التاريخ كما يراه المسلمون وغيرهم

سامح عسكر Ýí 2017-12-14


 

في علم التاريخ

توجد طريقتين في توثيق الأخبار

الأولى: من الأقدم إلى الأحدث، فلا يتم الاعتبار بصدق الخبر إلا بدراسة قائله الأقدم

الثانية: من الأحدث إلى الأقدم، فيجري اعتبار الرأي الجديد (ناسخا) للقديم ومثبتا له

خد بالك قلت (توثيق) الخبر وليس (تحليل الخبر) لأن أمور التحليل تقديرية حسب رؤية المفكر، أما التوثيق فيجب فيه التوقف بإثبات صدقيته فحسب.

يعني إيه؟

خبر يقول: أن صلاح الدين أعدم 100 ألف مصري في الدلتا

هنا يجب التوقف فقط في إثبات صحة الخبر وليس تحليله، يعني مش مطلوب رأيك في صلاح الدين أصلا، إنت مطالب فقط كمؤرخ وباحث عن الحقيقة في التحري عن صدقيته، وبالتالي أمامك إحدى الطريقتين:

الأولى: دراسة كتب المؤرخين المعاصرين لصلاح الدين في القرن السادس الهجري، فإذا قالت هذه الكتب أن الخبر صحيح فهو صحيح، وتزداد ثقة الخبر كلما نقل المؤرخ مصطلحات وقرائن تدل على (شهادته) للحدث شهادة محسوسة، يعني رأي أو سمعه مباشرة أو من شهود عيان، وتقل ثقة الخبر كلما اعتمد على النقل حدثنا فلان وعلان..لأنه هنا هايستعمل الطريقة الثانية.

الطريقة الثانية: الاعتماد على آراء واستنتاجات مؤرخين وباحثين بعد موت صلاح الدين، يعني مؤرخ مثلا في القرن السابع الهجري..هذا لم يشهد صلاح الدين ، لكن كلامه ينسخ كلام الأولين ويُصادر شهاداتهم حتى لو محسوسة.

طب أيهما تستحق أن تكون (طريقة علمية)

بكل وضوح هي الطريقة الأولى، وهي المعتمدة من كافة شعوب العالم عدا المسلمين الذين يأخذون بالطريقة الثانية، فالمسلم يصدق كلام السيوطي عن صلاح الدين رغم أن بينهما 300 عام، لكن يكذب رأي ابن الأثير رغم إنه كان معاصر لصلاح الدين، بينما العلم يضع رأي السيوطي جانبا ويثبت رأي ابن الأثير كرأي الشاهد والسامع..بل وصل الأمر أن صدق المسلمون رأي المخرج يوسف جاهين وفيلمه في الخمسينات وضرب بروايات ابن الأثير عرض الحائط.

رأي السيوطي يصح الاستشهاد به فقط (كمُحلّل ومفكر) لا كمؤرخ، يعني تقول رأيك في رواية ثابتة ، لا أن تخترع أنت هذه الرواية أو تضع نفسك قيّما عليها

طب لماذا الطريقة الثانية ليست علمية؟

لأنها تتعامل مع التاريخ (كفتوى) وليست (كخبر) يعني المؤرخ يظن أن خبر مقتل 100 ألف مصري على يد صلاح الدين فيه إساءة للرجل فيتعصب له وينفيه، أو يراه تشريعا بالقتل لشخصية شهيرة لها سمعة طيبة، فيقوم بنفي الخبر أو تجاهله خشية أن ينعكس سلبا على مجتمعه، وهنا يتم (تزييف) التاريخ حسب آراء الفقهاء..والعرب دونا عن العالم أجمع شهد تاريخهم أكبر حملة تزييف في الكون جعلتهم في ذيل العالم يُضرب بهم المثل في كل صور الانحطاط.

معلومة: العرب اخترعوا ما يُسمى.."بعلم الرجال"..كي يرسخوا طريقتهم في نقل التاريخ – الطريقة الثانية-، يعني يقيسوا صدق الأخبار برأي فلان في علان..شئ مقزز جدا أن يكتب التاريخ برأي واحد لم يسمع ولم يرى ولم يكتب أيضا..مسرحية شاهد ماشفش حاجة تتحقق بالحرف على أرض الواقع.

مثلا اعتبر المسلمون بصدقية حد الردة وقتل الملايين من البشر بمجرد (رأي البخاري في عكرمة) هذا حدث فعلا..لا تستغرب، فحديث .."من بدل دينه فاقتلوه"..نقله البخاري منسوبا لعكرمة مرفوعا، وبالتالي أحل المسلمون دماء الناس بمجرد فتوى أو رأي إمام من أئمتهم.

علم الرجال في الحقيقة هو علم مزيف غير حقيقي ولا يعتد به في التوثيق التاريخي، لأن عمدة التاريخ علميا في مسألة (التدوين) فإذا انعدم التدوين لا تاريخ إذن، ويجري بحث التاريخ وتقييم فلسفته حسب طرق الباحثين، وفي الأخير تبقى النتيجة رأي شخصي ما دام انعدم التدوين .

أما علم الرجال هذا فعمدته .."الجرح والتعديل"..أي إطلاق حكم علمي وأخلاقي على رواة ماتوا منذ عشرات السنين ، وهذا شئ مستحيل التثبت منه خصوصا في العصور القديمة التي انعدمت فيها الوسائل التقنية، علاوة على أن الأخلاق مفهوم غير موضوعي، أي تابع لثقافة الشخص نفسه وكيفية رؤيته للأمور..يعني مفهوم نسبي في الأخير والاعتداد به في توثيق الرجال لا معنى له، لأنه في النهاية هايكون رأي فلان في علان ليس إلا.

 
اجمالي القراءات 9119

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 8,081,336
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 410
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt