الفصل الثانى : فى تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية
( 1 ) فساد الشريعة السنية نظريا وتطبيقيا
أولا : الفساد النظرى فى الشريعة السّنية
إذا كانت مبادىء الشريعة الاسلامية تقوم على العدل والمساواة والحرية الدينية والشياسية وحق الحياة والرحمة والتيسير ، فإن الشريعة السّنية تتأسس على الظلم والفساد والتزمت والغلظة والاستبداد . بدأ تطبيقها قبل تدوينها خلال الفتوحات العربية التى تناقضت مع تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام ، ثم ما ترتب على هذه الفتوحات من إقامة امبراطورية أموية مستبدة على النسق السائد فى العصور الوسطى بالتناقض مع مبادىء الشريعة الاسلامية فى الحرية والعدل ، وخلفتها الامبراطورية العباسية ، ولأنها امبراطوريات تتمسح باسم الاسلام شكلا فقد كان لزاما وضع تشريعات لها تبرر وتسّوغ ظلمها . وهذه الشريعة التى بدأت كتابتها فى العصر العباسى وجّهت ضرباتها للقرآن الكريم لإخضاعه لأهوائهم ، عجزوا عن تحريف نصوصه فالتفتوا الى تغيير معانيه ومفاهيمه بالتأويل والتفسير ، ويبطلون تشريعات القرآن باسطورة النسخ ، مع أن النسخ يعنى الاثبات والكتابة وليس الحذف والالغاء ، ولنا بحث لنا منشور هنا ( لا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن الكريم )، ثم قاموا بصناعة أحاديث نسبوها للنبى بعد قرنين وأكثر من وفاته ، وتوالى وضع وأفتراء تلك الأحاديث تحت مصطلح السّنة . وتخصصت ( علوم القرآن ) للطعن فى القرآن تحت مسمى التجويد والقراءات السبع ، ووضع إختلافات فى الكتابة القرآنية تخالف الكتابة الأصلية للخط العثمانى المعتمد .
وفى كل ما سبق كتبنا ونشرنا مئات المقالات خلال ثلاثين عاما ، فى تجلية حقائق الاسلام وتوضيح التناقض بينه من جهة وبين السّنة والتشيع والتصوف من جهة اخرى . ونعطى هنا لمحة عن تلاعب الفقه السّنى بالشريعة الاسلامية الحقيقية الالهية القرآنية ، وكيف أنها قامت بتحويل الحرام الى فرض واجب وتحريم الحلال واستحلال الحرام وتدمير القواعد والكليات التشريعية القرآنية . ونعطى أمثلة :
التلاعب فى درجات التشريع فى القرآن الكريم
تدور التشريعات فى القرآن الكريم حول ثلاث درجات : الفرض المكتوب او الاوامر ، ثم النواهى أو المحرمات ، ثم ما بينهما وهو المباح ، ومنهج القرآن فى التشريعات فى هذه الدرجات ان يحدد الفروض والمحرمات ثم يترك المباح مفتوحا. وتلاعب الفقة السنى بدرجات التشريع القرآنى ، اذ اضاف اليه درجتين فى التشريع انتزعهما من المباح الحلال هما المكروه والمندوب او المسنون . فالمكروه هو مباح ينبغى تركه أو درجة اقل من الحرام, والمندوب او المسنون هو مباح ينبغى فعله وان لم يكن واجبا لأنه اقل من الفرض الواجب . وترتب على هذا التأويل والتعديل للمدار التشريعى الاسلامى القرآنى نتيجتان : (1) اضافة مصطلحات جديدة تخالف القرآن وهى المكروه والمندوب ، وعلى سبيل المثال فإن المكروه فى مصطلحات القرآن ليس مباحا اقل درجة من الحرام كما يقولون بل هو اشد انواع الحرام تجريما (الحجرات 7) (الاسراء 38 ) .(2 ) : هى التضييق من دائرة الحلال المباح وتحويل المباح الحلال الى مكروه لا ينبغى العمل به ، وهذا يعنى التدخل فى تشريع الله تعالى من حيث الدرجة ومن حيث التفصيلات.
التلاعب بقواعد التشريع الجامعة المانعة والمؤكدة :
1 – هناك قواعد تشريعية جامعه مانعه ، اى تجمع المحرمات داخل سور محدد وتمنع اخراج احد منه او اضافة احد اليه ، مثل المحرمات فى الزواج ، وقد ذكرها القرآن بالتفصيل ثم بعدها قال (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) : النساء 24 ) اى فالنساء داخل ذلك السور الجامع المانع كلهن محرمات ، والنساء خارج هذا السور الجامع المانع كلهن حلال للزواج ، وجاء التأويل السنى ليخرق هذا السور بأن اضاف اليه بالقياس قاعدتين فقهيتين جعلهما احاديث منسوبة للنبى وهى ( يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب ) ، ( لا تنكح المرأة على عمتها او خالتها ) ، وعلى ذلك فإذا اراد رجل ان يتزوج خالته من الرضاعة فإن ذلك حلال فى تشريع القرآن الكريم وحرام فى تشريع أهل السنة ، ونفس الحال اذا اراد ان يتزوج على امرأته عمتها او خالتها يقول تعالى ذلك حلال ويقول الفقهاء من اهل السنة ذلك حرام .
2 ـ وهناك مثال اخر هو المحرمات فى الطعام التى تكررت كثيرا فى القرآن الكريم " البقرة 173" ، " المائدة 3" ، " الانعام 145" ، " النمل 115" وهى الميتة والدم ولحم الخنزير وما يقدم للأوثان . وبرغم تحذير القرآن الكريم من اضافة اى محرمات جديدة للطعام ( المائدة 87، يونس 59:60 ، النحل 116: 117، التحريم 1) الا ان اهل السنة اضافوا تحريم الكثير من الحلال ، وتمتلىء بذلك كتب الفقة .
3 – وهناك قواعد تشريعية قرآنية مؤكدة باسلوب القصر والحصر مثل قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) ( الاسراء 33، الانعام 151 ) (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) الفرقان 68) اى فلا يجوز القتل فى الاسلام الا بالتشريع القرآنى الحق وهو طبقا للنصوص القرآنية يأتى فى صورة القصاص ، سواء كان ذلك فى الجرائم ( البقرة 178) او فى الحروب ( البقرة 194) وجاء الفكر السنى فألغى هذه القاعدة التشريعية المحكمة الملزمة فأضاف قتل المرتد والزنديق وتارك الصلاة ورجم الزانى ، ثم توسع فى القتل ليجعل من حق الامام ان يقتل ثلث الرعية فى سبيل اصلاح الثلثين ..!!
4 – وهناك قواعد تشريعية قرآنية جاء تأكيدها فى القرآن الكريم بكل اساليب التأكيد مثل الامر بالوصية للوارث وغير الوارث فى قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) : البقرة 180 ) فالتأكيد فى الوصية جاء بصيغ مختلفة شديدة الدلالة مثل "كتب عليكم " ، " إن ترك خيرا " ، " بالمعروف" ، " حقا "،" على المتقين" ، ثم جاءت الايات بعد ذلك تضع قواعد الوصية. وفى سورة النساء نزل الامر بالوصية ليطبق قبل توقيع الميراث (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) : النساء 11، 12) ومع ان الوالدين لهما حق فى الميراث وحق ايضا فى الوصية ، ومع ان قواعدالميراث والوصية هى حدود الله التى يحرم التعدى عليها ( النساء 13:14) الا ان الفقة السنى الغى الوصية للوارث طبقا لقاعدة فقهية جعلها حديثا نبويا يقول ( لا وصية لوارث ) وافتروا أن هذه الكذبة المخالفة للقرآن قد " نسخت الآيات المخالفة لها..
التلاعب بقواعد التشريع ومقاصده العظمى:
عموما فالاحكام في التشريعات القرآنية هي اوامر تدور في اطار قواعد تشريعية ،وهذه القواعد التشريعية لها مقاصد او اهداف ،او غايات عامة . يبدأ التشريع القرآنى بالأوامر مقترنة بقواعدها ، وقد تأتى المقاصد فى خلال الآية نفسها أو فى خلال السياق أو تأتى منفصلة. ولسنا فى مجال التفصيل لذلك ، ولكن اعطاء امثلة يعين على الفهم:-
1 ـ فى موضوع العفة والاحصان الخلقى جاءت "الأوامر " التشريعية بغض النظر المحرم للرجال والنساء معا وعدم الأقتراب من مقدمات الزنا والحشمة فى زى النساء " النور30 -31 الاسراء 32". ركز الفقه السلفى على هذه الأوامر الى درجة التطرف فتحول الخمار الذى يغطى الصدر دون الوجه والشعر الى نقاب يعبىء المراة ويعلبها فى غلاف اسود كئيب ، وهو مزايدة محرمة على حق الله تعالى فى التشريع، وتضييع لشهادة المرأة ودورها فى المجتمع المسلم وتحريم لكشف وجهها وهو حلال فى الاسلام، وأيضا ليس هذا مجاله ولكن نؤكد هنا ان هذا التطرف بفرض النقاب أضاع المقصد الأسمى من أوامر العفة والاحصان. فالمعروف أن النقاب من اهم عوامل انتشار الانحلال الخلقى حيث تتخفى فيه المرأة وتفعل ما تشاء دون أن يتعرف عليها احد. واسألوا أهل الفكر السلفى ان كنتم لا تعلمون.
2 ـ فى العبادات : هى مجرد أوامر ، واجب علينا اداؤها لبلوغ الهدف الأسمى وهو التقوى" البقرة - 183 -196 -197 ـ21" أو هى مجرد وسائل للتقوى نستطيع بها الابتعاد عن الفحشاء والمنكر" العنكبوت45" وهذا هو المعنى الحقيقى لاقامة الصلاة وايتاء الزكاة أى التزكى والسمو الخلقى بالتقوى. كل ذلك أضاعه الدين السّنى السلفى حين جعل الصلاة والزكاة والحج أهدافا بذاتها، فاذا أديت الصلاة فلا عليك ان عصيت وستقوم صلاتك بمسح ذنوبك " ودى نقرة ودى نقرة " كما يقول المثل الشعبى المصرى، واذا تبرعت لبناء مسجد ولو كمفحص قطاة تمتعت بقصر فى الجنة. واذا أديت الحج رجعت منه عاريا.. آسف ... رجعت منع كيوم ولدتك أمك ا..وأكثر من ذلك ستدخل الجنة ـ غصب عنك ـ لأنك من امة محمد مهما فعلت. يكفيك أن تقول الشهادتين ثم تعيث فى الأرض فسادا. المهم أن التأويل السلفى حول العبادات الى تدين سطحى وحول الأخلاق الى مستنقع من النفاق والكذب والتدجيل. ونحن مشهورون بين الأمم بكل ما يشين بسبب ذلك .
3 ـ فى تشريع القتال : تحول الى ارهاب وإعتداء لأن الفقه السّنى ركّز على الأمر وأهمل القاعدة والمقصد التشريعى. فالامر بالقتال "قاتلوا " "جاهدوا " "انفروا "له قاعدة تشريعية وهى ان يكون للدفاع عن النفس ورد الاعتداء بمثله او بتعبير القرآن (في سبيل الله )،ثم يكون الهدف النهائي للقتال هو تقرير الحرية الدينية ومنع الاضطهاد في الدين ،كي يختار كل انسان ما يشاء من عقيدة وهو يعيش في سلام وامان حتي يكون مسئولا عن اختياره الحُرّ يوم القيامة بدون اكراه فى الدين حتى لا تكون لأى بشر حجة امام الله تعالى يوم الدين. يقول الله تعالي ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) :البقرة ) فالامر هنا ( قَاتِلُوا )والقاعدة التشريعية هي ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )، وتتكرر القاعدة التشريعية في قوله تعالي ( فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) :البقرة 194). اما المقصد او الغاية التشريعية فهي في قوله تعالي (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193):البقرة 193) أي ان منع الفتنة هي الهدف الاساس من التشريع بالقتال . والفتنة في المصطلح القرآني هي الاكراه في الدين أو الاضطهاد في الدين ،وهذا ماكان يفعله المشركون في مكة ضد المسلمين يقول تعالي (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا ):البقرة 217). وبتقرير الحرية الدينية ومنع الفتنة او الاضطهاد الديني يكون الدين كله لله تعالي يحكم فيه وحده يوم القيامة دون ان يغتصب احدهم سلطة الله في محاكم التفتيش واضطهاد المخالفين في الرأي، وذلك معني قوله تعالي (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ (39): الانفال 39 ) .
قام الفقه السّنى بالتركيز فقط على الأمر بالجهاد والقتال" قاتلوا" واهملوا القاعدة التشريعية للقتال او المسوغ الوحيد لاباحته وهو ان يكون القتال دفاعيا فقط . وترتب على هذا أن أصبح القتال ليس فى سبيل الله تعالى لاقرار الحرية الدينية ومنع الاكراه فى الدين ، وليس لمجرد الدفاع الشرعى عن النفس ، بل أصبح لتشريع العدوان على الغير وجعله ليس فقط مباحا بل واجبا شرعيا باعتباره جهادا اسلاميا. أى جعلوا الاعتداء والسلب والنهب والاسترقاق والسبى فرضا إسلاميا.
ثانيا : الفساد العملى فى تطبيق الشريعة السنية :
الشريعة السّنية التى ينادون بتطبيقها كانت مطبقة طيلة العصور الوسطى من العصر الأموى حتى العصر العثمانى ، الى أن بدأت مصر فى تحديث نظامها التشريعى والقضائى فى القرن التاسع عشر . ولا تزال هذه الشريعة السّنية مطبقة فى السعودية تنشر الظلم باسم الاسلام وهو دين العدل والرحمة . الواقع أنه ترسّخ الظلم فى العصور الوسطى تحت لافتة تطبيق الشريعة ، وفى دول المسلمين فى القرون الوسطى لم يوجد قانون محدد ومفصل ومتفق عليه يحكم به القاضى . كان أمام القاضى عشرات الآراء الفقهية المختلفة فى القضية الواحدة يختار من بينها ما يريد و يفتى بما يريد. وبهذا يتحول القاضى من مجرد ناطق بالحكم إلى مشرع يختلق الأحكام ثم يقوم باصدارها، وهذا ما كان عليه نظام القضاء فى الدولة الدينية، أى يكون القاضى مشرعا وناطقا بالحكم فى نفس الوقت. إذ يكون الجهة التى تشرّع (البرلمان) أى يختار رأيا فقهيا من عشرات الآراء الفقهية المختلفة والمتضاربة، ثم يكون (القاضي) حين يطبق ذلك التشريع على الحالة المعروضة عليه فى مجلس القضاء. وعلى فرض نزاهته و تحريه للحق فى إصدار الحكم فإن منبع الخطأ يكمن فى جمعه للسلطتين (التشريعية و القضائية). ولكن تعقد النظام القضائى فى العصور الوسطى (فى العصر المملوكى مثلا) وضع العراقيل أمام القاضي النزيه الذى يريد أن يتحرى العدل. كان التشريع القائم طبقا للمذاهب السنية الأربعة، أى قاضى قضاء شافعى وحنفى ومالكى وحنبلى، وكل منهم يتبعه (نائب للحكم) أى قاضى محلى فى كل مدينة أو كل حى، وكل قاضى محلى يحكم رسميا بمذهبه، وليس مذهبه هذا كتابا محددا تم تقنين الحالات فيه، ولكن الحكم بالمذهب الفلانى تعنى جميع الكتب الفقهية التى كتبها أرباب هذا المذهب بكل ما فيها من ثرثرة وتعارض واختلاف. أى فى النهاية يحكم القاضى بهواه، ثم ليس هناك مساءلة عليه لو أخطأ فى الحكم، لأن ولاءه للخليفة أو السلطان المستبد، وطالما رضي عنه المستبد فلا عليه مهما ظلم. وفى النهاية كان وجود القاضى النزية أمرا غير مرغوب، فصلاحية القاضى لم تكن لنزاهته وعدالته أو علمه وخلقه، ولكن كان لمدى ولائه للمستبد وطاعته له، بل أكثر من ذلك، كان الوصول لمنصب القضاء ـ فى العصر المملوكى ـ يستلزم دفع الرشوة للسلطان وأعوانه، وكان شراء المناصب شرعا رسميا أقيم من أجله (ديوان البذل والبرطلة)، وعندما يباشر القاضى وظيفته يعوض ما دفعه من رشوة بأخذ الرشاوى من الناس. هذا هو الواقع العملي لتطبيق الشريعة فى العصرين المملوكى والعثمانى..
