حدود الله:
حدود الله

زهير قوطرش Ýí 2007-05-24


السفر بواسطة القطار خلال جبال وغابات اوربا شيء ممتع للغاية، وخاصة إذا كان القطار مزود بمطعم انيق يستطيع معه المسافر تناول الطعام والشراب والتأمل من خلال نوافذه على الابداع الالهي لهذا الكون .وللسفر متعة أخرى في أنه يوحد المسافرين ضمن الحجرات التي تتسع الى ثمانية اشخاص ، وقد تشاء الصدف أن يكونوا من جنسيات مختلفة حيث تبدأ عملية التعارف بعد فترة قصيرة من السكون والتأمل .والكل ينتظر من سيبدأ الحديث؟ وكعادتي وكوني شرقي الملامح وشرقي الثقافة والطباع ، فقد كنت دائم&Ccededil;ً اثناء سفري المتحدث الاول.والسؤال الاعتيادي دائماً وابداً  الذي اتعرض إليه ..... .من اين حضرة السيد. تكفي الاجابة حتى تتسارع الاسئلة والاجوبة ،وهذا شيء طبيعي فنحن نمثل منطقة من العالم تتراكم فيها كل تناقضاته ومشاكله السياسية والاقتصادية والدينية والمذهبية أي بالمختصر المفيد نحن عملة نادرة. المسافرون لهم مزاجات متنوعة، وسلوكيات مختلفة لكنهم يتقيدون وينفذون قوانين وعادات السفر بحذافيرها وكل منهم يحاول قدر الامكان أن لايتجاوز حدود الحرية المتاحة له حتى لايتعدى على حرية الاخرين. في سفرتي الاخيرة شاءت الصدف أن يكون رفيقي في الحجرة البرفسور فلادمير المدرس في كلية الفلسفة ورئيس مركز الحوار الديني في عاصمة الدولة الاوربية التي أعيش فيها منذ زمن يتعدى عشرات السنين . بعد التعرف، دعاني الى مقصورة المطعم لنتاول القهوة وبعض الكيك.أجبته بكل سرور.... البرفسور فلادمير في العقد السابع من العمر إذا نظرت اليه وتأملت في وجهه ،فأنك تشعروكأنها ارتسمت عليه ملامح تجربة ثقافية وحياتية طويلة أكسبته هدوءاً لافتاً للنظر. طويل القامة انيق المظهر ،يسير بخطوات وكأنه يعدُّها عداً اثناء سيره المتواضع. واذا تأملته بوضوح يبدو لك أن هذا الانسان وكأن العالم ، اصبح بكل مقايسه الثقافية دمية في يديه ، لما يملك من مخزون ثقافي كبير في ذاكرته. وصلنا المطعم واتخذنا ركناً جميلاً يطل على الجهة اليمينية والتي بدورها تطل على جبال الالب الرائعة. وبعد وصول القهوة وطرح الاسئلة المعتادة عن الصحة والعمل وكوني من المنطقة العربية بادرني فوراً بسؤاله المتوقع إن كنت مسلماً. فأجبته نعم والحمد لله، وتبين لي أنه مسيحي كاتوليكي. وتفاجئت كثيراً بمعرفته الواسعة عن مبادئ الدين الاسلامي وغيرها من الديانات الاخرى. وبعد فترة قضيناها مع الاسئلة والاجوبة السياسية وخاصة حول الوضع في العراق ، ونتائج الانتخابات الفلسطينة ، والديقراطية في العالم العربي .وبشكل غير مباشر انتقلنا الى موضوع الارهاب ومن هو المسؤول عما يحدث في العالم الى أن انتهينا الى الاسلام كدين وكعقيدة ، صمت قليلاً وقال:
تقولون أنكم محمديون ، ومحمدكم جاء رحمة للعالمين هل لك أن توضح لي ماهية هذه الرحمة؟ وماذا تفسر ما تقوم به بعض التنظيمات الاسلامية من ذبح وقتل بشكل لا إنساني وعلى مرآى من عيون الناس بالصوت والصورة... ماذا تقول في قتل الابرياء في الانفاق في لندن أو في مدريد او في امريكا ،وقتل الابرياء في العراق ،وقتل المسلم لأخيه المسلم بدم بارد كما هو حادث في الجزائر وغيرها من الدول الاسلامية. في الحقيقة لم أكن اتوقع مثل هذا السؤال .لأن الاسئلة المعتادة هي ، لماذا لا نشرب الخمر ،ولا نأكل لحم الخنزير؟ أو لماذا نتزوج من اربع نساء؟ هذه الاسئلة انتشرت في الغرب بسبب  ثقافة بعض المسلمين ا الذين يعيشون في اوربا والذين اختزلوا العقيدة في هذه القضايا فقط . نظرت اليه وقلت في نفسي وكعادتي في مجادلة أهل الكتاب وغيرهم من العلمانين وخاصة الاوربيين أن لا أستخدم الايات القرانية بنصها وحرفيتها بل في معناها ومقاصدها العامة ، لأنه بالاصل الاوربي المسيحي والعلماني لايؤمنون يكتابي (القرآن) ويُحدث عندهم ذكر الايات القرانية بحرفيتها في أغلب الاحيان  بعضاً من الحساسية ويحاولون أنهاء الموضوع. ولكن بالمقابل وفي أكثر من مرة كان يحدث العكس حيث أن المحاور كان يسأل عن مصدر هذه الفكرة المطروحة او القول المأثور ، وكنت إذا أعلمته انها من القران الكريم، بدون تردد كان يطلب مني أن اهديه نسخة من هذا القران لاعجابه بمضمون الفكرة التي وردت في كتاب الله .أعود لسؤال البرفسور حيث بادرت بتصحيح السؤال قائلاً: برفسور فلاديمير اشكرك على سؤالك القيّم. ولكن اسمح لي وبدون حساسية أن أصحح لك قضية عقدية هامة تتعلق في الدين الاسلامي. نحن لسنا بمحمديين ولكننا من المسلمين، نحن نعتبر أن رسالة نبينا هي التي جاءت رحمة للعالمين،والتي بلغّنا بها من الله عز وجل بواسطة النبي محمد(ص) لذلك نحن لانعبد نبينا ولكن نعبد الله ونتّبع نبينا في كل ما جاء به وكونه جاء برسالة الرحمة ، فقد خصه الخالق عز وجل بأنه أُرسل رحمة لكل الناس الى يوم الدين ، مرة أخرى أعذرني على التصحيح. أما الرحمة في الرسالة هي في الحقيقة أوسع مضموناً من الحب الذي جاء به نبينا عيسى عليه السلام. نظر اليّ وكاد يعتبرني مزاوداً لذكري أن عيسى هو نبينا ،فقطعت عليه استغرابه ،وتابعت حديثي باننا نحن المسلمين نصدق كل الانبياء والرسل ونصدق بكل ما جاؤا به. ولانفرق بين أحد منهم وإن الدين الوحيد هو الاسلام الذي جاء به الانبياء والرسل منذ أدم عليه السلام مروراً بموسى وعيسى الى خاتم الانبياء والرسل محمد عليهم السلام. وبينت له بذلك شمولية الدين الاسلامي وعالميته منذ البداية. صدقوني أطلت معه هذه المقدمة حتى استجمع افكاري كي أردًّ على سؤاله.لأنني ايضاً أنا فرد من هذه الامة قد اقرا الاية الف مرة ولكني لاأعمل الفكر والعقل لايضاح معناها ومقاصدها.(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). اعرف تماماً معنى كلمة الرحمة ولكن أين لي أن اصنفها في التطبيق العملي وكيف أستطيع وضعها في السياق الدعوي، وما يحدث من ممارسات على أرض الواقع يؤكد عكس ذلك .طلبت المعونة من الله أن يهديني الى بداية الخيط .لأن محاوري ليس إنساناً عادياً. وجاءتني الفكرة بعون الله، حيث استجمعت قواي وقلت له الرحمة في رسالة الاسلام في عقيدتها قال لي ماذا تقصد؟ قلت له أن الاسلام هو دين الانسان منذ خلق وخُتم برسالة النبي محمد(ص)و أصل العقيدة في الاسلام هو في صلاح التوحيد لله تعالى.وهذه التوجه الى الله فقط هو أول الرحمة للبشرية لأنه حررهم من عبودية الغير وعبودية المؤسسات الدينية. بادرني: هذه قضية كبيرة وفلسفية ، لكن هل تتصور معي قطع اليد في ديانتكم رحمة.؟ بدون شعور قلت بصوت خافت الحمد لله قلتها وأنا بحاجة لها. كما قال أحد الجمهورين في امريكا بعد الحادي عشر من سبتمبر( فعلتموها ونحن بحاجة لها) سألته فوراً ياسيد فلادمير أنت أنسان كاتوليك. وتعتبر أن العهد القديم هوجزء من العهد الجديد اليس كذلك. دعنا نناقش الامور القانونية والجزائية في الشريعة الموسوية، تقول شريعة العهد القديم أن السن بالسن والعين بالعين. اليس كذلك. قال صحيح.قلت له هذا صحيح في عهد موسى وعيسى عليهم السلام، وللعلم عيسى عليه السلام تجاوز بعض النصوص الحدية للشريعة الموسوية بفعل رسالة الحب والتسامح التي جاء بها .لكن خاتمة الرسالات جاءت لتناسب المكان والزمان حتي يوم الدين. فقطع اليد هي من الحدود في الدين الاسلامي وهذه الايات الحدودية عدلت شريعة الحد التي ما عادت تناسب التطور البشري والتعديل  تم في الشرائع بين الديانات. لذلك لايمكن تطبيقها حالياً من قبلكم أليس كذلك ...؟ أجابني بالموافقة . تابع البرفسور قوله صدقني لم أفهم عليك ما معنى الحدود وما معنى الحد. قلت له موضحاً كل شيء في هذا الكون له حد اعلى وحد ادنى ،هكذا خلق الله الكون فحياة الانسان حدها الادنى بداية خلقه والحد الاقصى هو موته .الجبل له في الارتفاع حد اقصى وحد ادنى وهكذا.... هذا مفهوم، اجابني لكن لم تجاوب على سؤالي في قطع اليد؟ قلت حسناً ، نحن سنناقش (نظرية العقوبات في السرقة والقتل ) وسنبين مجالات الرحمة في الشريعة الاسلامية التي جاء بها النبي محمد (ص) من وحي الله عز وجل. السارق عندما يضبط وتثبت عليه التهمة يخضع لقانون الحدود وأقصد بذلك أقصى عقوبة يمكن أن يسمح بها الشرع هي قطع اليد لايجوز باي حال من الاحوال قتله.وادنى عقوبة هي العفو عنه. فترك الله عز وجل الامر للشرع من خلال للقاضي المسلم أو المحلفين من القضاة المستقلين أن يتحركوا في حيثات هذه القضية ضمن الحد الاعلى للعقوبة والحد الادنى وذلك حسب وضع الشخص الاجتماعي والنفسي وحالة البلد الاقتصادية وكم من المرات سرق وهكذا.....، أي ما بين قطع اليد. أو السجن.. أو العفو عنه، وكل هذه العقوبات هي ضمن الحد الاقصى والادنى للعقوبة أي ضمن حدود الله ، وهذا يتم تحديده بواسطة القانون الشرعي المتفق عليه في شريعتنا بمعنى أننا لسنا هواة قطع اليدين للسارقين. اما لو طبقنا الشرع الحدي فعلينا قطع اليد بدون النظر لحيثيات الامر. وكذلك القاتل إما يقتل كحد اعلى أو يعفى عنه كحد ادنى أو بين بين، فيزج بالسجن.