ثم صمت خالد بُرهة مُفكراً ثم قال: يعني مش مقتنع بكلام ابن حجر؟
الشيخ فالح: والله مانا عارف يابني المسألة تحير، ولكني مجبر على رد السؤال في الحلقة لأني وعدت المشاهدين بالرد على المشككين في حكم قتل المرتد..وكمان عشاان أغيظ العلمانيين اللي أكيد اتفرجوا ع الحلقة ومش بعيد يكون اللي سأل منهم.
هنا زالت علامات الفكر عن خالد ..حتى دخلت الأم -زوجة الشيخ فالح- بنقابها الأسود، اتجهت لولدها الشاب تودعه بقولها.."خلي بالك من نفسك ياخالد، وأسرع الشاب يحي أبويه ثم انصرف.
ثم دخل الحكواتي: كان الشيخ فالح في صراعٍ ذاتي حول إرضائه لعقله وضميره أو أن يُرضي سمعته ومكانته بين الناس، ومع ذلك فهو يكره العلمانيين وأي مخالف لا يذكره باسمه بل يذكره بما لا يستحسنه.
ومكمن الصراع أنه لو قال بأن قتل المرتد به شكوك أو جريمة لا يقرها الدين وأن الإسلام به حرية فكر ..لقال الناس أن الشيخ فالح قد تهرطق أو أنه يُرضي الدولة كي يحمي نفسه، أو لديه رغبات ومطامع في أشياء، فالجمهور أصبح هو الموجه بدلاً من أن يكون هو المتلقي..قصة صراع طويل حول ماهية الخُطبة الدينية وكيفيتها وقواعدها في الدين..هل الخطبة للأمر والزجر والوعد والوعيد ، أم هي حلقة نقاش بين عالمٍ ومجموعات من البشر تبغي الحقيقة الدينية فلا أحد فوق العلم، ولا أمر دون شك، ولا موعظة دون تصور عام لتطبيقها.
لقد غرقنا في العموميات، وما كان نموذج الشيخ فالح إلا أزمة هوية متجددة يُعاني منها الجميع حتى من يُسمونهم.."علماء".
ينقطع الحكواتي:
تعود الصورة إلى المسرح فينتقل الشيخ فالح إلى مكان الهاتف ويضرب أرقاماً يسمع بعدها الرنين، فيرفع السمّاعة مدير أعماله الشيخ.." أبو المواهب"..ثم دار هذا الحوار:
فالح: آلووو
أبو المواهب: ألوو السلام عليكم ياشيخ فالح
فالح: وعليكم السلام ورحمة الله، إيه الأخبار يا أبا معاذ.."كنية أبو المواهب"..؟..الحزب وصل لفين والتوكيلات؟
أبو المواهب: فيه أخبار حلوة ..عن قريب هانعلن الحزب وهانشكل اللجان على طول..
فالح: آه صحيح عشان الانتخابات ، شد حيلك ياابو معاذ
أبو المواهب: حضرتك لسه مااخترناش الإسم!
فالح: إسم إيه؟!
أبو المواهب: إسم الحزب يامولانا ههه انت نسيت والا إيه؟!
فالح: لأ مانسيتش ولا حاجة..سميه أي إسم وخلاص ولكن إسم من الشريعة..أقوللك سميه.."حزب الفضيلة"..والا لأ لأ لأ لأ..سميه .."حزب التكافل"..والا لأ دا كمان دا موجود..سميه .."حزب الرحمة"..أيوة هو الرحمة.
أبو المواهب: الله يعينك ياشيخ أنا عارف انك مشغول وماكنتش عاوز اتصل بيك ولكن قولت أفرحك بالأخبار الحلوة دي..ولكن استقريت خلاص ع الإسم؟!
فالح: أيوة.. سميه.."حزب الرحمة"..ثم همس الشيخ محدثاً نفسه:هما بيضحكوا علينا بالتنوير وإحنا لازم نقولهم إن دينا هو دين الرحمة..
أبو المواهب مقاطعاً: بتقول حاجة ياشيخ فالح؟!
فالح: لا لأ..ماقولتش حاجة، ولكن إيه أخبار.."حزب التنوير"..بتاع الدكتور.."طاهر البرلسي"؟
أبو المواهب: آهو شغال وخلصوا توكيلاتهم وكمان اللجان بتاعتهم اتشكلت بنسبة 70%...إحنا اللي لسه مكسلين..
فالح: مش مكسلين ولا حاجة بكرا هانسمع سَمع خير ياأبا معاذ..أنا امبارح شوفت رؤيا انما كلها بشريات، ثم ابتسم الشيخ وكأنه يسرح بخياله، النبي بيبشرنا ياأبو المواهب.
أبو المواهب: الله أكبر..الله أكبر..رؤيا حق وصدق بإذن الله ياشيخ فالح
هنا دخلت زوجته وكانت اسمها.."الحاجة كريمة"..وكان يكنيها .."بأم الفاروق"..نسبةً إلى أكبر أبنائه منها..ثم أشارت إلى الشيخ فالح فاضطر على عَجَل بأن يُنهي المكالمة.
قالت الحاجة كريمة: تصور ياابو خالد-كنية الشيخ فالح-الست ام السيد جارتنا عايزة مني 600 جنيه سلف، وهي اللي طول عمرها ما طلبت مني ولا صاغ، فاكر لما كنا بنستلف منهم زمان بالخمسين جنيه؟!
هنا امتعض الشيخ فالح وقال: فاكر فاكر دي كانت أيام فقر ربنا ما يعودها تاني...ثم ابتهج وجهه قليلاً وقال: أما دلوقتي ربنا أنعم علينا بنعمة المال ولازم نستغلها ...الناس ياحاجة ذليلة القرش ولا يمكن يكرهوا اللي بيساعدهم مهما حصل، اعطي لها الفلوس وماتنسيش ان اللي بتعمليه دا عشان الدين ونُصرة شريعة ربنا، كلها كام شهر وتيجي الانتخابات وساعتها نبقى عايزين الناس تختار شريعة ربنا و تعرف الإٍسلام بدل الضلال اللي همّا فيه..
الحاجة كريمة: الحقيقة أنا مش مرتاحة لها، الست دي حقودية بتحقد علينا، لكن أنا هانفذ كلامك وحسبي الله ونعم الوكيل في اللي بيحارب الدين!
الشيخ فالح: الأمر خطير ياام الفاروق..ثم نظر الشيخ إلى السماء –مبتهجاً- وقال: عايزين شريعة ربنا، والناس لازم تشوف الإسلام حقيقة أدام عنيهم، كلنا لازم ننصر شريعة ربنا، عارفة ياحاجة، الأنبياء كانوا كدا، كانوا بيساعدوا الناس وينصحوهم عشان ينقذوهم من جهنم، ودي مهمتنا كلنا...كلنا.
انقطع المسرح عن الكلام، وأغلقت الستارة وبقي الشيخ فالح وحده بالخارج، مبتهجاً رافعاً رأسه إلى السماء.
ثم دخل الحكواتي:ماذا يريد الشيخ فالح، سوف تمتد حياته مهما طالت فهي قصيرة، يريد أن يكون الناس على طريقته في الدين، لا يرى العالَم إلا في نفسه، يظن أنه المُرسل من الله لهداية الناس..ولكن...هل فكّر الشيخ فالح في نواياه لمساعدة جيرانه؟..لماذا رأى جوهر المساعدة مادية وأن عليه مساعدتهم من أجل أن ينصروه في الانتخابات، كذلك في محاولته إنشاء الحزب هل فكّر على أي لوائح سيعمل حزبه في السياسة؟..
إن تاريخ الشيخ يحكي صراعه مع الديمقراطية بل يكفّر من يؤمن بها في السياسة، ومع ذلك لم يرفض أن تكون الديمقراطية هي اللائحة التي سيخوض بها الانتخابات، فهل سينجح في تجاوز هذا التناقض أم سيميل إلى أحد الخيارين، إما قبول بالديمقراطية وآلياتها وقيمها، وإما الرفض التام لها فور نجاحه لو قدّر الله له النجاح؟
اجمالي القراءات
8320