آحمد صبحي منصور Ýí 2018-06-29
مصر ( ام الدنيا ) فى التعذيب .!
الفصل الأخير فى كتاب ( العذاب والتعذيب )
أولا : مصر أم الدنيا فى الاستبداد والتعذيب
1 ـ مصر أقدم دولة فى العالم . بدأت قبل تاريخ العالم فى حضارات ما قبل التاريخ ، وهى أول دولة تعرضت لاستعمار خارجى ـ فى عصر الهكسوس ـ واول دولة أسست إمبراطورية عظمى فى عهد تحتمس الثالث أول فاتح فى التاريخ العالمى . إذا كان يقال عنها ( أم الدنيا ) بسبب هذا فهى أيضا ( أم الدنيا فى التعذيب ) لأنها ( أقدم دولة إستبدادية ) فى العالم بدأت ولا زالت مستمرة بنفس ثقافة الاستبداد ،من عهد الفرعون ( مي نا ـ نا ـ رمر ) الذى وحّد جنوب مصر وشمالها فى دولة واحدة ـ الى عهد الفرعون الحالى : ( ال سى ـ سى ) . هى نفس الدولة العميقة القائمة على الاستبداد ، ولكى يستمر الاستبداد فلا بد له من ( التعذيب ) . مصر هى الدولة الوحيدة المذكورة فى القصص والتى لا تزال حيّة حتى الآن بنفس خصائصها الاستبدادية ، والتى جعل رب العزة فرعونها مثلا لكل المستبدين من عهده وما يأتى من الزمان . وعلى سُنّته يسير المستبد الشرقى حتى الآن ، مع أنهم يزعمون الايمان بالقرآن . قد تخفُّ سطوة المستبد نوعا بسبب ضعف شخصيته وتسلط الملأ و( الحاشية ) عليه ، ولكن تظل الدولة المصرية العميقة تتحكم فى سكان مصر بنفس أسلوب القهر والتعذيب لترسيخ الخوف من الدولة ، بغض النظر عن الفرعون إذا كان قويا أو ضعيفا .
2 ـ ساعد على الاستبداد المصرى النيل ، رافد الحياة فيها . يقولون إن مصر هبة النيل . ولكن النيل قبل أن يصل الى مصر يسير وسط أمم شتى ، لم تصبح لهذه الأمم دولة فى قدم الدولة مصر وأهميتها وإستمرارها خلال 7 آلف سنة. القول الصحيح أن مصر هى هبة المصريين الذين أقاموا تحت قهر المستبد هذه الدولة ( أم الدنيا ) . وبهذا القهر صنعوا حضارة وتركوا آثارا شاهدة عليها . مصر صحراء ، والنيل يشقها من وسطها ، حيث يتركز المصريون على ضفتيه . يتفرع النيل الى فروع ، بقى منها فرعان ترقد عليهما الدلتا ، وهى من أكبر ال ( الدلتات ) فى العالم . والنيل بوضعه هذا يستلزم حكومة مركزية تسيطر على رافد الحياة ( النيل ) فى الرّى وفى الصرف وفى الزراعة ، وما تستلزمه من تسخير للبشر لصالح الفرعون ، والزراعة أساس الاستقرار وتأسيس الحضارة ، بما يقوم عليها من أنشطة اخرى يقوم بها المصرى تحت قهر الفرعون المصرى .
3ـ ومصر بحضارتها وبموقعها وثرائها وبشعبها الموصوف بأن ( مطيّة راكب ) جعل من السهل على الحاكم أن يكون مستبدا طالما تحت إمرته جيش يأتمر بأمره فى مواجهة شعب يدمن الصبر والخنوع . فإذا ضعف هذا المستبد طمع فى مصر مستبدون أجانب . لذا تعرض المصريون لأصناف شتى من المستبدين ، منهم من كان مصريا ومنهم من لم يكن . وفى أحيان كثيرة كان المستبد الأجنبى خيرا للمصريين من المستبد المصرى ، وأحيانا كان المستبد الأجنبى خيرا لمصر ومكانتها من المستبد المصرى. ومثلا فإن المماليك الذين كانوا أرقاء تخصصوا فى العسكرية وحكموا مصر من عام 1250 : 1517 م ـ بلغوا بها شأوا عاليا جعلوا سلطانها يمتد من السودان جنوبا الى حدود العراق وجنوب تركيا شمالا ، ومن الحجاز شرقا الى برقة غربا . وربما كانوا أرفق بالمصريين من المستبد المصرى القائم الآن ، على الأقل لم تكن فى عصر المماليك ثقافة حقوق الانسان السارية الآن فى العالم ــ عدا مصر ، والفرعون المصرى الآن يرى أن المصريين أقل شأنا من التمتع بحقوق الانسان . ثم بهذا الاستبداد لم ينجح العسكر المصرى من عام 1952 من إحراز نصر حقيقى إلا على الشعب المصرى الأعزل ، يحتكر السلاح لجيشه وأجهزة أمنه وميليشياته السرية ، ويقوم بتعذيب المصريين ليظل فقط فى السلطة محتكرا الثروة يهربها الى الخارج ، ومن ينطق معارضا ولو بالهمس يتعرض لسلخانات التعذيب . أضاع عسكر مصر الحاكم هيبة مصر وجعلها تابعة لبعض مشيخات الخليج ، وأضاع سيناء وبعض الجزر ، والنيل شريان الحياة لمصر يوشك على النضوب . المستبد المصرى الفاشل الذى حكم مصر من عام 1952 وصل الآن بمصر الى أسفل سافلين .
ثانيا : السجن المصرى رمزا للقهر المصرى
1 ـ السجن احد ظواهر الحكم فى عالم اليوم . فى هولندة أغلقوا السجون لأنه لم يعد فيها جرائم . لا تزال هناك سجون فى الغرب . وهى لمعاقبة ( المجرمين ) والذين يثبت إجرامهم بقانون يتم إصداره ببرلمان منتخب إنتخابا عادلا نزيها تحت أعين الناس ، ويتم تطبيقه على الجميع على قدم المساواة ، إذ لا يعلو أحد فوق القانون . وهذا ما تطبقه إسرائيل الذى تتعرض الآن زوجة رئيس وزرائها لتحقيقات بسبب ثمن وجبات طعام . والذى يدخل السجن مجرما ثبتت إدانته يكون الهدف ليس الانتقام منه بل إصلاحه .
2 ـ الأمر على العكس تماما فى مصر ودول المحمديين ، حيث يعتقد المستبد ومعه الكهنوت الدينى التابع له أنه يملك الأرض ومن عليها ، يتبع سُنّة فرعون الذى أعلن ملكيته لمصر وأنهارها التى تجرى من تحته . وهو يحتكر السلاح والسلطة والثروة ، ومعه القضاء وأجهزة الأمن تعتقل من تشاء ، ويختفى ، وقد تحتضنه مقابر سرية ، وقد يدخل السجن فى حبس إحتياطى سنوات بلا محاكمة . وفى كل الأحوال فلا توجد قاعدة ( المتهم برىء حتى تثبت إدانته ) بل ( البرىء متهم طالما رأت السلطة ذلك ) . السجن المصرى بهذا رمز للقهر ، كان ، ولا يزال .
3 ـ لا عجب أن يذكر القرآن الكريم ( السجن ) فى مصر وحدها ، والسجن فيها مرتبط بالتعذيب . وهنا لا فارق بين الملك الهكسوسى الذى يتجرأ عليه الملأ وبين فرعون موسى الذى يخضع له الملأ .
4 ــ فى قصة يوسف تتهم إمرأة العزيز فتاها البرىء يوسف بأنه راودها عن نفسها وتأمر بسجنه أوتعذيبه. قال جل وعلا : ( وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) يوسف ) . ثم فيما بعدُ هددته علنا أمام النسوة إن لم يفعل ما تأمره ليسجنن وليكونن مهانا صاغرا ، فالسجن المصرى وقتها يعنى الإهانة والصّغار . قالت إمرأة العزيز أمام النسوة اللواتى إنبهرن بجمال يوسف : (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف ) . رفض يوسف وإستغاث بربه جل وعلا :( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) يوسف ) . وكوفىء بالسجن مقابل عفته وطهارته وورعه : ( ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) يوسف) . مع إثبات براءته وأنها هى الجانية الكاذبة فقد لفقوا له تهمة لإخفاء الحقيقة فدخل يوسف السجن ( المصرى ) بريئا لأنه رفض أن يفعل الفحشاء بسيدته. إمرأة صاحبة نفوذ تمتلك سلطة الزّج بأى برىء للسجن حتى لو كان يوسف عليه السلام. هذه هى مصر ، كانت ولا تزال .. وكم من أبرياء دخلوا السجون بسبب راقصات .!
5 ـ ودخل السجن مع يوسف فى نفس الوقت إثنان من نفس العمر ، احدهما كان ساقيا للملك ، ما لبث أن خرج وعاد الى وظيفته ، أما الاخر فهو ( خبّاز ) فقير ، انتهى مصيره الى القتل صلبا حيث تأكل الطير من رأسه ليكون عبرة . فالخباز الفقير دخل السجن وقتلوه صلبا ، والساقى ما لبث أن خرج ، والتلفيق هو سيد الموقف . هذا فى دولة ملك ليس كمثل فرعون موسى ، هو ملك لا تخاف منه حاشيته ولا تحترمه ، يقصُّ رؤياه على حاشيته: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) يوسف ) ويكون الرد بإستخفاف :( قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ (44) يوسف )
10 ــ إختلف الحال فى عصر الرعامسة ودولتهم العسكرية المركزية . اصبح السجن أكثر رُعبا . الله جل وعلا وعد موسى وأخاه بالحماية الالهية، قال لهما : ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه ) ووعده جل وعلا أن بطش الفرعون لن يصل اليهما : ( قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) القصص ) . وهدّد فرعون موسى بالسجن فى أول لقاء بينهما قال له : ( لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ (29) الشعراء ) . ومن هنا نرى موسى يتخوف مقدما من تعذيب فرعون له بالرجم ، قال لهم : ( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) الدخان ).
أخيرا : نعيد نشر هذا المقال : دليل المفتون بأنواع السجون
آحمد صبحي منصور في الإثنين 11 يونيو 2012
أولا :
1 ـ اقترب عيد الفطر سنة 1988 وكنت وقتها بأحد المساجد في ولاية أريزونا الاميركية , ووجهت لي الدعوة الرسمية من أحد السجون في مدينة تقع على الحدود المكسيكية للإفطار في أخر ليلة من رمضان وقضاء ليلة العيد مع مجموعة من المساجين المسلمين في ذلك السجن النائي . ورحبت بالدعوة ووجدتها فرصة للتعرف على الجانب الآخر من الحياة الاميركية .
2 ـ وصلت مع بعض الأصدقاء الأمريكيين إلى بوابة السجن وكان دخولنا في منتهى البساطة برغم أن الحراسة الاليكترونية تجعل الهروب من السجن مستحيلا ، واستقبلنا الواعظ الرسمي للسجن وهو مسيحي بالطبع ، ولكن الديمقراطية الأمريكية أوجبت عليه أن يشارك المساجين المسلمين عنده في احتفالهم بعيد الفطر ، بل وأن يقوم بنفسه على خدمتهم في احتفال الإفطار الأخير في رمضان ، برغم أن عدد أولئك المساجين المسلمين كان لا يتجاوز الخمسة عشر مسجونا ، منهم ثلاثة من الإيرانيين وواحد من الأمريكان البيض والباقي أمريكان سود .
3 ـ ما شهدته في ذلك اللقاء جعلني أتحسر على حال المسلمين في أوطانهم خصوصا وقد كنت قبلها ببضع شهور سجينا في أحد السجون المصرية بسبب آرائي ومؤلفاتي ، وكانت ذكرياتي في سجن بلدي تلح علي وأنا أشاهد السجن الأمريكي وحال المساجين فيه .
4 ـ كانت المفاجأة الأولى هي تلك المعاملة المهذبة التي يلقاها المساجين من القائمين على السجن إلى درجة أنني لم أتبين الفارق بين الضابط والمسجون ، فالجميع يرتدون ما يشاءون من الزى ولهجة الخطاب بينهم لا تفصح عن مكانة المتكلم والمخاطب سواء كان مأمور السجن أو مسجونا بأصغر جريمة ، والطريف أن بعضهم استرسل معي في الحديث وابهرني بثقافته وأثنى على لغتي الإنجليزية – وقتها – ووعدني بإرسال كتب لي أتعلم منها كيفية النطق باللهجة الأمريكية ، ووفّى بوعده فيما بعد . وكنت اعتقد أنه أحد المسئولين الكبار في السجن إلا أنني فوجئت في نهاية الزيارة بأنه مسجون .!.
.وكنت أظن السجن مختلطا إذ رأيت بعض السيدات يتجولن في ساحة السجن يختلطن بالرجال ، وفوجئت بأنهن من حرس السجن ، وساءلت نفسي هل أنا في سجن أم في مستشفى المجانين ؟ .
