تحويل حياة ابن خلدون الي عمل درامي

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-10-09


كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

  القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون   

الفصل الرابع :   كان إبن خلدون في مصر، فهل كانت مصر في إبن خلـدون ؟

المزيد مثل هذا المقال :

تحويل حياة ابن خلدون الي عمل درامي :

 مقدمة :

1-              حين اخرج يوسف شاهين فيلما عن ابن رشد وجه ضربة لتاريخ ابن رشد الحقيقي ،وان كان ذلك في صالح هدفه في مواجهة الارهاب ،ولكن تبقي المشكلة الأساسية ،وهي ان الدرما قد تجور علي احداث التاريخ وتنشئ احداثا وشخصيات مزيفة وثقافة مغايرة حين تنقل الي السينما او التليفزيون حياة شخصية تاريخية أو فترة زمنية .

2-       والعلاج لذلك هو تقديم الدراما التاريخية بيد المتخصصين في التاريخ ،وهم الذين يعرفون خفاياه وزواياه ،ونوادره وعجائبه ،وهنا يتقلص دور الأختراع أو التزييف في وقائع التاريخ وشخصياته ، حيث ان غرائب الوقائع التاريخية المجهولة تفوق خيال أي قصاص وهنا أيضا يتجلي ابداع المؤلف ليس في التزييف ولكن في ربط الأحداث التاريخية وخلق عمل درامي من خلالها ،ويكون في حد ذاته تفسيرا منطقيا ويقترب من ان يكون علميا- للوقائع والشخصيات .

3-       والتطبيق العملي لهذه الدراما التاريخية الواقعية والمتخصصة هو فكرة هذا العمل عن حياة العلامة العربي ابن خلدون فى مصر،والمستوحاة من كتاب صدر لنا عن حياته ،وفيه تحليل لعقليته ولمقدمته الرائعة .وقد صدر الكتاب ( مقدمة ابن خلدون : دراسة تحليلية تاريخية أصولية ) عن مركز ابن خلدون ودار الأمين للنشر عام 1988 .

 الفكرة الأساس في دراما حياة ابن خلدون :

1-       حياة ابن خلدون في حد ذاتها دراما حية ،حيث عاش حياته حتي سن الخمسين في صراعات مستمرة من تونس الي المغرب الي الأندلس ثم الي الجزائر الي المغرب الي الأندلس ثم الي الجزائر ثم الي تونس ،وفي النهاية هرب الي مصر ،حيث لازمه الصراع مع الفقهاء والقضاة وان كان خافتا حوالي 24 سنة ،وهذه الدراما الخلدونية لا تخلو من شجن عاطفي ،حيث كان ارتباطه قويا بزوجته ،التي لازمته في حله وترحاله ،واضطر احيانا لتركها تحت رحمة خصومه ،واستغل خصومه ذلك في منع اسرته من اللحاق به ،الي ان جاء الي مصر واسترحم السلطان برقوق فبعث رسولا الي السلطان التونسي ابي العباس ،فأرسل زوجة ابن خلدون واولاده ،وبعد ان وصلوا الي الأسكندرية تغرق بهم السفينة ،فماتت الزوجة والبنات ونجا ولدان له ،وبعدها وقع في غرام سيدة مصرية في أواخر عمره وتزوجها فثارت حوله الأقاويل ،بالأضافه الي إدمانه في نهاية حياته في مصر الاستماع الي الغواني ،وكلها تضيف الي الدراما العاطفية والانسانية وتتشابك مع صراعاته الفقهية في تلك الفترة المجهولة في حياته في مصر بعد ان كتب مقدمته الشهيرة .

2-       ومع انه من السهل الاكتفاء بحياة ابن خلدون الدرامية ،الا ان البحث التاريخي المتعمق في حياته استطاع اظهار علاقات خفية تربط بين احداث حياة ابن خلدون في مصر وبين شخصية تاريخية مجهولة حتي الآن وان كانت مشهورة في عصرها ،وهي شخصية الشاب سعد الدين ابراهيم بن عبد الرزاق بن غراب السكندري ،اذ ان هناك صلة تبدو بين سطور الأحداث قد تثير النقاش حين تصدر في بحث تاريخي علمي ،ولكنها تكون اكثر ابهارا واقناعا  حين تقوم الدراما بإظهارها وتجليتها ،مع التوثيق باليوم والشهر والعام .

3-       ونعطي فكرة عن تلك الشخصية الموازية لأبن خلدون وعلاقتهما السرية ،من خلال ما كتبه اثنان من اعظم مؤرخي مصر في العصور الوسطي وهما المقريزي ،وابن حجر العسقلاني ،وقد عاشا معا هذه السنوات مع ابن خلدون وسعد الدين ابراهيم ،واتفقا معا في ايراد تاريخهما في (السلوك )و(الخطط) للمقريزي ،وفي (انباء الغمر )و (الدرر الكامنة) لابن حجر .

فكرة تاريخية عن سعد الدين ابراهيم بن عبد الرزاق ( المشهور بابن غراب ) وعلاقته بابن خلدون:

1 ـ اسلم جده غراب، وتولي نظر الاسكندرية أو الولاية عليها .وهو منصب مدنى.

وكان (محمود بن علي بن اصفر عينه ) يعمل تحت امرته شادا علي باب رشيد في الاسكندرية.

وحدث سنة 767 ان اغار الفرنج بزعامة القبرصي علي الاسكندرية واستباحها اسبوعا ،وذلك في غفلة من حاكمها العسكري ابن عرام ،وبعد انتهاء الغارة كانت التضحية (بالناظر غراب) اذ اتهموه بالخيانة ،ووسطوه    أي قطعوه نصفين أي جعلوه كبش فداء بدلا من الحاكم العسكرى المملوكى.

وفي نفس الوقت استطاع( محمود بن علي بن اصفر عينه) اثناء تلك الغارات ان يسرق الأموال والذهب وهرب الي القاهرة .

وبعدها بحين تبين براءة الناظر غراب ،وتولي ابنه عبد الرزاق نفس وظيفة ابيه ،نظر الاسكندرية او الولاية عليها .

وفي نفس الوقت علا  فى القاهرة شأن (محمود بن علي بن اصفر عينه) في ابتداء سلطنة برقوق بسبب ما معه من أموال ، واستطاع (بالبذل والبرطلة ) أى الرشوة أن يصبح استادرا للسلطان واصبح لقبه جمال الدين محمود الاستادار . وهو صاحب واحدة من أجمل الخانقاوات المقامة فى العصر المملوكى ، ولا تزال شاهدا على فن المعمار المملوكى حتى الآن . وقليلون من الباحثين فى العصر المملوكى من يعرف أن جمال الدين الاستادار المشهور ليس إلاّ ( محمود بن على بن أصفر عينه ) الخائن لسيده وولى نعمته غراب الضحية المظلوم فى محنة الاسكندرية عندما غزاها القبرصى.

2 ـ ويبدو أن خيال سيده المظلوم (غراب ) الذى قطعوه نصفين كان يؤرق جمال الدين اتلاستادار ، فهو الذى وشي بسيده القديم غراب واتهمه ظلما ، لذا فقد جاء الي الاسكندرية ليكفر عن ذنبه ،وهكذا يحدثنا المقريزي وابن حجر عن قدوم جمال الدين محمود الي الاسكندرية ليأخذ حفيد غراب ،وهو الصبي سعد الدين ابراهيم بعد موت ابيه عبد الرزاق لكي يعلمه ويربيه لديه في القاهرة ،وكان ذلك سنة 784 .

3 ـ وهونفس التوقيت الذي وصل فيه ابن خلدون أي في شوال، والمنتظر عند وصول ابن خلدون للاسكندرية ان يعمل علي تهيئة نفسه للحج الا انه كما قال في تاريخه اجّل موضوع الحج وسفره الي القاهرة ،و الواضح هنا ان ابن خلدون التقي بجمال الدين محمود وعرف صلته بالسلطان وكيف يصل للسلطان عن طريقه ،وبذلك نفسر ذلك اللقاء السريع الغير متوقع الذي تم بين ابن خلدون والسلطان برقوق في القاهرة ،وعن طريق الأمير الطنبغا الجوباني صديق جمال الدين محمود ،وكيف اعطي برقوق لابن خلدون المرتبات والجرايات وعينه مدرسا في الأزهر ثم في المدرسة القمحية ، ثم جعله قاضيا للقضاة المالكية ،وتوسط برقوق لاحضار اسرة ابن خلدون له من تونس وارسل لذلك سفينة خاصة بمبعوث خاص .

4 ـ وفي هذه الفترة (764 هـ 787هـ )ما بين وصول ابن خلدون الي عزله من القضاء في فترته الأولي كان الصبي سعد الدين ابراهيم يتعلم ويتفقه لدي استاذه (جمال الدين بن محمود بن اصفر عينه )او جمال الدين الاستادار ،ولكن الصبى الصغير كان قد رضع من اسرته ان ولي نعمته هذا هو سبب نكبة جده غراب . فعاش على أمل الانتقام منه . وهذا ما حدث فعلا.

5 ـ ونفهم بين سطور التاريخ ان جمال الدين الاستدادار استعان بصديقه ابن خلدون في تثقيف ذلك الصبي المولود في سنة 778 هـ وان ابن خلدون بدهائه ومقدرته علي التآمر وفن ادارة الصراع قد استخدم ذلك الصبي العبقري في نقل كل اخبار جمال الاستادار اليه ،وعمل علي توجيه الصبى الذكى واعداده ليصل الي اكبر المناصب ليصل عن طريقه ابن خلدون الي ما كان عليه من نفوذ سياسي في الدول التي اسهم في ادارتها قبل مجيئه الي مصر.

6 ـ وكان المناخ فى الدولة المملوكية مناسبا للتآمر ، بل كانت مصر والشام ميدانا للصراع على الحكم . فقد ثار( منطاش)( ويلبغا )وعزلوا برقوق من الحكم ونفوه الي الشام ،وبعد عدة حروب عاد برقوق ليحكم في سلطنته الثانية .

واستمرت فترة عزل برقوق فيما بين 791 : 792 وبسبب علاقته الوثيقة بالسلطان المعزول برقوق فإنه في هذه الفتره تعرض جمال الدين الاستادار الي الاعتقال والمصادرة واخذوا منه (58 ) قنطارا من الذهب.

7 ـ وفي نفس الوقت  تعاون  ابن خلدون مع منطاش ويلبغا، وافتي بكفر برقوق مع معظم القضاة ، لذا كان موقفه حرجا حين عاد برقوق الي الحكم وأخذ ينتقم ممن تخلي عنه في محنته ، ولكن الغريب أن إستطاع ابن خلدون ان ينجو من انتقام برقوق ، مع ان  العلاقات بينه وبين جمال الدين الاستادار أصبحت بالغة السوء ،ومن الطبيعي ان يزداد نفوذ جمال الدين الاستادار بعودة سيده السلطان برقوق  ،خصوصا وقد كان الاستادار ضمن مظاليم منطاش ويلبغا ومن المسجونين في القلعة بسبب علاقاته ببرقوق .

8 ـ وترتفع علامة استفهام : لماذا انتقم السلطان برقوق من كل من تخلى عنه وانضم للثائرين عليه ، وترك ابن خلدون ؟ وابن خلدون هو أسير لنعمة برقوق ، ولكنه سرعان ما انفض عنه فى محنته وانضم للأميرين الثائرين منطاش ويلبغا .

وهنا تعطينا الدراما التفسير لما حدث بعد عودة برقوق للحكم ، اذ ان من المنتظر ان يستخدم ابن خلدون سلاحه السري ضد جمال الدين الاستادار الذي اخذ نفوذه في الاتساع في وقت كان فيه برقوق يتتبع كل خصومه بالقتل والمحاكمات . وكان السلاح السري لابن خلدون هو الشاب سعد الدين ابراهيم (ابن غراب )  الذي يعمل كاتبا لدي جمال الدين الاستادار وكاتم سره ويتمتع بثقته والذي يحمل ( فى نفس الوقت ) حقدا هائلا علي سيده جمال الدين.

9 ـ ومن هنا نفهم ما وراء الاحداث التي تتابعت منذ 797 هـ وكان ابن غراب وقتها في التاسعة عشرة من عمره ،ولكنه تصرف بذكاء شديد ليوقع بسيده جمال الدين الاستادار وفق خطة مرسومة لا يمكن الا ان تكون من وضع وتخطيط ابن خلدون .

اذ كان المنافس الأكبر للاستادار جمال الدين محمود هو الأمير علاء الدين بن الطبلاوي والي القاهرة، ونشأ تحالف سري بين الشاب سعد الدين ابراهيم وابن الطبلاوي، وأوصله ابن الطبلاوى الي السلطان برقوق، وكشف سعد الدين للسلطان عن سرقات الاستادار وكنوزه ، وبدأ السلطان برقوق يستصفي اموال جمال الدين الاستادار تحت التعذيب ،وفى نهاية الامر اجرى مواجهة بين سعد الدين ابراهيم وجمال الدين الاستادار ،وكشف فيها سعد الدين ابراهيم كل الحقائق مما جعل السلطان يصدر قرارا باعدام جمال الدين، الي ان مات تحت التعذيب سنة 799 وتم انتقام سعد الدين لجده غراب.

 وقد استفاد سعد الدين ابراهيم اكثر من ذلك بتعيينه ناظرا للديوان المفرد فى 11صفر سنة 798 وهواقل من عشرين عاما، ثم اضيف له بواسطة  ابن الطبلاوى وظيفة ناطر الخاص وهى الاملاك الخاصة بالسلطان وذلك فى 15 ذى القعدة سنة 798ثم اضيف له نظر الجيوش فى 6ذى القعدة سنة 800 " فاظهر العفة والحشمة "كما يقولون ،ومات برقوق فى شوال سنة 801وقد جعله ضمن اوصيائه على السلطان الصغير الناصر فرج بن برقوق .

10 ـ ولكن طموح (ابن غراب : سعد الدين ابراهيم ) لم يتوقف بالقضاء على سيده السابق وعدوه جمال الدين الاستادار ، ولم تكفه كل المناصب التى حصل عليها  بازالة سيده جمال الدين الاستادر، إذ بقى أمامه حليفه علاء الدين بن الطبلاوى الذى اصبح اكبر رجل مصرى مدنى فى الدولة المملوكية بعد القضاء على جمال الدين الاستادار ، وكان لا بد من التآمر عليه ليحتل مكانه . وكان معه استاذه ابن خلدون يرسم له الخطط . وهكذا قام سعد الدين ابراهيم (ابن غراب ) بتنفيذ خطه ماكره استطاع بها بالتحالف مع الامير يشبك الشعبانى القضاء على ابن الطبلاوى واخيه سنة 800وتولى مناصبه .

11 ـ ويلاحظ أنه فى فترة ظهور نفوذ الشاب سعد الدين ابراهيم نرى ابن خلدون وقد رجع للقضاء بعد ان ظل معزولا لمدة 15عاما وكانت تلك مكافأة سعد الدين ابن غراب  لاستاذه ابن خلدون . وظل ابن خلدون فى القضاء بعد موت برقوق ، وتولى ابنه الصبى الناصر الى ان تم عزله بمؤامرة شارك فيها جلال الدين الدميرى الذى كاد ان يوقع محنه بابن خلدون فى محرم 803 بعد عزله مباشرة عن القضاء، وفى ذلك الوقت كان سعد الدين يجتاز فترة من الصراعات على القمة فى تحالفه مع امراء المماليك الشبان (يشبك الشعبانى )ضد الامراء الكبار ( أيتمش وتنم )ولكن انتقم سعد الدين ابراهيم لاستاذه ابن خلدون ،ذلك ان ابن خلدون وسعد الدين صحبا الجيش المملوكى الذى توجه للقاء تيمور لنك واجرى ابن خلدون معه محادثات باسم السلطان الناصر فرج، الذى كان على رأس الجيش ، وكان ضمن الجيش قاضى القضاه المالكى جلال الدين الدميرى خصم ابن خلدون ،وقد عاد الجيش وتاخر ابن خلدون فى العوده ،واثناء عودة الجيش مات جلال الدين الدميرى ميتة غامضه ،وعاد سعد الدين مع الجيش بدون قاضى القضاه المالكي وعين الاقفهسى مكانه ،ثم ما لبث ان عزل وعاد ابن خلدون للقضاءفى 23رمضان 803.

وهكذا كان ابن خلدون يلى القضاء مع علو نفوذ تلميذه سعد الدين ابن غراب  ، ويعزل عنه بتاثير خصوم سعد الدين ابن غراب .

12 ـ ووصل نفوذ سعد الدين ابراهيم (ابن غراب ) الى الذروة حين اقنع السلطان الناصر فرج ابن برقوق بالهرب والاختباء واخفاه فى بيته كى يتخلص من خصومه ، وقام سعد الدين باجلاس عبد العزيز بن برقوق على الحكم وسيطر على الدوله ، ثم بعد سبعين يوما عزل عبد العزيزواعاد الناصر فرج،وتلك ظاهرة لم تتكرر فى التاريخ المصرى بطوله ، او كما يقول المقريزى (اقام دولة ثم ازال دولة ،ثم اقام ما ازال وازال ما اقام من غير حاجة او ضرورة الجأته الى ذلك ، وانه لو شاء اخذ الملك لنفسه). ومن الصعب أن نصدق أن شابا مصريا مهما بلغت عبقريته يصل الى هذه الحنكة فى فنّ التآمر. والتفسير المقبول هووجود ابن خلدون من وراء ستار يحرّك الأحداث ويوجهها.

ومن الطبيعى أن يستفيد ابن خلدون من نفوذه .فى هذه الفتره تولى ابن خلدون القضاء فى 16 رمضان .

13 ـ وبعد ان علا نفوذ سعد الدين ابراهيم (ابن غراب ) الى الذروه مات فجأة فى 26رمضان808   ،بعد ان كاد يتولي السلطنة بنفسه كما تشير بعض مصادر التاريخ.

14 ـ بعد كل هذا الا ينبغى للدراما ان تبحث هذا الموضوع ؟!

وهل يمكن لشاب مصري ان يتمتع بكل هذه العبقرية السياسية ويكون منسيا من التاريخ ضائعا بين السطور ؟

اللهم اذا كان سلاحا في يد ابن خلدون الذي اراد ان يستخدم ذلك الشاب في تحقيق ما عجز عنه ابن خلدون نفسه فيما بين الاندلس وشمال افريقيا ،حين صنع عروشا وتخلي عنه اصحابها .كما اراد ان يستخدمه ايضا في تحقيق نظريته عن العصبية التي شرحها في المقدمة والتاريخ في سبعة اجزاء قبل ان يأتي الي مصر ،ثم عاش في مصر حوالي ربع قرن الي ان مات دون ان يكتب جديدا يضيفه الى مقدمته ، مما يدل علي انه انشغل بشئ اهم وهو تنصيب شاب مصري سلطانا بدل السلاطين المماليك ليؤكد صحة نظريته السياسية عن ( العصبية ) وليحقق أمله السياسى الذى عجز عن تحقيقه فى شمال أفريقيا والاندلس ،وكاد ان يفلح في ذلك بأن يجعل المصرى سعد الدين ابراهيم ( ابن غراب ) سلطانا . ،وقد اشار المؤرخون المقريزي وابن حجر والعيني ان سعد الدين ابراهيم بن غراب اوشك ان يكون سلطانا، وعندما فشل المشروع مات في نفس الشهر ميتة غامضة هو واستاذه ابن خلدون .

وهنا تفسر الدراما اهم حقيقة غامضة في تاريخ ابن خلدون في مصر ، وتُجلّى فترة غامضة من التاريخ المصرى المملوكى ، وتقدم صورة حية للمجتمع المصرى وقتها على مستوى القمة ( المماليك وكبار المسئولين والقضاة ) والشعب .

المعالجة الدرامية باختصار :

أ-من الممكن ان تكون الدراما سيناريو مسلسل من 30 حلقة يتوقف مع ابن خلدون وهو يكتب التاريخ والمقدمة في قلعة بني سلامة بالجزائر ويسترجع تقلبات حياته السابقة ثم قراره بالذهاب الي تونس كخطوة لهربه الي مصر وفيها الدراما العاطفية بعلاقته بزوجته واولاده اثناء تنقلاته وغربته عنهم . ثم يتتبع في الفترة مابين ( 748 803 ) صراعاته في مصر لاصلاح النظام القضائي وعلاقاته بجمال الدين الاستادار وسعد الدين ابراهيم وعلاقاته العاطفية ، وينتهى فى الفترة (803- 808 ) حيث مشاركته مع سعد الدين ابراهيم في محاولة الانقلاب علي الدولة المملوكية وتنفيذ نظرية ابن خلدون عن العصبية ،وموتهما في نفس الشهر ، وما تخلل ذلك من مؤامرات .

ب- تفصيلات المسلسل تتبع التطورات التاريخية لمصر منذ عهد السلطان الاشرف شعبان وهجوم الفرنجة والقبارصة علي الاسكندرية سنة 767 ،ويتتبع بشكل موازي تقلبات ابن خلدون السياسية في الشمال الافريقي والاندلسي ،والصراع مع فرنجة الأندلس الي ان أتي ابن خلدون لمصر فيتتبع علاقاته فيها وتحالفه السري مع سعد الدين ابراهيم الي نهاية حياتهما سنة 808 هـ ،.

ج ـ والأهمية القصوي ان كل مشهد موثق باليوم والشهر والعام ،وليس فيه اختراع او تزييف ، فالإبداع هنا في ربط الأحداث وتضفيرها لأظهار حقبة هامة من التاريخ المصري والعربي للمشاهدين علي اوسع نطاق .

د ـ هذه الدراما عن ابن خلدون جاهزة ( تقريبا ) ، تحتاج الى اللمسات الأخيرة ،وليس في ذلك مشكلةعلي الأطلاق .

ولكن المشكلة في تنفيذ عمل درامي حقيقي يعيش العصر بأحداثه وثقافته وعاداته وطريقته في الحديث والزي والتفكير ، ثم يقدم هذا العمل الدرامي اجابة عن سؤال علمي تاريخي هام .هو : لماذا عاش ابن خلدون في مصر الاربعة وعشرين عاما الأخيرة من حياته عازفا عن الكتابة ، والجواب أنه كان منشغلا بتحقيق هدف أعظم ، هو إقامة مصرى سلطانا على مصر بدلا من هؤلاء المماليك المجلوبين لمصر .  هذه الأجابة يقدمها هذا العمل الدرامي عن الوجه السياسي الآخر لابن خلدون وهو وجه غامض ،يمكن توضيحه أكثر بالعمل الدرامى الذى يعطى الباحث التاريخى حرية فى الانطلاق و استقراء الأحداث وتجلية الغامض منها بصورة أكثر مما يعطيه له منهج البحث التاريخى الصارم .

وذلك ما يطمع هذا العمل بتقديمه بصورة علمية وفنية وراقية .

نقول :- ان المشكلة تكمن في تنفيذ هذا العمل

لأن تحويل التراث الي دراما يتحكم فيه بعض مما لا يعرفون من حقائق التاريخ الا ما يحصلون عليه من خلال مؤلفات سطحية هامشية ،ويسدون هذا النقص بأختراع احداث وتزويرها ،وبدون فهم بأن لكل عصر لغته ومصطلحاته ،وازياءه وثقافته ..

المشكلة الحقيقية في تقديم عمل درامي يعيد الاحترام الي تراثنا كما يفعل الغرب مع تراثه مع ان تراثنا اثري واروع من تراث الغرب ..

فهل نجد من يتعاون معنا في هذه القضية .

نحن في الانتظار والله تعالي المستعان .

  د.احمد صبحي منصور   

ملاحظة

حقوق هذه المعالجة وهذا العمل محفوظة للمؤلف وورثته بعده .

وتمت كتابة هذه المعالجة عام 1999 ، وحاول المؤلف دون جدوى تسويقها فى مصر وقتها . وهذه محاولة أخرى .

والله جل وعلا هو المستعان .

9 اكتوبر 2015

اجمالي القراءات 8092

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   Mohammed Z     في   الجمعة ٠٩ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79240]

الحل!!


رائع للغاية أستاذنا الكريم، قد قمت بواجبك على أكمل وجه في تقديم نبذة غنية عن حياة ابن خلدون، وهنا تحديداً سأقول لك هنيئاً أنك لم تجد من ينفذ هذا العمل بعد، فلماذا؟!



الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي أراد أن يقدم للعالم أحد الشخصيات الليبية التي ناهضت الاستعمار والفاشية ، فأنفق عليه أكثر من 30 مليون دولار عام 1978 لكي ينتج الفيلم الأيقوني الملحمي الشهير (أسد الصحراء - عُمر المختار)، وأنا أعتبر أن هذا العمل هو من محاسن الرئيس القذافي، فغيره من أصحاب النفوذ والقدرة المالية "العرب" لم ولن ينفقوا أكثر من 1-3٪ من هذا المبلغ ليمولوا ولو حتى عملاً يقدم شخصية محمد النبي أو أي نبي أو عظيم آخر ليمولوا في المقابل شخصية مثل شخصية عُمر المختار!



وهذا قد يعطيك بعداً وفهماً لماذا إنتاجاتنا السينمائية والدرامية العربية متدنية أخلاقياً وقيمياً، لإنه ببساطة أصحاب النفوذ والأموال لا يمولون سوى الإسفاف والإنحطاط و "الهشك بشك" فقط لا غير، أما أن تأتي وتقول لهم فيلماً سينمائياً عن حياة إبن خلدون سيكلف كذا مليون دولار...عندها سيسمعوك صوت صفير الرياح..أو صوت التووت تووت الذي يلي إغلاق سماعة الهاتف بينما أنت مازلت تشرح لهم فكرتك الرائعة!!



وهذا تحديداً ما حدا بي إلى أن أتوجه لإخراج الأفلام الوثائقية، والتي اعتبرها هي المتبقية لدينا اليوم لنقدم من خلالها حقائقاً تاريخية صحيحة وكذلك قد تتضمن بعضاً من المعالجة الدرامية لبعض المحطات في حياة الشخصية المقام عليها هذا الوثائقي.



فإن كان هذا ما تتطلع إليه أستاذنا الكريم، فأنا على استعداد بتولي الإخراج والإنتاج الفني والمعالجة الدرامية...إن كان هناك من يمول هذا العمل بتكاليفه الغير باهظة ولكنها بالطبع لن تكون بخسة كذلك!



تحية سلام وبركة ورحمة عليك أستاذنا الكريم.



مُعِز الرماح.

Los Angeles, CA



2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الجمعة ٠٩ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79245]

آه .. يا زمن ..


قبل رسالتك هذه يا ابنى الحبيب ، وفى ليلة أمس بعد أن أنهيت هذا المقال شاهدت فيما وثائقيا أمريكيا عن ( سفر الخروج ) يحاول أن يتحقق من حدوثه . أذهلنى ما فيه من جهل وأخطاء ، وما تم الانفاق عليه من رحلات من أمريكا الى مصر واسرائيل ولقاءات مع متحدثين علمهم هزيل بالتاريخ المصرى الفرعونى ، وليست لديهم أدنى فكرة عن القرآن الكريم وما جاء فيه عن قصص يوسف وموسى وبنى اسرائيل . تنهدت وقلت آه يا زمن . وسأكتب مقالا فى هذا , وأهلا بك معنا ابنى الحبيب .

3   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   السبت ١٠ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79256]

أهلا من تانى ابنى الحبيب استاذ مُعزّ


وانتظر الاتصال بك . وايميلى هو 

mas5949@yahoo.com

4   تعليق بواسطة   Mohammed Z     في   الأحد ١١ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79260]

أهلاً ومرحباً بك أستاذنا الكريم..


تمام الشرف لي أستاذي الفاضل.



سأتواصل معك قريباً بإذن الله.





ممتن.



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,342,080
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,622
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي