نقد كتاب تلذذ القلوب بمحبة علام الغيوب
رضا البطاوى البطاوى
Ýí
2022-02-08
نقد كتاب تلذذ القلوب بمحبة علام الغيوب
الكتاب من تأليف عبدالرحمن بن فهد آل زايد وقد استهل الكتاب بمقدمة إنشائية لا طائل منها عن المحبة ومكانتها فقال :
" أما بعد:
فالمحبة هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها؛ فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده؛ فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه؛ حلت بقبله جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها؛ فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدا واصليها، وتبوؤهم من مقاعد الصدق ما لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى عن قريب، بالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب، وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب، فيا لها من نعمة على المحبين سابغة"
والخطأ في الكلام هو أن المرء مع من أحب فالمرء في القيامة بعمله وليس مع من أحب وإلا كان الرسول الأخير(ص) في النار مع من أحبهم من الكفار حتى وعظه الله فقال:"لإنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء "
وجعل الزايد المحبة الغاية القصوى من المقامات، والذروة العليا من الدرجات فقال :
"والمحبة لله عز وجل هي الغاية القصوى من المقامات، والذروة العليا من الدرجات، فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها وتابع من توابعها كالشوق والأنس والرضا، ولا قبل المحبة مقام إلا وهو مقدمة من مقدماتها كالتوبة والصبر والزهد وغيرها."
والمحبة هى كل المنازل والدرجات فلا شىء معها ولا شىء بعدها ويعبر عنها بألفاظ كثيرة كتقوى الله وعبادة الله وذكر الله توحيد الله .....
وتحدث عن محبة الله فقال :
"وأنفع المحبة على الإطلاق وأوجبها وأعلاها وأجلها محبة من جبلت القلوب على محبته، وفطرت الخليقة على تأليهه، فإن الإله هو الذي تألهه القلوب بالمحبة والإجلال والتعظيم والذل له والخضوع والتعبد، والعبادة لا تصلح إلا له وحده، والعبادة هي كمال الحب مع كمال الخضوع والذل"
والخطأ هنا هو القلوب جبلت اى فطرت على محبة الله وهو كلام لا أصل لها فالقلوب تولد جاهلة لا تعلم آى شىء كما قال تعالى:
"والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
ولو كان الأمر كما يقول الزايد فمن أين أتى الككفار بتكذيبهم لله أو إنكارهم لوجوده ؟
وتحدث عن حب الذات الإلهية من كل الوجوه ,ان كل أنواع الحب تبعا لمحبته فقال :
"والله تعالى يحب لذاته من جميع الوجوه وما سواه فإنما يحب تبعا لمحبته، وقد دل على وجوب محبته سبحانه جميع كتبه المنزلة ودعوة جميع رسله وفطرته التي فطر عباده عليها وما ركب فيهم من العقول وما أسبغ عليهم من النعم، فإن القلوب مفطورة مجبولة على محبة من أنعم عليها وأحسن إليها، فكيف بمن كل الإحسان منه وما بخلقه جميعا من نعمة فمنه وحده لا شريك له كما قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون}، وما تعرف به إلى عباده من أسمائه الحسنى وصفاته العلا وما دلت عليه آثار مصنوعاته من كماله ونهاية جلاله وعظمته."
والأخطاء هنا متعددة أحدها والفطرة سبق تضعيفها والخطأ التالى كون حب غير الله تابع لمحبة الله وهو ما يعارض أن حب الكفار لآلهتهم المزعومة لا يمكن أن ينبع من حب الله كما قال تعالى:
"ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله"
ثم ذكر الزايد آيات وأحاديث في الحب فقال :
"قال الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله}
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}
وقال (ص)«والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» [رواه البخاري ومسلم].
قال الحافظ: (قوله: «لا يؤمن» أي إيمانا كاملا وقال القاضي عياض وابن بطال وغيرهما: المحبة ثلاثة أقسام محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة وإحسان كمحبة سائر الناس فجمع (ص)أصناف المحبة في محبته).
وقال ابن بطال: (ومعنى الحديث أن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي (ص)آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين؛ لأن به (ص)استنقذنا من النار وهدينا من الضلال).
قال القاضي عياض: (ومن محبته (ص)نصرة سنته، والذب عن شريعته وتمنى حضور حياته فيبذل نفسه وماله دونه قال: وإذا تبين ما ذكرناه تبين أن حقيقة الإيمان لا يتم إلا بذلك ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي (ص)ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضل، ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه فليس بمؤمن).
وقال لعمر بن الخطاب : «لا حتى أكون أحب إليك من نفسك» [رواه البخاري]."
هذا الحديث الذى نقل الزايد في تفسيره أقوال سواء كان صحيح النسبة للنبى(ص) أم لا ليس معناه أن الإنسان يحب النبى(ص) أكثر من نفسه لأن من يحب نفسه سيعمل على اتباع الوحى المنزل على النبى(ص) فحب النبى(ص) هو العمل بالوحى المنزل عليه ولا نجد فى الوحى المنزل نص يقول لنا أحبوا النبى(ص) أكثر من حبكم أنفسكم وإنما نجد فيه اتبعوا المنزل على النبى(ص) فاتباع المنزل هو حب النفس وحب النبى(ص) في نفس الوقت بالاقتداء بهداه وهو الوحى المنزل عليه
وانتهى الزايد من كلامه السابق إلى النتيجة التالية:
وجوب حب الله أكثر من النبى(ص) فقال :
"وإذا كان النبي (ص)أولى بنا من أنفسنا في المحبة ولوازمها أفليس الرب جل جلاله أولى بمحبته وعبادته من أنفسنا، وكل ما منه إلى عبده يدعوه إلى محبته مما يحب العبد ويكره، فعطاؤه ومنعه، ومعافاته وابتلاؤه، وقبضه وبسطه، وعدله وفضله، وإماتته وإحياؤه، وبره ورحمته، وإحسانه وستره، وعفوه وحلمه، وصبره على عبده وإجابته لدعائه وكشف كربه وإغاثة لهفته وتفريج كربته من غير حاجة منه إليه بل مع غناه التام عنه من جميع الوجوه، كل ذلك داع للقلوب إلى تأليهه ومحبته، فلو أن مخلوقا فعل بمخلوق أدنى شيء من ذلك لم يملك قلبه عن محبته، فكيف لا يحب العبد بكل قلبه وجوارحه من يحسن إليه على الدوام بعدد الأنفاس مع إساءته، فخيره إليه نازل وشره إليه صاعد، يتحبب إليه بنعمه وهو غني عنه، والعبد يتبغض إليه بالمعاصي وهو فقير إليه، فلا إحسانه وبره وإنعامه عليه يصده عن معصيته، ولا معصية العبد ولؤمه يقطع إحسان ربه عنه."
وبين الرجل الفارق بين حب المخلوقين لبعضهم وحب اللهم لهم فحب المخلوقين الغرض منه منفعة المحب التى يأخذها من المحبوب وحده بينما حب الخالق هو عطاء من جانب الله للمخلوق دون ان ينال منفعة ما من المخلوق وهو ما عبر عنه بالربح فقال :
"وأيضا فكل من تحبه من الخلق ويحبك إنما يريدك لنفسه وغرضه منك، والله سبحانه يريدك لك، وأيضا فكل من تعامله من الخلق إن لم يربح عليك لم يعاملك، ولا بد له من نوع من أنواع الربح، والرب تعالى إنما يعاملك لتربح عليه أعظم الربح وأعلاه، فالدرهم بعشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بواحدة وهي أسرع شيء محوا."
وعبر الزايد عن أن حب الله للخلق هو العطاء فقال :
"وأيضا فهو سبحانه خلقك لنفسه وخلق كل شيء لك في الدنيا والآخرة، فمن أولى منه باستفراغ الوسع في محبته وبذل الجهد في مرضاته؟!
وأيضا فمطالبك - بل مطالب الخلق كلهم جميعا - لديه وهو أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، أعطى عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله، يشكر القليل من العمل وينميه، ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه {يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شان}
لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، بل يحب الملحين في الدعاء، ويحب أن يسأل، ويغضب إذا لم يسأل، ويستحي من عبده حيث لا يستحي العبد منه، ويستره حيث لا يستر نفسه، ويرحمه حيث لا يرحم نفسه، دعاه بنعمه وإحسانه وأياديه إلى كرامته ورضوانه فأبى، فأرسل رسله في طلبه وبعث معهم عهده، ثم نزل إليه سبحانه بنفسه وقال: «من يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له» [البخاري، مسلم، الترمذي، أبو داود]."
ويتعجب الزايد ممن لا يحب الله مع أنه النافع للخلق في كل المجالات فيقول:
"وكيف لا يحب القلب من لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يجيب الدعوات ويقيل العثرات ويغفر الخطيئات ويستر العورات ويكشف الكربات ويغيث اللهفات وينيل الطلبات سواه؟ فهو أحق من ذكر، وأحق من شكر، وأحق من عبد، وأحق من حمد، وأنصر من ابتغى، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، وأرحم من استرحم، وأكرم من قصد، وأعز من التجئ إليه، وأكفى من توكل عليه، أرحم بعبده من الوالدة بولدها، وأشد فرحا بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة إذا يئس من الحياة ثم وجدها، وهو الملك لا شريك له، والفرد لا ند له، كل شيء هالك إلا وجهه، لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، يطاع فيشكر وبتوفيقه ونعمته أطيع، ويعصى فيغفر ويعفو وحقه أضيع، فهو أقرب شهيد، وأجل حفيظ، وأوفى بالعهد، وأعدل قائم بالقسط، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وكتب الآثار، ونسج الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، والغيب لديه مكشوف، وكل أحد إليه ملهوف، عنت الوجوه لنور وجهه، وعجزت العقول عن إدراك كنهه، ودلت الفطر والأدلة كلها على امتناع مثله، أشرقت لنور وجهه الظلمات، واستنارت له الأرض والسموات، وصلحت عليه جميع المخلوقات، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه، ما انتهى إليه بصره من خلقه."
والخطأ الأول في الحديث الذى قاله في أخر الفقرة هو:
أن الله يخفض القسط ويرفعه والقسط وهو العدل قائم على وتيرة واحدة لأن معنى خفض القسط هو الظلم والله لا يظلم عباده شيئا كما قال فى القرآن "لا تظلمون فتيلا "والثانى رفع عمل الليل قبل عمل النهار ورفع عمل النهار قبل عمل الليل وهذا تناقض داخلى فعمل الليل يرفع قبل عمل النهار وفى الوقت ذاته رفع عمل النهار قبل عمل الليل ومن المعلوم أن أحد الشيئين لابد أن يكون قبل الأخر ومن المعلوم استحالة أن يكون الشىء فى حالتين فى نفس الوقت وهما القبل والبعد .
وتحدث عن كون القلب الخالى من حب الله ميت فقال :
"ومحبة الله عز وجل هي حياة القلوب، وغذاء الأرواح، وليس للقلب لذة ولا فلاح ولا حياة إلا بها، وإذا فقدها القلب كان ألمه أعظم من ألم العين إذا فقدت نورها، والأذن إذا فقدت سمعها، بل فساد القلب إذا خلا من محبة فاطره وبارئه وإلهه الحق أعظم من فساد البدن إذا خلا من الروح، وهذا الأمر لا يصدق به إلا من فيه حياة:
وما لجرح بميت إيلام"
وحدثنا عما ظنه الأسباب الجالبة للمحبة فقال :
"الأسباب الجالبة للمحبة الموجبة لها
الأول: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه.
الثاني: التقرب إلى الله عز وجل بالنوافل بعد الفرائض كما قال تعالى في الحديث القدسي: «وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» [البخاري].
الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.
الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى.
الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة، ولهذا كانت المعطلة والجهمية قطاع الطرق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب.
السادس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.
السابع: وهو من أعجبها: انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات.
الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيدا ومنفعة لغيرك.
العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل. فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب."
ومعظم ما ذكره الرجل هو عبارة عن شىء واحد وهو العبادة وهى التقوى وهى طاعة أحكام الله كلها وتحدث عن معنى محبة الله فقال :
"محبة الله تعالى للعبد ومعناها:
قال الله عز وجل: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} ، وقال تعالى: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا}
أخبر عز وجل أنه لا يعذب من يحبه فرد على الذين ادعوا أنهم أحباء الله عز وجل بقوله: {قل فلم يعذبكم بذنوبكم}
وشرط للمحبة غفران الذنوب فقال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}
ومن علامات محبة الله عز وجل للعبد حسن التدبير له يريبه في الطفولة على أحسن نظام، ويكتب الإيمان في قلبه، وينور له عقله فيتبع كل ما يقرب منه، وينفر عن كل ما يبعده عنه، ثم يتولاه بتيسير أموره من غير ذل للخلق، ويسدد ظاهره ويجعل همه واحدا، فإذا زادت المحبة شغله به عما سواه."
المحبة الإلهية للفرد يختلف معناها فى الدنيا عن الآخرة فمعناها فى الدنيا أن يؤمن الفرد ويعمل الصالحات ولكنه مع هذا يبتلى بالأضرار كما يبتلى بالنعم وفى كل الأحوال هو مؤمن مطيع لله وأما فى القيامة فمعناها دخوله الجنة حيث لا يوجد أى ضرر
وحدثنا الرجل عن علامات محبة الله فقال :
"علامات محبة الرب جل وعلا:
أما محبة العبد لله فاعلم أن المحبة يدعيها كل أحد فما أسهل الدعوى وأعز المعنى، ولا ينبغي أن يغتر الإنسان بتلبيس الشيطان وخداع النفس إذا ادعت محبة الله تعالى ما لم يمتحنها بالعلامات ويطالبها بالبراهين، فمن العلامات حب لقاء الله تعالى في الجنة، ومنها أن يكون مؤثرا ما أحبه الله تعالى على ما يحبه في ظاهره وباطنه، فيتجنب إتباع الهوى ويعرض عن الدعة والكسل، ولا يزال مواظبا على طاعة الله عز وجل متقربا إليه بالنوافل، ومن أحب الله فلا يعصه، إلا أن العصيان لا ينافي أصل المحبة، إنما يضاد كمالها، فكم من إنسان يحب الصحة ويأكل ما يضره، وسببه أن المعرفة قد تضعف، والشهوة قد تغلب؛ فيعجز عن القيام بحق المحبة، ويدل على ذلك حديث نعمان أنه كان يؤتى به رسول الله فيحده إلى أن أتي به يوما فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتي به فقال رسول الله (ص)«لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله» [البخاري].
وقال الحافظ في فوائد الحديث: فيه أن تنافي ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب؛ لأنه أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله، مع وجود ما صدر منه، وأن من تكررت منه المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله، ويؤخذ منه تأكيد ما تقدم أن نفي الإيمان عن شارب الخمر لا يراد به زواله بالكلية؛ بل نفي كماله كما تقدم، فلم تخرجه المعصية عن المحبة، وإنما أخرجته عن كمالها."
والحديث السابق لا تصح نسبته للنبى(ص) فتكرار معصية الله ليست دليل على حب الله بدليل أن بنى اسرائيل كانوا يكررون ارتكاب الذنوب ويقولون سيغفر لنا ومع هذا اعتبرهم الله كفرة كارهين فقال:
"فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون"
وقال :
ومنها: أن يكون محبا لكلام الله عز وجل ولرسوله ولأهل الإيمان.
ومنها: أن يكون أنسه بالخلوة ومناجاة الله تعالى وتلاوة كتابه؛ فيواظب على التهجد، ويغتنم هدوء الليل، وصفاء الوقت بانقطاع العوائق فأقل درجات الحب التلذذ بالخلوة بالحبيب، والتنعم بمناجاته.
ومنها: أن يكون شفيقا على المسلمين رحيما بهم شديدا على أعدائه كما قال تعالى: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} ولا تأخذه في الله لومة لائم، فهذه علامات المحبة فمن اجتمعت فيه فقد تمت محبته وصفا في الآخرة شرابه، ومن امتزج حبه لله بحب غيره فيمزج شرابه كما قال تعالى: {يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون * ومزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها المقربون} ، فقوبل الخالص بالصرف والمشوب بالمشوب: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} "
والخلاصة أن هناك علامة واحدة لمحبة الله وهى طاعته فى كل شىء مع الإيمان به وهو ما يسمى الاخلاص أو التقوى أو العبادة ....
وحدثنا عما سماه اختبار محبة الله فقال :
"اختبار محبة الله
أحبتي كل واحد منا الآن يجري هذا الاختبار على نفسه لكي يعلم يقينا أن الله سبحانه وتعالى يحبه في هذه اللحظة أو لا يحبه!!
يقول العلماء: إن هذا الاختبار العظيم الذي يورث سعادة الدنيا قبل سعادة الآخرة قد ورد في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة حينما قال رسول الله (ص)«إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إليه مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإذا سألني لأعطينه، ولئن أستعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته»."
يقول الله عز وجل: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليه مما افترضه عليه» إذا أحبتي نحن عندما نتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأداء فرائضه فإن الله سبحانه وتعالى يحب الفريضة لذاتها ولا يحبنا نحن لماذا؟ لأننا نؤدي الفريضة فقط خوفا من الله، ولكن عندما نرقي أنفسنا إلى مرتبة أعلى ألا وهي مرتبة أداء النوافل، فإننا بإذن الله سوف نحصل على محبة الله سبحانه وتعالى إذا اجتزنا الاختبارات المترتبة بعد أداء النوافل.
وقوله عز وجل: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به» لنجري الآن أحبتي هذا الاختبار على أسماعنا بمعنى: كل منا الآن يؤدي هذا الاختبار على سمعه بمعنى هل سمعه ممتثلا لأمر الله أم أن هذا السمع يستمع إلى ما حرم الله فإذا كان مثلا سمع المسلم ينطلق إلى ما حرم الله، فهذا بمعنى أنه يسمع الغيبة والنميمة والآثام والفواحش والأغاني وما شابه ذلك، فهذا معناه: أن سمع هذا المسلم ليس السمع الذي ورد في قوله عز وجل: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به» وبالتالي يقينا أن الله سبحانه وتعالى لم يحبه؛ لأنه لو أحبه لتكفل بحفظ هذا السمع، فيجب أن نحذر أحبتي، فإن قضية أن المسلم يجعل أذنيه مرتعا لكل ما حرم الله، وهذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى لم يحبه كما أن عليه أن يتذكر قول رسول الله (ص)من استمع إلى مغن أو مغنية صب الله في أذنيه الرصاص المذاب يوم القيامة.
الآن الاختبار الثاني قوله تعالى: «فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به» أي: لنجري هذا الاختبار على هذه الجارحة وهي البصر إذا كانت مثلا هذه الجارحة تنطلق فيما حرم الله من النظر إلى الصور المحرمة بشتى أنواعها سواء بالنظر إلى النساء الأجنبيات أو النظر إلى الصور المحرمة في المجلات أو التلفاز أو غير ذلك؛ فهذا معناه أن هذا البصر غير مضبوط بأمر الله، وأيضا هذا معناه أن هذا البصر الذي ينظر فيما حرم الله ليس البصر الذي ورد في قول الله عز وجل: «فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به» وبالتالي يقينا أن الله سبحانه وتعالى لم يحبه؛ لأنه لو أحبه لتكفل بحفظ هذا البصر ألا وهي جارحة البصر"
والحديث السابق لا يصح لأنه يرمى الله بنقيصة من نقائص الخلق وهى التردد فالله ليس مخلوقا حتى يتردد وفى هذا قال تعالى :
"ليس كمثله شىء"
فما أراده يكون على الفور كما قال تعالى:
" إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون"
وحدثنا عن الترغيب والترهيب فقال :
" وهنا يذكر العلماء الترغيب والترهيب فروي عن الرسول في المسند قوله من ناحية الترغيب: «النظر سهم مسموم من سهام إبليس، فمن غض بصره عن محاسن امرأة لله؛ أورث الله قلبه حلاوة إلى يوم يلقاه» "
والحديث لا يصح فإبليس لم يخترع النظر فهى سهم من سهام الشهوة لأن إبليس دخل النار فور خروجه من الجنة فكيف علم البشر كل ما يفعلونه من الذنوب؟
وفى هذا قال تعالى:
"اخرج منها مذءوما مدحورا"
ثم قال :
"هذا من ناحية الترغيب، أما من ناحية الترهيب، فقد صح عن الرسول قوله أيضا من حديث أبي هريرة - -: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه» [متفق عليه]."
والحديث هو الآخر لا يصح إلا أن يكون معنى الزنا الذنب وليس الجماع فالزنا معروف وهو جماع غير الزوجة ولا يوجد فى الحديث جماع حتى يسمى زنى
كما أن النظر لا يمكن أن يسمى زنا أى ذنب عامة مع وجود نظر حلال للزوجة ونظر حلال للأمهات والبنات والأخوات ونظر حلال للمخلوقات للتفكر فيها وأتم الرجل كلامه عن الحديث القدسى فقال :
"وقد سئل الحسن البصري فقيل له يا أبا الحسن: رحمك الله كيف نستعين على غض أبصارنا؟ فقال: بأن تتأمل أن نظر الله سبحانه وتعالى إليك أسرع من نظرك إلى الصورة المحرمة.
الاختبار الثالث: «فإذا أحببته كنت يده التي يبطش بها» أيضا لنختبر هذه الجارحة التي يمتلكها كل منا ولله الحمد وهي جارحة اليد إذا كانت مثلا هذه الجارحة تقوم بأي بطش محرم سواء من الإمساك بالسيجارة للتدخين، أو القيام بحلق اللحية فهذا معناه أن هذه الجارحة وهي اليد ليست الجارحة التي وردت في قوله عز وجل: «فصرت يده التي يبطش بها» لماذا؟ لأن قبضة البطش المحرم، ولا يعقل أيها الأحبة أن الله سبحانه وتعالى يتكفل بحفظ يده فيكون هو يده التي يبطش بها، ولكي تقوم هذه اليد بأي بطش محرم من حلق اللحية أو تقصيرها أو الإمساك بالسيجارة والتدخين، أو أي بطش محرم فهذا معناه أن هذه ليست اليد التي وردت في قوله عز وجل: «كنت يده التي يبطش بها» وبالتالي يقينا أن الله سبحانه وتعالى لم يحبه؛ لأنه لو أحبه لتكفل بحفظ هذه الجارحة.
الاختبار الرابع والأخير: «فإذا أحببته كنت رجله التي يمشي بها» أيضا أحبتي لنجري هذا الاختبار على أرجلنا أو بمعنى آخر الأماكن التي نذهب إليها إذا كان في أحد تلك الأماكن أي مكان محرم ونحن نعرف جميعا الأماكن المحرمة سواء من أماكن الفساد أو أماكن المقاهي التي يشرب فيها المشروبات المحرمة أو النظر إلى الصور المحرمة أو أي مكان فيه مكان محرم فهذا معناه أن أرجلنا ذهبت إلى هذا المكان المحرم ليست الرجل التي وردت في قوله عز وجل: «وصرت رجله التي يمشي بها» لأنه لا يعقل أن الله سبحانه وتعالى يتكفل بحفظ الرجل، ومن ثم تذهب هذه الرجل إلى أي مكان محرم، وبالتالي يقينا أن الله سبحانه وتعالى لم يحبه؛ لأنه لو أحبه لتكفل بحفظ هذه الرجل.
إذا أحبتي على ضوء تلك الاختبارات الأربعة على هذه الجوارح ألا وهي: السمع، والبصر، والبطش، والمشي، كل منا علم يقينا أن الله سبحانه وتعالى يحبه أو لا يحبه، وليعلم إن رسب في أحد تلك الاختبارات فليعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يحبه بعد، وبعضنا للأسف قد رسب للأسف في جميع هذه الاختبارات الأربع، بمعنى أنه يبصر ما حرم الله، ويسمع ما حرم الله، ويبطش بيده ما حرم الله، ويذهب إلى ما حرم الله، و لا حول ولا قوة إلا بالله. هذا أيها الأحبة لا يلومن إلا نفسه، ولذلك نجد أيها الأحبة أن المستقيمين أو ما يسمون بالمطاوعة المتلزمين نجد أنهم قد تكفل الله تعالى بحفظ هذه الجوارح الأربع لديهم فلا ينظرون إلا ما أحل الله، ولا يسمعون إلا ما أحل الله، ولا يبطشون بأيديهم إلا ما أحل الله، ولا يذهبون إلى أماكن لا يحبها الله
ويحلها، فهذا معناه أن الله سبحانه وتعالى أحبهم، فتكفل بحفظ هذه الجوارح الأربعة لديهم.
إذا كنا رسبنا في أحد هذه الاختبارات أو ربما جميعها كيف نصل إلى مرتبة يحبنا فيها الله عز وجل، وبالتالي يتكفل بحفظ هذه الجوارح الأربعة لدينا، نرجع إلى قوله عز وجل: «فإذا أحببته» قوله عز وجل «وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل» أي: «ما زال» في اللغة العربية تعني الاستمرار والمداومة أي أنه داوم واستمر على أداء هذه النوافل حتى وصل إلى مرتبة أحبه فيها الله عز وجل، وبالتالي تكفل بحفظ هذه الجوارح الأربعة لديه، ونقول أيها الأحبة: إن من أولى الأولويات عند المسلم أن يحصل على محبة الله عز وجل قبل أن يلقاه، لماذا؟ لأن أحدا منا لو كان سوف يقابل ملكا أو مسؤولا من المسؤولين، وسوف يحاسبه على أمر ما، فإنه يحرص أشد الحرص على أن ينال رضى هذا المسؤول لماذا؟ لأنه سوف يحاسبه على أمر زائل من أمور الدنيا، فما بالك بالجبار عز وجل.
من أولى الأولويات لكل واحد منا أن يحصل محبته عز وجل قبل أن يحاسبه وينال بذلك سعادة الدارين"
وما فهمه الرجل من الحديث غير الصحيح يتناقض مع قوله تعالى :
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
فالإنسان مسلم أو كافر لا يعمل عمل إلا عندما يقدره الله على العمل ومن ثم فهو أيضا يد الكافر وبصر الكافر وسمع الكافر لأنه خلق الإنسان وعمله كما قال إبراهيم(ص) :
" والله خلقكم وما تعملون"
واختتم الرجل كتابه بموعظة لنا فقال :
"همسة الوداع:
من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته، ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه، ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه.
وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه، وأنت معرض، وفيما يبعدك عنه راغب."
وهى كلمة مؤثرة نافعة
اجمالي القراءات
2600