5 ــ وألهبت وجداني ذكريات السجن في بلدي.. ورحت أسأل نفسي : هل أولئك الناس من طينة ونحن من طينة أخرى ؟ وفي تلك اللحظة التي لا أنساها ، تذكرت كلمة مصطفى كامل : لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا ، وقررت وقتها أنه كان طيب القلب حسن النية ، ولو دخل سجن طره وزار بعدها ذلك السجن الأمريكي الفاخر لندم على هذه العبارة.!
.6 ـ وجاء موعد الإفطار في أخر يوم في رمضان . وفوجئت بالواعظ الذي دعاني يقوم ومعه بعض المسئولين بخدمة الصائمين من المساجين المسلمين . ولم تكن تلك المفاجأة الوحيدة ؛ إذ أن مطعم السجن كان مفاجأة في حد ذاته ؛ بنظافته وتجهيزاته والكمية المهولة من الطعام والشراب مما يجعله ينافس فندقا من بضعة نجوم . كانت صنابير الشراب تسيل باللبن أو بالمياه الغازية حسبما تريد . وخيل لي وقتها أنها ربما تكون مؤامرة إمبريالية أمريكية لعمل غسيل مخ لي لأقتنع بالجنة الأميركية وأن المسألة كلها تمثيل في تمثيل ، وضحكت من هذا الخيال الأحمق وأنا أتناقش على مائدة الطعام مع مسجون إيراني ( كان ضابطاعالى الشأن فى بلده ) ، وكان يبدو انه دخل السجن الأمريكي بتهمة التجسس لحساب وطنه ، ومع ذلك فقد اعترف بأن الفرق شاسع بين السجون الأميركية وسجون آيات الله في إيران . وتذكرت كيف قضيت اليومين الأولين لي في سجن بلدي عازفا عن الطعام والشراب حتى تشققت شفتاي وتحول ريقي إلى مرار علقم وذلك حتى لا اضطر للذهاب إلى دورة المياه التي يخجل منها كل من يمشي على قدمين ، وحتى لا اضطر لأكل السوس المخلوط بالفول المدمس .!!
.وأحزنني هذا التشرزم بين المسلمين حتى في ذلك السجن ، فمع عددهم القليل إلا أنهم كانوا فرقا وطوائف ، السود يكرهون ذلك السجين الأبيض المثقف ، والإيرانيون لا يثقون بالأمريكيين المسلمين ، مع أنهم جميعا مسلمون في مكان واحد ، ورأيت فيهم ملخصا وافيا لحال المسلمين في أمريكا وفي العالم كله.
.7 ــ ودارت مناقشات بيننا وبين المسئولين عن السجن وعلموا من أصدقائي أنني كنت سجينا بسبب بسبب الرأي. وأفزعهم ذلك. وأطمعتهم مؤهلاتي العلمية في أن اعمل واعظا للمسلمين في السجون الأميركية ووعدوا بالتوصية على تعييني ، وفرحت وقتها بهذه الفرصة . وفي نهاية اللقاء سألني الواعظ الأمريكي عن رأيي في أحوال المسلمين في السجن . ووجدتني أرد عليه بالعربية التي لا يعرفها قائلا : اللي يقول ده سجن أروح فيه ستة اشهر..!!
.8 ـ وبعدها بأسبوع جاءت المفاجأة الأخيرة إذ وصلتني الأوراق الرسمية للحصول على وظيفة واعظ ، ومكثت ادرسها بإمعان خصوصا واجبات الواعظ مهما كانت ديانته ، وأهمها الحرص التام على توفير الحرية الدينية لكل مسجون والاحترام التام لكل ما يقدسه ذلك المسجون سواء كان أيقونة أو سجادة للصلاة أو تمائم للسحر أو عبادة للشيطان ، ثم الحرص على توفير كل التسهيلات لهم في ممارسة شعائرهم ومشاركة إدارة السجن لهم في احتفالاتهم الدينية . واكتشفت في النهاية أن تلك الوظيفة المعروضة على وقتها تتطلب الحصول على الجنسية الأميركية – واتصلت بالمسئول واعتذرت له وشكرته ، وعبرت له عن إعجابي الكامل بما قرأته في تلك الأوراق الرسمية فيما يخص حرية العقيدة.
9 ـ وركبتني بعدها الكوابيس.. ما الذي جرى للمسلمين ؟ فالإسلام هو الذي سبق الجميع بتقرير حرية العقيدة ومنع الفتنة أى الاضطهاد في الدين والإكراه على الدخول في الإسلام أو غيره ، وبتلك السماحة انتشر الإسلام في مواطن لم تصلها جيوش المسلمين ، ثم دخل المسلمون في تيار التعصب والجهل والتأخر والتفرق بينما أدرك الغرب أن التقدم رهين بالحرية الدينية والحرية العقلية وان يكون الدين لله يحكم فيه يوم الدين وأن يكون الوطن للجميع يتمتع فيه كل مواطن بالحرية والمساواة وتكافؤ الفرص ، فتقدم الغرب بينما لا نزال نحن نعيش في ظلام العصور الوسطى
.10 ـ وقفز إلى ذاكرتي أحد المساجين التعساء في الزنزانة التي عشت فيها فى سجن مزرعة طرة ، وقد كانت تهمته هي الردة عن الإسلام والدخول في المسيحية ، وقد كان يخشى زملاءه المسلمين في الزنزانة أكثر من خشيته من إدارة السجن ، وأذكر أنني قلت للناقمين عليه أن يدعوه وشأنه لأنه يمارس حريته في العقيدة التي كفلها له رب العزة حين قال في القرآن " لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ (256) ( البقرة ) ، " وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ( الكهف ) " ، " قلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا (107)( الاسراء ) . وقلت لهم إن الذي سيحاسبه على هذه الحرية هو رب العزة في يوم القيامة يوم الدين ، وأنكم باضطهادكم له قد سلبتم الله تعالى بعض اختصاصاته التي لم يعطها لرسوله الكريم حين قال له " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وحين قال له وللناس : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) ( يونس ) . صدق الله العظيم
أخيرا
نشرت هذا المقال فى جريدة الأحرار بتاريخ ( 21/ 10 / 1991 ) .واليوم أصبح التعصب أكثر تسيدا فى مصر، ويريد الاخوان والسلفيون تقنينه فى الدستور . ولو حدث هذا فقل : على مصر السلام. .!!
في هذه الفترة الزمنية - زمن وجود يوسف عليه السلام في مصر - و تواجد أبيه يعقوب و إخوته في الشام نلاحظ توصية يعقوب لأبنائه بعدم دخولهم لمصر من باب واحد بل من أبواب متفرغة و هنا إشارة - كما أشار إليها الدكتور أحمد سابقا في مقالاته عن مصر - بوجود بوابات و تفتيش للداخلين لمصر أي نظام جمارك و حرس حدود و لاحظ عملية التفتيش عند إتهام إخوة يوسف بالسرقة أي أن الدولة المصرية كانت دولة منظمة إداريا و أمنيا و السجن واحد من مؤشرات النظام الأمني و بالتالي فلا غرابة في وجود نظام قضائي و محاكم و محامين !
السجن أقسى وسيلة يتعرض لها الإنسان فبه تصادر حريته و يقبع في زنزانة و يختلط بالمجرمين أو المظلومين .. في هولندا الحديثة أغفلت السجون لعدم وجود ( حرامية !! ) و في أميركا يوجد أسلوب الخدمة الإجتماعية عوضا عن الحبس .
من أسف أن مصر الحديثة لم تستفد من ( حضارة مصر ) فدولة نشأ فيها يوسف عليه السلام و هاجر منها موسى عليه السلام لا بد أن تكون قمة في التحضر و الإنسانية و لكن ما يحدث في مصر أمر يحتاج إلى دراسة و تحليل و نهضة حقيقية .
لا شك أن المصلحين و المفكرين المصريين لم يألوا جهدا في الإصلاح الفكري و يقف الدكتور أحمد ( هرما ) مصريا رائعا يقدم رحيق الفكر و عصارته بل يقدم أفكارا و حلولا أثبت الزمن صحتها و نجاعتها فهل تنهض مصر بهذه الأفكار ؟
حفظكم الله جل و علا و حفظ مصر و أهلها .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5117 |
اجمالي القراءات | : | 56,879,870 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
ممنوع الخلط هنا: هل يحق لرجال الدين " علماء الدين " المشا ركة في...
الطلاق بعد اللعان: هل لا بد من التفر يق بين الزوج ين بعد اللعا ن ...
لكل نفس جسدان: يوجد للدكت ور منصور كتاب متفرد وغير مسبوق فى...
مسلسل عمر: السلا م عليكم رأيت في مسلسل عمر الذي عرض في...
حرام بلا شك .!!: الامت ناع عن دفع الضرا ئب ورسوم الكهر باء ...
more
المقال عبارة عن مخالب تنكأ دمامل. ولكن ما العمل وهى الحقيقة المخزية المرة . سامحك الله يا دكتور