ٱلفساد فى ٱلأرض
لم تكن ٱلأرض صالحة للحيوٰة قبل إصلاح ٱللّه لها. وهو ما يبيّنه فى كتابه:
"ولا تفسدوا فى ٱلأرض بعد إصلٰحها" 56 ٱلأعراف.
فى مقال "لماذا جعلَ ٱللَّهُ ٱلسَّبتَ مِنَ ٱلوصايا؟" وكذلك فى مقال "عام 2050 على ٱلأبواب" تناولت مسألة ٱلفساد فى ٱلأرض. وتكاد أعمالى جميعها تهتم بٱلمسألة ٱلتىۤ أتابع معها هنا وقد صارت ٱليوم تهدّد ذلك ٱلإصلاح كما تهدد عيش أهل ٱلأرض جميعهم ومعهم عيش جميع ألوان ٱلحياة.
فبما علمت عن هذه ٱلمسألة أنّ ما يفعل فى زيادتها هو تسابق ٱلناس على ٱلشهوات وركضهم ورآء ٱلاستهلاك من دون أن تكون لتلك ٱلشهوات حدود يتوقفون عندها. وعلمت أنّ ٱلشهوات لا تهيمن إلا بتأثير منهاج يلغو فى جميع ٱلحقِّ.
ويُظنّ أنّ معظم أفعال ٱلفساد تأتى من ٱلمجتمعات ٱلصناعية ٱلأكثر تطورا فى ٱلعلم وفىۤ أعمال ٱلصناعة وٱلزراعة وٱلتجارة فى كلِّ مكانٍ من ٱلأرض. حيث يتعاظم فيها ٱلتحريض على ٱلشهوات طمعا بربح من دون حدود. فأهل ٱلصناعة فى تلك ٱلمجتمعات يحرضون ٱلناس فى ٱلأرض جميعها على شهوات ٱلاستهلاك لما يصنعون. فيأتى ٱلفساد من ٱلمستهلكين بسبب تعاظم شهوة ٱلاستهلاك ٱلمعروضة عليهم.
وقد أظهرت بحوث ٱلعلم ما يوكّد هذا ٱلظّنِّ من أنّ سبب ٱلفساد ٱلرئيس تأتى به ٱلصناعة بحرقها ٱلوقود ٱلأحفورىّ. وبسبب ٱلظّنِّ بهذا ٱلتأثير ٱلظاهر لتلك ٱلصناعة على جوّ ٱلأرض وٱرتفاع حرارته بزيادة نسبة ثنآئى أكسيد ٱلكربون فيه نشأ ظنّ لدى صانعى ٱلشهوات أنّ ٱلحلّ هو فى زراعة ٱلغابات لتكون مصافٍ لما ينبعث من صناعتهم. فبدأوا بٱلزراعة وأكثروا من ٱلغابات ٱلتى تلتهم ثنآئى أكسيد ٱلكربون وتصنع لنا ٱلأوكسجين. إلاۤ أنّ ٱلفساد تابع فى زيادته وصار تهديده لأهل ٱلأرض بطوفان عظيم يزداد.
ومنذ أعوام قليلة تبيّن للباحثين أنّ ثنآئى أكسيد ٱلكربون ليس وحده ٱلسبب فى ٱلفساد ٱلجارى. فقد تبيّن لهم أنّ "ٱلميثان" يشارك بقوّة فى ذلك ٱلفساد وهو ٱلذى يدمر "ٱلأوزون" فى ٱلطبقة ٱلعليا من جوّ ٱلأرض. كما تبيّن لهم أنّ ٱلأراضى ٱلرّطبة وٱلمستنقعات لم تكن وحدها صانعة للميثان. بل وجدوۤا أنّ ٱلأشجار تصنع منه مقادير عظيمة (600 مليون طن مترى فى ٱلعام). وصار ٱلتهديد بٱلفساد أكبر بزيادة زراعة ٱلأشجار!!
إلآ أنهم ما زالوا لا يعلمون أنّ زيادة عدد ٱلناس فى ٱلأرض من دون حدود يزيد عدد قبورهم لتكون أكبر مصدر للميثان. فزيادة عدد ٱلناس إن كان يزيد من أرباح ٱلصناعيين بزيادة عدد ٱلمستهلكين فهو يزيد فى سرعة موت ٱلجميع. كمآ أنّ فضلات طعام ٱلناس بجميع ألوانها ينبعث من تحولها ذلك ٱلميثان ٱلقاتل.
أمر ٱلأشجار وصناعتها للميثان كان يغفل عنه ٱلناس وقد وضعوا تشريعات تشدّد فى حماية ٱلأشجار وتزيد من زراعتها. وٱليوم هم فى ذهول من فعل تلك ٱلأشجار ٱلمفسد!! وهم فى حيرة بسبب جهلهم بكيف يكون ٱلإصلاح للفساد ٱلجارى!
وبما عملت عليه من عقلٍ لما يُظهره نظر وبحث ٱلناس فى تلك ٱلحقوق مع بيان كتاب ٱللّه رأيت أنّ أفعال ٱلفساد فى ٱلأرض ذات صلة بمفهوم ٱلشهوات وبما يحدث من لغو يمنع من إدراك وفهم ٱلقول فى كتاب ٱللّه ٱلذى يبيّن حدودا لكلِّ شىء:
"ومَن يتعدَّ حدود ٱللَّه فأُولٰۤئك هم ٱلظَّٰلمونَ" 229 ٱلبقرة.
فبفعل ٱللغو وصيطرة ٱلشهوات يحدث ٱلتعدى فى ٱلصناعة وفى زراعة ٱلأشجار وفى تكاثر ٱلناس وفى ٱستهلاكهم على ٱلسّوآء من دون علم بحدود ٱللّه فيها. وبذلك فعمل ٱلإصلاح لن يكون إلا بٱلعلم بحدود ٱللّه فىۤ أعمال ٱلناس وأرباح بعضهم وبتكاثرهم وبٱلوقوف عندها.
ومما رأيته من أسباب لهيمنة ٱلظنون أنّ ٱلناس فى مجتمعات ٱلديمقراطية يعثرون فى ٱلعلم بهذا ٱلحقِّ حتى ٱلأن. كما يعثرون فى عملهم علىۤ إصلاح ٱلفساد بفعل نقص علمهم بحدود ٱللّه. فقد بيّن كتاب ٱللّه "ٱلقرءان" أنّ فعل ٱلفساد فى ٱلأرض يحدث بصيطرة مفاهيم ٱلشهوات على مَن يكون فى صدر ٱلمجتمع. وهو ٱلذى يجهل حدود ٱللّه وتعميه تلك ٱلمفاهيم عنها. وبجهل ٱلناس فى ٱلمجتمعات ٱلديمقراطية بحدود ٱللّه يبقى فى صدر ٱلسلطة أصحاب ٱلصناعة ٱلطامعون بٱلربح فتزيد أعمالهم ٱلمفسدة بفعل تعديهم حدود ٱللّه. وأهل تلك ٱلمجتمعات ما زالوۤا إلى يومهم هذا يعثرون فى سيرهم إلى عيش مدينىّ يعلم أهل سلطته ٱلمؤمنون (ٱلعلمآء) بذلك ٱلفساد وبأسبابه وبحدود ٱللَّه ويعملون على ٱلتحكم فى كلِّ ذلك.
فى كتاب ٱللّه تحذير للمؤمنين من طاعة ٱلمسرفين ٱلذين يفسدون فى ٱلأرض بفعل ٱلشهوات:
"ولا تُطِيعُوا أَمرَ ٱلمسرفينَ/151/ ٱلَّذين يُفسدُون فِى ٱلأرضِ ولا يُصلِحُون/152/" ٱلشعرآء.
وفيه توجيه للمؤمنين للامتناع عن أفعال ٱلإسراف إن كان بيدهم أمر ٱلسلطة وتشريعها:
"ولا تُسرِفوا إنَّهُ لا يُحِبُّ ٱلمُسرفين" 141 ٱلأنعام 31 ٱلأعراف.
وبيّن أن هلاك ٱلمجتمعات ٱلديمقراطية لا يكون إلا بسبب فساد أهلها:
"وما كان ربُّك ليهلك ٱلقرى بظلمٍ وأهلها مصلحون" 117 هود.
وبيّن أنّ أهل ٱلديمقراطية سيذوقون فعل فسادهم:
"ظَهَرَ ٱلفَسَادُ فِى ٱلبَرِّ وٱلبَحرِ بِما كَسَبَت أَيدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ ٱلَّذى عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ" 41 ٱلرُّوم.
