المكافأة .. قصة قصيرة
أثناء الحرب العالمية الثانية، نشبت حرب بين كتيبتين، إحداهما صغيرة تضم ستة جنود، والأخرى كبيرة من ألف جندي، فإنتصرت الكبيرة، وأسرت الجنود، بعد أن قاتلوا بشرف وشجاعة، لدرجة أبهرت كل جنود الكتيبة المنتصرة، مما جعل قائدها يتخذ قراراً بمكافأة الأسرى الستة، تقديراً لحسن بلائهم في الحرب.
ولكن .. المكافآت في الحرب، ليست كما السلم، والأسرى الستة يفكرون في ماهية المكافأة، حتى جاءهم النبأ اليقين.
صدر قرار قائد الكتيبة المنتصرة، فأمر بجمع الأسرى ليخبرهم بمكافأته لهم، فقال :
- إعلموا أني أقدر شجاعتكم، وقد قاتلتم بشرف، وأتمنى أن يكون كل جيشي في مثل رباطة جأشكم، لكنها الحرب، وقد كبدتمونا خسائر عظيمة، أرواح، وسلاح، ومال، لذا فإن قرار إعدامكم لا رجعة فيه لكن .. قررت أن أكافأكم مكافأة حرب فاسمعوني :
1- سنعدم كل يوم أسير، بعد أن تجرى قرعة بينكم يحصل كل منكم على رقم من 1 : 6، فيكون أولكم أول من يعدم، وآخركم آخر من يعدم.
2- سيختار كل منكم طريقة إعدامه، من ستة طرق، وهي :
- الإعدام بـ قطع الرأس بضربة سيف واحدة، وفيه قسوة.
- الإعدام بـ الطعن بالسكين بطعنة واحدة، وكله مذلة.
- الإعدام بـ الصلب، وفيه عذاب.
- الإعدام بـ حبل المشنقة، وفيه خنوع.
- الإعدام بـ الرمي بالرصاص، وفيه ألم.
- الإعدام بـ السم، وفيه الموت البطيئ مبطوناً.
وأجريت القرعة، وعلم كل أسير يوم إعدامه.
وجاء اليوم الأول :
فإذا بالأسير الأول، يختار الإعدام بالسم، فقد وجد أن فيه رحمة، حتى وإن كان بطيئاً، لكنه ظل يتألم ممسكاً ببطنه التي تتمزق أحشائه داخلها، وظل يطلب النجدة من أصدقائه، وأعدائه لساعتين حتى فاضت روحه، بعد أن ذاق مر العذاب.
وجاء اليوم الثاني :
ويختار الأسير الثاني، أن يقتل طعناً بالسكين، فيطعن طعنة غائرة، تخترق أحشائه، وأضلاعه، فيصرخ من الألم، يطلب النجدة، أو إنجاز قتله، وبعد ساعتين فاضت روحه من جسده، بعد أن ذاق مر العذاب.
وجاء اليوم الثالث :
ويختار الأسير الثالث، أن يموت مصلوباً، وبعد أن علقوه على الصليب، نظر لاصدقائه مبتسماً، فسألوه عن أسباب إبتسامته فأجاب :
- لقد إخترت طريقة إعدام ستؤجل موتي إلى أن يقضي الله أمر أعدائي، فقد يتأخر أجلي، ويعجل الله بأجلهم.
لكن الرياح تأتي بما لا تشتهيه الأنفس، وإذا بأربعة نسور تبدو في الأفق مسرعة، إتخذ كل منهم إتجاهاً مغايراً لإتجاه الآخرين، لكن هدفهم واحد "رأس الأسير الثالث"، الذي إرتجف خوفاً، وذعراً من رؤيتهم مقبلين عليه.
حتى إرتطم منقار أول نسر في رأسه، فصرخ صرخة إخترقت قلب باقي زملائه الأسرى، وتوالت الإختراقات حتى فاضت روحه من جسده، بعد أن ذاق مر العذاب.
وجاء اليوم الرابع :
ويختار الأسير الرابع، أن يموت رمياً بالرصاص، فربطوه بالحبال على جسم صلب، ليكون هدفاً سهلاً لرصاصة واحدة، ستأتيه في رأسه، لكنه يرتجف ويتحرك قليلاً، فتصيبه الرصاصة في رقبته، فيصرخ طالباً الرحمة وإعادة إطلاق الرصاص عليه، لكن .. قواعد الإعدام لا تسمح إلا برصاصة واحدة !، فظل ينازع الموت ليوم كامل حتى فاضت روحه من جسده، بعد أن ذاق مر العذاب.
وجاء اليوم الخامس :
ويختار الأسير الخامس، أن يعدم بحبل المشنقة، فربطوا يداه من الخلف، ووضعوا الحبل حول رقبته، ثم أسقطوا ما تحت قدميه، ليتدلى جسده مترنحاً في حبل المشنقة، بيد أن الحبل تعلق، ولم يلتف حول عنقه ليسرع بقتله، فظل الرجل مختنقاً، يتنفس بصعوبة !، غير قادر على فك الحبل فيداه مقيدتان، بيد أن الحبل الذي لم يشنق الأسير، تسبب في جرحه في عنقه التي ظلت تنزف، وزادت مساحة جرحها حتى تسبب في إنفصال جسده عن رأسه، فمات بعد أن نازع الموت قرابة نصف يوم، حتى فاضت روحه، بعد أن ذاق مر العذاب.
وجاء اليوم السادس :
ويطلب الأسير السادس، أن يعدموه بقطع رأسه، فيسأله السياف :
- السياف : أما كنت تختار طريقة أخرى وتعفيني من قتلك.
- الأسير السادس : من لم يمت بالسيف مات بغيره، وقد شاهدت كافة طرق الإعدام، فما وجدت أسرعها إلى الموت، إلا قطع الرأس، ففيها سرعة الرحيل بلا عذاب، أو ذل، أو خنوع، أو ألم، وقسوة السيف لا تلبث إلا للحظات لا تذكر.
فيربط السياف يد الأسير الأخير من الخلف، ويضع رأسه على الصخر، ويستعد لضرب عنقه، لكنه يفشل في تصويب السيف على عنقه، ليمر أمام رأسه فيقتص فقط بضع خصلات من شعره.
فيأمر قائد الكتيبة بحل قيده، والإتيان به، فقد أراد الحوار معه :
قائد الكتيبة : لما إخترت قطع رأسك، ولم تختار وسيلة أخرى.
الأسير الأخير : ما عادت لي حاجة بالدنيا، وما كنت أود الإنتظار أكثر للحاق برفاقي، وكرهت أن أذل حتى تفيض روحي، فإخترت أسرع الطرق.
قائد الكتيبة : لكن الله أراد لك النجاة، فما تظن أني فاعل بك.
الأسير الأخير : ستطلق سراحي، وتعينني على الرحيل، فأنت قائد، وفارس، وتلك أخلاق الفرسان، حتى وإن كنت عدوك، وخصمك.
قائد الكتيبة : صدقت، والآن إنطلق فأنت حر، وفي أمان إلى أن ترحل.
الأسير الأخير : لم تسألني إلى أين سأرحل.
قائد الكتيبة : لن تعود إلى وطنك، فظني أنك كرهت الحرب وويلاتها، سترحل باحثاً عن مكان آخر تبني، وتحصد، لتستعيد بعضاً مما فقدناه في صراعاتنا.
الأسير الأخير : صدقت، وظني أنا .. أني سألقاك يوماً ما، في مكان غير المكان، تعينني على البناء، لنكفر سوياً عن أخطاءنا، وأخطاء كل من فقدناهم.
وتمر السنين ويلتقي الطرفان، ويهدي قائد الكتيبة للأسير الأخير .. السيف الذي أبى أن يقطع عنقه.
شادي طلعت
اجمالي القراءات
5753