آحمد صبحي منصور Ýí 2019-02-22
تدبرا فى قوله جل وعلا : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ )( 28 / 4 ) الجزء الثانى :
مقدمة :
1 ـ عرفنا أن قوم فرعون هم آل فرعون هم جند فرعون هم ( ملأ ) فرعون . وبهم علا فرعون فى أرض مصر وتحكم فى أهلها ، ومارس معهم سياسة ( فرّق تسُد ) أى قسمهم الى شيع ، وإستضعف طائفة منهم ، إستخدم جنده وقومه وملأه وآله فى ‘إستضعاف قوم موسى .
2 ـ هذا الملأ الفرعونى يختلف عن ( الملأ ) الذين ورد ذكرهم فى القصص القرآنى عن الأمم التى سادت ثم هلكت وبادت . الاختلاف نابع من طبيعة الدولة المصرية العميقة المستمرة بثوابتها الاستبدادية حتى الآن ، وكان التطبيق العملى لها فى دولة المماليك ودولة محمد على باشا ، وفيها فإن الفرعون المستبد هو الذى يملك مصر ومن عليها ، ويقسم مصر الى إقطاعات يديرها العسكر وأعوانهم من الدولة العميقة على مستوى القرية والمقاطعة والمدن وحتى العاصمة . بالتالى فإن الفرعون وقومه منفصلون عن الشعب ، يتحكمون فى الشعب الذى يعانى من السخرة ويخشى التعذيب ويطيع أولى الأمر بإعتباره رعية وهم الرُّعاة .
3 ـ والملأ الفرعونى نوعان : القادة المستشارون ، والجنود المنفذون .
أولا : الملأ الفرعونى من القادة والمستشارين فى القصر الفرعونى
1 ـ يتزعمهم هامان . وقد نادى فرعون فى هذا الملأ من القيادات الكبرى وكلف هامان ببناء صرح : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٣٨﴾ القصص )
2 ـ وكان منهم قارون ، فالله جل وعلا أرسل موسى : ( إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴿٢٤﴾ القصص ) وهذا الملأ من القيادات هم الذين اشاروا بقتل أطفال بنى إسرائيل ، ومنهم قارون ، قال جل وعلا فى الآية التالية : ( فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴿٢٥﴾ غافر)
3 ـ والواقع إن قارون كان من بنى إسرائيل ولكنه بغى عليهم وإنضم للملأ الفرعونى يشارك فى إضطهاد قومه ، غير إنه لم يخرج مع جند فرعون ، إستبقاه فرعون ، وعندما غرق فرعون بقومه ودولته كانت مع قارون مفتيح الكنوز الفرعونية فاستولى عليها ، وانتهى مصيره الى أن خسف الله جل وعلا به وبكنوزه الأرض ، قال جل وعلا : ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖوَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴿٧٦﴾ القصص )
4 ـ وعن مصير قارون وفرعون وهامان وغيرهم قال جل وعلا : ( وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ﴿٣٩﴾ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖفَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿٤٠﴾ العنكبوت )
5 ـ هذا الملأ من المستشارين كان يشير بما يرضى الفرعون ، ورب العزة ينسب القول مرة لفرعون ومرة الى مستشاريه وحينا للجميع ، تأكيدا على الوحدة العضوية بين المستبد الفرعونى وملئه . ونعطى أمثلة :
5 / 1 : الاتيان بالسحرة جاء منسوبا الى فرعون :( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴿٧٩﴾ يونس )، وجاء منسوبا الى الملأ : ( قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴿٣٦﴾يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴿٣٧﴾الشعراء ) ( قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴿١١١﴾ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴿١١٢﴾الاعراف )
5 / 2 : إضطهاد بنى اسرائيل جاء منسوبا لفرعون: ( قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴿١٢٧﴾ الاعراف ) ، وجاء منسوبا له ولقادة الملأ : ( فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ) ﴿٢٥﴾ غافر ).
ثانيا : الملأ من الجنود فى ربوع العمران المصرى
1 ـ يُشار الى هذا الملأ صراحة بقوله جل وعلا :
1 / 1 : ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ) ﴿٨٣﴾ يونس ).هنا الملأ العامل على الأرض ، والذين تسللوا الى المجتمع الاسرائيلى وإخترقوه .
1 / 2 :( وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ) ﴿٢٠﴾ القصص ). هنا الملأ فى تلك المدينة ، وقد عقد مؤتمرا للفتك بموسى . هذا الملأ سرعان ما وصلت اليه الأنباء عما قاله الاسرائيلى لموسى : (قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ﴿١٩﴾ القصص )، فتحرك يريد قتل موسى.
2 ـ ويشار الى هذا الملأ ضمنا فى قوله جل وعلا عن الخدمة السرية ( المخابرات الفرعونية وقتها ) :
2 / 1 : بهذه الخدمة السرية ( المخابرات ) كان فرعون يعرف الحوامل من بنى اسرائيل وموعد الولادة ، وإن كان ذكرا قتلوه ، وإن كان انثى استبقوها.
2 / 2 :( وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴿١١﴾ القصص). هنا الملأ الذى يراقب الطرق وما يظهر على سطح النيل . (ملأ ) تتخوف منه أخت موسى وتتجنبه .
2 / 3 : (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٢١﴾القصص). هذا عن موسى حين هرب من المدينة يتوقع أن يوقع به الملأ المنتشر فى المدينة.
2 / 4 : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨٧﴾ يونس ). لتجنب هذا الملأ من المخابرات نزل الوحى لموسى وهارون بالتجمع فى بيوت للصلاة لا يدخلها غيرهم . ومع ذلك تسلل أعوان فرعون .
2 / 5 : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴿٥٢﴾ الشعراء ). كانت عيون الملأ الفرعونى تتابع تحركات بنى إسرائيل حتى فى بيوتهم السرية ، ومن بداية تجميعهم الى تسللهم فى جنح الليل ، وارسلوا بهذا الى الملأ القائد حول فرعون.
ثالثا : مصر وقتها جغرافيا وديموجرافيا :
توزع هذا الملأ بكل تخصصاته فى عموم العمران المصرى جغرافيا و ديموجرافيا . وهناك مؤشرات قرآنية تدل على إتساع العمران المصرى وكثافته وقتها ، منها :
1 ـ ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴿١٣٧﴾الاعراف ). يصف رب العزة مصر وقتها بالأرض المباركة الواسعة بمشارقها ومغاربها ، وينتشر فيها المعمار والمصانع . هنا إشارة لاتساع المكان وكثرة السكان.
2 ـ التعبير عن المدن المصرية بتعبير ( مدائن ) مع الاشارة الى كثافة سكانها. وتعبير ( مدائن ) لم يأت فى القرآن الكريم إلا عن مصر وقتها . قال جل وعلا :
2 / 1 : ( فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴿٥٣﴾ الشعراء ) ارسل الى الملأ العامل فى تلك المدائن .
2 / 2 : ( قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴿٣٦﴾يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴿٣٧﴾الشعراء ) ( قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴿١١١﴾ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴿١١٢﴾الاعراف ). هذه المدائن مليئة بالسحرة ، ويقع الاختيار على الأكثر علما منهم ليؤتى به. إذن ماذا كان عدد السكان فى تلك المدائن ؟
3 ـ . قال جل وعلا : (وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ )﴿٢٠﴾ القصص ) . جاء من (أقصى المدينة ) أى مدينة واسعة متسعة . مركزها حول النيل الذى يقع عليه قصر الفرعون ، وفى أقاصيها أحياء فقيرة و( عشوائية ) .!
4 ـ ( وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴿٥١﴾ الزخرف ). يفتخر بملكيته لمصر والأنهار التى تجرى من تحته ، أى تحت سيطرته وهيمنته . الموجود الآن هو النيل وفرعين فقط فى الدلتا. قبلها كانت توجد عدة فروع للنيل تخترق الصحراء فى سيناء شرقا وفى الصحراء الغربية غربا ، وكان البساتين تمتد غربا حتى ليبيا . وعندما منع الخليفة المتوكل العرب من الجندية تحولوا الى عصابات من الأعراب تقطع الطريق وبهذا تخربت فروع النيل الصحرواية . هذا العمران كان عامرا بالناس ، فالزراعة أساس الحضارة .
5 ـ ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴿١٣٨﴾ الاعراف ). حين عبروا البحر الأحمر ( خليج السويس الآن ) وجدوا قوما من المصريين حول معبد لهم . أى إمتد العمران المصرى الى سيناء بسكان مستقرين.
