عمرو توفيق Ýí 2013-07-05
إنّ مصير علم الأخلاق وكلّ الأبحاث الأخلاقية، يتوقف على الإجابة عن هذا السؤال، إذ لولا قابليتها للتغيير لأصبحت كلّ برامج الأنبياء التربويّة والكتب السماويّة، ووضع القوانين والعقوبات الرّادعة،أو المكافأة، لا فائدة منها ولا معنى لها.
فنفس وجود تلك البرامج التربويّة وتعاليم الكتب السماويّة، ووضع القَوانين في المجتمعات البشريّة، هو خير دليل على قابليّة التغيير في الملكات والسلوكيّات الأخلاقيّة لدى الإنسان، وهذه الحقيقة لا يعتمدها الأنبياء فحسب، بل هي مقبولةٌ لدى جميع العقلاء في العالم.
والأعجب من هذا، والغريب فيه أنَّ علماء الأخلاق والفلاسفة ألّفوا الكتب الكثيرة حول هذا السؤال: هل أنّ الأخلاق قابلة للتغيير أم لا؟
فالبعض يقول: إنّ الأخلاق غير قابلة للتغيير، فمن كانت ذاته ملوَّثة في الأصل يكون مجبولا على الشرّ، وعلى فرض قبوله لعمليّة التّغيير، فإنّه تغيير سطحي، وسرعان ما يعود إلى حالته السّابقة،
ودليلهم على ذلك، بأنّ الأخلاق لها علاقةٌ وثيقةٌ مع الرّوح و الجسد، و أخلاق كلُّ شخص تابعة لكيفية وجود روحه وجسمه، وبما أنّ روح وجسد الإنسان لا تتبدلان، فالأخلاق كذلك لا تتبدل ولا تتغير،
وفي ذلك يقول الشاعر أيضاً:
إذا كان الطّباع طِباعَ سوء *** فلا أدبٌ يفيد ولا أديبُ
والمثل يقول: ديل الكلب عمره ما يتعدل، واقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها!!
(ولكن يرد عليهم المثل: يخلق من ظهر الفاسد عالم ويخلق من ظهر العالم فاسد!!)
واستدلوا على ثبات الأخلاق أيضاً، بمقولة تأثر الأخلاق بالعوامل الخارجية، وأنّ الأخلاق تخضع لمؤثّرات خارجيَّة من قبيل الوعظ والنّصيحة والتأديب، فبزوال هذهِ العوامل، تعود الأخلاق لحالتها الاُولى، فهي بالضّبط كالماء البارد، الذي يتأثر بعوامل الحرارة، فعند زوال المؤثّر، يعود الماء لحالته السّابقة!
و مما يؤسف له وجود هذا الّنمط من التّفكير والاستدلال، حيث أفضى لتردي المجتمعات البشريّة و سُقوطها!
أمّا المؤيدون لتغيير الأخلاق، فقد أجابوا على الدّليلين السّابقين وقالوا:
لا يمكن إنكار علاقة الأخلاق وارتباطها بالرّوح والجسم، ولكنه في حدّ (المقتضي) وليس (العلّةَ التّامةَ) لها، وبعبارة اُخرى يمكن أن تهيّىء الأرضيّة لذلك، لكن ذلك لا يعني بالضّرورة أنّها ستؤثر تأثيراً قطعيّاً فيها، من قبيل مَن يولد من أبوين مريضين، فإنّ فيه قابليةٌ على الابتلاء بذلك المرض، ولكن وبالوقاية الصّحيحة، يمكن أن يُتلافى ذلك المرض من خلال التّصدي للعوامل الوراثية المتجذرة في بدن الإنسان.
فالأفراد الضّعاف البَنية يمكن أن يصبحوا أشداء، بالإلتزام بقواعد الصّحة وممارسة الرّياضة البدنية، وبالعكس يمكن للأشداء أن يصيبهم الضّعف و الهزال، إذا لم يلتزموا بالاُمور المذكورة أعلاه.
و علاوةً على ذلك يمكن القول: إن روح وجسم الإنسان قابلانِ للتغيير، فكيف بالأخلاق التي تعتبر من معطياتهما؟
نحن نعلم، أنّ كلّ الحيوانات الأهليّة اليوم، كانت في يوم ما بَرّيّةً ووحشيّةً، فأخذها الإنسان وروّضها وجعل منها أهليةً مطيعةً له، وكذلك كثير من النّباتات والأشجار المثمرة، فالذي يستطيع أن يُغيِّر صفات وخُصوصيّات النبّات والحيوان، ألا يستطيع أن يغيّر نفسه وأخلاقه؟
بل توجد حيوانات روّضِت، لِلقيام بأعمال مخالفة لطبيعتها، وهي تُؤدّيها بأحسن وجه.
وممّا ذُكر أعلاه، يتبيّن جواب دليلهمِ الثّاني، لأنّ العوامل الخارجيّة قد يكون لها تأثيرها القوي جداً، ممّا يؤدّي إلى تغير خصوصيّاتها الذاتيّة بالكامل، وستؤثر على الأجيال القادمة أيضاً، من خلال العوامل الوراثيّة، كما رأينا في مثال الحيوانات الأهليّة.
ويقصّ علينا التأريخَ قصصاً، لاُناس كانوا لا يراعون إلاًّ ولا ذِمّةً، ولكن بالتّربية و التّعليم تغيّروا تَغيُّراً جَذريّاً، فمنهم من كان سارقاً محترفاً فأصبح عابداً متنسّكاً مشهوراً بين الناس!
إن القول والاعتقاد بعدم إمكان التّغيير للأخلاق، مدعاة للقول والاعتقاد بالجَبر، لأنّ مفهومها هو: أنّ صاحب الخُلق السيئ والخُلق الحسن، ليسا بقادرين على تغيير أخلاقهم، وبما أنّ الأعمال والسّلوكيات تعتبر انعكاسا للصفات والملكات الأخلاقيّة، ولِذا فمثل هؤلاء يتحرّكون في سلوكياتهم من موقع الجَبر، لكننا نرى أنّهم مكلفون بفعل الخيرات وترك الخبائث، وعليه يترتب على هذا القول جميع المفاسد التي تترتب على مقولة الجبر.
إمكانية تغيير الأخلاق في القرآن المجيد
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [٦٢:٢]
ويزكيهم أي يطهرهم
(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [٣:١٦٤]
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا [٩١:٧]فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [٩١:٨]قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا [٩١:٩]وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [٩١:١٠]
والتوبة التي توجد في كثير من الآيات تثبت إمكانية التغيير من خلق سيئ إلى خلق كريم.
والله تعالى أعلم.
دعوة للتبرع
الرحمن علم القرآن: سلام عليكم استاذ نا سؤالى عن اول سورة...
المستشرقون: هل للمست شرقين الغرب ين اي دور في صناعة...
شهوة الناس والنساء : في سورة ال عمران ذكر الله اية ١ 636; حب...
سورة الكوثر: ما تفسير سورة الكوت ر حسب القرا نيين ...
خصومة الانسان لربه: جاء فى سورة النحل وفى سورة يس أن الانس ان خصيم...
more