واستفحل الظلم بوجود وظيفة المحتسب . كان المحتسب في العصر المملوكي أبرز مظهر لتطبيق الشريعة السّنية ، ويقوم المحتسب بثلاث وظائف في عصرنا الراهن فهو مفتش التموين وهو شرطة التموين وهو القاضي الذي يصدر الأحكام في قضايا التسعيرة ، وفي العصر المملوكي كان المحتسب يشرف على الأسواق ويراقب الموازين والمكاييل ويصدر التسعيرة ثم هو الذي يعاقب المنحرفين بالأسواق وبالطريقة التي يراها . أي كان قاضيا وشرطيا ومفتشا ومنفذا وسجانا في نفس الوقت . وفي سلطنة قايتباي كان الأمير المملوكي يشبك الجمالي هو محتسب القاهرة وقد تولى هذا المنصب يوم الاثنين 24 ربيع آخر سنة 873 هـ . وكان المحتسب يشبك الجمالي أعجوبة في الظلم والقسوة . فذلك المحتسب لم ينزل بنفسه للأسواق وإنما أوكل الأمر لأعوانه ، وأولئك استطاعوا أن يحوزا ثقته وبعدها فرضوا الإتاوات على التجار فتلاعب التجار بالأسعار وبالموازين كيف شاءوا، طالما يدفعون الرشاوى لأعوان المحتسب ، وفي نفس الوقت فأن الذي يرفض دفع الإتاوة يقبض عليه أولئك الأعوان ويقدمونه للمحتسب فيأمر بعقابه أشنع عقاب .. ويصف المؤرخ القاضى ابن الصيرفي ما كان يفعله المحتسب المملوكي فيقول أن أعوان المحتسب كانوا يحضرون له من لا يدفعون لهم المعلوم " فيضربهم ثلاث علقات : واحدة على مقاعده وأخرى على رجليه وثالثة على أكتافه ويشهرونه بلا طرطور بل يكشفون رأسه .. ويدورون به في القاهرة .. " .. . !! ويقول عن أحكامه " وأما أحكامه فبالبخت والنصيب وأما أخلاقه ففي غاية الشراسة حتى أنه يغضب على من قربه وجعله أميرا .. هذا مع دينه المتين ومحافظته على الصلاة والصيام ولكن عنده تعصب على الآمر الظاهر الجلي القطعي .. والله تعالى يعامله بعدله سريعا . " !! . وفي يوم الثلاثاء 16 صفر سنة 875 أنزل المحتسب يشبك عقوبة فظيعة بتاجر مسكين فقير ، فبعد أن ضربه الثلاث علقات المعهودة وبعد أن جرسه في شوارع القاهرة أمر بصلبه على حانوته بزراع واحدة وربط زراعه الأخرى إلى ظهره ولطخه بالعسل وصلبه تحت الشمس فتجمع حوله النحل والنمل والدبابير والذباب .. والسبب أن الأعوان المرتشين اتهموا التاجر المسكين بأنه يبيع أزيد من التسعيرة .هنا نتذكر ـ بكل أسى ـ أن تقنين الظلم هذا كان يتم تحت اسم شرع الله جل وعلا، وتحت الزعم بتطبيق الشريعة. ونتذكر أيضا ـ بكل أسى ـ كيف حفلت آيات القرآن الكريم، ليس فقط بالحث على العدل و القسط، ولكن أيضا بمنع وتحريم الظلم. وهذا التكرار يحوى إعجازا موجها لمن سيأتى بعد نزول القرآن، حيث يكون شاهدا على انحرافهم وتعديهم على شرع الله جل وعلا وإحلال الظلم محل العدل، ثم يكون ذلك تحت اسم الاسلام العظيم وشريعته السمحاء.!! ويجب أيضا أن نتذكر ـ بكل غضب ـ أولئك السلفيين الذين يريدون إعادتنا الى نفس الأفك، ظلما لله جل وعلا ودينه وشرعه.. وظلما لنا نحن المسلمين. وبعد قيام الدولة الحديثة فى مصر بدأ تقنين الدستور والقوانين فى مواد محددة محكمة، وانحصرت وظيفة القاضى فى أن يجتهد فى تطبيق ذلك النص على الحالة، دون أن يملك الحق فى تجاهل النص أو تغييره.ولكن يعتبر السلفيون هذا ردة عن (شرع الله)، لأنهم يعتبرون خرافات الفقه السنى واكاذيبه هى (شرع الله)، ويحكمون بكفر من لم يحكم بما أنزله الله، ويتناسون أن أئمتهم من مالك والشافعى وابن حنبل والبخارى الى ابن عبدالوهاب وسيد سابق هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله جل وعلا، وهم الذين يفترون على الله جل وعلا كذبا.
أخيرا
هذا المقال هو تجميع من أبحاث سابقة ، منها ما كان منشورا فى التسعينيات مثل بحث ( التأويل ) ، ومنها بحث عن تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى ، وآخر عن نظام القضاء بين الاسلام والمسلمين . المقصود أننا نكتب فى هذا الاصلاح نحذّر ونُنذر ، ودون جدوى . والآن ، وفى وقت كتابة هذه السطور قبيل فجر يوم الخميس 25 يولية 2013 يخفق القلب على مصير مصر ، فقد طلب الفريق عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع من المصريين أن يتظاهروا يوم الجمعة ( غدا ) لتفويض الجيش والشرطة بمواجهة الاخوان وهم يقطعون الطريق ويعيثون فى الأرض فسادا إستغلالا منهم للديمقراطية وحرية التظاهر ، فاعتصموا فى ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة بالقاهرة والجيزة ، يتحركون منها هنا وهناك لارهاب الناس . وتحركت جموعهم فى المدن الأخرى تقطع الطريق وترهب الناس ، هذا مع هجوم أتباعهم فى سيناء على الجيش المصرى ، وتهديداتهم بحرق مصر إن لم يرجع رئيسهم المعزول الفاشل محمد مرسى المتهم بالخيانة العظمى . وقد قلت من قبل إن الاخوان يؤمنون بمقولة ( إما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم ) ، وأنهم مع المعادلة الصفرية إما أن يكونوا فى الحكم وإما أن يدمروا الوطن . هذه هى شريعتهم الحقيقية ، وهم الآن يطبقونها بالدم وبالنار وبالتدمير والارهاب . وقد حرصوا فى دستورهم على النّصّ على ( مذاهب أهل السنة والجماعة ) ، وهذا ما عرضنا له هنا فى تناقض الشريعة السّنية مع الشريعة الاسلامية من الناحية النظرية ، ويتأكد الآن أن شريعتهم تحتاج الى الارهاب لفرضها على الناس . ليس مهما عندهم أن الشعب المصرى أقام اكبر مظاهرة فى تاريخ البشرية رفضا لهم ، المهم عندهم هو إما أن يمتطوا هذا الشعب بالاكراه وإما أن يدمروه بالارهاب .
كباحث مسلم متخصص أقول إنه ينطبق عليهم العقوبة القرآنية التى يجب تطبيقها على الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا ، وأن عقوبتهم القتل أو الصلب أو تقطيع الايدى والأرجل من خلاف أو النفى ـ إن لم يتوبوا قبل المعركة . هم يقطعون الطريق ويقتلون الناس ويباشرون استحلال الزنا ( جهاد المناكحة ) ويريدون فرض شريعة تتناقض مع شرع الله جل وعلا وينسبونها لله جل وعلا ولرسوله ، وهم يستحقون بذلك الوصف بأنهم يحاربون الله ورسوله : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34 ) ( المائدة ). هم سرطان فى الجسد المصرى يجب إستئصاله ..
والى الذين يستفظعون عقوبة الصلب والتقطيع فى الآية الكريمة أقول إن هذا هو شرع الله .ونحن نجتهد بالقول بأن الآية الكريمة تنطبق على قادة الاخوان، وبعد تطبيقها لن تقوم للأخوان قائمة. ونتحمل مسئولية هذا الرأى أمام الله جل وعلا . ونحترم حق الآخرين فى الاختلاف معنا .
( 2 )
كيفية تطبيق الشريعة الاسلامية فى لمحة سريعة
القوانين الاسلامية نوعان : نوع اورده رب العزة فى القرآن الكريم سواء فى تفصيلات تشريعية أو فى قواعد تشريعية ، ونوع متروك للبشر تشريعه يدخل فى الحلال المباح الذى يتطلب التنظيم ، وتشريعات أخرى يتطلبها صالح المجتمع ، ويجب أن يكون التشريع البشرى فيها خاضعا للمبادىء الستة للشريعة الاسلامية ولا تتعارض معها . التخفيف الأكبر فى الشريعة الاسلامية يتجلّى فى ترك الهامش الأكبر للتشريع البشرى فى ظل المبادىء الستة للشريعة الاسلامية . فعلى عكس شريعة الفقهاء التى تتدخل فى كل شىء وتختلف فى كل شىء فإن آيات التشريع المدنى فى القرآن حوالى مائتى أية بما فيها من تكرار وتفصيل وتأكيد.. ومعنى ذلك أن هناك قدرا هائلا قد تركه القرآن لاجتهاد البشر فيما يقع فيه التطور واختلاف الظروف ، وبذلك يكون تشريع القرآن صالحا لكل زمان ومكان. وتفصيل القول فى تشريعات القرآن ومواضع الاجتهاد فيها يحتاج إلى مجلد كامل، ولكن نكتفى هنا باشارات سريعة من بحث سابق لنا عن نظام القضاء بين الاسلام والمسلمين:
* فهناك تشريعات قرآنية خاصة بزمانها ومكانها ولا مجال لتطبيقها فى عصرنا، مثل حديث القرآن عن التشريعات الخاصة بالنبى وبيوته وزوجاته وعلاقاته بأصحابه.
* وهناك تشريعات قرآنية لا يمكن تطبيقها إلا إذا توفرت ظروفها. فإذا لم تتوفر ظروفها فلا حاجة بنا لتطبيقها، مثل احكام الرقيق، اذ لا ضير فى أن يذكرها القرآن، فشأن التشريع أن يذكر كل حالة، أما التطبيق فلا يكون إلا إذا وجدت حالات صالحة للتطبيق، وعلى سبيل المثال فالقانون يتحدث عن نفقة الزوجة المطلقة ولكن ذلك لا يتم تطبيقه على الأعزب الذى لم يتزوج ولم يطلق.. فإذا تزوج وطلق زوجته أصبح خاضعا بحالته تلك للقانون. وهكذا فتشريع القرآن عن الرق لا تسرى إلا فى عصر يكون فيه الاسترقاق شائعا اجتماعيا. مع ملاحظة إنه لا يمكن القضاء تماما على ظاهرة الرق، وإن تشريعات القرآن قد قصدت فى المقام الأول تحرير الرقيق.. وتلك قضية أخرى.
* وهناك الثابت والمتغير فى تشريعات الجهاد، وهو موضوع شرحه يطول، يدخل فيه التدرج فى التشريع فى العلاقات بين المسلمين المسالمين و المشركين المعتدين، وعلى المسلمين مراعاة ذلك التدرج فى التشريع أو التقنين، وأيضا فى التطبيق. وقد تحدثنا عن ذلك فى بحث (النسخ فى القرآن الكريم يعنى الاثبات والكتابة وليس الحذف والالغاء)
* وهناك تشريعات قرآنية لا تحتاج الى تقنين بشرى لأنه لا دخل لسلطة الدولة فيها لأن مناط تطبيقها موكول للفرد وتعامله مع ربه جل وعلا، ويدخل فى هذا الاطار الأخلاقى للقرآن الكريم فى تعامل الفرد مع نفسه وأسرته ومن حوله، ومنها بعض الوصايا الأخلاقية المذكورة فى السور المكية (الاسراء 22: 39) (الفرقان 63) (الأنعام151 : 153) (النحل 90: 95) وفى السور المدنية (البقرة 44: 46، 83، 109، 153، 177، 261 : 274) (النساء 36).. مجرد أمثلة..
* وهناك تشريعات قرآنية جامعة مانعة، والاجتهاد يكون فى تطبيقها كما هى دون زيادة أو نقصان، والمثال الواضح فى ذلك هو المحرمات فى الزواج (النساء 22: 24) مع ملاحظة أن تشريع الفقهاء لم يلتزم بهذا التحريم الجامع المانع، فأضاف للمحرمات فى الزواج ما أحله الله تعالى، مثل قولهم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وقولهم: يحرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها. فالقرآن يجيز ذلك، والفقهاء يحرمونه أى يحرمون ما أحل الله. وهناك مثال آخر للمحرمات الجامعة المانعة، كتحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وقد فصل القرآن القول فيها وحذر من تحريم ما أحل الله، ولكن الفقهاء حرموا الكثير من الحلال بالمخالفة لتشريع القرآن. وينطبق ذلك أيضا على القواعد التشريعية الجامعة المانعة، مثل تحريم قتل النفس إلا بالحق أى بالقصاص، وقد خالف الفقهاء هذه القاعدة التشريعية فحكموا بالقتل للمرتد والزانى المحصن وأسباب أخرى كثيرة أى أحلوا ما حرم الله.أى أن الفقهاء اجتهدوا فى الحكم بغير ما أنزل الله تعالى فى تشريعاته الجامعة المانعة الملزمة، والتى لا يكون الاجتهاد فيها إلا بتطبيقها كما هي.
* وهناك تفصيلات تشريعية احتكم فيها القرآن للعرف أو المعروف، وهنا نحتاج إلى قوانين وتشريعات لتقنين ذلك العرف حسب أحوال العصر. ومثلا يقول تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ) "البقرة 233" فالتشريع البشرى يتدخل هنا فى تقنين نفقة الرضيع على أبيه بحسب العملة السائدة وظروف العصر، والقاضى يقوم بتقدير تلك النفقة على الحالة المعروضة أمامه حسب فقر الأب وغناه. ونحو ذلك قوله جل وعلا فى التعامل مع الزوجة المطلقة وحقها فى العيش فى سكن ملائم ونفقة ملائمة واجبة على الزوج (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) (الطلاق 6). هنا نجد المعروف هو المعوّل عليه فى سن القانون بمعرفة الهيئة التشريعية، وفى تطبيقه على يد القاضى. ولقد كان خاتم المرسلين نفسه مأمورا باتباع المعروف أو العرف (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف 199). وبالتالى فان التزام العرف يكون فى جانبين: سنّ قوانين فى المباحات المسكوت عنها، وفى تطبيق الأوامر التشريعية فى القرآن الكريم.
* وقد جاءت تشريعات القرآن فى رعاية الأسرة وحقوق الإنسان أو حقوق العباد وتنمية الأخلاق وركزت على تفصيل المحرمات بينما تركت المباح الحلال مفتوحة أبوابه لأنه هو الأصل. وهذا المباح يحتاج إلى اجتهاد تشريعى فى تنظيمه فى إطار المبادىء الست للشريعة الاسلامية من العدل والمساواة والحرية الدينية والسياسية وحصانة النفس البشرية والتيسير والتخفيف فى صياغة القوانين، بما يحقق رعاية المصالح والإحسان وعدم إيقاع الضرر وحفظ حقوق العباد. وكل القوانين فى ذلك الإطار تكون تشريعا إسلاميا، وهذا حق البشر فى التشريع وفق ما أنزل الله تعالى.
وكل ما يدور فى إطار القوانين المستحدثة فى المرور والمساكن والتنظيم والإدارة والصحة والتعليم والخدمات.. إلخ.. كل ذلك فى إطار التشريع البشري المسموح به إسلاميا لأنه متروك لاجتهاد البشر فيما سكت عنه القرآن وتركه للعرف والمعروف .
*حقوق الله تعالى فى العقيدة وفى العبادات فليس لأحد أن يتدخل فيها لأن مرجع الحكم فيها لله تعالى يوم القيامة، وهى مسألة هداية يتوقف الأمر فيها على كل إنسان إذا اهتدى فلنفسه وإن ضل فعلى نفسه. أما حقوق العباد أو حقوق الإنسان فهى مسئولية المجتمع لحفظ حقوق الأفراد، ولذلك فإن العقوبات المدنية إنما تكون فيما يخص حقوق العباد فقط. حقهم فى الحياة والأموال والأعراض وحق المجتمع كله فى الأمن، وتتحدد العقوبات هنا فى جرائم الزنا والقذف والقتل وقطع الطريق والسرقة. ولسنا فى موضع التفصيل للشروط الموضوعية لتطبيق هذه العقوبات، ولكن نشير إلى أن تشريعات الفقهاء، غيرت المصطلح إلى الحدود، وكلمة الحدود تعنى الحق والشرع فى القرآن، وبعد تغيير المصطلح أضافوا عقوبات جديدة كالرجم والردة وعقوبة شرب الخمر وغيرها. وبهذا اتسع التناقض بين تشريع القرآن وتشريع الفقهاء.
نؤكد ثانيا أنه ليس للتشريع المصرح به للمسلمين أن يتدخل فى العقائد والعبادات من واجبات مفروضة ومن محرمات محظورة، وأمامه الباب واسعا في المباح المسكوت عنه وفق القيم العليا للاسلام المشار اليها، والتى تحمل مصطلح (العرف) و (المعروف).
( 3 )
تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية يستلزم إصلاحا تشريعيا حقيقيا
أولا :
1 ـ توقفنا مع مبادىء للشريعة الاسلامية وهى : (1 ) المساواة ،و(2 ) الديمقراطية المباشرة أو الحرية السياسية وحّكم الشعب ، وتحريم الاستبداد ، و(3 ) الحرية المطلقة فى الدين ، و (4 ) العدل ، و( 5) حق الحياة ، و (6) التخفيف والتيسير فى إصدار التشريعات .
2 ـ التطبيق الفعلى لهذه المبادىء يستلزم حزمة من الاصلاحات يحرّر مصر من الثقافة الدينية الوهابية التى تتجلّى الآن فى آلاف المُغيّبين من معتصمى الاخوان فى ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة ، إذ تعرضوا لغسيل مخ عبر الاعلام والتعليم والمساجد ، فأصبحوا ضحايا لدين أرضى متطرف يجعلهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعا وهم يدمرون أنفسهم ويدمرون وطنهم .
3 ـ هم لا يصلحون لتطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية فى المساواة والديمقراطية المباشرة أو الحرية السياسية وحّكم الشعب ، وتحريم الاستبداد ، وتقرير الحرية المطلقة فى الدين لجميع المواطنين ،والعدل ، وحق الحياة ، والتخفيف والتيسير فى إصدار التشريعات. فقد تشربوا أن الاسلام هم حكر لهم دون الآخرين ، وأنهم المُختارون من رب العالمين لفرض دينهم السُّنى الوهابى على الناس أجمعين ، وأن الشورى الاسلامية تعنى أنهم هم المختارون من الله جل وعلا للتحكم فى الناس ، وأنهم هم مصدر السّلطة التى إختصّهم بها الله جل وعلا من دون الناس ، وأنهم وحدهم الذين يتمتعون بحرية الدين دون غيرهم ، وأنهم مُخولون من الله جل وعلا لإكراه الناس فى الدين وقتل من يخالفهم بتهمة حدّ الردة وبشريعتهم فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والخروج عن ( جماعة المسلمين )، وأن كل ما يرتكبونه من جرائم وظلم هو ( العدل ) ، وأن لهم وحدهم حق الحياة ولغيرهم حق الموت ، ولا بد من التضييق على الناس بتشريعات الفقهاء التى تحرّم الغناء والفن والمّتع الحلال التى أباحها الله جل وعلا ، ولا بد من إسترقاق المرأة واستعبادها وتعبئتها فى النقاب ، ونفيها داخل الحجاب أو وراء الحجاب . ثم هم مستعدون للقتال فى سبيل هذه الخرافات،ولو بقتل أنفسهم وتدمير وطنهم .
4 ـ هم تشربوا هذا الدين الوهابى الحنبلى السّنى على أنه هو الاسلام الصحيح ، وتمّ هذا التزييف والتغييب عبر أجهزة الدولة المصرية فى الأزهر والتعليم ( فى مواد ومناهج التربية الدينية والقراءة والتاريخ ) وفى المساجد والقنوات الفضائية من خلال البرامج الدينية والمسلسلات الدرامية التى تقدم تاريخا مغلوطا يمجّد السلف ، ويُحبّذ العودة لعصر السلف الصالح ، وقد أعادوه فعلا فى الثياب ولغة الحديث والتدين السطحى المظهرى والاحتراف الدينى ، وفى الخصومة مع العصر وثقافة الحداثة والمعاصرة . وهم بذلك يكفرون بصلاحية الاسلام لكل عصر ، طالما قد حصروه فى العصور الوسطى ، عصر الظلم والاستبداد والفساد والخليفة الذى يملك الأرض وما عليها ومن عليها ، وأهل الحلّ والعقد أو ( الملأ ) الذى يفتى للسلطان أو الخليفة بما يحلو له ، ويسوّغ له أن يقتل من يشاء بسيف الشرع ، وأن من حقه أن يقتل ثُلث الرعية لاصلاح الثُلثين .
5 ـ الأغلبية العظمى من المصريين المسلمين ضحايا بدرجات مختلفة لهذا الدين الوهابى ، بدليل أنهم يطلقون على أولئك الوهابيين لقب ( إسلاميين ) وأن حركتهم ( اسلامية ) ، أى يؤيدونهم فى إحتكارهم للاسلام ، ولا يؤمنون بأن الوهابية السنية تناقض الاسلام . بل إنه إذا ناقشنا بعض المعادين سياسيا للإخوان والسلفيين وأثبتنا لهم أن الاله الأعظم للسلفية الوهابية وهو البخارى يطعن فى رب العزة والرسول والاسلام والقرآن تراه يرتعب مستنكرا ، ولو جعلته يقرأ أحاديث البخارى فى هذا الشأن تراه ينقلب عليك ساخطا ، وقد تحوّل الى سلفى متشدد يتهمك بانكار السّنة . بإختصار مُزعج ومُؤلم ، فالأغلبية العظمى من المسلمين المصريين يدينون بالوهابية حتى من يزعم منهم انه علمانى . والدليل يظهر عندما تناقشهم فى تناقض السّنة البشرية مع القرآن الكريم . وهذا يعنى وجود مشكلة حقيقية تجذرت فى عقيدة المسلمين المصرين من عهد السادات حتى الان ، وعاش بها هذا الجيل ممّن هم تحت سنّ الأربعين .
6 ـ ومن هنا نفهم سكوت التيارت المدنية والعلمانية عن مناصرتنا نحن ( اهل القرآن ) وتخاذلهم عنا ونحن نعانى من طاحونة مبارك فى تعذيبنا واعتقالنا ومطاردتنا ، مع حاجة هذه التيارات لجهادنا الفكرى الاسلامى التنويرى فى مواجهة دعاة الظلامية الوهابية . تركونا نعانى الاضطهاد والسجن والتشريد لأنهم فى قرارة أنفسهم يشاركون الاخوان والسلفيين وبقية الوهابيين فى أننا كفرة ومنكرو سُنّة وأعداء للنبى عليه السلام . وحتى لو إقتنع بعضهم بأننا على حق فإنهم يفتقدون الى شجاعة الراحل العظيم فرج فودة الذى وضع يده فى أيدينا ، وكان مّمكنا أن يتغير مسار التاريخ لو لم يغتاله الوهابيون بتدبير من نظام مبارك .
7 ـ الآن ..ومصر تقف على حافة الخطر يتّضح صحّة موقفنا ، فما قلناه وما حذّرنا منه وقع . ونقول الآن إنه المشكلة ستستمر وستتفاقم بعد الهزيمة السياسية للأخوان ، وقد تحدث فظائع قادمة لو لم يتم الاصلاح الذى يجعل عموم المصريين يتفهمون مبادىء الشريعة الاسلامية الحقيقية وتناقضها مع شريعة الوهابيين السّنية المنتمية الى عصور الظلام والاستبداد والاستبعاد والفساد .
ثانيا : لا بد من إصلاح تشريعى
1 ـ بتقرير حرية الرأى المطلقة بلا قيود قانونية من أى نوع . الاستثناء الوحيد هى إتهام المحصنات فى شرفهن . وما عدا ذلك فلا مؤاخذة فيه ولا عقوبة ، وهذا بالتوازى مع حرية الاعلام الذى يلتزم بعرض كل الآراء وبحق الحصول على المعلومات ، وبالتالى فمن حقك أن تقول رأيك فى أى مسئول ، ومن حق المسئول أن يرد عليك بالمستندات وبالحجة ، فلا حصانة لأى شخص مهما بلغت مكانته . هذه هى الحرية المطلقة للرأى فى الشريعة الاسلامية والتى تتبع الحرية المطلقة فى الدين . فطالما ان الله جل وعلا ترك الحرية مطلقة للبشر فى أن يتقولوا عليه ما يشاءون فالأولى لأولى الأمر ـ أن تكون للناس نفس الحرية فى الرأى بشأنهم ، وإلا فقد وضعوا أنفسهم فوق رب العزة جل وعلا.
2 ـ وهذا يتطلب إصلاحا قانونيا يتيح الحرية المطلقة فى الرأى والفكر ، لأنّ سقوط الاخوان سياسيا لا يعنى زوال خطرهم، فالخطر الحقيقى فى الأصل وهو الوهابية ، و لا بد من مواجهتها من داخل الاسلام ، وهذا لا يتطلب فقط إصلاحا دستوريا بل إصلاحا قانونيا يجعل القوانين متفقة مع نصوص الدستور التى تحمى حرية الفكر والدين والرأى. أى لا بد من غربلة القوانين المصرية خصوصا قانون العقوبات وإزالة كل القوانين التى تعاقب صاحب الرأى بتهم ظالمة مثل إهانة القوات المسلحة والرئيس والمؤسسات القضائية ، وكل قوانين الحسبة و إزدراء الدين ، والقوانين التى تجرّم بعبارات مطاطة أى تحرك سياسى أو رأى مثل ( تكدير الرأى العام ) و ( التحبيذ على كذا وكذا ..) . إن فى قانون العقوبات المصرى ترسانة من هذه القوانين سيئة السمعة بما يكفى لسجن الشعب المصرى كله بتهم مطاطة مثل التحبيذ والترويج . ومؤخرا سمعنا ذلك المعزول مرسى يهدد المصريين بالقانون يقول بأعلى صوته :( بالقانون )، وكان يعنى قانون العقوبات الملىء بهذه العاهات .
3 ـ هذه العاهات القانونية هى سلاح أى رئيس مستبد ، وسلاح أى مؤسسة تريد أن تؤله نفسها وترفعها فوق النقد. هذه العاهات القانونية تتيح لبلطجية المحامين رفع دعاوى ظالمة لمجرد أن يشتهروا فى الصحف وللانتقام من خصومهم السياسيين ، هذه العاهات القانونية تشغل المجتمع عن الانتاج وتشغل النظام القضائى عن دوره فى تحقيق العدل ،وتُنهكه فى قضايا لا أساس لها فى الواقع . والأهم أن هذه العاهات القانونية تعيق الاصلاح . ومفكر مسلم مسالم مثلى من الممكن أن يدخل السجن بسبب تلك القوانين الفاجرة .