6 ـ ( فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿٥٧﴾ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴿٥٨﴾ كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿٥٩﴾ الشعراء ) هذا عن إتساع الزراعة والبساتين على النيل وفى الصحراء حيث العيون المائية . ومن الطبيعى أن يعمل فيها ملايين من الشعب المصرى المقهور . وقد ورثها بنو اسرائيل بما فيها وبمن فيها . الآثار الفرعونية لا تزال فى الاصحراء الغربية غربا وفى شمال السودان جنوبا . وجود هذه الآثار يعنى سكانا وإستقرارا وسيطرة سياسية.
رابعا : هذا الشعب المصرى فى هذا الاتساع كان تحت سيطرة الملأ الفرعونى
1 ـ قهرهم التعذيب ويكفى ما كان يحدث لبنى اسرائيل . نتذكر أن فرعون عاقب السحرة بتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم فى جذوع النخل لارهاب من يعصى الفرعون .
2 ـ لذا صمت المصريون ، فلم يأت لهم ذكر فى قصص موسى وفرعون سوى بالإشارة ، ما عدا رجلا واحدا هو الذى نطق فإستحق أن يذكره رب العزة جل وعلا دون تسمية . قال جل وعلا : (وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴿٢٠﴾ القصص ) .
3 ـ غيره جاءت الاشارة اليهم بتعبير ( أهل ) مثل قوله جل وعلا : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ )( القصص 4 )( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا )( إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ) ١٢٣﴾ الاعراف)
خامسا : قدرة الملأ المصرى فى الاتصالات وسرعة المواصلات والتنظيم الفائق
1 ـ هذه الملايين من الشعب المصرى كانت المجال الذى يتحرك فيه الملأ الفرعونى فى شبكة دقيقة محكمة ومنظمة ويمسك الفرعون برأسها . يبدو هذا فى قوله جل وعلا :
1 ـ تحديد موعد المبارة مقدما بين موسى والسحرة : (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴿٥٩﴾ طه ) تعبير ( يحشر الناس ) يدل على أن الشعب المصرى كان أداة طيعة فى يد الملأ الفرعونى.
2 ـ قام فرعون باصدار الأوامر وسرعة تنفيذها ، قال جل وعلا بعدها :( فَتَوَلَّىٰفِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ ﴿٦٠﴾طه)
3 ـ ( قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴿٣٦﴾ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴿٣٧﴾ ف َجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴿٣٨﴾ الشعراء ) أرسل فى مدائن مصر كلها بتجميع أمهر السحرة وأن يؤتى بهم فى وقت محدد ، قام بهذا الملأ المتخصص فى التجميع والحشر.
4 ـ ( وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ ﴿٣٩﴾ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ( 40﴾ الشعراء ).أى إنتشر نوع آخر من الملأ متخصص فى نشر الاشاعات والتأثير فى الناس.
5 ـ ووصلت أنباء إستعداد قوم موسى للهرب من تحكم الفرعون ،فأسرع بإرسال رسالة الى كل الملأ فى عموم مصر يحشدهم ليطارد بهم قوم موسى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴿٥٢﴾ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴿٥٣﴾ إِنَّ هَـٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴿٥٤﴾ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ﴿٥٥﴾ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴿٥٦﴾ الشعراء )
6 ـ وكانت هواية لفرعون أن يعقد المؤتمرات العامة ، يقوم فيها الملأ بحشد الناس ، أو بالتعبير القرآنى ( حشر ) :( فَحَشَرَ فَنَادَىٰ ﴿٢٣﴾ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ﴿٢٤﴾ النازعات). تعبير حشر الناس هو تصوير للشعب المصرى وقتها ، وقد كان أداة طيعة فى يد الملأ الفرعونى .
عن تلك التركيبة السكانية و تنوعها ,
و لكن كان بودي أن تتطرق قليلاً لتلك الطوائف في ذلك العهد , و هل كانت طوائف مذهبية دينية أم عرقية ,
مع التركيز على محور الموضوع الطائفية بين قوم موسى عليه السلام و قوم فرعون ,
و بما أن الله جل وعلا قد وصف قوم موسى بأنهم طائفة من طوائف هذا المجتمع و تلك الدولة الفرعونية فهذا يؤكد بالإقرار بأنهم جزء أصيل و فعال و ذو أهمية ,
هذه الطائفة هي طائفة عرقية في أساسها , لوصفها ( ببني إسرائيل ) , و لا أدري إن كانت طائفة مذهبية موحده آن ذاك , بل أعتقد بأنهم كانوا عدة طوائف مذهبية مختلفة لأنهم قد انقسموا لاثنا عشر سبط , و كل سبط منهم كان بمثابة أمه ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا) ,
و لكن هؤلاء المذاهب أو الأمم الاثنا عشر كانوا تحت مظله واحده تجمعهم , تلك المظلة هي المظلة العرقية ( الإسرائيلية ) , و هذا مستمر إلى يومنا هذا , و لكنهم اليوم يريدون دوله عرقية يهودية نسبة إلى يهودا , أي لسبط واحد من أسباطهم ,
و لا أعلم إن استمر وجودهم في مصر بعد أن دخلوا أرض فلسطين و استوطنوها في عهد داوود و ابنه سليمان أم أنهم قد خرجوا جميعاً ,
أشكرك جزيلا على هذان المقالان كما أشكر أخي الأستاذ سعيد علي بمشاركاته البناءة و الرائعة أيضاً ,
و إن كان بوسعك يا د . منصور من الكتابة مستقبلا في المقارنة بين واقع تلك الدولة العميقة منذ غابر الزمن و حتى يومنا هذا فأرجو منك التطرق لموضوع السجن الوارد في القرآن الكريم و الذي اقتصر ذكره على أرض مصر دون سواها ,
فقد ذكر السجن عشر مرات , تسعة منها في حق يوسف عليه السلام , و العاشرة في حق موسى عليه السلام حين قال فرعون ( قال لئن اتخذت إلهًا غيري لأجعلنَّك من المسجونين ) ,
فما سر هذا السجن المصري و أنت و رفاقك ممن عايش هذا السجن ؟
أشكرك د . منصور على تزويدي بهذين الرابطين , و كأنني أقرأهم الآن لأول مرة !
ربما قد قرأتهم سابقاً , و لكن ذاكرتي تصر على الخيانة .
شكراً لك مجددا و لعطائك الذي لا ينضب .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5117 |
اجمالي القراءات | : | 56,881,765 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول : ما هو الكيد الذى تعرض له...
حماس من تانى: سلام علیکم یا دکتر صبحی منصور انا لا ارید...
إلّا هو ...: من المعل وم والمف هوم والبد يهي أن...
اربعة أسئلة : السؤ ال الأول من د . محمود أبو جودة : السلا م ...
شريعة قتل الأولاد: مرحبا دكتور صبحي منصور ، منذ متى يزعجن ي أن...
more
حفظكم الله جل و علا .. إن القصص القرءاني أحسن القصص رغم أنها لا يؤخذ منها حكم شرعي و لكن تبقى أحداث القصص تتكرر – و كأن التاريخ يعيد نفسه – إنها متتالية السلطة و الثروة باختلاف المكان حينا و توالي الزمان أحيانا .
و من أسف أن مصر تكررت فيها هذه الأحداث و كأن الفرعون نسخا تتكرر !! و كأن الملأ يتكرر و كأن الذي جاء من أقصى المدينة يسعى يتكرر ( هم شموع النور في ظلام الاستبداد ) نتخيل لو دولة عربية حقيقية اتخذت من القصص القرءاني العبرة و الموعظة و بنت على أحداث تلك القصص و وضعت دستورا حقيقيا يحدد مهام و حقوق و واجبات المجتمع حتى لا تكون النتيجة النهائية كتلك النتيجة و النتائج القاسية جدا جدا في الدنيا فما بالنا في الآخرة حيث لا ينفع ندم و تتصاغر بل تنتهي تماما ( شهوة ) الثروة و السلطة و يوم القيامة لن ينفع و لن يشفع للمجرمين الأبناء و لا الصاحبة و لا الأخ و لا الفصيلة بل لن ينفعه و لن يشفع له أو فيه من في الأرض جميعا لينجو !! يقول الحق جل و علا : ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه و صاحبته و أخيه و فصيلته التي تؤويه و من في الأرض جميعا ثم ينجيه ) .
ما الفرق بين دولة الفرعون و ملئه و الطوائف المصرية و بين الواقع المصري اليوم ؟ المشهد يتكرر و اللوحة المصرية ذاتها تتشكل !! هناك إبداع في دولة الفرعون ! إبداع في القمع و أسلوب الحشر و سرعة نقل و إيصال و استقبال الأمر الفرعوني و نقرأ ما بين الآيات الكريمات في جُل قصص موسى عليه السلام إشارات للعمران المصري و البيئة المصرية و الديموغرافيا المصرية و العادات و التقاليد و لعل الدكتور أحمد يكتب عنها و قد كتب العديد في الشأن المصري متخذا القرءان الكريم مرجعه الأول .