لم يحدث في تاريخ الصدامات بين القصر والجماعات الدينية أن امتلأت المشاعر بهذا الكم المخيف من البغضاء كأن الرئيس المصري أقام لهم مذبحة القلعة في كل شبر من أرض الكنانة!
كراهية يحملها التيار الديني ومن يدعمه تحتاج إلى كونسلتو طبي نفسي يدلف إلى أعماق الصدور للبحث عن أسباب إنفجار هذا البركان حتى قبل فضّ اعتصامي رابعة والنهضة، فالمــَـنـَـصيـّـون الذين كانوا يُظهرون أنيابَهم مع خُطبهم المهووسة، كانوا جزارين وسفـّـاحين ولو لم يمسكوا سيوفَهم وأسنة رماحهم، فالألسنة انشقت عن حالة دراكيولية تخلط مصَّ الدماء بالآيات السامية، وتكاد تصرح أن الله، عز وجل، معتصم معهم، وأن مــَـلـَـكَ الموت تلقَّىَ الأوامر بالاستعداد لاصطحاب أطفال حمــَّـلوهم أكفانَهم على أذرعهم الغضـّة النحيفة.
في قناعاتي أن السيسي لو فضَّ الاعتصامَ بالقوة سبعين مَرّة دون أن يمس الحلم الاخوانجي في الخلافة والسيطرة والدعمشة لكان الأمر هيــّــنا، لكن قتل الحُلم بدا كأنه إلقاءُ الطربوش من علىَ رأس الخليفة في الآستانة ليسحبه التيار المائي في البوسفور.
ثمانون عاماً والتنظيم الدولي يقوم بدور الوعظ، والتربية، والتجنيد، والميليشيا في باحة الأزهر الشريف بملثمين يستعرضون قوة البنا بعد جيلين من رحيله، ومنطق سيد قطب مودودياً، رغم أن الصِدام مع عبد الناصر مرتين، في 54 و65، لم يكسر ظهورهم.
هذه المرة كانت مختلفة، فقد حكموا لمدة عام، وطفت على السطح خفافيش مقززة كانت ومُعلِّموها مختبئة لثمانية عقود، وتعاون صندوق الانتخاب، عاشق البلاهة الدينية في رفع رصيد الجماعة، ولعب معهم الحظ في التصفية النهائية لكأس قصر الاتحادية، فروحُ ثورة 25 يناير لم تقبل أن يمشي الفريق أحمد شفيق فوق البساط الأحمر، ولو تنافس شفيق مع حمار ، وتسربت شائعات أنَّ الحمارَ مبروكٌ ومسحور ورَكــَـبــَـه من قــَـبـْـلُ أحدُ السلف الصلح، فنفـْـسُ الجماهير كانت ستبرسم له صوتــَــها.
عام واحد كان فيه من الخراب ما لم يشهده قرن كامل، فالتيارات الدينية أرسلت إلى المشهد المصري غثاءها، وجلسوا تحت قبة البرلمان، ورفضوا القــَـســَـم الوطني ( ما لم يخالف شرع الله)، وناموا على المقاعد، واحتقروا النشيد الوطني والعــَــلـَـم المصري، وقطعوا، وقاطعوا الجلسات للمزايدة الدينية التي تسمح لهم باهمال مطالب الشعب من أجل تأدية صلوات ونوافل وأدعية تسرق وقت المجلس.
وتم منح آلاف من جوازات السفر الخاصة والدبلوماسية لارهابيين ولصوص وسجناء هاربين، وتحول القصر إلى تــِـكِيـّـة، وسرق الأوغاد أوراقا ومستندات وقوائم أسماء وأسرار دولة عريقة، وحاولوا إلغاء تاريخ عبد الناصر، وفتحوا سيناء لبؤر الإرهاب، ومزقوا الوطن بين مسلمين و .. م
صريين، فالدين هو جنسية المسلم، أما شركاء الوطن الأقباط فتـُـحرق كنائسهم، ويتم تراجع مواطــَـنـَـتـِـهم من الدرجة الثانية إلى العاشرة.
ووصل القرف والغثيان إلى أحط صُوَره في قناة المنقبات، وامتلأت الشاشات الصغيرة الملونة بأناس لا تدري من أين قـَـدَموا: من كوكب القردة أم من كهوف وغارات في جوف جبال سيناء أو .. تورا بورا.
وفجأة ارتدى الجميعُ مسوحَ الخشوع الظاهري، وأصبحت قضية ضباط الشرطة هي اللحية وليس العمل والانضباط، وجلس قتلة وإرهابيون في الصفوف الأمامية لاحتفالات الجيش المصري، وخرج موكب مرسي في عشرات السيارات التي ينفق عليها الشعب المصري وذلك ليصلي الفجر حاضراً ومحاطــاً بحراسة مشددة تكاد تمنع الملائكة من الاقتراب منه.
وانبسطت أسارير الشيطان، فالحُكم الجديد جاء في ذيله كهفيون متخلفون، يكرهون النغم والموسيقى والجمال والمتحف المصري والآثار التي يركع أمام ذِكرها أيُّ تلميذ علىَ وجه البسيطة يبدأ حصة التاريخ في مَدْرسته بهبة النيل .. مصر.
في عام واحد كان الحُكم يستعجل داعش المصرية ولو حاول مرسي بين الحين والآخر اظهار أن الاتحادية والمقطم لا يكترثان كثيراً لقوىَ التقدم والاستنارة والأدب والفن والجمال والتصوير والفلسفة وغيرها.
كل هذا قطعه السيسي بضربة موجعة قصمتْ حُلم الأفعى!
تـُـناهض السيسي أو تؤيده، تتعاطف معه أو تقف ضده، تؤيد مشروعاته أو تسخر منها، لكن الحقيقة التي لا مــِـراء فيها أن الرجل أنهىَ، إن شاء الله إلى الأبد، حُلم الخلافة الوهمية الدينية في مصر بعد عام الجحيم الاخوانجي.
لهذا يكرهونه في تركيا وقطر وبين كل التنظيمات الدينية التي تسعىَ لجعل العالم الإسلامي صورة طالبانية أو اخوانجية أو سلفية أو بوكوحرامية.
ربما يُفسر هذا الكراهية المقيتة والغثيانية والظالمة والحادة والقاسية وغير العقلانية التي تحملها آراء وأفكار وألسنة وقلوب معارضي السيسي له شخصياً.
المفردات النتنة والعفنة التي يستخدمها معارضو السيسي من التيارات الدينية غير أخلاقية بالمرة، ولا تدُلّ إلا على نفوس تمرغت في الوحل قبل أن تنفث حقدها تحت مسمى يسقط حُكم العسكر، ويقصدون بها يسقط حُكم من أنهى حُلمنا إلىَ أن يجف النيل أو سحب سماء ..أم الدنيا!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 13 يوليو2014
Taeralshmal@gmail.com
اجمالي القراءات
12004