عرض مقدمة ابن خلدون:الباب الثانى :( ف 14 : 29 ):العصبية والمُلك وهمجية العرب

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-09-01


 كتاب ( مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية  )

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

                                  تابع   البــــاب الثانــــــي    

المزيد مثل هذا المقال :

 في أساس علم العمران وبدايته في العمران البدوي والأمم الوحشية والقبائل                                     

                                           الفصل الرابع عشر

   البيت والشرف للموالي وأهل الاصطناع يكون بمواليهم الحكام وليس بأنسابهم

      الشرف بالأصالة والحقيقة لأهل العصبية ، فإذا اتخذ أهل العصبية أعوانا وموالى من الخارج بالإسترقاق أو بالحلف والتحموا بهم التحق أولئك بالعصبية ، كما جاء في الحديث " مولى القوم منهم " ويكون لهم شرف إلا أنه أقل من الشرف الأصلي للعصبية بالنسب . وهذا ما حدث للموالي في الدول مثل البرامكة والأتراك في دولة العباسيين ، فكان جعفر البرمكي أعظم الناس بيتا لانتسابه إلى ولاء الرشيد لا للفرس ، مع أن البرامكة كانوا ذوي نسب عظيم في الفرس ، إلا أن ذلك النسب الفارسي إضمحل وبرز مجدهم بالتحامهم بخدمة العباسيين بحكم كونهم موالى للخلفاء .

                                  الفصل الخامس عشر

                        نهاية الحسب في العقب الواحد " أربعة آباء "

الزوال هو قانون الوجود

     كل العالم المادي في جوهره وأحواله ينتهي دائما إلى الزوال ، ويسري ذلك على أحوال

" الإنسان من العلوم والصنائع والحسب والنسب " وكل حسب ونسب مصيره إلى الزوال إلا حسب النبي عليه السلام وشرفه .

لو دامت لغيرك ما وصلت إليك

     وقبل أن يحصل أحدهم على شرف فإن ذلك يعني خمول واندثار شرف سابق لآخرين ، ثم تأتي نهاية هذا الشرف الجديد في أربعة آباء .

       فالذي بني المجد عانى في البناء وحافظ عليه وعلى أخلاقياته ، ثم يأتي إبنه وقد عايش أباه وتأثر به إلا أنه لا يخلو من التقصير ، ثم يأتي الثالث ليقتصر على التقليد ، ويقلد الثاني ويقع في التقصير ، ثم يأتي الرابع  فيكون أكثر تقصيرا ويضيع الأخلاقيات التي قام عليها البناء ، بل يحتقرها ويتوهم أن ذلك البناء جاء سهلا كما ورثه سهلا ، وأنه أمر واجب لهم لمجرد النسب وبدون الحاجة إلى عصبية ومناصرة  وتأييد ، بسبب أنه نشأ وعاش بين ترحيب وإجلال بسبب نسبه وما ورثه ، ويجهل كيف حدث ذلك وما تكلفه جده من عناء في بنائه ، وهكذا يتربى على الغرور واحتقار من حوله معتقدا أنه واجب عليهم احتمال غروره واستكباره، فينفرون منه وينقلبون عليه ويسقط ملكه وبيته وشرفه . ويبدأ بيت جديد . يحدث هذا في الدول والقبائل والأمراء وأهل كل عصبية .

ملاحظة : ينطبق هذا على الأسرات العربية الحاكمة فى عصرنا ، من المحيط ( المغرب ) الى الخليج البترولى .

لماذا ينتهى الشرف بالجيل الرابع

     واشتراط الأربعة في الأحساب حسب الغالب ، وقد يتلاشى البيت دون الأربعة ، وقد يصمد إلى الخامس والسادس إلا أنه يستمر في الإنحطاط .