( 4 )
تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية يستلزم إصلاح الأزهر (1 )
مقدمة :
1 ـ قبل الدخول فى موضوع (إصلاح الأزهر ) أنشر هذا الحوار الصحفى الذى أجرته معى صحيفة الأهالى فى عهد رئيس تحريرها الراحل ( فيليب جلاد ) ، وكان هذا بتاريخ 5 فبراير 1992 ، تحت عنوان (حوار مع عالم اسلامى صادره الازهر ). والملاحظ أن المُحاور لم يذكر إسمه خوفا من إرهاب الأزهر والجماعات المتطرفة ، وكانت فى ذروة نشاطها يومئذ ، وكانت تحظى وقتها بتأيد خفى من الأزهر .
2 ـ ننقل الحوار كما هو لنتحسّر على حال مصر بعد هذا الحوار ب21 عاما ، ولعل هذا الحوار يحفز همة بعض المتنفذين لاصلاح الأزهر ، وهذا الحوار هو المدخل لمقالات تالية عن إصلاح الأزهر .
أولا : قالت عنّى وقتها جريدة ( الاهالى ) فى بداية الحوار : ( يصف نفسه بأنه أزهرى حتى قبل مولده. فقد ارتبطت أسرته فى محافظة الشرقية بالتفوق فى مراحل التعليم الازهرى منذ الاربعينات وحتى الثمانينات.وخلال مراحل تعليمه الازهرى حافظ على ذلك التراث العائلى فى التفوق الازهرى حتى تخرج بمرتبة الشرف فى قسم التاريخ والحضارة سنة1977 ، وعمل معيدا بالقسم إلى أن تم فصله من الجامعة وهو على وشك الحصول على درجة استاذ مساعد ، بسبب أنه اجتهد فى عمله وأصدر الكثير من المؤلفات . وبسبب دأبه فى البحث العلمى عرف الاضطهاد من كل الاشكال ومن بينها مصادرة كتبه ومؤلفاته ودخوله السجن بتهمة فكرية ملفقة . انه الدكتور احمد صبحى منصور الذى يصفه بعض المثقفين والكتاب بانه جوهرة الازهر..)
ثانيا : ثم دار الحوار الذى نشرته الجريدة بلا أدنى حذف أو تحوير :
سألته : ماهى الكتب التى صودرت لك بمعرفة المسئولين فى الأزهر ؟:
قال :هناك نوعان من المصادرة مصادرة الفكر وهى الأخطر والأشد قسوة ثم مصادرة الكتب وهى التى تحظى بالاهتمام اليوم ، وربما أكون المفكر الوحيد الذى تعرض لمصادرة فكره ومصادرة مؤلفاته معا .
سألته : كيف صودر فكرك ؟
قال :هنا لابد من توضيح أن الفكر الذى أعتنقه والذى يصادره خصوم من المشايخ يعبر فى الحقيقة عن الروح الحقيقية للأزهر وعن دور الازهر الذى ينبغى القيام به طبقا لقانون الازهر نفسه وهو " تجلية حقائق الاسلام " . وهذا هو نص القانون نفسه، اذن فهناك حقائق اسلاميةغائبة يتعين على الأزهر تجليتها وتوضيحها، وربما كان ذلك فى الماضى ضرورة ثقافية دينية ، ولكنه أصبح اليوم ضرورة سياسية أيضا بعد انتشارالتطرف الدينى وجماعاته . ولوقام المسئولون فى الأزهر بدورهم الذى يمليه عليهم القانون والذى يفرضه عليهم الوطن والاسلام لما ظهرت تلك الجماعات . فهذه الجماعات تعتمد على تراث كان ينبغى للمسئولين فى الأزهر تنقيته وتبرئة الرسول عليه السلام مما يخالف القرآن الكريم منه، ولكنهم بدلا من ذلك اضطهدونى حين تصديت لهذا الدور وأديت واجبى القانونى والوظيفى داخل الجامعة وقمت بتوضيح حقائق الاسلام،ولم يكتفوا بفصلى من الجامعة بل أدخلونى السجن بتهمة ملفقة وهى انكار السنة، مع أن ماأقوم به هو الدفاع عن السنة الحقيقية للرسول عليه السلام وتبرئته من الأقاويل التى تخالف القرآن.. واضطهادهم هذا هو اضطهاد لفكر يعتمد على أدلة قرآنية وتراثية وتاريخية ويهدف لقول الحق بالحكمة والموعظة الحسنة . وباختصار هو اضطهاد للفكر الأصيل الذى يعبر عن روح الأزهر الحقيقية التى أشعلهاالامام محمد عبده ، ثم أطفأها الجمود العقلى الذى تعززه الآن جماعات التطرف الدينى.
سألته: هل يعنى ذلك أن خصومك يغازلون التيار الدينى على أساس أنه السلطة القادمة فى الحكم ؟
قال ربما يكون بعضهم كذلك ، ولكنى أقول بوجه عام أنهم أصحاب مناصب وسلطات
وليسوا أصحاب كفاءات علمية أواجتهاد ، وليس لديهم وقت للقراءة أو البحث ، ولذلك يعتبرون المجتهد صاحب الرأى الجديد خطرا على مناصبهم ومكانتهم، وليس مهما ان كان ذلك فى صالح الاسلام أو الازهر نفسه أو الوطن، انما المهم انه خطر عليهم يفضح تقاعسهم العلمى وكسلهم الفكرى . ومن هنا يدافعون عن أنفسهم بمصادرة فكره ومؤلفاته وهذا ماحدث بالضبط معى .
سألته: نريد أمثلة لمصادرة فكرك وأمثلة أخرى للكتب التى صودرت لك .
قال حين تقدمت برسالتى للدكتوراه للمناقشة سنة 1977 وكانت عن أثر التصوف فى مصر المملوكية ظلوا يضغطون على طيلة ثلاث سنوات حتى اختصرتها إلى الثلث فقط ، وبعدها أعطونى الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى. والمهم أنهم صادروا ثلثى الرسالة .وبدأت بذلك معى أولى حلقات مصادرة الفكر ، فالمحذوف من هذه الرسالة أعدت كتابته فى عشرة مؤلفات ولكنها لاتزال مخطوطة عندى يتهددها سلاح المصادرة اذا رأت النور : وهذا ماأقصده بمصادرة الفكر . وفى أخر عام لى فى الجامعة أقوم فيه بالتدريس وهو سنة 1985أصدرت خمسة كتب أولها ( الأنبياء فى القرآن الكريم) وقد صودرت تلك الكتب وتمت احالتى للتحقيق الذى استمر سنتين إلى أن تم فصلى من الجامعة، وكنت قد أعددت تلك الكتب للنشر على الجمهور ولكن اضطررت لاحالتها للتقاعد، فهذه هى المرحلة الثانية من اضطهادهم وهى مصادرة الفكر قبل النشر. ثم أعدت سلسلة الدراسات القرآنية وبدأتها بنشر أول كتاب منها وهو( المسلم العاصى : هل يخرج من النار ليدخل الجنة ) وقد طبعته الاهرام ووزعته الاخبار ، ولكنهم أدخلونى السجن بسببه وصودر، وبالطبع فان باقى السلسلة لاتزال مخطوطة محكوم عليها بأن تظل جثثا فكرية لاترى النور لأن فكرها محكوم عليه بالمصادرة ..وحتى حين أصدرت الأخبار لى كتاب" مصر فى القرآن الكريم" فى رمضان قبل الماضى تدخل بعض المشايخ لجمعه من السوق وأشارت إلى ذلك " الاهالى" فى باب " أسرار الاسبوع " . وتحدثت أيضا جريدة الهلال تحتج على ماحدث . وهذا يعنى أن فكرى محكوم عليه بالمصادرة إذا رأى النور، بل ان خصوم فى الأزهر قدموا ضدى شكوى إلى نيابة أمن الدولة العليا لأن الأخبار نشرت لى مقالين أحذر فيهما من شركات توظيف الأموال وأفتى فيهما بأن فوائد البنوك حلال . والمقصود ارهابى بالطبع حتى لا أنشر فكرى بأى طريق.
وليس مهما ان كان ذلك فى المصلحة أم لا .. المهم مصالحهم هم ووظائفهم هم .. والنتيجة أن لدى عشرات الكتب لن ترى النور مع أهميتها فى مواجهة التطرف الدينى ..
سألته : وكيف ترى الحل؟
قال بأن يقتصر دور الأزهر على توضيح حقائق الاسلام والرد علي الخصوم فى الفكر بالفكر ، وأن تكف الدولة يد مجمع البحوث وأى سلطة أخرى عن التدخل فى الفكر بالمنع والمصادرة والارهاب . وهذه هى الروح الحقيقية للاسلام وللأزهر . وبالطبع يستلزم ذلك اعادة النظر فى كثير من القوانين التى تكبل حرية الفكر . وعندى أننا سنظل متخلفين طالما توجدهناك جريمة إسمها جريمة الرأى .. وعن طريق حرية الرأى نستطيع حل مشكلة التطرف الدينى وغيرها. وأعتقد أن تغيير بعض القوانين سيئة السمعة يعتبر تضحية بسيطة فى سبيل حماية الحاضر والمستقبل .. وإلا فان التتار قادمون .. !!
لقد تأثرت كثيرا بكلمة الفنان عادل امام التى نشرتها " الاهالى " ضد المصادرة ، وأرى أنه يفهم الاسلام أكثر من أعضاء محاكم التفتيش .. ! )
ختاما :
1 ـ انتهى الحوار الذى دار من 21 عاما ..ولكن المشكلة تفاقمت ، فقد شبّت أجيال على الفكر المتطرف المتخلف الذى يرعاه الأزهر فى مناهجه ..
2 ـ وصل الأمر الآن عند نشر هذا المقال ( صباح الخميس أول أغسطس 2013 ) أن السلطة المصرية على وشك إن تقتحم إعتصامات الآخوان والسلفيين المُطالبين بعودة رئيسهم المعزول محمد مرسى ) ، وقد حشدوا في إعتصامهم فى ميدان النهضة وميدان رابعة العدوية المئات من الأطفال والنساء ليتخذوا منهم دروعا بشرية ، فى خسّة متناهية يندى لها جبين الانسانية .
3 ـ الذى لا يعرفه الكثيرون أنّ هذه الخسّة هى تشريع سُنّى فقهى يحميه الأزهر .. إسمه ( التتّرُس )، وهو يبيح إتّخاذ بعض المسلمين ( ترسا ) أو ( درعا ) والتضحية بهم فى مقابل هزيمة العدو . هذا ( التترس ) هو الخطة الحربية التى تنفذها ( حماس ) حين تُطلق صواريخها من داخل البيوت والمستشفيات والمدارس ، ثم يختفى ( الأبطال المغاوير ) فى عُمق التكاثف السكانى فى مدينة غزة لتُجبر اسرائيل على الاختيار بين السكوت أو قتل المدنيين من أهل غزّة . هذا التترُّس هو أساس التفجيرات الانتحارية العشوائية التى يقوم بها الوهابيون فى اسرائيل والعراق وسوريا ومصر وباكستان وأفغانستان والجزائر ..الخ .. ومُنتظر أن يكون بين الضحايا مسلمون سنيون ..ولكن لا بأس فى هذا بتشريع التترّس السُّنى الفقهى الذى يسكت عنه الأزهر لأنه ضمن مناهجه التى يقوم بتعليمها . والآن يعتبر الاخوان والسلفيون أن المصريين أعداء وكفرة لأنهم خرجوا ضدهم فى مظاهرات غطّت العمران المصرى ، لذا يقومون بتطبيق شريعة التترس بالأطفال والنساء ، وهذه هى شريعتهم ، وهذا هو تطبيقها العملى بأجساد المخدوعين من أطفالنا وبناتنا ونسائنا , بينما قادة الاخوان والسلفيين وقادة حماس بين الحراسات المشددة ، والأطفال والنساء فى المقدمة ..
4 ـ هل يعلم شيوخ ألأزهر بتشريع التّترُس ؟ أم يجهلونه ؟ إذا كانوا يجهلون فالمصيبة عُظمى ، وأن كانوا يعلمون ويسكتون فالمصيبة أعظم .
5 ـ وفى كل الأحوال فلا بد من إصلاح الأزهر فى مناهجه وفى قانونه ومؤسساته ، وإلّا ستظل مصر تحمله عبئا على كاهلها يجرّها للخلف ثم الى السقوط فى الهاوية .
6 ـ الى متى نظل نؤذّن فى مالطة .؟!..
وهل سيأتى بعض أهل القرآن بعد 21 عاما أخرى وينشر هذا المقال متحسّرا وهو يقف على ما بقى من ( أطلال مصر ؟ ) ..
اللهم بلّغت ، اللهم فاشهد .!!
( 5 )
تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية يستلزم إصلاح الأزهر:( 2 ) لمحة تاريخية عن اصلاح الأزهر
مقدمة :
1 ـ إصلاح الأزهر من أهم الأهداف التى أعطيتها عمرى ، وناضلت من أجلها داخل جامعة الأزهر وبعد تركى الأزهر ، ولا زلت حتى الآن . وتعرضت لمحن هائلة حين كنت فى الأزهر بسبب هذا حتى أعلنتها مرتين أمام خصومى فى الأزهر : ( هذا الأزهر إما أن أغيره ، وإما أن أدمّره ). وهى عبارة قاسية ولكنها تعبّر من وجهة نظرى عن خطورة وضع الأزهر بلا إصلاح ، فالأزهر بلا إصلاح يدمّر مصر، لذا فتدميره أهون من تدمير مصر ، وإلا فإصلاحه هو السبيل الوحيد لكى يبقى وينفع . إن إصلاح الأزهر يساعد فى إصلاح مصر ، وإصلاح مصر يساعد فى إصلاح العرب والشرق الأوسط ، وإصلاح العرب والشرق الأوسط يساعد فى إصلاح مسلمى العالم ، أى حوالى بليون ونصف البليون من البشر . لماذا ؟ لأن مصر رائدة بنفسها ، وأزهرها رائد بها . وبها وبالأزهر يرتفع العرب والمسلمون أو الى القاع يهبطون . ومنذ إن سيطرت الوهابية على مصر والأزهر والجميع فى القاع هابطون !.
2 ـ والجهاد الذى قمت به ولا أزال فى إصلاح الأزهر هو حلقة من تراث إصلاحى ، سبقته الحركة الاصلاحية للإمام محمد عبده . والفارق إن الامام محمد عبده التفت الى إصلاح الأزهر وهو فى قمة نفوذه وشهرته وإمامته فى أواخر عمره ، وفى عصر سيطرت عليه الليبرالية وليس الوهابية، ومع ذلك فقد عانى الكثير،ومات وهو يلعن شيوخ الأزهر . أما أنا فقد بدأت السير على طريق الامام محمد عبده حين كنت مجرد مدرس مساعد ، شابا باحثا للدكتوراة يتحكّم فيه الشيوخ ، ولم يرهبنى تحكم القطب الصوفى عبد الحليم محمود شيخ الأزهر ، ثم لم يرهبنى فيما بعد تحكم الوهابية فى الثمانينيات ، لذا أعلنتها صريحة لهم مرتين : " هذا الأزهر إما أم أغيره ، وإما أن أدمره " .! ونعطى لمحة عن تاريخ الأزهر .
أولا : لمحة عن تاريخ الأزهر
يقول المقريزى فى ( الخطط ) عن الأزهر :( هذا الجامع أول مسجد أسس بالقاهرة والذي أنشأه القائد جوهر الكاتبالصقلي مولى الإمام أبي تميم معد الخليفة أمير المؤمنين المعز لدين الله لما اختطّالقاهرة ، وشرع في بناء هذا الجامع في يوم السبت لست بقين من جمادى الأولى سنة تسعوخمسين وثلاثمائة ، وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمائة ). أى أنشأ الفاطميون مدينة القاهرة عاصمة لهم ، وأسّسوا الأزهر عام 972 م لنشر مذهبهم الشيعى . وبعد أن اسقط صلاح الدين الأيوبى الدولة والخلافة الفاطمية عطّل الدرسة فى الأزهر، وإستبدل به خانقاة سعيد السعداء لحرب التشيع بالتصوف السنى . ثم علا شان التصوف فى العصر المملوكى التالى للعصر الأيوبى فى مصر والشام فعادت الحياة الى الأزهر ، ولكن لم تكن له الصدارة فى العصر المملوكى فظلّ الأزهر خاملا مهمّشا ، ومعظم طلبته من الصوفية المنقطعين للعبادة بزعمهم ، بينما كانوا يمارسون الشذوذ الجنسى ، والرقص الصوفى ،وبعض العلوم الشرعية . ساعد على ذلك قلة الأوقاف المرصدة له، إذ توجّهت معظم الأوقاف للإنفاق على مؤسسات أخرى تابعة للمماليك من أمراء وسلاطين وكبار المباشرين. وكان هذا هو المعروف بالوقف الأهلى الذى يتحكّم فيه أصحابه ويستغلونه لمصلحتهم وتأمين ممتلكاتهم من المصادرة ، بجعل جزء منها للإنفاق على المؤسسات الدينية، والباقى لهم ولورثتهم من بعدهم. هذا ( الوقف الأهلى ) الذى ساد فى العصر المملوكى هو السبب فى كثرة وإزدهار المؤسسات الدينية المملوكية . أما الوقف الخيرى الذى يتبرع به المحسنون فقد كان ضئيلا ، ولكن تتعيش عليه مؤسسات مهملة مهمّشة كان منها (جامع الأزهر). وفى العصر العثمانى نضبت معظم الأوقاف المملوكية الأهلية التى كانت تابعة للسلاطين والأمراء المماليك القدامى فتوقفت معظم المؤسسات الدينية والتعليمية التى أنشاها المماليك فى عصرهم المملوكى ( 1250 ـ 1517 م )، ولم يبق الا بعض الأوقاف الخيرية المرصودة من الأفراد العاديين للأزهر فاستمر شمعة هزيلة فى ظلام العصر العثمانى متماشيا مع الجهل السائد وقتها . ثم علا صيته بسبب دوره فى قيادة المصريين فى مقاومة الحملة الفرنسية وما تلاها من تنصيب محمد على باشا واليا على مصر.