ٱلمؤمن ٱلحقّ هو ٱلذى يعلم ويعقل علمه مع كتاب ٱللّه. فيرىۤ أنّ تجاوز حرارة جوّ ٱلأرض حدود ٱللّه لها يجعل من جليدها يسيل (وهو ٱلمآء ٱلأساس لكلِّ حيوٰة على ٱلأرض وهو ما تمثّله ٱلكعبة ٱلبيت ٱلحرام). فإن تركه يتابع سيله فقدت ٱلحيوٰة أصلها وحدث طوفان يجرف.
وهو يعلم أنّه بسبب ٱلظنون بإصلاحٍ فى زيادة عدد ٱلأشجار ينشأ فساد مدمّر يجعل من جوّ ٱلأرض يذهب ولا يعود. كما يعلم أن تكاثر ٱلناس من دون حدود يزيد من فعل ٱلفساد ٱلذاهب بجوِّ ٱلأرض.
سبق لى وعرضت لمفهوم "ٱلمسخ" فى مقال "ٱللغو فعل يمسخ". وأتابع مع هذا ٱلمفهوم فى هذا ٱلمقال بعرض لمفاهيم ٱلشهوة وٱللّغو وأثرهما فى منع قبول مفهوم ٱلديمقراطية ومنع ٱلعيش به وصولا إلى مفهوم ٱلعيش ٱلمدينىّ ومفهوم حدود ٱللّه فى ٱلأشيآء وفى ٱلحقوق ٱلشخصيّة.
فما ظهر لى من كتاب ٱللّه أنّ ٱتباع ٱلشهوات هو ٱلذى يسوق إلى ٱللغو وٱلإسراف فى ٱلشهوات وإلى ٱلفساد ومنه إلى ٱلضياع وصولا إلى ٱلمسخ. وظهر لى فيه أنّ ٱلوقاية من ٱلشهوات وأخطار ٱلفساد لا تكون إلا بٱلعلم بحدود ٱللّه وٱلعقل مع كتابه لإدراك مفهوم ٱلتقوى من ٱلفساد وٱلعمل على ٱلإصلاح بقوّة ٱلعلم بٱلحدود. فكتاب ٱللّه بيّن أنّ ٱلرجوع عن تلك ٱلأخطار موقوف على ٱلعلم بحدودها "لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ".
ٱلرجوع عن أفعال ٱلفساد يحتاج إلى طاعة أشخاص أحرار لما جآء فى كتاب ٱللّه مع وسع فى ٱلعلم يجعلهم يدركون حدود ٱللّه ويعملون على ٱلرجوع إليها. وسيجدون أنّ فى ٱلصيام عن ٱلطعام وفى ٱلتحكم بٱلحاجة منه أنّه أهم ٱلسُّبل إلى وقف تأثير ٱلشهوات. فٱلقول ٱلعربىّ "أن تصوموا فهو خير لكم لو كنتم تعلمون" يبيّن وسعًا فى ٱلاختيار بفعل ٱلصيام عن ٱلطعام كما يبين ٱلحاجة للعلم حتى يكون فيه خير.
بٱلصيام تنخفض حاجة ٱلناس للطعام ويستطيعون بعلم وضع حدود لشهواتهم. وبتحديد شهواتهم تنخفض أعمال ٱلصناعة ٱلمستهلكة للوقود إلى حدود ٱستهلاكهم وتنخفض فضلاتهم. وبٱلعلم يضعون حدودا لتكاثرهم ولعدد ٱلأشجار فى ٱلأرض.
وأستدلّ من ٱلقول ٱلموجّه لأيوب "هذا مغتسل بارد وشراب" أنّه توجيه إلى شرب ٱلمآء وصيام عن ٱلطعام. فهو توجيه لغسل ٱلجسم من ٱلخارج ولغسله من ٱلداخل. وهذا هو سبيل أيوب للشفآء من مرضه. وحتى يكون للجسم غسيلا من ٱلداخل يطهره من فساده ومن مرضه يحتاج للمآء من دون طعام ولفترة لا تقلّ عن أربعين يوما وأربعين ليلا كما صام عيسى قبل أن يبدأ تبشيره بٱلإنجيل. ومثله ما يتبعه ٱليوم بعض ٱلأطبآء فى معالجة مرضاهم فى ٱليابان وفى كندا. بهذه ٱلفترة من ٱلصيام عن ٱلطعام يطهّر ٱلمآءُ ٱلجلد وٱلمعدةَ وٱلاثنا عشرية وٱلأمعآء وٱلشعيرات ٱلماصة فى ٱلأمعآء وينتقل ٱلمآء إلى جميع خلايا ٱلجسم ليغسلها ويطهرها مما تراكم فيها من فساد.
وماۤ أريد قوله من عرض لهذه ٱلأمثلة على سبيل ٱلرجوع هو ٱلأثر ٱلحادث فى مواقف ٱلنفس ٱلتى وضعت حدودا لطعامها. فهى بفعل ٱلتحكم بطعامها تتحكم بمفاهيم ٱلشهوات وبأفعال ٱلركض ورآء ٱلإسراف بجميع ألوانه لأنها تعلم أنّه ٱلفاعل ٱلرئيس فى فساد ٱلأرض. كمآ أنّ للصيام منافع أخرى لا تقلّ أهميتها عن ٱلإصلاح فى ٱلأرض. فأكثر ٱلناس يخضعون للطاغوت ويتنازلون له عن ٱلروح من أجل ٱلطعام. وهذا يسبب لهم ٱلذّلّ وٱلهون ويجعل منهم ٱلقردة وٱلخنازير (مذلون مهانون وقساة قلوب). وبتطهير أنفسهم من شهوة ٱلطعام تتطهر أجسامهم من ٱلمرض وتقوىۤ أنفسهم على ٱلطاغوت فلا يخضعون له ويصير منهم ٱلصالحون ٱلذين يتحررون من ٱلطاغوت ويقيمون لأنفسهم عيشا ديمقراطيّا. وإن تابعوا فى صيامهم وعلمهم بحدود ٱللّه يقوون ويقيمون لأنفسهم علىۤ أرض ٱللّه ٱلصالحة عيشا مدينيًّا.
ٱلمؤمنون قليلون كما يبيّن كتاب ٱللّه. فما هى ٱلوسيلة إلى وقف أعمال ٱلفساد ٱلذى يفعله أكثر ٱلناس؟ فهل يكون للمؤمنين وهم قليل أن يعملوا مع ٱلناس لوقف أعمال ٱلفساد؟
يبيّن ٱللّه بقوله "لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ" أنّه بٱلرجوع عن أعمال ٱلفساد تعود ٱلأرض إلى صلاحها. فٱلذين يَعلُونَ فى ٱلأرض هم ٱلذين يفسدون فى كلِّ وقت. وهؤلآء هم بنىۤ إسرآءيل كما يبيّن كتاب ٱللّه فى ٱلماضى وفى ٱلحاضر (دولة إسرآئيل منهم وهى ليست جميعهم فجميع ٱلدول ٱلمتقدمة علميا وصناعيًّا ملأُها ٱلمتحكّم بٱلسلطة هو من بنىۤ إسرآءيل). وهم ٱلقادرون علىۤ إدراك ما يفعلون بسبب علمهم وعلوّهم فى ٱلأرض. فإن عمل ٱلمؤمنون (ٱلعلمآء ٱلذين يعقلون) على تذكيرهم بما بيّنه ٱللّه وتحذيرهم من خطر فسادهم قد يرجعون عنه وقد يتبع بعضهم كتاب ٱللّه فيزيد عدد ٱلمؤمنين:
"وقضينآ إلىٰ بَنِىۤ إسرٰۤءيلَ فِى ٱلكتَٰبِ لَتُفسِدُنَّ فِى ٱلأرض مرَّتينِ وَلَتَعلُّنَّ علُّوًا كبيرًا/4/ فإذا جآء وعدُ أُولَـٰهُما بعثنا عليكُم عِبَادًا لَّناۤ أُولِى بَأسٍ شديدٍ فجاسوا خلٰلَ ٱلدِّيار وكان وعدًا مَّفعولا/5/ ثُمَّ رَدَدنَا لَكُمُ ٱلكرَّةَ عليهم وأمدَدنَٰكُم بأموالٍ وبَنينَ وجعلنٰكُم أكثرَ نفيرًا/6/ إن أحسنتُم أحسَنتُم لأنفُسِكُم وإن أسَأتُم فَلَها فإذا جآء وعدُ ٱلأَخِرَةِ لِيَسُـوءُوا وجوهَكُم ولِيَدخُلُوا ٱلمسجدَ كما دَخَلُوهُ أوَّلَ مَرَّةٍ ولِيُتَبّرُوا مَا عَلَوا تَتبِيرًا/7/ عَسَىٰ رَبُّكُم أن يَرحَمَكُم وإن عُدتُّم عُدنَا وجعلنا جَهَنَّمَ للكٰفرين حَصيرًا/8/" ٱلإسرآء.
أكثر ٱلإسراءيليّن فى ٱلأرض لا يصدقون أنّ ٱلقرءان كتاب ٱللّه وأنّ فيه ٱلبيان وٱلتبيان لكلِّ شىء ومنهاج وقاية يوارى ٱلسَّوءة ويمنع ٱلفساد. وهم بما يعمله ٱلمؤمنون من نشر لمفاهيمه بألسن مختلفة ومنه تذكيرهم بٱلقول ٱلعربىّ ٱلذى يتوجّه إليهم بقصصه عن ٱختلافهم على ٱلعلوّ فى ٱلأرض:
"إنَّ هذا ٱلقُرءَانَ يقُصُّ علىٰ بَنِىۤ إسرٰۤءيلَ أكثَرَ ٱلّذى هُم فيه يختلفُونَ" 76 ٱلنّمل.
قد يفعل على جعلهم يصدقون كتاب ٱللّه فيهتدون إلى ٱلأعمال ٱلتى تصلح وتوقف ٱلفساد فى ٱلأرض وفى عيش أهلها:
"إنَّ هذا ٱلقُرءَانَ يَهدِى لِلَّتِى هِىَ أَقوَمُ ويبَشِّرُ ٱلمؤمنين ٱلّذين يعملونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أنَّ لَهُم أجرًا كبيرًا" 9 ٱلإسرآء.
فأصحاب منهاج إسرآءيل (على ٱختلاف ألوانهم وتواجدهم فى ٱلأرض) إن ٱهتدوا بمفاهيم كتاب ٱللّه ونزّلوها فى قلوبهم يصومون ويعملون على ٱلعلم بحدود ٱللّه فيوقفون عندها ولا يعتدون وينشرون علمهم ليعلم ٱلناس عن تأثير ٱلصيام وعن ٱلحدود فتتوقف أعمال ٱلاختلاف وٱلاقتتال على ٱلعلوّ وعلى ٱلشهوات ويتوقف ٱلإسراف ويتوقف ٱلفساد.
فى مقال "لماذا جعلَ ٱللَّهُ ٱلسَّبتَ مِنَ ٱلوصايا؟" بينت أنّ سبب وصيّة ٱللَّه "لا تعدوا فى ٱلسَّبت" هو بيان حدّ من حدوده. فما ورد فى كتاب موسى وفى "سفر خروج" عن تلك ٱلوصيّة ٱلحدِّ كان فيما يلى:
"اذكر يوم السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك. وأمّا اليوم السابع ففيه سبت للرب إلـٰهك. لا تصنع عملاً ما. أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك ٱلذي داخل أبوابك" الإصحاح 20.
"وستُّ سنين تزرع أرضك وتجمع غلَّتها. وأما في السابعة فتريحها وتتركها ليأكل فقراء شعبك. وفضلتهم تأكلها وحوش البرية. كذلك تفعل بكرمك وزيتونك. ستة أيام تعمل عملك. وأما اليوم السابع ففيه تستريح لكي يستريح ثورك وحمارك ويتنفس ابن امتك والغريب" الإصحاح 23.
"لا تشعلوا نارًا في جميع مساكنكم يوم السبت" الإصحاح 35.
يبيّن سبيل ٱلناس فى ٱلأرض كلهاۤ إلى وقف جميع أعمالهم يوما كاملا كلّ ستة أيام وسنة كاملة كلّ ستة سنين حتى يكون للأرض إصلاحا. فأعمال ٱلناس على ٱختلاف ألوانها هى ٱلتى تفسد فى ٱلأرض.
وجآء فى كتاب ٱللّه ٱلقرءان توكيد لهذه ٱلوصيَّة :
"وقُلنا لهُم لا تَعدُوا فِى ٱلسَّبتِ وأخَذنَا مِنهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا" 154 ٱلنِّسآء.
وجآء فيه عن ٱلَّذين خالفوا هٰذه ٱلوصيَّة ٱلحدّ:
"ولَقَد عَلِمتُم ٱلَّذين ٱعتَدوا مِنكُم فِى ٱلسَّبتِ فَقُلنا لَهُم كُونُوا قِرَدَةً خَٰسِئينَ" 65 ٱلبقرة.
لا يوجد فى ٱلقرءان ما يشير إلى تبديل يوم وسنة ٱلسبت. بل فيه ما يوكّد أنَّ ما جآء فى ٱلرسالات ٱلسابقة لا نقض له بما فى ذٰلك يوم وسنة ٱلسَّبت:
"يَـٰۤأيها ٱلَّذين أُوتُوا ٱلكِتٰبَ ءَامِنُوا بِمَا نَزَّلنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُم مِن قَبلِ أن نَطمِسَ وجُوهًا فَنَرُدَّها علىۤ أدبارِهآ أو نَلعَنَهُم كما لَعنَّا أصحٰبَ ٱلسَّبتِ وكانَ أمرُ ٱللَّه مفعولاً" 47 ٱلنسآء.
و"أصحٰب ٱلسَّبت" هم ٱلَّذين ٱعتدوا فى ٱلسبت وما زالوا يعتدون. ومنهم مَن بدّل يوم ٱلسبت بيوم "ٱلأحد" ومنهم ٱلذى بدله بيوم "ٱلجمعة" ونسوا سنة ٱلسبت. وبهذا ٱلتبديل وٱلنسيان لا يكون سبتا كاملا فى ٱلأرض وتستمر أعمال ٱلناس ٱلمفسدة فيها.
لقد حدد ٱللّه ٱلسّبت يوما وسنة وجعله وصيّة من ٱلوصايا. وبفسق ٱلناس عن ٱلوصية يفسدون فى عيشهم.
ٱلفساد فى ٱلأرض من أهم ٱلمسآئل ٱلتى ورد عنها فى ٱلقرءان:
"ٱلَّذينَ ينقضُونَ عَهدَ ٱللَّهِ مِن بَعدِ مِيثَٰقِهِ ويقطَعُونَ مَآ أمَرَ بِهِ أَن يُوصَلَ ويُفسِدُونَ فِى ٱلأَرضِ أُولَـٰۤئِكَ هُمُ ٱلخَٰسِرُونَ" 27 ٱلبقرة.
وفيه بيان علاقة ٱلفساد بنقض عهد ٱللّه وميثاقه. وفيه بيان للرّجوع عن ٱلفساد وٱلعمل علىۤ إصلاح ما فسد "لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ".
فٱلرجوع يبدأ بجعل يوم ٱلسبت يوما واحدا فى جميع ٱلأرض وسنته واحدة. حيث لا ينفع لغو ٱلناس وجهلهم فى تخالفهم فى هذه ٱلمسألة. وفى ٱلقرءان بيان عن ٱلذين يعتدون فى ٱلسبت فيسوقهم ٱعتدآؤهم إلى ٱلذُّل وٱلهُون:
"ولَقَد عَلِمتُم ٱلَّذين ٱعتَدوا مِنكُم فِى ٱلسَّبتِ فَقُلنا لَهُم كُونُوا قِرَدَةً خَٰسِئينَ" 65 ٱلبقرة.
لقد حدَّد ٱللَّه يومًا من ٱلأسبوع للسَّبت عن جميع ألوان ٱلعمل وأمر "لا تعدوا فى ٱلسَّبت". وحدَّد سبتًا مدته سنة كاملة من بعد عمل ستة سنوات. وٱلمأرب من ٱلسُّبوت إصلاح ما فسد بأعمالنا فى ستة أيام وفى ستة سنين. وهو سبت للناس جميعًا وفى جميع ٱلأرض. ولهم فيما توصلوۤا إليه ٱليوم من علم أن يرجعوۤا إلى ٱلوصيَّة "لا تعدوا فى ٱلسَّبت" ويصلحون ما عملوه من فساد فى ٱلأرض.
وإنَّه مع فسق ٱلنَّاس عن ٱلأمر "لا تعدوا فى ٱلسَّبت" وبٱعتدآئهم فى ٱلسَّبت وٱختلافهم فيه بدأ ٱلفسق عن بقية أوامر ٱللَّه بما فى ذٰلك شهوة ٱلطعام وٱلأرباح وٱلتكاثر من دون علم بحدود. وبهذا ٱلفسق بدأ يظهر تأثير عملهم ٱلمفسد فى ٱلبرِّ وٱلبحر:
"ظَهَرَ ٱلفَسَادُ فِى ٱلبَرِّ وٱلبَحرِ بِما كَسَبَت أَيدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ ٱلَّذى عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ" 41 ٱلرُّوم.
فهل يرجعون؟
اجمالي القراءات
6299
و جزاك الله عنا خيرا