فلسفة الأخلاق(لوحة العفة)
من منا من لم يعاني من أزمات يُخيّر فيها بين نقيضين أو متضادين؟..الكثير منا يمر بهذه الأزمات فترى الشخص ينغمس بوجدانه في شهواته، وترى آخر يتركها بالكلية بل ويجعل نفسه حلقة تحذير منها..والشهوة هنا ليس المقصود منها شهوة الجنس بمفردها ، بل هناك شهوات عقلية وعلمية وروحية يأتي فيها الجسد كآداة أو كوسيط...من هذه القضية ينبع لنا مفهوماً مُجرداً يسمى"العفة" والمقصود به التوسط بين أمرين متناقضين.
هناك خلط يحدث بين مفهومي.."العفة والحياء"..فالأول هو توسط بين متناقضين كما سلف، بينما الثاني مفهوم قيمي يُقصد به الخشية ولكن من موقع قوة على الأنا والغير، فالحياء مفهوم قيمي يُعد من أنبل الأخلاق التي يكون فيها العقل والجسد متحدان، ومن هنا نجد الفارق أيضاً بين الحياء والخجل ، والثاني يشتق من معاني الضعف والانكسار..أما العفة فهو السلوك الذي به توزن كافة القضايا، فيُقال تعفف الإنسان عن الشئ أي لم يضعف أمامه، وإن كانت العفة تختص بقضايا الشهوة واللذة الجسدية في الأعم الأغلب..
كذلك فالعفة تكون سهلة التحصيل فيما لو نجح الإنسان في التوفيق بين غريزته وعقله، فيأتي العقل في لبوس المُعلم وصانع الحركة، لا أن يأتي الإنسان ليوفق بينهم فيجد نفسه يميل إلى هذا أو إلى ذاك، فيُسرف في اللذة حتى يخرج بها عن حدود المسموح فيُصبح فاسقاً، أو أن يحرم نفسه فيزهد، والمقصود من الزُهد هو الاعتدال في التعاطي مع الشهوات وليس الحرمان كما يفعل البعض متصوراً أنه وبالحرمان وحده يصل لمراتب العرفان.
أيضاً وفي قضايا السلوك يأتي الإنسان ليوفق بين الإسراف في النقد أو الدفاع فيتعفف ، كذلك في ممارسة العنف سواء البدني أو اللفظي، وهنا تأتي العفة في موضع ارتباط بينها وبين العدل والحياء كخُلق مُكمّل لا ينفك عن أقرانه، ولكن يبقى كمفهوم مُجرد مستقل بحاجة لفهمه وسلوكه لإدخاله ضمن معاني قيم النفس والدولة، وذلك للتمرس على الالتزام بالأحكام، فثمة توافق بين العفة-كمفهوم-والانضباط وكلاهما مصدر أصيل للارتقاء الإنساني.
اجمالي القراءات
7212