الإسلام دين الله وليس شريعة النبي محمد
إن اللبس والخلط الذي يتخبط فيه معظم الناس بين معاني كلمات القرآن الكريم لا يخرج صاحبه عن شخص من اثنين، إما أن يكون من اللذين يلبسون الحق بالباطل عن عمد، كالذين يبذلون قصارى جهدهم في تشويه كتاب الله باللغو فيه وتشويه آياته وأحكامه وكلماته، عن عمد وجهل وسفاهة، وإما أن يكون شخص لم يتدبر كتاب الله حق تدبره، أو انطلق في فهمه لكتاب الله من رواسب كتب التراث التي لازالت تقبع في نفسه ولم يتخلص منها بعد، وبين هذا وذاك تضيع الحقائق، وتنقلب المفاهيم، فيلتبس على الناس دينهم.
إن اللغو واللبس بين دلالة مصطلحات القرآن الكريم، قد جعل الناس في لبس من دينهم، وأصبح أكثر الناس من أتباع الرسالات الإلهية لا يفرقون بين الإسلام لله وهو الدين الذي لا يتغير ولا يتبدل، وبين الشرائع والأحكام والنسك والشعائر، وقد أدى ذلك إلى أن رجال الكهنوت أصبحوا يدينوا لله بالشريعة والأحكام، وليس بالإسلام لله وحده، والحنف عن الشرك به سبحانه، وبدلا من أن يدعوا الناس إلى الدين القيم الإسلام لله، والحنف عن الشرك به، أصبحوا يدعون الناس إلى الشرائع والأحكام والشعائر والنسك، وقلوبهم خاوية من الإيمان بالله وحده، فامتلأت عقولهم بالشرك والوثنية، كعبادة الطواغيت والشيطان والأهواء، والأحبار والرهبان من رجال الدين.
فنرى مثلا رجال الكهنوت الإسلامي في الفضائيات وغيرها يدعون الناس إلى شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، المتمثلة في جملة الأحكام ومحتويات الشريعة والشعائر والنسك، مع ما أضافوه من اختلاقات وظن وشريعة وقول على الله بلا علم، ونبذوا دين الله وراء ظهورهم، ظنا منهم أن الأحكام ومحتويات الشريعة وجملة الشعائر والنسك هي الدين، وسلكوا بذلك مسلك أهل الكتاب من اليهود والنصارى، حين نبذوا دين الله ورائهم ظهريا، وأخذوا يدعون الناس إلى اليهودية والنصرانية المتمثلتين في جملة الشرائع والأحكام والشعائر والنسك الدينية التي أوحى الله بها إلى موسى وعيسى، مع ما اختلقوه من دين وشرائع وأحكام ما أنزل الله بها من سلطان، فضلوا وأضلوا، ولذلك قال تعالى عنهم: (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (135- البقرة). فأخبر القرآن أن أهل الكتاب كانوا يدعون الناس إلى اليهودية والنصرانية، ولم يدعوهم إلى الإسلام لله وحده وإخلاص الدين له والحنف عن الشرك به سبحانه، وكذلك فعل رجال الكهنوت من المسلمين، دعوا الناس إلى الأحكام والشريعة، ولم يدعوهم إلى الإسلام لله وحده وإخلاص الدين له والحنف عن الشرك به سبحانه.
ومن هنا سوف يكون موضوع هذا البحث حول بيان بعض المصطلحات التي كثيرا ما يلتبس على الناس معانيها وحقيقتها. ومن أهم المصطلحات الواردة في القرآن الكريم والتي ينبغي على الإنسان إدراك حقائقها هي: (الدين، الحكمة، الشريعة، الحكم والجزاء، الملة)، فكل اسم من هذه الأسماء له دلالة خاصة في القرآن الكريم، لا ينبغي الخلط بينها.
إن المتدبر لكتاب الله والباحث على دلالة المصطلحات سالفة الذكر يتبين أن كلمة (الدين) هي اسم جامع لعدة موضوعات، هي: (الحكمة، الشريعة، الحكم والجزاء، الملة)، وكل منها دين أيضا، حيث أن كل موضوع من هذه الموضوعات له مادته المستقلة والمختلفة في موضوعها، فالحكمة دين، والملة دين، والشريعة دين، والحكم والجزاء دين، وكل منها موضوع مختلف في مادته، إلا أنها جميعها وردت في القرآن الكريم تحت مسمى الدين، ويجمعها جميعا كلمة الدين، ونفصل ذلك على النحو التالي:
# الدين الاسم العام الشامل لموضوعات الرسالة:
الدين، جنس يدل على الانقياد والخضوع، والدين في كتاب الله، سواء كان دينا حقا أو دينا باطلا، يدل على عدة موضوعات، هي: الحكمة، الشريعة، والحكم والجزاء، و الملة، ويعد كل منها موضوع من موضوعات الدين العام الشامل الوارد في الرسالة الإلهية، ويختلف كل موضوع منها عن الموضوع الآخر، في مادته، واستمراريته، فالحكمة ليس موضوعها كموضوع الملة، والملة ليس موضوعها كموضوع الشريعة، والشريعة ليس موضوعها كموضوع الحكم والجزاء، والحكم والجزاء، ليس من موضوعه كل من الحكمة والملة والشريعة. هذا من جانب المادة الموضوعية لكل موضوع منها، أم من جانب الاستمرار، فالشريعة متغيرة من رسالة لأخرى ومن رسول أو نبي لأخر، وكذلك الحكم والجزاء، فهو متغير من رسالة لأخرى ومن نبي أو رسول لآخر، أما الملة والحكمة فهما موضوعا الدين الوحيدان اللذان لم يتغيرا في أية رسالة، ولم يغيرهما الله في أية رسالة من رسالات الأنبياء والرسل على الإطلاق، وذلك منذ آدم وإلى أخر الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ونفصل ما سبق في النقاط التالية :
· الدين اسم جامع شامل للموضوعات الواردة في الرسالة الإلهية، ومن هذه الموضوعات التالي:
1 – الحكمة.
2 – الشريعة.
3 – الحكم والجزاء.
4 – الملة.
إن موضوعات الدين الواحد العام الشامل الوارد في الرسالة الإلهية تختلف في أمرين، هما:
الأول : الاختلاف من حيث المادة الموضوعية، بمعنى أن موضوع الحكمة يختلف عن موضوع الملة، وموضوع الملة يختلف عن موضوع الشريعة، وعن موضوع الحكم والجزاء، فلكل منها مادة موضوعية مختلفة عن الأخرى.
الثاني: الاختلاف من حيث الاستمرار، فالملة والحكمة موضوعهما واحد دائم منذ آدم وإلى محمد عليه الصلاة، لم تتغير مادتهما ولم تتبدلا، فهما دين دائم في رسائل جميع الأنبياء والمرسلين، لأن الملة فطرة خلقها الله وفطر الناس عليها، ولا يمكن أن يبدلها الله، أو يغيرها قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). (30- الروم). وقال تعالى: (وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ). (52- النحل). وكلمة (واصبا) من الفعل (وَصَبَ) الذي يدل على دوام واستمرار، ومنه قول الله تعالى: (وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ). (9- الصافات)، أي دائم مستمر. أما الشريعة، والحكم والجزاء، فيختلفان ويتغيران من نبي لآخر ومن رسول لآخر. قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا). (48- المائدة).
# موضوع الحكمة :
الحكمة كما سبق الحديث عنها في مقال: (أنواع الرسالات الإلهية)، حيث قلنا: إن الحكمة هي: جملة من القيم والمبادئ الأخلاقية السلوكية سواء المأمور بها أو المنهي عنها، والتي تنهى الإنسان عن اقتراف السلوكيات السيئة وعدم الاقتراب منها، وتحضه على السلوكيات والقيم الإنسانية والأخلاقية السامية، وقد ذكر الله جملة من الحكمة في بعض آيات من سورة الإسراء، الآيات: (23: 39) ثم ختم تلك الآيات بقوله: (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة)، ونذكر بعضا منها على النحو التالي: (النهي عن عبادة غير الله، بر الوالدين، الصدقة على ذوي القربى والمساكين وابن السبيل، النهي عن التبذير، القول الطيب والميسور للناس، النهي عن البخل والإسراف، النهي عن قتل الأولاد خشية الفقر، النهي عن الزنا، وقتل النفس، حرمة مال اليتيم، الوفاء بالعهد، وفاء الكيل والميزان، عدم تتبع ما لا علم لنا به، النهي عن المرح والتكبر في الأرض، النهي عن دعوة غير الله).
هذه القيم والمبادئ الخلقية لا تتبدل ولا تتغير من رسالة لأخرى، ولا من رسول لأخر، بل هي قيم ثابتة دائمة في كل رسالات الله، منذ آدم وإلى آخر الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام، وهناك الكثير غير ما ذكرنا من مفردات الحكمة في مواضع متعددة من القرآن الكريم.
# موضوع الشريعة :
أما الشريعة فهي موضوع من موضوعات الدين العام الوارد في الرسالة الإلهية، والشريعة ليست الحكمة، وليست الملة، وليست الحكم والجزاء، وإنما هي جملة من الأوامر والوصايا، ولقد سمى الله تشريع الأوامر والوصايا ونسبتها إلى الله (دين)، سواء كانت شريعة لله حقا، أو شريعة مزعومة في نسبتها لله، إذن، فالشريعة في كتاب الله هي: جملة من الوصايا والأوامر التي شرعها الله ووصى وأمر بها، قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (21- الشورى). وسمى الله الأمر شريعة فقال: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ). (18- الجاثية). وسمى الله الوصايا شرع ودين فقال: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ). (13– الشورى). والوصية في هذه الآية التي وصى الله بها جميع الأنبياء والمرسلين هي: إقامة الدين وعدم التفرق فيه.
والشريعة مختلفة من نبي لنبي، ومن رسالة لرسالة، وهي ليست من الحكمة، وأيضا ليست من الملة التي لا تتغير ولا تتبدل في جميع الرسالات الإلهية، والتي هي الإسلام لله وحده والحنف عن الشرك به، أما الشريعة فهي متغيرة ومتبدلة من رسول لرسول ومن رسالة لرسالة، ويدل على ذلك قول الله: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا). (48- المائدة).
# موضوع الحكم والجزاء :
أما الحكم والجزاء فهو موضوع من موضوعات الدين العام وليس من الشريعة، وليس من الحكمة، وأيضا ليس من الملة التي هي الإسلام لله وحده والحنف عن الشرك به، وقد سمى الله جملة الأحكام والجزاءات التي يتم الفصل بها بين الناس ومجازاتهم، سماها دين، فكل حكم ومجازاة تم نسبتها إلى الله فهي دين، سواء كانت من الله حقا، أو تم نسبتها إلى الله زورا وكذبا، ويدل على ذلك أن الله قد سمى يوم القيامة بيوم الدين، أي يوم الحكم بين الناس ومجازاتهم، قال تعالى:
(مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). (4- الفاتحة).
(وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ* هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ). (20، 21- الصافات).
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ* يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ). (17: 19- الانفطار).
وقد سمى الله أحكام أهل مصر ومجازاتهم للسارق في زمن يوسف عليه السلام، سماها دين، قال تعالى:
(كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ). (76– يوسف).
أي ما كان ليوسف أن يأخذ أخاه بحكم وجزاء الملك، وإنما أخذه بحكم وجزاء شريعة إبراهيم ويعقوب عليهما السلام، حيث قد أمر يوسف عليه السلام بوضع السقاية في رحل أخيه، ثم أمر أعوانه أن ينادوا عليهم ويقولوا لهم إنكم لسارقون، ثم سألهم أعوان يوسف عليه السلام، ما جزاء السارق الذي نجد السقاية في رحله؟، فأجاب أخوة يوسف وقالوا: (جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) أي بمثل هذا الجزاء نجزي الظالم السارق، وهذا هو النص الكامل لتلك القصة كما جاءت في سورة يوسف، قال تعالى:
(فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ* قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ* قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ* قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ* قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ* قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ* فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ). (70: 76- يوسف)
# موضوع الملة :
ينبغي أولا أن نفرق بين دلالات الكلمات التالية: الملة، الإملاء، والملأ، فكل منها تدل على فعل مغاير للأخرى وذلك على النحو التالي:
* الملة: من الفعل (مَلَيَ) بمعنى الفعل الممتد في زمان طويل، ويدل على ذلك ما جاء في كتاب الله حكاية عن قول أبي إبراهيم لإبراهيم: (واهجرني مليا). (46- مريم)، فقد طلب منه فعل الهجر الممتد في زمان طويل. والملة كذلك، فعل ممتد في زمان طويل.
* الإملاء: من الفعل (مَلَوَ) وهو إمداد بشيء في طول زمان أو غيره، ومنه إملاء الكتاب قال تعالى: (فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ). (282- البقرة). ومنه إملاء الله للظالمين، بطول العمر والسعة ورغد العيش والمال والبنون، وإملاء الشيطان للمرتدين، بطول الأمل والغرور والوعود الكاذبة، قال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى
لَهُمْ). (25- محمد).
(وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ* وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ). (182، 183- الأعراف).
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ). (32- الرعد).
وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ). (48- الحج).
(أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ* نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ). (55، 56- المؤمنون).
* الملأ: من الفعل (مَلَأَ) الذي يدل على المساواة والكمال في الشيء، أي امتلاء الشي بما يساوي كماله وقدره، ومنه (الملأ) أي الجماعة من الناس الذين ملئوا سلطانا أو شرفا أو قدرا بين الناس، ومنه أيضا امتلاء جهنم بالكافرين والظالمين، قال تعالى:
(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). (119- هود).
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ). (30- ق).
(يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ). (43- يوسف).
(قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ). (29- النمل).
(لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ). (8- الصافات).
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ). (246- البقرة).
(قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ). (88- الأعراف).
# الملة الحق في كتاب الله :
أما الملة في كتاب الله، هي: التوجه الممتد في طول زمان بالألوهية لإله ما، وإخلاص العبودية بخضوع كامل له، سواء كان ذلك الإله، الله الحق سبحانه، أو أي إله آخر من الحجر أو الشجر أو البشر أو غيرها، والملة الحق هي: ملة إبراهيم، وهي تتكون من أمرين، الأول: الإسلام لله وحده، والثاني: الحنف، أي الميل عن الشرك به سبحانه آلهة أخرى، وسمى الله الأمرين معا، بملة إبراهيم وبالدين القيم، إذن الملة الحق هي: ملة إبراهيم، وهي: الدين القيم، وهي: الإسلام لله وحده، والحنف بالميل عن الشرك به سبحانه، فالإسلام لله وحده لا يكفي، بل لابد معه من الحنف أي الميل عن الشرك به سبحانه، قال تعالى:
(وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ). (130، 131- البقرة).
(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ). (161: 163- الأنعام).
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). (5- البينة).
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً). (125- النساء).
(وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (105- يونس)
(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ* أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ). (2، 3- الزمر).
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ* وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ* قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ* قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي). (11: 14- الزمر).
# الملل الباطلة :
أما الملة الباطلة، فقد سماها الله دينا أيضا، وسماها ملة، وهي التي يتوجه فيها الناس بالعبودية والخضوع لآلهة مزعومة مخلوقة، وقد دلت على ذلك الآيات التالية: قال تعالى:
(إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ). (37- يوسف).
(مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ). (7- ص).
(وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم). (120- البقرة).
(لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا). (88- الأعراف).
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ). (13- إبراهيم).
(إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا). (20- الكهف).
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ). (171- النساء).
(وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ). (24- آل عمران).
(وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ). (73- آل عمران).
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ). (77- المائدة).
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). (33- التوبة).
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ). (26- غافر).
(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). (6- الكافرون).
إذن، ومن كل ما سبق نخلص بأن موضوع الملة ليست له أية علاقة بالتشريعات أو الأحكام الدينية الأخرى، لأن موضوع الملة يختلف عن موضوعات الدين الأخرى، ونخلص مما سبق بأن الملة هي فعل التوجه بالعبودية الخالصة لإله بخضوع تام، مع الدوام في طول زمن، وملة إبراهيم هي الدين القيم، الإسلام لله رب العالمين وحده، والحنف (الميل) عن الشرك به بآلهة أخرى.
# الإسلام دين الله وليس شريعة محمد عليه الصلاة والسلام :
يظن الكثير من المسلمين خطئا، أن شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، من أحكام وأوامر ونواهي وحكمة ونسك وعبادات، هي الإسلام، وأن من يعمل بتلك الأحكام وتلك الأوامر والنواهي، هو المسلم. كلا، فالإتيان بالأحكام والتشريعات والنسك والشعائر العملية، من دون وثوق وتصديق القلب بالله وحده، وحنف عن الشرك به، هو إتيان بإسلام ظاهر، خال من إيمان بالله وحده، أما حقيقة الإسلام فهي: الإيمان الذي يدل على وثوق وتصديق خالص بالله وحده يقوم بقلب الإنسان أولاً، ثم تتبعه أفعال الجسد فيما بعد، ويدل على ذلك ما جاء في كتاب الله، قال تعالى:
(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ* قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). (14: 17- الحجرات).
(وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ). (17- يوسف)
(وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ). (73- آل عمران).
إذن، فالإسلام بإتيان الشرائع من دون وثوق وتصديق بالقلب، ليس هو الدين الخالص الإسلام لله رب العالمين. ونزيد الأمر بيانا وتفصيلا فنقول: إن الإيمان بالله وحده والحنف عن الشرك به سبحانه، هو الإسلام، الدين القيم، ملة إبراهيم، فما من أحد آمن بالله وحده وحنف عن الشرك به، فهو المسلم لله، حتى وإن لم يعلم بشريعة من شرائع الله، أو لم تبلغه رسالة من رسالات الله، ودليل ذلك أن كل من آمن بالله وحده وحنف عن الشرك به، مع رسوله محمد في بدء الدعوة بمكة قبل نزول الشريعة والأحكام والنسك والعبادات، ثم مات، فهو مسلم مؤمن بالله وإن لم يدرك الأمر بالصلاة والنسك والأحكام والشريعة، ولذلك كثيرا ما يخطأ الناس في فهم الآية التالية والتي يقول الله فيها :
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا). (3– المائدة).
فكثيرا ما يظن الناس خطئا أن دين الإسلام هو جملة التشريعات والأحكام والشعائر والنسك الواردة في رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، كلا، فالدين الذي أكمله الله في نهاية حياة الرسول محمد بقوله: (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) هو جملة التشريعات والأحكام والمحرمات والشعائر والنسك، وهذه ليست الإسلام، إنما هي الدين والشريعة والحكم، أما الإسلام فهو ملة إبراهيم وهو الدين القيم وهو الإسلام لله وحده والحنف عن الشرك به، وهو دين كل الأنبياء والمرسلين، ودين كل من في السماوات ومن في الأرض ممن آمنوا به، وهو الذي رضيه الله للمسلمين بقوله: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا). فالدين الذي أكمله الله، غير الإسلام الذي ارتضاه لنا دينا، فتدبر.
إذن، نقول إن أي أحد من الناس في أي بقعة من الأرض آمن بفطرته بالله وحده خالق الكون، وحنف عن شرك به سبحانه، ولم تبلغه شريعة رسول من الرسل أو نبي من الأنبياء، فهو مسلم لله رب العالمين، أو بلغته شريعة رسول أو نبي ولم يتبينها لعدم قدرته على تلاوتها (قراءتها) فخفيت عليه حقائقها، أو لاختلاف لسانه عن اللسان الذي جاءت به الشريعة، فهو أيضا مسلم لله سبحانه. فالإسلام لله رب العالمين ليس ماركة مسجلة يحملها فقط من اتبع رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، كلا، الإسلام لله رب العالمين قد يدين به أي شخص في أي مكان من العالم، حتى وإن لم يسمع برسالات الأنبياء والمرسلين، أو لم تبلغه شرائعهم، أما من بلغته الشريعة فعليه أن ينظر فيها أولا، فإن بانت له حقائقها واطمأنت نفسه إليها فعليه الإيمان بها واتباعها من دون بطء، أما من أسلم لله رب العالمين وبلغته شرائع الأنبياء والرسل ولم يتبين حقائقها، ولم يستطع تعقلها أو الاطمئنان إليها، فهو مسلم لله رب العالمين، وسريرته لا يعلم صدقها وإخلاصها إلى الله، فأمره وحسابه على الله وحده، قال تعالى:
(وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). (115- التوبة).
وذلك لأن الإسلام لله رب العالمين فطرة فطر الله الناس عليها، قال تعالى:
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). (30- الروم).
# دين الإسلام :
كما سبق وأن قلت أن دين الإسلام ليس قاصرا على أمة المسلمين، وليس قاصرا على رسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما هو دين كل المخلوقات الواعية في السماوات والأرض ممن آمن به، وليس حكرا على أمة بعينها ولا رسول أو نبي بعينه، هذا هو الدين الواصب الواحد الذي عند الله، وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهو الدين الذي لا يقبل الله دينا غيره من أحد من المخلوقات العاقلة في السماوات أو في الأرض، منذ بدء الخليقة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو الدين الذي لا إكراه فيه لأحد على الإيمان به، وهذا الدين ليس دين محمد عليه الصلاة والسلام وحده، وليس حكرا على المسلمين وحدهم، وإنما هو دين كل الأنبياء والمرسلين، وهو دين كل من اهتدى إليه بنظره ورشده وفكره، في أي مكان من العالم، حتى وإن لم تبلغه رسالة من رسالات الأنبياء والرسل.
وأقدم للقارئ طائفة من النصوص القرآنية، والتي تدل على أن دين الله الإسلام: هو دين كل عاقل في السماوات والأرض، ودين جميع الأنبياء والرسل، ودين كل من آمن بالله وحده وحنف عن شرك به، حتى وإن لم تبلغه رسالات الأنبياء والرسل، قال تعالى:
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). (30- الروم).
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ). (83- آل عمران).
(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ). (19- آل عمران).
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ). (85- آل عمران).
(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (265- البقرة).
# الإسلام دين كل الأنبياء والمرسلين :
أخبر الله عن نوح قوله لقومه :
(فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ). (72- يونس).
وقال عن إبراهيم :
(مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (67- آل عمران).
(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). (132- البقرة).
وعن عيسى بن مريم وحوارييه :
(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). (52- آل عمران).
وعن أهل الكتاب الذين عاصروا الرسول محمد :
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ* وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ). (52، 53- القصص).
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). (64- آل عمران).
وأخبر عن سحرة فرعون الذين آمنوا مع موسى، قولهم لفرعون:
(وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ). (126- الأعراف).
وعن يوسف بن يعقوب:
(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ). (101- يوسف).
وعن سليمان عليه السلام :
(فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ). (42- النمل).
وعن لوط والذين آمنوا معه :
(فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ). (35، 36- الذاريات).
وعن الجن قولهم :
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا* وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا). (14، 15- الجن)
# لماذا إبراهيم وملة إبراهيم؟؟ :
قد يسأل سائل ويقول: لماذا إبراهيم؟ ولماذا نسب الله الملة لإبراهيم؟ ولماذا أمر جميع من جاءوا بعده من الأنبياء والرسل والناس بأن يتبعوا ملة إبراهيم؟؟.
أقول: لأن إبراهيم قد اختاره الله إماما للناس، إماما للناس المتواجدين في تلك المنطقة من العالم في ذلك الزمان، وإماما للناس من ذريته من الأنبياء والرسل وللذين سيؤمنوا بالله معهم من بعده، قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا). (124- البقرة). فلم يكن اختيار الله إبراهيم لإمامة الناس، إلا لأن الله قد ابتلاه بكلمات أوحى بها إليه فأتمهن بلاغا وتصديقا وعملا وإخلاصا وإسلاما لله، وأيضا لم يبتليه الله بكلماته إلا بعد أن توصل إبراهيم عليه السلام إلى الدين القيم، الإسلام لله وحده والحنف عن الشرك به، وذلك بفطرته ونظره وعقله قبل أن يوحي الله إليه، قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ). (51- الأنبياء)، فلذلك جعله الله إماما للناس، حيث قد آمن بالله وحده واعتنق دين الله وأخلص له الدين وحنف عن الشرك به سبحانه، وذلك بعد طول نظر وتفكر وحيرة وسير في الأرض بحثا عن الحقيقة، قال تعالى:
(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ* فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ* فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ* فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ* إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (75: 79- الأنعام).
فلم يجعل الله لإبراهيم دينا خاصا به وإنما هو دين الله الذي اهتدى إليه إبراهيم قبل أن يأتيه وحي أو رسالة، فاستحق أن يختاره الله إماما للناس، وعلما لهم، واستحق أن يضاف اسمه إلى الدين القيم، وتنسب الملة له، وذلك بعد طول بحث ونظر وتحير، حتى اهتدى إلى الله بفطرته وعقله، فوفاه الله أجره في الدنيا بأن نسب الملة إليه، وأمر الناس في تلك المنطقة من العالم، أن يتبعوا ملته ويسلكوا طريقه ويسيروا على نهجه، ولذلك قال تعالى:
(قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (95- آل عمران).
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً). (125- النساء).
(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (161- الأنعام).
(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ). (38- يوسف).
(ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (123- النحل).
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ) (78- الحج).
(وللحديث بقية)
اجمالي القراءات
25645
واتمنى ان يطلع عليه اكبر عدد من القراء.
احمد حسان