حسب حيثيات الجريمة وحالة المجرم النفسية وهل قتل دفاعاً عن النفس أو بقضية شرف ، اما في الحالة الحدية التي جاءت بها الشريعة الموسوية فيجب قتله. وهكذا الا تتفق معي في أن الرحمة والعدالة في هذه الرسالة في حدوها الشرعية والقانونية  التي هي واضحة وضوح الشمس ولايمكن للمسلمين أن يتعدوها لأنها قوانين ثابتة وجاءت من خالق الكون وبدونها لاتسعد البشرية وسيسود الظلم. . وهناك الكثير من الامور التي تعبر عن الرحمة للبشرية في حال تطبيقهم حدود الله التي جاءت في شريعة الاسلام والغريب أن أكثرية دول العالم تطبق قوانين الرحمة التي جاءت إليهم ضمن الرسالة الخاتمة دون أن يعلموا ذلك لأن مراد الله أن تستمر الحياة ،ولن تستمر وتسعد البشرية إلا بتطبيق نظرية الحدود . ولكن مع كل أسف لايتسع الوقت لنقاشها معاً بشكل مطول، أما ماجئت به من ممارسات لبعض المسلمين فردية كانت أو جماعية... أعذرني إن هذه الامور لاعلاقة لها بالدين أصلاً وإن كانت اللبوس عليها دينة وإنها تقترف باسم الله وشعار القتل فيها الله واكبر ، كل ذلك يذكرني بالحروب الصليبة والحروب بين الايرلندين كاتوليك أو برتستانت الخ و أحب أن أعلمك أن المسلمين أثناء الحروب الصليبية ، رفضوا تسميتها بالصليبية بل قالوا حرب الافرنج...أتدري لماذا ..أجابني لا أعلم ..قلت له حفاظاً على قدسية الديانة المسيحية وقدسية وطهارة عيسى بن مريم. هذا ما علمنا إياه دين الرحمة ، أعود لما كنا نتكلم به ،برأي هنا تلعب السياسية دورها والسياسية والحركات السياسية دائماً تبحث عن غطاء ايديولوجي لكسب الانصار الى صفوفها ، والواقع والتاريخ يؤكد أن ايديولوجية الدين هي الآقوى لهذا تم استغلالها على مدى العصور والازمان وحدثت باسم الدين مآسي لاتعد ولا تحصى... السياسة هي كسر ارادات ومصالح ،والدين محبة ورحمة ،السياسة هي علم المصالح المتبادلة والمتغيرة لا صديق فيها ولا عدو ثابت.. الدين هو ثابت في عقيدته متحرك في شرعه ضمن اطار الحب والرحمة والمصلحة العامة ، ارجو أن تكون قد فهمت قصدي ، فهمت.... ولكن عليكم مهمة كبيرة وهي كيف ستغيرون ماأفسدته المصالح السياسية ...ولأن الزمن لايرحم فقد وصلنا الى نهاية الرحلة .ودعته وتمنيت عليه أن نلتقي كأصدقاء ورحب بالفكرة.
أحب في هذا السياق أن أؤكد على ما جاء في أية الحدود.قوله عز وجل (ومن يعص الله ورسوله ،ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين) النساء 14
نلاحظ هنا في الآية تلك حدود الله،وأيضاً ويتعد حدوده. والهاء تعود على الله عز وجل ولم يقل حدودهما، إذن هو صاحب الحق الوحيد في وضع حدود تشريعية دائمة الى أن تقوم الساعة،ولم يعط هذا الحق لأي نبي أو إنسان ، وهنا تكمن عظمة النبي (ص) أنه تحرك ضمن حدود الله. اما الذين تجاوزوا ونسبوا ذلك الى النبي فلهم عذاب مهين. والله أعلم.

اجمالي القراءات 27825

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   وسام الدين إسحق     في   الإثنين ٠٤ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[16076]

حدود الله

إلغاء التعليق


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-02-25
مقالات منشورة : 275
اجمالي القراءات : 5,710,777
تعليقات له : 1,199
تعليقات عليه : 1,466
بلد الميلاد : syria
بلد الاقامة : slovakia