الخطبة الدينية دلالة على التبعية السياسية فى العصر الفاطمى

آحمد صبحي منصور Ýí 2018-01-29


 الخطبة الدينية دلالة على التبعية السياسية  فى العصر الفاطمى

مقدمة :

1 ـ بدأ الأمويون إستغلال الخطبة فى صلاة الجمعة سياسيا بلعن (على بن أبى طالب ) وإستحداث وظيفة القصص للدعاية لهم . تطور الاستغلال السياسى للخطبة فى العصر العباسى مع بوادر ملامح الدولة الدينية التى تبرر جرائمها بإفتراء أحاديث وتشريعات ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان. وبدأ تلقيب الخليفة العباسى بلقب دينى منسوب لله جل وعلا مثل ( المتوكل على الله ) ( القائم بأمر الله ) ( المقتدى بالله ) ..الخ .

المزيد مثل هذا المقال :

2 ـفى العصر العباسى الثانى  ــ ووقت تحول الخلافة العباسية الى كهنوت دينى بلا سُلطة سياسية ـ ظهرت الدولة الدينية مكتملة الملامح فى الدولة والخلافة الفاطمية . وفيها أصبحت الخطبة الدينية وإمامة الناس فى الصلاة من شعائر الفاطميين فى مصر . وبهم راج إستعمال مصطلح ( خطب ) للتدليل على التبعية السياسية . فالدعاء للخليفة فى الخطبة يعنى الاعتراف بالخضوع له ، وقطع إسم الخليفة من الخطبة يعنى الخروج عن طاعته . وهذا هو موضوعنا الآن . ونعطى له شواهد من تاريخ المقريزى ( إـعاظ الحنفاء ..) .

أولا :  طقوس الخطبة الدينية السياسية فى الدولة الدينية الفاطمية  :

1 ـ كان العزيز بالله ابن المعز  هو ولى عهد أبيه . ومرض المعز فدخل على العزيز بالله ـ ولى العهد قادة الدولة يطمئنون على حال الخليفة المعز لدين الله ومرضه . قيل : ( دخل عليه من الغد القاضي أبو طاهر وجماعة الشهود والفقهاء فسلموا عليه بولاية العهد ، وقبلوا له الأرض ، ( أى سجدوا له.! ) فرد عليهم أحسن رد ، وأخبرهم بأن المعز بخير قال‏:‏ مولانا صلوات الله عليه في كل عافية وسلامة في أحواله وفي رأيه لكم وانصرفوا‏.)

2 ـ كان يومها الجمعة فكانت الخطبة فى الدعاء للخليفة المريض وولى عهده . قيل : (  وكان يوم جمعة، فدعا له عبد العزيز بن عمر العباسي على منبر الجامع العتيق ( جامع الفسطاط )  بعد أن دعا للمعز . فقال‏:‏ اللهم صل على عبدك ووليك ثمرة النبوة ومعدن الفضل والإمامة عبد الله معد أبي تميم الإمام المعز لدين الله كما صليت على آبائه الطاهرين وأسلافه المنتخبين من قبله‏. اللهم أعنه على ما وليته وأنجز له ما وعدته وملكه مشارق الأرض ومغاربها‏. واشدد اللهم أزره وأعز نصره بالأمير نزار أبي المنصور ولي عهد المسلمين ابن أمير المؤمنين الذي جعلته القائم بدعوته والقائم بحجته‏. اللهم أصلح به العباد ومهد لديه البلاد وأنجز له به ما وعدته إنك لا تخلف الميعاد‏.) أى كانت الخطبة فى مناقب الخليفة وولى عهده ودعاءا لهما .

3 ـ وقيل بعدها  عن البلاد التابعة للخليفة المعز لدين الله الفاطمى : ( وأقيمت له الدعوة يوم عرفة في مسجد إبراهيم عليه السلام وبمكة والمدينة وسائر أعمال الحرمين ولم ترد له راية‏.  ودعى لفاطمة ولعلي عليهما السلام في أيامه على المنابر في سائر أعماله وفي كثير من أعمال العراق‏. ونصبت الستائر على الكعبة وعليها اسمه‏. ونصبت له المحاريب الذهب والفضة داخل الكعبة وعليها اسمه‏. )

