آحمد صبحي منصور Ýí 2015-02-25
كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
الجزء الثانى : العبادات فى مصر المملوكية بين الإسلام والتصوف
الفصل الثالث: أثر التصوف في الزكاة و والصيام
ثالثاً: الصوفية ينشرون التسول في العصر المملوكي
كثر عدد المتسولة في العصر بازدياد المتصوفة واعتبار التسول شرعا دينياً في دين التصوف المؤثر فى مصر المملوكية. وقد تضاءل الفارق بين متسولة الصوفية والشحاذين العاديين،ويدلنا على ذلك أن طوائف المتسولة في العصر المملوكي اكتسبت الملامح الصوفية العادية وكان منهم من اشتهر كشيخ صوفي..
بل إن من المتسولة من تكونت به طبقة جديدة تنتمي للتصوف وتحمل اسمه وتحترف التسول وتتخذه طريقاً للحياة. ونعني بأولئك طوائف الجعيدية والفقراء الطوافين ثم الحرافيش..
طوائف المتسولين:
* طائفة الجعيدية:
طائفة وجدت بين العامة تدين بالتصوف وتحترف التسول . وأصبح لقب الجعيدي مرادفاً للقب الفقير فالمتبولي يسمي نفسه( الجعيدي )[1]. وفي نهاية العصر المملوكي ضمت طائفة الجعيدية كثيراً من المتبطلين القادرين على الكسب إلا أنهم استمرأوا التسول، وكانوا بما أوتوا من قوة ينتزعون الأموال من يد متولي الصدقة ويقذفون به من على فرسه فآثاروا برسباي فطلب (سلطان الحرافيش وشيخ الطوائف) والزمهما بمنع الجعيدية من التسول في الطرقات (وألزمهم بالتكسب والعمل بالحفير) فامتنعوا مؤقتاً، وقد اعتبر أبو المحاسن ذلك من أكبر المصالح ، يقول (لأن معظم الجعيدية كان يترك الحرفة ليتسول) شأن الداخلين في التصوف (ويقسم على الناس بالأنبياء والصالحين شاكياً من قسوة القلوب..فما كان أحسن هذا – يقصد منع الجعيدية من التسول – لو استمر)[2]. واستمرت الجعيدية كطائفة بعد العصر المملوكي وحتى وقت قريب[3].
* الفقراء الطوافون:
ظهروا في نهاية العصر المملوكي كمظهر لامتداد تياري التصوف والتسول، فكانوا يطوفون على البيوت يتسولون بزى التصوف فعرفوا بالفقراء الطوافين تميزاً لهم عن باقي الصوفية في الزوايا وغيرها..
واشتهروا بالإلحاح في السؤال مع التبطل والقدرة على الكسب، وقد اجتهد الشعراني في الدفاع عنهم فطالب بألا ينكر عليهم أحد لأنهم يريدون ان يحملوا عن الناس ذنوبهم – بهذا الإلحاح في السؤال ، وزعم أن العهود قد أخذت عليه ألا يمكن أحداً من القول بأنهم قادرون على الكسب لأن ذلك حجة في البخل واعترف الشعراني أن أحد الأولياء الصوفية كان منهم ( فكان يسأل ويتصنع السقوط حتى يظن من لا يعرفه انه حشاش . !.)[4]. وعلى ذلك يمكن أن نفهم لماذا يدافع الشعراني عنهم في الوقت الذى ينكر فيه على الآخرين ممن لا يعتقد ولايتهم..
* الحرافيش :
انضموا للمتصوفة وطوائفهم في ميدان التسول. والحرافيش في الأصل طائفة من سُقَاط العامة ممن يحتلون أسفل السلم الإجتماعي. إلا أن حرفة التسول جمعتهم بأعيان التصوف وطوائفه المتخصصة في ذلك المجال.. وانعكس سلوك الحرافيش على طريقتهم في التسول فكانوا( يشحذون المصلين ولا يصلون، ومنهم من يقسم في سؤاله، وبعضهم يستغيث بأعلى صوته: " لوجه الله فلس" وبعضهم يقول" بشيبة أبي بكر" فلس" ومنهم من يكشف عن عورته ويمشى بها بين الناس ، يوهمم أنه لا يجد ما يستر به عورته إلى غير ذلك من مكرهم..)[5]. ويلاحظ من ذلك النص آثار الصوفية واضحة في تسول الحرافيش من التوسل وترك الصلاة والتشبه بالمجاذيب في كشف العورة. بل أن بعضهم اتخذ من التسول رداءا يخفي ميوله الإجرامية، حدث أن أحدهم سأل تاجراً فقال له ( " يفتح الله عليك " فقتله ، وادعى الجنون وتشبه بالمجاذيب فأخذ للمارستان وضاع دم التاجر هدراً[6]. ) . وبسبب شغبهم واجرامهم فقد كان يُنادى ( بألا يُتصدّق أحد على حرفوش)[7].
تقاتل المتسولين عند توزيع الصدقات :
ازدحم الحرافيش مع الفقراء الطوافين والجعيدية وأوباش الصوفية عند أبواب السلطان والأمراء حين تفرق الصدقات، ويحدث عادة أن يموت بعضهم من جراء الإزدحام والتقاتل على الفوز بالصدقة ، وقد يصرعون متولي الصدقة، وقد حدث ذلك في سلطنة برقوق سنة 798 [8]. وفي مرض موته سنة 801 [9]. وفي سلطنة برسباي سنة 841 [10]. وفي يوم عاشوراء سنة 912 [11]. أيام الغوري، ومات بعضهم في تزاحمه أيضاً على صدقة الأمراء والكبراء مثل سيف الدين طغاي[12]. وابن السديد[13]المصري . والقاضي كريم الدين[14]. وافتخر الشعراني بقناعة الصوفية في زاويته عكس الآخرين(الذين يزدحمون على القاصد الذى جاء بالمال ويرمونه إلى الأرض ويغتصبون منه الدراهم)[15]. أى ان ذلك صار تقليداً ، حتى أنه ظهر مال كثير مدفون مكتوب عليه أنه صدقة فازدحموا عليه (فمات منهم نحو ثمانين نفساً)[16].
ثراء المتسولة :
1- يقول ابن اياس ( وجد في دكان أحد مدعي الفقر أربعة آلاف دينار ما بين ذهب وفضة ، وهى موزعة في براني في سقف الدكان. وكانت امرأة تستعطى عند جامع ابن طولون فلما ماتت وجد عندها سبعمائة دينار ما بين ذهب وفضة ، ووجد عندها أطمار فيها فلوس جدد، ووجد عندها ربع غزال نحواً من ثمانمائة ربعة، فتعجب الناس من ذلك )[17]. ويقول في وفيات سنة 913( توفيت خديجة الكليباتية، وكانت تدعي الصلاح ، وتدخل بيوت الأكابر. فوجد لها ذهب عين ثلاثة آلاف دينار، وأثاث البيوت بنحو خمسمائة دينار . فعُدّ ذلك من النوادر، ومع ذلك كانت تأخذ من الناس الصدقة)[18].
ويقول في حوادث 917( أحضروا بين يدي الغوري شخصاً من الجعيدية وجدوا معه مائة وسبعين ديناراً من ضرب الأشرف برسباي، وادعى أنه ورثهم من أمه. فأخذ السلطان منه الذهب، ورسم بشراء جوخة وقميص وعمامة للشحات من ذهبه، وأن يصرف له في كل يوم نصفين من الفضة حتى تفرغ فلوسه، فلم يرض الشحات بذلك، وصار يقول :" أعيدوا لي ذهبي ، وما لي حاجة بكسوتكم."! . واستمر الذهب تحت يد المهتار)[19]. ويستفاد من النص الأخير أن لقب جعيدي مرادف لشحات.
وكان من التسميات المعتادة لدى المصريين فى البيئات الشعبية إسم ( جعيدى ) ، وإنتشر ولا يزال منتشرا فى مصر إسم ( الشحات ) و ( شحتة ) تأثرا بدين التصوف فى نشر التسول والشحاذة .
،هذا.. وإذا كان كبار الصوفية قد بلغت ثرواتهم عشرات الألوف من الدنانير وقفاف من الذهب فإن المنتظر أن تصل ثروة المتسولين العاديين إلى ألوف ومئات الدنانير.. ولا يعني ذلك قلة في حصيلتهم من التسول إذا كان للدينار في ذلك العهد احترامه، ويكفي ان نعرف أن نصفي الفضة – وهما يعادلان ملاليم في عصرنا – كانت تكفي مطالب الشخص العادي ، حتى ان السلطان الغوري رأى فيها قدراٍ محترماً يكفي حاجة الجعيدي كل يوم، ثم يقول ابن اياس في تعقيبه (فتعجب الناس من ذلك)، (فعُد ذلك من النوادر) لأن المبلغ المضبوط – وان لم يقارن بثروات الصوفية الكبار – يستحق التعجب وأن يكون من نوادر الزمان ..
3- وفي خضم هذا التكالب على الإكتناز من قادرين على الكسب ،وفي معترك هذا التقاتل على الصدقات إلى درجة يقع فيها عشرات القتلى من فتوات المتسولة – ضاع مستحقو الصدقة الحقيقيون من العلماء الزاهدين من غير الصوفية .. والشعراني الذي وصف ثراء أعيان عصره من الصوفية يقول عن أحد العلماء الزاهدين( مكث يفتي الناس أكثر من خمسين سنة ، كما أخبرني بذلك في مرض موته، وكان ورعا زاهدا قليل الكلام ، وريما يمكث اليوم كاملا لا يتكلم بكلمة لغو .. وسألوه أن يكون قاضيا فأبى . وكان بيته خاليا من أمتعة الدنيا لا تكاد تجد فيه غير الأبريق وتختَا خلقا ( أى قديما ) مفروشا تحته . وكان ملبسه إذا دخل بيته هديمات وعمامته شراميط، ودخلت عليه في مرض موته فقال : يا ولدي خير الناس من خرج من الدنيا ولم يأخذ من اجر عمله شيئا، لي خمسين سنة افتي في هذه البلدة، ومع ذلك لم يتفقدني أحد في هذه الضعفة (أى المرض) برغيف واحد ولا بجديد ولا يقطعة سكر، فالحمد لله رب العالمين.!! )[20]. فهنا فقيه عالم قضى حياته يخدم الناس في صمت مبتعدا عن المناصب وعن المواكب، ليس له إلا الإنشغال بالعلم والفتوى، بينما سرادقات الإفك ومواكب الإفتراء تحول بينه وبين أخذ حقوقه التى تعينه على الحياة الكريمة، حتى إذا مرض واحتضر لم يجد أحدا يزوره برغيف او بثوب جديد.. فمات كريما.. جائعا، وعلى مقربة منه شيوخ التسول والتصوف وحولهم الذهب والفضة والخوانق والزوايا مكتظة بأصناف الطعام..
أخيرا : ولنتذكر الآتي :
1- حول الصوفية الزكاة الإسلامية – التى تعني الإنفاق وإعطاء الصدقات في سبيل الله – إلى تسول من الناس باسم الدين – دين التصوف. الفقير العادى المحتاج للصدقة سلب منه الصوفيه لقبه الفقير وجعلوه لانفسهم ، وسلبوا الفقير حقه فى الصدقة . قد يكون الفقير العادى عاجزا عن الكسب أو يعمل ولا يكفيه دخله ، ولكن الصوفى الذى أخذ لقب ( فقير ) إحترف البطالة ، والتسول ، وهو قادر على الكسب .
2- وجذور التسول عندهم تكمن في تبطلهم وإعراضهم عن الحرف التى كانوا يتعيشون منها.
3- وبإسم الدين اعتبروا السعي للرزق شركا بالله، وقد ألمح إلى ذلك الغزالي وأوضحه ابن عطاء في العصر المملوكي.
4- وإذا كان السعي شركا فإن التبطل والتواكل هو الدين فأساسه ان يتفرغ الصوفي للإتحاد بالله تعالى جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا . وكان ذلك من بنود فقه التواكل عندهم.. وتأسيساً على اتحادهم المزعوم بالله تعالى فقد احتقروا المحسن إليهم واعتبروه مسخراً لهم ، ودونهم في الدرجة.
5- وجاء تشريع التسول للصوفية بالأمر المباشر أو بالمنامات ، وتوجهوا للمحسنين يحثونهم على العطاء بالمنامات والقصص، وكلها مفتراه، وبعد التشريع كان تفصيل الأحكام الفقهية للتسول.
6- وقد بدأ التسول ببداية التصوف، وبه تمكن رواد التصوف في سياحتهم بين الأمصار من نشر عقيدتهم في أرجاء الدولة الإسلامية،وبعد استقرار المتصوفة في الخوانق استمروا في التسول.
7- ثم ازدهر التسول في العصر المملوكي بازدهار التصوف فيه، فاشتهر كبار الصوفية بالتسول وجعلوا له مقامات عملية كالتسول التطوعي للغير أو التسول على قدر الحاجة زهدا، وتنوعت طرق التسول ووصلت في عهد الشعراني إلى درجة التحايل والإبتزاز وأثارت الإنكار ،فهب الشعراني منكرا على معاصريه وإن قرر في نفس الوقت شرعية التسول له وللسابقين من الصوفية.
8- وتكاثرت الأموال لدى الأشياخ الصوفية وبعضهم كان ينفقها باسراف فتعد له كرامة (الإنفاق من الغيب) أو يكتنزها مباهياً فلا تعدم من وجود كرامة أخرى تحذر الآخرين من الإقتراب منها ..
9- وبشيوع التسول مع التصوف دخل الميدان طوائف العامة من الجعيدية والفقراء الطوافين والحرافيش وأولئك كانوا يتسولون عنوة وبعنف وتقاتل ، وكونوا من ذلك ثروات أسوة بأشياخهم الصوفية في نفس الوقت الذي حرم فيه مستحقو الصدقة الحقيقيون من القوت الضروري عند الحاجة.
10- وكانت الأضرحة موردا آخرمن موارد التسول . فإليها كانت تقدم القرابين والنذور ..
11- وهكذا فالصوفية تسولوا من الغير . وذلك موقفهم من تأدية الزكاة المالية. لم يؤدوها بل أخذوها كقرابين ونذور من الغير ، أو من يسمونهم :(الأغيار) أو ( أبناء الدنيا ) الذين يعتبرونهم مسخرين لهم..
[1] لطائف المنن للشعراني 34. الطبعة القديمة.
[2] النجوم الزاهرة ج15/ 97 : 98، تاريخ ابن اياس ج 2 / 184 تحقيق محمد مصطفى
[3] أحمد أمين. قاموس العادات والتقاليد 137
[4] البحر المورود 127
[5] السبكي معيد النعم182 :183
[6] إنباء الغمرج3/500
[7] ذيل ابن العراقي.مخطوط154
[8] نزهة النفوس ج2/425.
[9]. السلوك ج3/2/919
[10] السلوك ج/4 /2/ 1037
[11] (7) تاريخ ابن اياس ج4/94
[12] زيترستين. تاريخ سلاطين المماليك165
[13] البدر الطالع 373
[14] تاريخ ابن كثير ج14/105
[15] لطائف المنن503 الطبعة القديمة
[16] تاريخ قاضي شهبة مخطوط ج2 / 113
[17] تاريخ ابن اياس ج 4 / 108 ، 130 ، 250 :251
[18] تاريخ ابن اياس ج 4 / 108 ، 130 ، 250 :251
[19] تاريخ ابن اياس ج 4 / 108 ، 130 ، 250 :251
[20] الطبقات الصغرى 56 ترجمة الشيخ على الشافعى
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5123 |
اجمالي القراءات | : | 57,058,774 |
تعليقات له | : | 5,452 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
الغزالى حُجّة الشيطان ( 9) الغزالى والاسرائيليات ( جزء 2 )
دعوة للتبرع
التحدى هو المواجهة: د/احم سلام الله عليكم ورحمت ه وبركا ته ...
لجوء سياسى: أريد أن أقدم على لجوء سياسى هنا فى أمريك ا على...
لست مستبدا: سلام علی ;کم یا دکتر احمد صبح 40; ...
الكهف 74 : : الرجل الصال ح صاحب موسى قتل غلاما كي لا يرهق...
الحور العين : من هن الحور العين اللائ ى لم يطمثه ن انس ولا...
more