    واعتبار الأربعة ( الأول بان والثاني مباشر ، والثالث مقلد ، والرابع هادم ) هو أقل ما يمكن, وقد أخذ إبن خلدون ذلك من حديث " إنما الكريم إبن الكريم إبن الكريم إبن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم " وما جاء في التوراة من أن الله يأخذ الأبناء بذنوب الآباء على الثوالث والروابع وهذا يدل على أن الأربعة أعقاب غاية في الأنساب والأحساب .                                        

                                    الفصل السادس عشر

                  الأمم الوحشية أقدر على التغلب ممن سواها 

     أهل البداوة أكثر شجاعة وأقدر على هزيمة أهل الحضر ، فإذا عاشوا في الحضر زال عنهم إستبسالهم وبداوتهم ، ويسرى ذلك على الحيوان الوحشي إذا تم ترويضه وتدجينه كالبقر الوحشي والحمار الوحشي والإنسان المتوحش .

     ومن كان أعرق في البداوة والتوحش كان أقرب للتغلب على من سواه . وذلك شأن قبائل مضر البدوية مع قبائل ربيعة التي استوطنت أرياف العراق .

                                الفصل السابع عشر

                       الملك هو غاية العصبية وهدفها

معنى العصبية ومعنى الملك

     العصبية تكون بها النصرة والحماية ، والبشر في إجتماعهم يحتاجون إلى من يقوم بنصرة الضعيف ، أي حاكم ، فلابد للحاكم من عصبية تعينه على هذه المهمة ويتغلب بها على الناس، وهذا التغلب هو الملك بين الرئاسة والملك

    والملك أمر زائد على الرئاسة . فالرئاسة سؤدد وشرف والرئيس له أتباع إلا أنه ليس له سطوة على أتباعه . أما الملك فهو التغلب والحكم بالقهر . وصاحب العصبية والأتباع إذا وصل إلى منزلة طمع فيما فوقها ، فإذا وصل إلى الرئاسة تطلع إلى الملك ، ولا يستطيع ذلك إلا بعصبيته وقوته . وهكذا فالتغلب بالملك هو غاية العصبية وهدفها .

أثر العصبية في تكوين الملك والدولة

     وفي القبيلة الواحدة تتعدد العصبيات ، ويستلزم الأمر وجود عصبية أقوى تغلب الجميع وتلتحم بها كل العصبيات الأخرى ، وإلا وقع الإختلاف . فإذا اشتدت عصبية قبيلة تطلعت للسيطرة على قبيلة أخرى أو عصبية أخرى بعيدة فيحدث الإقتتال ، فإن غلبتها التحمت بها واتحدت ، وتضاعف طموحها وهكذا إلى أن تصل إلى قوة الدولة ، فإذا كان إلى جانبها دولة تجتاز مرحلة الشيخوخة إستولت عليها وأنشأت لها ملكا بهذه الدولة ، فإذا كانت الدولة قوية نجت من عدوان تلك القبيلة . أما إذا كانت الدولة في حالة متوسطة تحتاج إلى تلك القبيلة الفتية لتستعين بها في تدعيم أركانها تحولت تلك القبيلة وعصبيتها إلى نوع من الملك أقل من الملك المستبد ، كما حدث للترك مع الدولة العباسية، وصنهاجة وزناته مع ملك كتامة ، وبني حمدان مع العباسيين والفاطميين .

     وهكذا .. فالملك هو هدف العصبية وغايتها ، وإذا بلغت العصبية قوتها حازت الملك إما بالإستبداد أو بمناصرة الملك المستبد والعمل معه .

                                     الفصل الثامن عشر

                           الترف من عوائق الملك

      بقدر ما تتغلب العصبية يكون حصولها على النعمة ومشاركتها لأصحاب الثروة . وإذا كانت الدولة قوية واحتاجت لتلك العصبية والقبيلة في تدعيمها كانت مشاركة القبيلة وعصبتها في النعيم بقدر احتياج الدولة إلى تدعيم تلك القبيلة وعصبيتها . وصار إهتمام القبيلة وعصبيتها منصبا على التنعم والتشبه بأهل الملك  في الترف في الملبس والمأكل والمسكن والرياش . فلا تلبث أن تذهب خشونتهم وبسالتهم وتضعف عصبيتهم .ثم لا يلبث أبناؤهم أن ينشأوا على الترف وخدمة الآخرين لهم ، فتضمحل عصبيتهم وتذهب قوتهم وينتهون إلى الفناء ، فالترف من عوائق الملك .

                                     الفصل التاسع عشر

                من عوائق الملك حصول المذلة للقبيلة والإنقياد إلى سواهم

الذل عكس العصبية والقوة

     المذلة دليل على فقدان العصبية والقوة ، والعجز عن الدفاع عن النفس دليل على فقدان العصبية والقوة . كما حدث لبني إسرائيل حين عجزوا عن دخول الأرض المقدسة في عصر موسى . وذلك لأنهم تعودوا الخضوع الذليل للفراعنة . فعاقبهم الله بالتيه في الصحراء أربعين سنة حتى يفنى ذلك الجيل الذليل ويأتي جيل آخر لا يعرف الذل . مما يثبت أن الأربعين سنة أقل مدة يأتي فيها فناء جيل ونشأة جيل آخر .

دفع الضرائب والزراعة من علامات الذل

      ومما يوجب المذلة للقبيلة دفعها للضرائب والمغارم ، لأن في دفعها مذلة لا تحتملها النفوس الأبية ، ومنها العمل في الزراعة والحرث ، واستشهد بحديث ما دخلت هذه – أي  المحراث والحرث – دار قوم إلا دخلهم الذل . ويصحب القهر أخلاق المكر والخديعة لدى المقهورين.

القبيلة التي تدفع الضرائب لا يمكن أن يكون لها ملك أو إستقلال بل تكون تابعة

     وإذا رأيت قبيلة مثقلة بالضرائب والمغارم والذل فلن يكون لها ملك . وعلى ذلك أنكر إبن خلدون أن تكون قبيلة زناته بالمغرب قد دفعت الضرائب من قبل للملوك ،لأنه لو وقع منهم ذلك، ما استتب لهم ملك ولا قامت لهم دولة ، واستدل برفض شهر براز ملك الباب الزناتي أن يدفع جزية لعبد الرحمن بن ربيعة .

                                 الفصل العشرون

              من علامات المُلك التنافس في الخلال الحميدة وبالعكس

الملك شئ طبيعي للمجتمع

      الإنسان من طبعه الإجتماع ، والاجتماع يستلزم المُلك ، فالملك شئ طبيعي للإنسان ، والإنسان أقرب إلى الخير بفطرته لأن الشر يأتيه من نوازعه الحيوانية ، لذا كان المُلك للإنسان أقرب لأن خلال الخير فيه هي التي تناسب الخير والسياسة والملك ، لأن الملك هو المناسب للإنسان وليس الحيوان.

حاجة الملك والعصبية للأخلاق

     والمجد له أصل وهو العصبية والعشيرة ،وله فرع يكتمل به وهو الأخلاق الحميدة ، وإذا كان المُلك هدفا للعصبية فالملك أيضا هدف للأخلاق الحميدة . والملك بدون أخلاق كشخص مقطوع الأعضاء ، والعصبية بدون أخلاق تعتبر نقصا في أهل البيوت والأحساب .

    والسياسة والمُلك هما كفالة للخلق وخلافة لله في العباد لتنفيذ أحكامه فيهم ،  وأحكام الله إنما هي خير ورعاية للمصالح ، بينما تقوم أحكام البشر على الجهل والشيطان ،ويرى ابن خلدون أن الله تعالى فاعل للخير والشر معا إذ لا فاعل سواه ، ومن حصلت له العصبية والقوة مع أخلاق الخير لتنفيذ أحكام الله فقد تهيأ للخلافة وكفالة الخلق ، وأخلاق الخير شاهدة بوجود الملك لمن تمتع بوجود العصبية معه .

صفات الخير في الملك والخلافة

     وأخلاق الخير هي الكرم والعفو والإحتمال من غير القادر والصبر على المكاره والوفاء بالعهد وصون الأعراض وتعظيم الشريعة وإجلال علمائها وتنفيذ تعليماتهم ، والإعتقاد في الأولياء ، والإنقياد للحق ، وانصاف المستضعفين ، والتواضع للمسكين واستماع شكوى المستغيثين ، والتدين بالشرائع والعبادات والقيام عليها ، والتجافي عن الغدر والمكر والخديعة ونقض العهد .

الملك يدوم بالأخلاق الحميدة

     ومن تمتع بهذه الصفات فقد تخلق بخلق السياسة وتأهب للرئاسة ، فإذا كانت له عصبية فالمُلك أنسب المراتب له ، وقد تأذن الله له بالمُلك وساقه إليه ، ومن كان معه المُلك وارتكب الرذائل فقد تأذن الله  بانقراض مُلكه . واستشهد إبن خلدون بقوله تعالى " {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً : الإسراء 16} ومن صفات الخير التي يتنافس فيها أصحاب العصبيات وتؤهلهم للمُلك ، إكرام العلماء والصالحين والأشراف وأهل الإحسان والتجار والغرباء ، ومن الطبيعي أن يكرم أهل الحسب نظراءهم من العصبيات الأخرى ليعلو شأنهم .

                                     الفصل الحادى والعشرون

                       إذا كانت الأمة وحشية كان ملكها أوسع

    لأنهم أقدر على التغلب على غيرهم شأن الحيوان المفترس مع الحيونات الأليفة , ثم إنهم ليس لهم وطن يقيمون فيه , ولكن الأوطان لديهم سواء , فينتقلون من موطن لآخر وينتقلون إلى الأقاليم البعيدة ويتغلبون على الأمم النائية . ولذلك حث عمر العرب على فتح العراق فقال : إن الحجاز ليس لكم بدار .. وغزا التبابعة  وحمير من اليمن إلى المغرب وإلى العراق والهند وبذلك فعل الملثمون الذين انتقلوا من السودان إلى الأندلس من غير واسطة .

                                     الفصل الثاني والعشرون

              المُلك إذا ذهب عن بعض الشعوب ( العائلات ) من أمة فلابد

                   من عودته إلى شعب آخر منها ، ما دامت لهم العصبية

     إذا وصلت العصبية للمُلك قام به صاحب الملك  منشئ الدولة ، ثم لا يلبث آله أن ينغمسوا في الترف ويستعبدوا اخوانهم ، ويبقى الذين أبعدوهم عن المشاركة في الحكم في ظل عز الدولة التي يشاركونها بنسبهم  ، ولكن محتفظين بحيوتهم لابتعادهم عن الترف ، فإذا استهلك الترف القائمين على الملك كانت عصبية الآخرين لاتزال قوية  فيطمعون في الملك الذي أبعدوا عنه ، وهكذا يستولون على الأمر إلى أن يلحقهم الترف  ويرثهم غيرهم من نفس الأمة . حدث هذا مع عاد وثمود ، ثم مع حمير والتبابعة ، وفي داخل الفرس حتى انقراض آل ساسان وهكذا ، إلى أن يقع في العالم تبديل كبير مثل تحويل ملة أو ذهاب عمران فيقوم جيل بذلك التبديل ، كما وقع في البعثة المحمدية .

                                    

                               الفصل الثالث والعشرون

                        المغلوب مولع دائما بالإقتداء بالغالب في شعاره

                               وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده

     لأن النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها ، إما بسبب تعظيم الغالب أو لإعتقاد الكمال فيه ، لذا تنتحل مذاهب الغالب وتقتدي به ، لأنها تتوهم أنه تغلب بتلك المذاهب والعادات . وكما يتشبه الأبناء بالآباء لاعتقادهم الكمال فيهم فكذلك يتشبه المغلوب بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه وسائر أحواله .

      وفي داخل كل قطر ترى الناس تقلد زي الحامية وجند السلطان لأنهم الغالبون لهم المسيطرون عليهم ، ولذلك يقال الناس على دين ملوكهم .

      وإذا جاورت أمة غيرها ، وكانت تلك الأمة الأخرى أقوى ترى الأمة الضعيفة تتشبه بالقوية ، كما حدث من الأندلس مع الجلالقه في عصر ضعف الأندلس حتى كانوا يرسمون التماثيل في البيوت والمصانع .                                               

                                 الفصل الرابع والعشرون

                الأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء

     الأمة التي تخضع لغيرها تتربى على التكاسل فيقصر أملها ويضعف تناسلها ويتناقص عمرانها .

     والإنسان بطبيعته رئيس بمقتضى استخلافه في الأرض ، والرئيس إذا أصبح مغلوبا تكاسل حتى عن طعامه وشرابه ، وهكذا تظل الأمة تتناقص إلى أن تفنى .

    واستدل إبن خلدون على ذلك بأمة الفرس وكثرتها ، ثم أصابهم الفناء بعد أن قهرهم العرب، وليس ذلك لظلم العرب لهم وإنما هي طبيعة الإنسان .

     وتذعن السودان للرق لنقص الإنسانية فيهم وقربهم من الحيوان ، وبعضهم يرضى بالرق ليصير مملوكا ويصل إلى السلطة والحكم ، لأن العادة جرت باستخلاص الدولة لهم .

                               الفصل الخامس والعشرون

                            العرب لا يتغلبون إلا على البسائط

      لأنهم أهل نهب لما يقدرون عليه بأقل قدر من الأخطار ، لذلك يستسهلون الإغارة على السهول ، ولا يتعرضون للقبائل المتحصنة بالجبال والهضاب . وإذا كانت المنطقة السهلة بدون حامية ترددوا عليها بالغارات إلى أن يستولوا عليها ، ثم  يتناوبون على حكمها إلى أن ينقرض عمرانها .

                                الفصل السادس والعشرون

                            العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب

      لأنهم أمة وحشية بالطبع ، وتعودوا عدم الخضوع لحاكم أو سياسة ، وهذا ينافي العمران، وقد اعتادوا الرحلة والغارة ، وذلك يناقض الإستقرار وهو أساس العمران .

       ولذلك يكون سهلا عليهم تخريب المباني واستخدام حجارتها للطبخ عليها ، واستخدام خشبها للخيام وللتدفئة . ثم أن طعامهم في انتهاب ما في أيدي الناس ورزقهم في ظلال رماحهم، وليس عندهم حد في النهب ، وذلك يعني بطلان السياسة التي تقوم على حفظ الأموال والعمران ، ثم هم لا يرون قيمة لعمال الحرف والصناعة ويسخرونهم بلا أجر فيكف العمال والحرفيون عن العمل ،  وتتوقف حركة العمران . وربما يفرضون العقوبات المالية حرصا على تكثير الجباية وجمع الأموال بأي طريق فيكثر الفساد وتعم الفوضى .

     ثم هم متنافسون في الرئاسة وأسرع للإختلاف ، ويتعدد امراؤهم وتمتد أيديهم في إطار التنافس إلى نهب ما في أيدي الناس ، فيفسد العمران . وعلى أيدي العرب تخربت الأمصار من اليمن إلى العراق والشام . وحدث نفس الشئ لشمال أفريقيا عندما سيطر عليها بنو هلال وبنوسليم إذ أصبح خرابا بعد أن كان عمرانا فيما بين السودان والبحر المتوسط .   

                                           الفصل السابع والعشرون

                          العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية

                                  من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين

     بسبب توحشهم فهم أصعب انقيادا ، لما فيهم من الأنفة والمنافسة في الرياسة  فيما بينهم، فإذا كانت ثمة دعوة دينية أذهبت من نفوسهم أخلاق الكبر والمنافسة وإذا قام فيهم صاحب دعوة دينية ودعاهم بالدين وابتعد بهم عن الأخلاق الذميمة إستطاع تأليف كلمتهم وأرجعهم للفطرة الأولى .

                                            الفصل الثامن والعشرون

                                العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك

    لأنهم أكثر بداوة من سائر الأمم وأكثرهم ضربا في عمق الصحراء وابتعادا عن الحضر ، فكان صعبا أن ينقاد بعضهم إلى بعض ، ويضطر رئيسهم إلى الإحسان إليهم ليتألف قلوبهم وحتى لا ينقلبوا عليه ، وهذا ينافي سياسة الملك التى تقوم على القهر . ثم أنهم يعيشون على النهب فإذا ملكوا أمة تسلطوا عليها بالنهب والمصادرات وتحويل العقوبات إلى غرامات مالية ، مما ينشر الفساد والفوضى والتخريب .

     ويتعرف العرب على السياسة إذا تبدلت طباعهم بالدعوة الدينية كما حدث منهم في تاريخ الإسلام . ثم إنهم بعد ذلك نبذوا الدين فنبذوا السياسة ورجعوا إلى الصحراء والتوحش  ، وقد يحدث أن يتغلبوا على بعض الدول المستضعفة فيخربونها .

ملاحظة : كلام ابن خلدون عن العرب يعنى ( الأعراب ) خصوصا من (نجد )، ومن ( نجد ) كانت معظم الحركات التخريبية مثل قبائل بنى هلال وبنى سليم  الذين جاءوا الى مصر فى العصر الفاطمى وخربوا الساحل الشمالى ومنه ذهبوا الى شمال افريقيا وواصلوا تخريبه . ومن اقليم ( نجد ) كانت تخرج غارات تخريب العراق والشام وقطع الطريق على الحجاج . وبعضها حمل راية دينية مثل حركة الردة بعد موت النبى عليه السلام ، ثم مشاركتهم فى ثورة الزنج والقرامطة فى العصر العباسى  . ثم الوهابيون السعوديون فى عصرنا .

 

 

                                    الفصل التاسع والعشرون

                البوادي من القبائل والعصائب مغلوبون لأهل الأمصار

     عمران البادية ناقص فليس فيها آليات الزاعة والصنائع والحرف بل والعملات المالية ، ويوجد عوضا عنها ما ينتجون من الألبان والصوف فيبيعونه لأهل الحواضر مقابل الدرهم والدينار ، فهم أكثر احتياجا إلى الأمصار ، وأهل الأمصار لا يحتاجون لهم كثيرا . وماداموا في البادية دون إستيلاء على الحواضر فهم محتاجون إليها وخاضعون لسلطة الدولة . والدولة إذا كانت أقل قوة أخضعتهم بالمال وإعطائهم الضروريات ، أو استعانت ببعضهم ضد الآخرين . وفي كل الأحوال فهم مغلوبون لأهل الأمصار طالما يعجزون عن حكمها.

اجمالي القراءات 14940

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الإثنين ٢١ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79113]

مقارنة مع الأتراك ، هل يصح مبدأ ابن خلدون معهم


السلام عليكم  ،يقول ابن خلدون  : (إذا وصلت العصبية للمُلك قام به صاحب الملك  منشئ الدولة ، ثم لا يلبث آله أن ينغمسوا في الترف ويستعبدوا اخوانهم ، ويبقى الذين أبعدوهم عن المشاركة في الحكم في ظل عز الدولة التي يشاركونها بنسبهم  ، ولكن محتفظين بحيوتهم لابتعادهم عن الترف ، فإذا استهلك الترف القائمين على الملك كانت عصبية الآخرين لاتزال قوية  فيطمعون في الملك الذي أبعدوا عنه ، وهكذا يستولون على الأمر إلى أن يلحقهم الترف  ويرثهم غيرهم من نفس الأمة ). 



ومقارنة بالأترك اذن اسنمر حمكهم ثلاثة قرون هل ينطبق قول ابن خلدون عليهم ، ولم استمروا كل هذه السنوات بالرغم من  ضعفهم ؟



2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الإثنين ٢١ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79115]

شكرا استاذة عائشة


وسيأتى القسم التحليلى بالاجابات .

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,342,438
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,622
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي