نقد كتاب أخلاق نفتقدها
نقد كتاب أخلاق نفتقدها
الكتاب إعداد القسم العلمي بدار ابن خزيمة وهو يدور حول انتشار الأخلاق الرذية وقلة الأخلاق الحميدة وقد استهل المؤلفون الكتيب بالقول:
"وبعد:
فإن من أهم مقاصد بعثة النبي (ص)إلى الناس كافة هو تتميم مكارم الأخلاق والدعوة إليها؛ قال (ص)«إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق». [رواه أحمد والحاكم]."
والحديث لا يصح فالخطأ فيه هو بعثه لإتمام صالح الأخلاق وصالح الأخلاق تتعلق بالعمل وأما الايمان وهو العقيدة فهى ملغاة فى الحديث ومن ثم عبر الله عن سبب بعث الرسل بعبادة الله واجتناب الطاغوت وهو كل ما سواه كما فى قوله تعالى :
"ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"
وذكر المؤلفون أن الخلق الطيب هو المطلوب من المسلم فقالوا:
"والخلق الطيب هو أفضل ما يتزين به المسلم ويتعبد الله به؛ فهو زينة فعالة وحلية أقواله وأعماله، وذخره في عاقبته ومآله.
قال رسول الله (ص)«عليك بطول الصمت وحسن الخلق، فما تزينت الخلائق إلا بمثلهما»."
والحديث لا يصح فليس المطلوب من المسلم طول الصمت وإنما المطلوب منه القول فى موضعه وفى هذا قال تعالى:
"وقولوا للناس حسنا"
وفسره الله بالعدل فى القول فقال:
"وإذا قلتم فاعدلوا"
والصمت أحيانا يكون ذنب وفى هذا قال تعالى:
"ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها إنه آثم قلبه"
وقال:
وقال (ص)أيضا: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم». [رواه الحاكم وصححه].
والحديث لا يصح والخطأ فيه أن القيام والصيام من ضمن الخلق وهو العمل ولا يصح مقارنة الجزء بالكل وإنما كل بكل أو جزء بجزء
واستعرض المؤلفون فى الكتاب بعض الأخلاق الحميدة فقالوا :
"ولئن كان هناك من الأخلاق ما يتطلب مجاهدة للنفس وصبرا على الضر، فإن الكثير منها هين على النفوس وشفاء لها .. بيد أن غفلة الناس عن تلك الأخلاق واقعة.
العفو والسماحة
من أهم الأخلاق وأعلاها: العفو والسماحة، وهذا الخلق على سمو منزلته يعد من الخصال الغائبة بين الناس، ولو تأمل المسلم ما يفوته من الأجر والخير بفوات هذا الخلق الجميل لتحسر على نفسه أسفا!
فالعفو باب من أبواب العز والنصر، كما قال النبي (ص)«وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا». [رواه مسلم].
والسر في أن العفو من مفاتيح العز هو أن الإحسان على درجات، وأثقل الإحسان على النفس هو نسيانها حقوقها، وتجاوزها عن مظالمها، وهذا لا يستطيعه إلا القليل من الناس، ومن المعلوم أن الله جل وعلا قد أخبر أنه مع المحسنين، وأخبر أن العافين عن الناس هم المحسنون، فقال سبحانه: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}، وقال سبحانه: {وإن الله لمع المحسنين}؛ فمعية الله - سبحانه - بحسب إحسان المؤمن، ولما كان العفو من أعلى درجات الإحسان فإن معية الله للمحسن تكون مناسبة لتلك الدرجة، ومعيته سبحانه للمؤمن هي معية علم وتأييد ونصرة، وهي معية خاصة بالمؤمن دون سواه؛بخلاف معية العلم التي تعم الخلائق كلها.
ومن هذا يتبين أن العفو هو أوسع أبواب العز وأقلها كلفة وأسهلها على النفوس مقارنة بالأسباب الأخرى، ولذلك عد العلماء العفو هو حسن الخلق نفسه؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وجماع الخلق الحسن مع الناس أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار، والثناء عليه، والزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم، أو مال، أو عرض، وبعض هذا واجب، وبعضه مستحب)."
ونلاحظ تناقض قول المؤلفين "ولذلك عد العلماء العفو هو حسن الخلق نفسه" مع القول الذى استشهدوا به وهو قول ابن تيمية والذى أجزاء الخلق الحسن فذكر منها وصل المقاطع والكرام والعفو كجزء ولم يذكره كجماع للخلق الحسن
ويبين المؤلفون أن العفو ملازم لكف الغضب وهو كظم الغيظ فيقولوا:
"ولا يتصور عفو إلا بكف الغضب وكظم الغيظ، ولقد تقرر في السنة أن كف الغضب باب من أبواب الستر؛ كما قال (ص)«ومن كف غضبه ستر الله عورته»."
وللعفو معانى متعددة غير كظم الغيط كقوله" خذ العفو "والمراد اعمل بالكتاب وعندما سألوا ماذا ينفقون أى يعملون قال لهم العفو وهو طاع كتاب الله وحتى لو فسرت بالنفقة المالية فليس فيها كظم غيظ لن الرجل يتنازل عن الديون التى له
ويبين المؤلفون أن العفو وهو عدم عقاب المخطىء ليس ضعفا وإنما قوة فقالوا:
"أخي الكريم: ولا تظنن أن العفو وكف الغضب وكظم الغيظ سمة ضعف في الإنسان؛ بل هو دليل الشدة والقوة وبعد النظر والعقل والحكمة؛ قال رسول الله (ص)«ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». [رواه البخاري]."
والعفو ليس فى كل ألحوال قوة وإنما عندما يتكرر مرات كثيرة يكون تعبير عن الضعف بالفعل ويؤدى إلى ضياع الفرد والدولة
ثم ذكر المؤلفون شعرا عن العفو فقالوا:
"قال الشاعر:
وإن الذي بيني وبين بني أبي
وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا قدحوا لي نار حر بزندهم
قدحت لهم في كل مكرمة زندا
وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا|
والخلق الثانى الذى تحدث عنه المؤلفون هو النصيحة فقالوا:
"النصيحة والتواصي بالحق:
وهذا أيضا من أهم الأخلاق التي لوحظ غيابها بين الناس رغم أنها ركيزة من ركائز الفوز في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
وحين تغيب النصيحة والتواصي بالحق يحل محلها الغيبة وتتبع العورات وتلقف الزلات والهمز واللمز والطعن في الأعراض، ولو صدق المغتاب في قوله .. لنصح وما فضح!
ولو صدق من يسمعه في سمعه لنصحه بأن ينصح قبل أن يتكلم!
قال رسول الله (ص)«الدين النصيحة». وفي ذلك من بيان مكانة النصيحة ما لا يخفى."
والحديث لا يصح فالدين هو الإسلام وليس نصح الناس ولا يمكن طبقا للحديث نصح الله فالله لا يخطىء ولا يحتاج لأحد حتى يتم نصحه كما فى نص الحديث
النصح وه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أمر واجب على كل مسلم تجاه الأخرين
وتحدثوا عن الرفق فقالوا:
"البشاشة والرفق:
البشاشة الصادقة والرفق بالناس هما طريقان ميسران للقلوب؛ فبهما تزول الوحشة ويحصل الأنس، وتحل الطمأنينة محل الشك والريبة، وها هو القرآن يعلمنا ثمرات الرحمة والرفق.
قال الله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
وقال رسول الله (ص)«لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقي أخاك بوجه طلق» [رواه مسلم].
وقال (ص)أيضا: «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة» [رواه الترمذي وحسنه].
ولله در القائل:
وما اكتسب المحامد حامدوها
بمثل البشر والوجه الطليق
وأما خلق الرفق فهو صفة من الصفات الإلهية يحبها الله سبحانه ويحب أهلها، كما أخبر بذلك رسول الله (ص)فقال: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله». [رواه البخاري].
والرفق في الأمور من أسباب نجاحها وتمامها وزينتها، كما قال (ص)«إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه». [رواه مسلم]، وقد أخبر رسول الله (ص)أن اللين والسهولة والرفق من صفات أهل الجنة فقال: «أهل الجنة كل هين لين سهل قريب من الناس»."
وهذا الكلام عام وحديث إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه لا يصح فالرفق لا يكون فى كل شىء وإلا ضاع كل شىء ولذا قال تعالى"
"أذلة على المؤمنين أشدة على الكافرين"
فلو ترفقنا وتساهلنا مع ارتكاب الجرائم بعد عقاب المجرمين كلهم فقد ضاعت الدولة ولو ترفقنا مع اعتداء العدو لقضى علينا ولذا قال :
"جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم"
وحدثنا المؤلفون عن الكلمة الطيبة فقال:
"الكلمة الطيبة:
(الكلمة الطيبة) من أجل العبادات التي ترفع مقام صاحبها عند الله، كما أخبر بذلك رسول الله (ص)فقال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة». [رواه أحمد والترمذي].
وما كان هذا الثواب العظيم جزاء الكلمة الطيبة إلا لما لها من وقع في النفوس، ومن دور في حفظ العلاقات الاجتماعية بين الناس، ونشر المحبة والوئام والمودة بينهم، ولذلك أمر الله - جل وعلا - بها فيه آية صريحة فقال: {وقولوا للناس حسنا}.
وانتقاء الكلمة الطيبة لا يستطيعه إلا من وفقه الله لذلك؛ لأنه يقتضي من المجاهدة ما يدعو إلى عدم الرد على الشاتم بالمثل، وإلى الصبر على الهامز واللامز والمعير والقاذف والمؤذي بلسانه .. فالناس وإن كانوا يبذلون الكلمة الطيبة في غير الخصومة إلا أنه حين يشتد غضب الآخرين وتظهر بوادر تسلط ألسنتهم فإن القليل من يوفق إلى مقابلة الغلظة باللين، والغضب بالعفو والسماحة والحلم.
بني إن البر شيء هين ... وجه طليق ولسان لين"
والكلام الطيب مطلوب ولكن ليس فى كل حين لأن بعض الكلام الطيب يكون حراما عند الظلم ويكون المطلوب المباح هو كلام السوء للظالم كما قال تعالى :
" إن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
وتحدثوا عن إفشاء السلام فقالوا:
"إفشاء السلام:
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص)«لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم». [رواه مسلم]."
الحديث عن وجوب حب المسلمين كلهم لبعضهم لا يصح لوقوع الكراهية والغل بين المسلمين ولكنها كراهية وغل قلبى بدليل الكراهية بين الأزواج كما قال تعالى:
"فإن كرهتموهن"
وهذا الغل يزول فى الجنة كما قال تعالى:
"ونزعنا ما فى صدورهم من غل"
وذكروا أهمية إفشاء السلام فقالوا:
"وإفشاء السلام لا يختص بالمسلم المعروف لدى المسلم؛ بل هو مستحب لكل مسلم عرفته أو لم تعرفه، وحسبك أنك تظفر من ذلك بحسنات تجدها ذخرا ونصيرا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ومعاني السلام كلها معان جميلة تدل على المودة والمحبة والوصال، ولذلك نهى رسول الله (ص)عن ضد هذه المعاني فقال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث». [رواه البخاري]."
وتحدثوا عن خلق القناعة فقالوا:
"القناعة:
وهذا الخلق النبيل من الأخلاق المؤسسة لصرح السعادة في القلوب والطمأنينة في الصدور، وهي من الأخلاق التي قل من الناس من يوفق إليها؛ لا سيما في هذه العصور، رغم أنه باب من أبواب الفلاح ومفتاح من مفاتيح العزة؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله (ص)قال: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه». [رواه مسلم].
وعن فضالة بن عبيد أن النبي (ص)قال: «طوبى لمن هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا، وقنع». [رواه الحاكم وصححه].
والقناعة خلق ينشأ من صفاء الإيمان في القلوب، والرضى بقضاء الله وقدره، والجزم بأن الحرص والشح والبخل لا يزيد في الرزق، ولا ينقص منه؛ فالله جل وعلا قد قسم الأرزاق في الأزل وقدرها وكتبها وما كتبه الله لا يمحى.
ثم اعلم - أخي الكريم - أن المقصود من الأشياء نفعها لا ذاتها؛ فليس المال مقصودا لذاته؛ وإنما لما وراءه من النفع، وإنما يقصد بالمال تحقيق الغنى والسعادة، وليس المال هو ما يحقق ذلك؛ وإنما القناعة والرضى .."
فعن أبي ذر قال: قال رسول الله (ص)«يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟» قلت: نعم يا رسول الله. قال: «فترى قلة المال هو الفقر؟» قلت: نعم يا رسول الله. قال: «إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب». [رواه ابن حبان في صحيحه].
وقال (ص)أيضا: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس». [رواه البخاري]."
وكلام المؤلفين هنا ليس صحيحا فالقناعة هى القناعة بحكم الله وهو وحيه وأما القناعة المالية يظلم الحكام وتوزيعهم أموال الدولة على هواهم فهو كفر لأنه خرق لأحكام الله التى عملت على عدالة توزيع ثروات الأرض على الكل بقوله تعالى:
" وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين"
وتحدثوا عن خلق الاخوة فقالوا:
"الأخوة والحب في الله:
ومن أركان الأخلاق وقواعدها العظيمة: المحبة في الله؛ فهي خلق عظيم أجره، جزيل فضله وثوابه، وتأملأخي في هذا الحديث العظيم الذي يبين منزل هذا الخلق النفيس.فعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (ص)«إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله! قالوا: يا رسول الله، تخبرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فو الله إن وجوههم لنور وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس». وقرأ هذه الآية: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}». [رواه أبو داود، وهو في صحيح أبي داود برقم: 3012].
والحب في الله كما أنه سبب للرفعة والنور يوم القيامة، هو من أوسع أبواب انشراح الصدر وزوال الهم وإكرام الله جل وعلا للعبد ومحبته له.
قال (ص)«وما أحب عبد عبدا إلا أكرمه الله».
وتشقى النفوس إذا اجتمعت على غير محبة الله، فحرمت من هذا الأجر العظيم والشرف الكريم.
حب في الله يوحدنا ... ويواسي القاصي والداني
إخواني تلقاني فيهم ... وبقلبي تلقى إخواني"
والحديث المذكور لا يصح لأنه يقول بأن هناك من هم أعلى قدرا من الرسل(ص) وهو كلام ينافى اختيار الله من الناس لأداء رسالته ولذا لابد أن يكونوا من أفضل خلقه وأما الولاية فهى لكل المؤمنين ومنهم الرسل(ص) كما قال تعالى :
"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون"
اجمالي القراءات
2467