مركز استطلاع بصيرة المشبوه
ظهر هذا المركز في حقبة المجلس العسكري ولكن على استحياء يمثله شخص واحد هو د. ماجد عثمان وزير الاتصالات السابق في حكومة عصام شرف ، والهدف من ظهوره في هذا التوقيت هو ربط استطلاعاته الشخصية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة الوزراء أيامها، أي كان عمله في الاستطلاع حكومي بحت مما ينفي عنه صفة الحيادية..
بعد استقالته غاب عن المشهد وعاد مرة أخرى أوائل عام 2013، ونشط جدا منذ هذا التوقيت حتى اكتمل المركز وأصبح له مجموعة (محترفة) أو كما يُقال متخصصين في الاستطلاعات، ودعم موقعه بمقالات وأبحاث في طبيعة ووسائل الاستطلاع، وبحكم موقعه كوزير سابق للاتصالات استعان بمجموعة (موالية للدولة) وظهر توجهها في الحشد لثورة يونيو باستطلاعات موجهة، وبعد الثورة على نفس النمط..وبعد نجاح المشير السيسي في انتخابات رئاسة الجمهورية ظل توجه مركزه كما هو..ونشط في صناعة (الرمز) بحكم توجه الشارع المصري أيامها..
لكن بمرور الوقت ظهر المركز وانكشف بمجموعة استطلاعات حمقاء لا تدل على احترافية بل على توجيه متعمد للرأي العام..وإليكم هذه الأمثلة ولتتخيلوا معي حجم التضليل الذي مارسه المركز في نص السؤال وفحواه:
قال: هل توافق على آداء الرئيس السيسي؟..فجاءت النتيجة مرة 92% ومرة 82% ومرة 79% بنسبة أغلبية عظمى لا يمتلكها أعظم رؤساء العالم شعبية..
ولتبيان زيف السؤال نتخيل السؤال كالتالي:
هل توافق على رفع الدعم؟
أو..هل ترى أن الحكومة تجامل الأغنياء على حساب الفقراء؟
بحكم السؤال وطبيعته ستكون النتيجة بنفس نسبة تأييد السيسي المعلنة، أي سيحكم غالبية المصريين (بنعم أو موافق) تبعاً لشعورهم بالفقر والتمييز ، أو ربما تفوق النسبة لتُصبح 99% من المصريين يرفضون رفع الدعم عنهم أو يرون حكومتهم تمارس إقصاءً اجتماعيا وسياسيا لشريحة كبيرة من المجتمع..وربما تكون هذه الشريحة أغلبية..أو أغلبية عظمى..
حماقة استطلاعات بصيرة أنها جاءت في توقيت يتصاعد فيه الغضب الشعبي من ظاهرتي ارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية، وكلاهما يؤثران على المواطن بشكل مباشر..أي لا حكمة مطلقا في نتيجة يتعارض ظاهرها مع مصالح الناس، والإنسان منا مهما كان يحب الآخر إلا أنه يكرهه إذا مس مصالحه، فلو افترضنا أن نسبة 90% تعشق السيسي وتدوب في هواه ..إلا أن هذه النسبة ستنخفض بشكل بدهي إذا مس السيسي مصالح تلك النسبة، وهذا ما لم يفطن له أعضاء هذا المركز المشبوه..الذي في تقديري يمارس دوراً توجيهيا وتضليلاً متعمداً للشعب..كما أن هذا التوجيه والتضليل يرضي القيادة العسكرية ويشجعها على التمادي في الأخطاء وبخس حقوق الفقراء..أو تمييز الأغنياء عن الجميع بحيث لا يشارك الغني في سد عجز الموازنة أو الديون..بل يتحمل هذه الأشياء الفقراء والبسطاء بشكل كامل..
الدكتور ماجد عثمان –رئيس المركز- شعر بالحرج من استطلاعه الأخير بشأن شعبية وآداء السيسي فخرج بتصريحات قال فيها أن 50% من المشاركين رفضوا الإدلاء بأصواتهم، وأن هذه النسبة 92% هي لمن شارك بشكل عملي ووافق على الإدلاء بصوته، وبالتالي يكون قد خرج من المأزق من ناحية..وناحية أخرى يكون قد أقر مبدأ الانتخابات بأن تكون نسبة النجاح من عدد المصوتين وليس من الإجمالي، وهو تبرير لا يحرج الرئيس..لكن يرفع الحرج عن بصيرة..
أكثر ما يثير التساؤل حول هذا المركز المشبوه أنه خرج في أجواء (صراعات) بدأت مع المجلس العسكري، ونشط بعد الإعلان الدستوري لمحمد مرسي، والصراع والمؤامرة –في تقديري- قرينان بحيث يدور عمل المركز حول (فكرة المؤامرة) على الشعب المصري، وبالتالي يكون عمل استطلاع بصيرة هو (صد أو مقاومة) تلك المؤامرة والقيام بواجب وطني، وهو تبرير يقنع القائمين على المركز من الناحية الأخلاقية..حتى لو كانت أسئلتهم موجهة أو غير احترافية..
وهذا يعني أن د. ماجد عثمان وشركاه أقروا مبدأ الأيدلوجيا والأفكار المسبقة في تعاملهم مع الرأي العام، وقد أثر ذلك على أسئلتهم بحيث خرجت في منتهى البلاهة والاستحقار لجماهير الشعب التي تئن من وطأة الغلاء والفقر المستشري في البلاد، ولماذا نذهب بعيدا وقد فهمنا أن ما يحركهم في تلك الاستطلاعات المشبوهة هو (الخوف على الوطن) وهو نفس المحرك الذي دفع جماهير السلف قديما لوضع الأحاديث بنوايا حسنة..ظنا منهم أنهم بذلك يخدمون الدين فأفسدوا من حيث أرادوا الإصلاح..
سيقول قائل: وما الذي يضيرك أن يخدع مركز بصيرة رئاسة الجمهورية أو النظام بأكمله..إذا كنت تعد نفسك من المعارضين..هذا سيكون في صالحك بحيث يخطئ السيسي التقدير وتطيش قراراته فيعود الشعب إليك..
قلت: مصر لا تمتلك رفاهية الخطأ..هذه دولة مواردها قليلة والشعب مغروس من رأسه لأخمص قدميه في الجهل والفساد، وخطأ السيسي لا يمكن تداركه على الأقل في هذا الجيل..وتعود الدولة والمجتمع المصري عشرات الأعوام إلى الخلف..إن لم يكن مئات..وحرصي على التصويب أن يفطن النظام لأخطائه فيقوم على إصلاحها..لا أن يخدعه استطلاع بصيرة ويسير في نفس الطريق الخاطئ ظنا منه أنه مصيب..بينما كل مؤشرات الاقتصاد المحلية والدولية تحذر من (كارثية) الوضع الاقتصادي..والنقد على أشده لتقاعس النظام عن الإصلاح ورفضه للديمقراطية وتشريعه نظام (الحزب الواحد) بل (الشخص الواحد)..
صحيح توجد شعبية للسيسي وهي لن تقل بحال عن نسبة مؤيدي الدولة 20: 30 % إضافة لمحبي الزعامة والضعفاء الذين تأثروا بإرهاب الرجل وتخويفه إياهم من الإخوان وداعش..أي في تقديري لا تقل شعبية السيسي عن 40: 50% لكن كما قلت هذه الشعبية مهددة وتتناقص باستمرار بسبب سوء الإدارة والفقر الشائع في البلاد..علاوة على ضعف تواصل الحكومة مع الرأي العام..واستسلام النظام للإشاعات وعدم مواجهته ما يقال ويُثار بجرأة..وهذا يخصم من رصيده الجماهيري..مبدأ عدم الشفافية هذا أكبر مؤثر على شعبية الأنظمة، ويدفعهم إما إلى الخطأ والتمادي- كما يفعل السيسي الآن- وإما حدوث ضغط اجتماعي داخلي أو سياسي خارجي يُجبران النظام بالانصياع لمطالب الإصلاح..
مركز بصيرة مطالب ليس فقط بالنظر إلى أسئلته بل إلى وضعه..وسمعة د. ماجد عثمان كوزير سابق طبيعي أن يؤيد الدولة وسياساتها، وطبيعي أن يؤثر ذلك على دوافعه ووسائله في استطلاع الرأي العام..
كذلك مطالب بالفصل بين تحويل السؤال (لمادة جدلية) كما يفعل الآن، وبين توجيه السؤال مباشرة (لمصلحة المواطن) وهنا الفارق الذي سيتبين من خلاله تفاهة أسئلة بصيرة وخروجها عن جادة الاستطلاع الحيادي إلى توجيه متعمد وحشد للرأي العام
ولتوضيح ذلك
فسؤال: هل توافق على أداء السيسي يضع (السيسي وآداءه) كمادة جدلية نظرية بالأساس، تختلف الصور حولها ولا تمس حياة الناس بشئ، فمنهم من يحبه لشخصه فيقول نعم بعيدا عن الآداء، ومنهم من يكرهه لشخصه فيقول لا أيضاً بعيدا عن الآداء، وبالتالي يكون بصيرة (شخصن) السؤال ولم يستطلع بجدية، ويقيني أنه لو توافرت الحيادية الكاملة في السؤال (المشخصن) ربما تنقلب النسبة –المعلنة-للعكس..كذلك عدم إدراك بصيرة (جهل وأمية المجتمع) بحيث يصبح السؤال: كم من هذه النسبة التي صوتت تفهم في السياسة أو الاقتصاد؟..كم من هذه النسبة تدرك الوضعين السياسي والاقتصادي للدولة؟..وهذا يعني أن السؤال قد يصح في مجتمعات أكثر تقدما وعلما من المجتمع المصري..
أما السؤال عن (المصلحة) هو الذي يجب أن يكون، وهو صميم عمل مراكز الاستطلاع، فعمل الرئيس وأداءه يمس مصالح الناس بشكل مباشر، وبدلا من اللف والدوران حول (شخص الرئيس وآداءه) نسأل المواطن مباشرة..هل تشعر بتحسن في أحوالك المادية والمعيشية؟..أو..هل تمارس حقوقك السياسية بشكل يرضيك؟..أو..هل تشعر بالظلم والغبن الاجتماعي؟..وإذا شعرت لمن تحمل هذا الظلم هل لمؤسسة الرئاسة أم للحكومة؟..وبالتالي نكون قد وضعنا أيدينا على الجُرح وهو (مصلحة المواطن) بدلا من الدخول في تفريعات وأسئلة مهترئة لا تعبر عن ثقافة أو قليل من فهم نفسية الشعوب..
إن ما يقوم به بصيرة ليس أقل مما يقوم به (شيخ السلطة المنافق) أو (المسئول الفاسد) أو (الموظف المرتشي) الذين بوجودهم تنحط المجتمعات ويشيع الظلم والفساد..ويصبح الفقر ملازماً لتلك الأمة التي عمل مثقفوها –المفترضون- على تضليل الرأي العام وحشد الدهماء لأغراض سياسية، كذلك بتبعية هذا المركز لوزير سابق يطعن فورا في أهليته (كحَكَم ناجح) أو (قاضي نزيه) وربما الكثير لا يعلمون وظيفة رئيس المركز السابقة التي وإن عرفت وعُرِف أعضاءه ووسائلهم لرأينا مركزاً أبعد ما يكون عن العلم والاحترافية، وأقرب ما يكون للنفاق والفوضوية..وعليه يحق لنا أن نصف بصيرة بالمركز المشبوه..ليس فقط للدور الذي يقوم به في تشريع الظلم وتضليل الناس..بل لتدخله في أبسط حقوق المواطن..وهو حقه في التعبير عن نفسه وما يعانيه من إقصاء وتهميش على كل المستويات.
اجمالي القراءات
6253