الأزهر واضطهاد المسيحيين في مصر
أمس وبعد صلاة الجمعة خرج المئات من الغوغاء في محافظة بني سويف في مصر يعتدون على منازل الأٌقباط بعد شائعة تحويل أحد المنازل إلى كنيسة، والمثير أن ذلك حدث بعد صلاة الجمعة..أي كان للمسجد وخطيب الجمعة دور في ما حدث..إما إيجابي بالتحريض المباشر وإما سلبي بالتقصير في نشر قيم التسامح..
ليس أول اعتداء ففي الأشهر الأخيرة زاد معدل الجريمة الطائفية ضد المسيحيين بشكل مخيف، أشهرها ما حدث في قرية الكرم مركز أبو قرقاص بالمنيا، وبعدها توسعت تلك الاعتداءات لتشمل مراكز وقرى أخرى بالمحافظة أشهرها قرية .."طهنا الجبل"..
عندما خرج السيسي بدعوته لتجديد الخطاب الديني كنت من أوائل من شكك في صدقية دعوته ، وحذرت أن القادم لمصر أخطر، لأنه لا رابط بين التجديد الذي يدعيه وبين تمكين رجال الدين الأزاهرة من حياة المصريين، ومرت الأيام وثبتت صحة الرؤية وأضفت إليها أنه لا رابط بين التجديد وبين تعظيم السعودية وسلفيتها الوهابية في الإعلام ، لا رابط بين التجديد وبين الاصطفاف المذهبي مع المملكة، وقلت بالحرف أن المعنيين بالتجديد هم (رجال الثقافة) وليس (رجال الدين) ولن يحدث ذلك إلا بالحرية وإشاعة قيم الرأي والرأي الآخر..والتفاعل بين المصريين في القضايا المنظورة، بينما الدولة في عهد السيسي تسجن المفكرين والناقدين وأصبحت القوانين سيئة السمعة –كقانون ازدراء الأديان- هو السلاح الذي يقتل كل مجدد وصاحب رأي..بينما الحكومة تكتفي بالأقوال لا الأفعال..وكلما تحدثت كلما زاد الأمر سوء..
والغريب أن يخرج مسئول أزهري يطالب المسيحيين بتغليب مصلحة الوطن، وكأن المطلوب من الضحية أن يصمت ويكتم صرخاته كي لا تُزعج الرئيس والأزهر، وكأن ما يحدث هو (فتنة طائفية) بين طرفين مسلحين غاب الحق عنها ولم يُعرف بالضبط من الفاعل..
إن غاية ما يحدث للأقباط في مصر ليس أقل من (الإرهاب) الذي تتعرض له الدولة، فحسب التعريف الدارج للإرهاب هو .."العنف من طرف واحد بغرض فرض الرأي وإشاعة الخوف والذعر"..وهذا بالضبط ما يحدث للمسيحيين في مصر، فلم نرَ مسيحيا يمنع مسلما من الصلاه أو يهدم مسجد أو يقوم الغوغاء المسيحيون بتعرية وسحل عجوز مسلمة، وهذا يعني أن تصريح المسئول الأزهري يندرج تحت مفهوم.."التدليس والتلبيس"..بغرض إيهام العامة أن ما يحدث خطأ مشترك من المسلمين والمسيحيين معا، وقد أثار ذلك حنق المسيحيين في صفحات التواصل الاجتماعي وصبوا جام غضبهم على الأزهر والدولة..واتهموا السيسي شخصيا بالتسبب فيما يحدث لهم من جرائم متعمدة..
وأنا أسأل هؤلاء الأقباط..ماذا تنتظروا من دولة تعاقب من يدافع عنكم وتُثيب من يُكفركم ويمنع حتى الترحم على موتاكم؟!..ماذا تنتظروا من دولة تحارب طائفياً لأول مرة في تاريخها القديم والحديث؟..ماذا تنتظروا من دولة وصل بها الضعف والوهن لأن تبيع أرضها للأجانب..بل وتطعن على قرار مصرية هذه الأرض في المحاكم؟..ماذا تنتظروا من دولة عاجزة عن وقف تدهور الاقتصاد بينما قادتها متفرغين فقط لشراء الأسلحة؟...ماذا تنتظروا من دولة عاجزة عن تنفيذ أحكام الإعدام في حق قيادات الإخوان؟..ماذا تنتظروا من دولة عاجزة عن محاسبة أي مسئول عن الجرائم الطائفية في حقكم؟..بل وتستعين بالجلسات العرفية في مهزلة لو سمع بها محمد علي باشا الكبير لهبّ قائماً من مرقده يلعن من أوصله لحكم هذه الأرض..!
أقول ذلك لشعوري بأن مصيركم هو مصير هذه الدولة، فمسيحيو مصر هم عمادها، بكم يأتي التوازن وقوة النسيج الاجتماعي، من غيركم لا تعددية ولا تسامح ولا أي اختلاف فكري عقائدي، ويحكم مصر من هو ألعن من البغدادي، وسيلتهم المصريون أنفسهم حتى يقضوا على آخر طفل لا ذنب له إلا أنه ولد في هذه الأرض الحزينة..
إن أي انفجار طائفي أو تهجير جماعي ومجازر مليونية لها مقدمات، ومقدمات ذلك تحدث الآن في مصر بطريقة ممنهجة، ولا مسئول أو غير مسئول قادر على وقف هذه المهزلة التي تهدد الدولة ووحدة ترابها..بل ويستهين البعض بمنتهى السذاجة بما يحدث..على طريقة.."زوبعة في فنجان"..أو.."حدث فردي"..أو.."عيال وغلطوا"..وكأن من قام بالاعتداء على منازل الأقباط في الفشن ليسوا راشدين..بل خرجوا من مسجد يفترض بهم أن يكونوا في قمة الروحانية والتعايش..لا العدوانية والقتل..!
يامسئولي الأزهر: من الذي حرق الكنائس وهجّر الأسر المسيحية؟.. من الذي سحل عجوز المنيا؟..ومن الذي رشق بيوت الأقباط بالحجارة؟..من الذي يحرض على المسيحيين في ميكروفونات المساجد؟..ماذا فعلتم في إطار تجديد الخطاب الديني؟..هل غيرتم نظرتكم للمسيحيين؟..هل أقلعتم عن اعتقاد الفرقة الناجية البذئ؟..هل آمنتم بكذب البخاري ومسلم الذين أمروكم باضطرار المسيحي لأضيق الطرق؟!..ما الحل الأمثل لمواجهة هذه الجرائم بعيدا عن الجلسات العرفية التي لا تصلح فقط لمجتمع الصومال فما بالك بمجتمع مصر المتعدد والأكثر انفتاحا؟!
إن ضمائركم-لو كانت حية-تفرض عليكم الاعتراف بأن أقباط مصر مهددون ومظلومون ، لا أن تشاركوا في حفلة الهجوم عليهم باسم الوحدة الوطنية أو تغليب مصلحة الدولة، ولن ألقي عليكم أي مسئولية لعلمي المسبق أنكم أضعف حتى من إصلاح أنفسكم لا إصلاح مجتمع ضخم ومتنوع كمصر، وما أنتم إلا مجرد ترس في منظومة سلطوية فاسدة تتكرر منذ فجر التاريخ..
اجمالي القراءات
6362