4 ـ  وكان ‏ موت المعز لدين الله عام  365 ، وتولى نزار العزيز بالله . وكتموا موت المعز ليذاع فى خطبة عيد الأضحى ( يوم النحر ) ، قالوا : ( لما مات كتم موته إلى يوم النحر فأظهرت وفاته،  فركب العزيز بالمظلة وخطب بنفسه،  وعزى نفسه،  والناس تسلم عليه بالخلافة ، وركب إلى قصره فسلم عليه عماه‏:‏ حيدرة وهاشم وعم أبيه‏:‏ أبو الفرات وعم جده‏:‏ أحمد بن عبيد الله‏.‏) . أى الانتظار الى أقرب موعد للخطبة الدينية حتى يتم الإعلان عن تولية الخليفة ، ويقوم الخليفة الجديد بالخطبة وإمامة الصلاة . وكل هذا فى موكب رسمى ، طبقا للطقوس والرسوم الفاطمية .

5 ـ كان مقتل الحاكم عام  410 ، وتولى ابنه الظاهر وكان شابا صغيرا ( 16 عاما ) ومع ذلك هو الذى خطب وهو الذى كان إماما للناس ، ولكن صعد معه المنبر بعض كبار الدولة . قالوا إنه  ( في يوم الجمعة ثانيه ركب أيضا إلى صلاة الجمعة في الجامع الأزهر ، وعليه طيلسان شرب مفوط بعمامة بياض مذهبة وثياب دبيقية والمظلة دبيقية مذهبة . وطلع معه المنبر قاضي القضاة أحمد بن أبي العوام وإبراهيم الصانع المؤدب المعروف بالجليس ، فأرخيا عليه سجف القبة التي في أعلا المنبر ، وهي مغشاة بمصمت بياض ،  والعنبر يبخر بين يديه في المباخر الذهب والفضة والجوهر‏. فخطب ، ثم كشف عنه القاضي،  ونزل فصلى وعاد إلى قصره‏.) . كان هذا الشاب يخطب من وراء ستار ومعه قاضى القضاة والمؤدب الذى كان يعلمه . ثم بعد الخطبة نزل وأمّ الناس فى الصلاة . كل هذا فى ( ديكور ) من الذهب والعطور .!!

6 ـ ومزيد من التفصيل عن هذا الخليفة الفاطمى ( المراهق ) قيل : (  وفي يوم الجمعة سادس عشره ركب الظاهر إلى الجامع الأنور خارج باب الفتوح ، وعليه رداء بياض محشى قصبا وثياب بياض دبيقية وعمامة بيضا مذهبة ، وفي يده القضيب الجوهر وعلى رأسه مظلة مديرة فخطب ثم صلى وعاد‏. )

7 ـ وعن عيد الأضحى فى العام الأول لهذا الخليفة المراهق ، قيل : ( فى يوم الخميس عاشره كان عيد النحر فركب الظاهر إلى المصلى من باب الفتوح على عادته ،  بعد أن رسم لسائر العرائف أن تلزم كل عرافة مكانها وحارتها ، وتكون صلاة العسكر بأجمعهم في حاراتهم مع أزمتهم فامتثلوا ذلك‏. وصلى وخطب بعد أن استدعى داعي الدعاة قاسم بن عبد العزيز بن النعمان وسلمه الثبت بأسماء من جرت عادته بطلوع المنبر ، فاستدعى شمس الملك وبهاء الدولة مظفر صاحب المظلة وعلي بن مسعود وحسن ابن رجاء بن أبي الحسين وعلي بن فضل وابراهيم الجليس وعبد الله بن الحاجب ، وتأخر القاضي وغيره لمرضهم فلم يشهدوا صلاة العيد‏. فلما انقضت الخطبة نزل الظاهر إلى المنحر بالمصلى فنحر ناقةً وعاد إلى قصره ومشى إلى المنحر بصحن القصر تجاه ديوان الخراج فنحر تسعاً من النوق ثم انصرف‏. ).

8 ـ واصبح هذا تعبيرا سائدا فى التأريخ للفاطميين . فى مبايعة الخليفة الجديد ، ويكون هذا فى الخطبة للجمعة بإسمه ، أو فى العيدين : ( الفطر والنحر أى الأضحى ) . وبعد مقتل الخليفة المأفون المجنون الحاكم بأمر الله تولى ابنه الظاهر لإعزاز دين الله المشار اليه . قيل : ( وبويع بالخلافة في يوم عيد الأضحى سنة إحدى عشرة وأربعمائة  وله من العمر ست عشرة سنة وثلاثة أشهر . واتفق في هذا اليوم أن صلى للحاكم في خطبة العيد ثم بويع الظاهر بعد عودة القاضي من المصلى فكان بين الدعاء في الخطبة للحاكم وبين أخذ البيعة للظاهر ثلاث ساعات ولم يتفق مثل ذلك‏.)‏. أى كانت الدعوة فى الخطبة للخليفة الحاكم ثم أعلنوا غيابه وتولى إبنه فى نفس اليوم بعد ثلاث ساعات .

ثانيا : الخطبة للخليفة الفاطمى تعنى الدخول فى طاعته ، وقطع الخطبة تعنى الخروج عن طاعته :

1 : الأميرأفتكين التركى قالوا عنه : ( وقطع خطبة المعز وخطب للطائع ) ، أى خرج عن طاعة المعز لدين الله الفاطمى وأعلن تبعيته للخليفة العباسى الطائع . فالخطبة باسم الخليفة تعنى التبعية له سياسيا . وصار يقال ( الخطبة والسكّة ) أى الدعاء للسلطان والتبعية له وضرب العُملة باسمه ، أو سكّها باسمه .

 2 : ( وخُطب للعزيز بمكة بعد أن أرسل إليها جيشا فحصرها وضيقوا على أهلها ومنعوهم الميرة فغلت الأسعار بها ولقى أهلها شدةً شديدة‏.‏ ). أى خضعت له مكة .

 3 : قيل عن الخليفة الحاكم بأمر الله ‏:‏(  وكان الحاكم شديد السطوة عظيم الهيبة جريئا على سفك الدماء‏. خطب له على منابر مصر والشام وإفريقية‏. ) أى خضعت له مصر والشام وشمال أفريقيا .

4 : عام 401 فى خلافة الحاكم بأمر الله الفاطمى ، قيل : ( فيها خطب قرواش بن المقلد بن المسيب أمير بني عقيل للحاكم بالموصل والأنبار والمدائن والكوفة وغيرها فكان أول الخطبة ‏:‏ الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغضب وانهدت بعظمته أركان النصب وأطلع بقدرته شمس الحق من المغرب‏. ) أى خطب أمير بنى عقيل ( قرواش ) ــ المسيطر على جزء كبير من العراق ــ معلنا دخوله فى طاعة الحاكم الفاطمى. ولم يدم هذا طويلا . قيل بعدها : ( ثم بطلت الخطبة بعد شهر وأعيدت لبني العباس‏. ) أى أبطلوا الخطبة للحاكم الفاطمى وأعيدت الخطبة للعباسيين .

‏5 ـ  قيل عن عام  435 : ( فيها قطع المعز بن باديس الخطبة للمستنصر ودعا ببلاد إفريقية للخليفة القائم بأمر الله العباسي ‏.) أى إن ابن باديس الذى كان واليا على شمال أفريقيا ـ مهد الخلافة الفاطمية ـ خرج على الفاطميين فى خلافة المستنصر بالله الفاطمى ، وإنضم للخلافة العباسية . وجاء التعبير عن هذا بقطع الخطبة ، والدعوة فى الخطبة للخليفة العباسى القائم بأمر الله .  

6 ـ ومشهور خروج القائد التركى البساسيرى على الخلافة العباسية ودعوته للخلافة الفاطمية والخليفة المستنصر على منابر بغداد نفسها ، وكان هذا بسبب خلاف بينه وبين السلطان طغرل بك المسيطر على الخلافة العباسية ..

 فى عام 447 . قيل أن البساسيرى بعث الى المستنصر الفاطمى  ( يسأل في النجدة ويلتزم بأخذ بغداد وإقامة الخطبة بها للمستنصر وإزالة دولة بني العباس وأنه يكفي في رد طغرلبك عن قصده البلاد الشامية‏.) وفى عام 448 بعث المستنصر بالأموال للبساسيرى ، وإستقوى بها البساسيرى، وانتصر على خصومه .

وفى العام التالى  449 ، قيل : ( أقيمت خطبة المستنصر في حلب،  وقطعت خطبة القائم وذلك بعد حروب عظيمة‏.) ( فلما كان يوم الأحد الثامن من ذي القعدة من هذه السنة وصل البساسيري إلى بغداد ، ومعه قريش بن بدران ،  وخطب في جامع المنصور للمستنصر بالله الفاطمي ، وقطع الخطبة لبني العباس وعقد الجسر وعبر عسكره‏. فلما كانت الجمعة الثانية خطب بجامع الرصافة للمستنصر‏.) وفى عيد الأضحى قيل : (  فلما كان يوم عيد النحر ركب البساسيري إلى المصلى وعلى رأسه ألوية المستنصر ، وقد استمال الناس بكثرة الإحسان وإجراء الأرزاق ، وكسر منبر المسجد الجامع ببغداد وقال‏:‏ هذا منبر نحس أعلن عله بغض آل محمد عليهم السلام وأنشأ منبرا آخر وخطب عليه باسم المستنصر‏. ). وصف منبر العباسيين بأنه منبر نحس لأن فوقه أعلن العباسيون بُغض الفاطميين الذين أسماهم البساسيرى آل محمد.!

7 ـ وشهد عهد المستنصر علو النفوذ الفاطمى وشهد أيضا تراجعه بسبب الشدة العظمى والمجاعة التى عانى منها الخليفة نفسه ، وقد فصلنا القول فيها فى مقالات منشورة هنا . وفى هذه الانتكاسة أنفضّ كثيرون عن المستنصر الفاطمى ، وقطعوا الخطبة عنه ، وانضموا للخليفة العباسى يخطبون له . ونأخذ أمثلة :

7 / 1 : عام 462 ( وقطع خطبة المستنصر من الإسكندرية ودمياط وجميع الوجه البحري وخطب للخليفة القائم بأمر الله العباسي‏.)

7 / 2 : وبعدها بعث عضد الدولة البويهى الى أميرى مكة والمدينة بالأموال فخلعا طاعة المستنصر ، وقطعا الخطبة له . قيل : ( لما ضعفت الدولة في هذه السنين وزحف عضد الدولة من خراسان إلى حلب بعث إلى محمد ابن أبي القاسم الحسني أمير مكة بثلاثين ألف دينار وبخلع سنية وأجرى له في كل سنة عشرة آلاف دينار وبعث إلى صاحب المدينة عشرين ألف دينار فقطع خطبة المستنصر بعدما قامت الدعوة والخطبة للمستنصر ولآبائه بمكة والمدينة مائة سنة ودعا للقائم العباسي ولعضد الدولة. )

7 / 3 : عام 465 : ( وفيها قطعت خطبة المستنصر من بيت المقدس‏.)

7 / 4 : عام 467 : ( وفيها أعيدت الخطبة للمستنصر بمكة بعد أن خطب فيها للقائم بأمر الله العباسي أربع سنين‏. )   

 7 / 5 :( وأبطلت الخطبة للمستنصر فى دمشق  فانقطعت دعوة الخلفاء الفاطميين منها ولم تعد بعد ذلك‏. وقطعت دعوة المستنصر من مكة أيضا ودعي فيها للمقتدي‏. )‏

 أخيرا : نهاية الخلافة الفاطمية رسميا بقطع الخطبة لهم عام 567 :

1 ـ مرض العاضد آخر الخلفاء الفاطميين ، وكان تحت سيطرة صلاح الدين الأيوبى ومعه والده نجم الدين أيوب ، قائد جيش محمود زنكى الذى كان يحكم دمشق . وإستفحل المرض بالخليفة الفاطمى الشاب. قيل عن نجم الدين أيوب : ( نزل نجم الدين أيوب بجماعة معه إلى الجامع ، وأمر الخطيب ألا يذكر العاضد. وقال : " إن ذكرته ضربت عنقك "‏. فقال: " لمن أخطب ؟ "  فقال : " للخليفة المستضيء بأمر الله العباسي‏." . فلما خطب لم يذكر العاضد ولا غيره بل دعا للأئمة المهديين والملك الناصر‏. فقيل له في ذلك فقال‏:‏ " ما علمت اسم المستضيء ولا نعوته وفي الجمعة الثانية أفعل ما يجب فعله وأذكره‏." .

2 ـ وتحت عنوان ( نهاية الفاطميين ) قال المقريزى فى ( إتعاظ الحنفاء ) : ( فلما كانت الجمعة الثانية وهي سابعه خطب باسم الخليفة المستضيء بأمر الله..وقطعت الخطبة للعاضد لدين الله فانقطعت ولم تعد بعدها إلى اليوم الخطبة للفاطميين‏.  ).

اجمالي القراءات 7522

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4980
اجمالي القراءات : 53,328,293
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,621
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي