحضارية الخ .
قد شغلتني نقطة عدم اهتمام فن الروايس بموضوع حراك الريف كاحد قضايا الشان الامازيغي الشائكة الان حيث لم نسمع و لو اغنية واحدة عن هذا الموضوع الوطني بالرغم من ان فن الروايس قد اهتم بالقضايا ذات الصبغة الاسلامية مثل القضية الفلسطينية و انني اطرح هنا مجرد افكار و ليس عتابا لاحد .
و خلاصة القول ان فن الروايس قد اعطى الشيء الكثير للقضية الامازيغية بشموليتها و مازالت تعطي اورع قصائد مثل قصيدة الفنانة الكبيرة فاطمة تاباعمرانت الاخيرة حول شجرة الاركان كاحدى رموز الثقافة الامازيعية بمنطقة سوس الكبير كما سنسميها في ادبياتنا السياسية الامازيغية ..
توقيع المهدي مالك
اجمالي القراءات
3038