ثانيا : بداية الاصلاح فى الأزهر
1 ـ قام الوالى محمد على بتحديث مصر ليجعل منها مركز امبراطورية له ، فقضى على معالم القديم السلفى ، من الحامية العثمانية ، وأحلّ محلها جيشا حديثا باسطول ومصانع حربية وطبقة من المتعلمين الدارسين فى فرنسا ، وقضى على المماليك ، ودمّر الدولة السعودية الأولى ، وقضى على الزعامات الشعبية من الشيوخ الأزهريين ، وعجزا منه عن إصلاح الأزهر أنشأ المدارس ليخلق طبقة من الأفندية يديرون دولاب الدولة بديلا عن الشيوخ التراثيين كما كان الحال من قبل فى الدولتين المملوكية والعثمانية، وسيطر على الثروة المصرية الزراعية بالاحتكار .
2 ــ ومع أن عملية التحديث التى قادها محمد على أدّت الى تهميش الأزهر وإنشاء تعليم مدنى بعيدا عنه ، إلّا أن حركة التحديث ما لبث أن وصلت أصداؤها للأزهر متأخرة بعض الشىء .
ثالثا : دور الامام محمد عبده ( 1849- 1905)
فى مقال منشور له فى جريدة المصرى اليوم عام 2005 ، تحت عنوان :( الامام محمد عبده والاصلاح المؤجل للأزهر) يقول د. سعد الدين ابراهيم : ( هذا العام تمر مائة سنة ميلادية على وفاة الامام محمد عبده( 1849- 1905) أعظم مصلح اسلامى فى العصر الحديث. يمكن تقسيم حياة محمد عبده الى قسمين، فى الصدر الأول من حياته كان مناضلا سياسيا ضد الاستبداد السياسى والاحتلال الاجنبى ، ثم اختار فى الشطر الثاني من حياته ان يتفرغ لاصلاح الأزهر لاعتقاده أنه الطريق الحقيقى لاصلاح المسلمين. ألقى الامام محمد عبده بكل ثقله فى معركة اصلاح الأزهر فأقنع الخديوى عباس حلمى الثانى باصدار قانون انشاء مجلس ادارة الأزهر سنة1312 هجرية(1995 ميلادية) ودخل عضوا فيه ووضع قانونا لمرتبات علماء الازهر ونظاما للتدريس والامتحان ، يمنع فيه قراءة المتون والحواشى القديمة. وأصلح نظام الأورقة الأزهرية والأوضاع الصحية لطلبة الأزهر. وقد ثارالشيوخ ضد الامام محمد عبده وانضم اليهم الخديوى نفسه لأغراض سياسية فقدم الامام استقالته ومات فى نفس العام . العقبة الأساسية فى رفض الشيوخ كانت الاصلاح الفكرى الذى ينشده الامام والذى نشر ملامحه فى تفسيره وفى كتبه والتى كانت – ولا تزال – مرفوضة من الأزهريين. الأمام محمد عبده لم يأخذ بأحاديث الآحاد فى العقائد , ورفض القول بشفاعة النبى محمد وأكد على الحقيقة القرآنية التى فصلها القرآن فى أن النبى محمد لا يعلم الغيب وليس له أن يتكلم فى الغيبيات، وما يعنيه هذا من رفض كل الأحاديث المنسوبة للنبى فى غيب المستقبل فى الدنيا والآخرة، وبالتالى كانت رؤيته الناقدة للتراث واصلاح المناهج الأزهرية مرفوضة من الأزهريين.
ينقل رشيد رضا فى تاريخ الامام هذا النقاش بين الامام وأحد خصومه من الشيوخ المقلدين وهو الشيخ محمد البحيرى وكان اكثرهم ذكاءا. قال البحيرى للامام عن مناهج الازهر:" أننا نعلمهم كما تعلمنا" فقال الامام " وهذا الذى أخاف منه" فقال البحيرى: " ألم تتعلم انت فى الأزهر وقد بلغت فيه ما بلغت من مراقى العلم وصرت فيه العلم الفرد ؟" فرد الامام محمد عبده :"ان كان لى حظ من العلم الصحيح الذى تذكر فاننى لم أحصله الا بعد عشر سنين أكنس من دماغى ما علق فيه من وساخة الأزهر، وهو الى الآن لم يبلغ ما أريده له من النظافة." (تاريخ الامام (1/ 493-494). ويقول محمد عبده – طبقا لما جاء فى سيرته التى كتبها تلميذه الامام رشيد رضا- :" ان اصلاح الأزهر اعظم خدمة للاسلام فان اصلاحه اصلاح لجميع المسلمين وفساده فساد لهم.. وان أمامه عقبات وصعوبات من غفلة المشايخ ورسوخ العادات والتقاليد بينهم . ". (""تاريخ الامام محمد عبده 1/425". )
وعند احتضاره قال محمد عبده متحسرا على عناد الشيوخ:
ولست أبالى أن يقال محمد أبلّ أم اكتظت عليه المآتم
ولكن دينا قد أردت صلاحه أُحاذر أن تقضى عليه العمائم (تاريخ الامام 1/2/1026)
ثالثا : مدرسة الامام محمد عبده
لم تخمد جذوة الاصلاح التى أشعلها محمد عبده بل استمرت بعده على يد تلامذته ، وأشهرهم اثنان من شيوخ الأزهر المشهورين تنافسا فى الرياسة والسياسة ولكن اتفقا على ضرورة الاصلاح ، وهما الشيخان الظواهرى والمراغى.
فى مشيخته الأولى( 1928 – 1929 ) عزم الشيخ مصطفى المراغى على تنفيذ مذكرته الاصلاحية التى تطبق رؤية شيخه محمد عبده فى احلال الاجتهاد محل التقليد وتغيير مناهج الأزهر لتواكب العصروادخال العلوم الحديثة فى مناهجه. رفض الملك والأزهريون برنامجه الاصلاحى فقدم استقالته بعد عام ليتولى المشيخة بعده خصمه الشيخ الأحمدى الظواهرى (1929 – 1935). ومع اقتناعه بأهمية تطوير المناهج الأزهرية الا انه فضل الاصلاح الشكلى بانشاء كليات اللغة العربية والشريعة وأصول الدين ، ولم يلبث أن ثار الأزهريون عليه وأرغمته الظروف السياسية على الاستقالة ليعود الى مشيخة الأزهر خصمه العتيد الشيخ مصطفى المراغى فى ولايته الثانية التى استمرت عشرة اعوام ( 1935- 1945) وفيها نبذ المراغى مشروعه فى اصلاح المناهج واستعاض عنه باصلاحات هامشية مثل انشاء لجنة الفتوى بالازهر وتوظيف الازهريين مدرسين فى التعليم الحكومى واعطاء الطلبة الازهرين معوناتهم نقدا بدل اعطائهم خبزا كما كان معتادا قبلها. وتولى الشيخ مصطفى عبد الرازق فاهتم بارسال البعوث من الازهر للحصول على الدكتوراه، واسهم اولئك المبعوثون فى نهضة نوعية للازهر الا انها لم تقترب من " قدس الأقداس" وهى المناهج الأزهرية العتيقة .
رابعا : تطوير الأزهر فى عصر عبد الناصر
جاء عبد الناصر بتطوير هائل فى الأزهر بالقانون رقم 103 لسنة 1961 .والذى أدخل ليس فقط اللغات الاجنبية والعلوم الطبيعية ولكن أنشا كليات لها فى جامعة الأزهر من الطب والهندسة والزراعة والعلوم ..الخ. ودعا دعوة صريحة وكررها فى أن وظيفة الأزهر هى فى الاجتهاد لتجلية حقائق الاسلام والدراسة النقدية للتراث ، مما يعنى أن هناك حقائق اسلامية غائبة يجب على مناهج الأزهر ايضاحها , وان هناك اكاذيب ارتدث ثوب الحقائق وعلى الأزهر فى مناهجه كشفها ، وهى دعوة صريحة للاجتهاد وتغيير مناهج الأزهر القديمة ومؤلفاته التى ينتمى معظمها للعصر العثمانى.
خامسا : الأزهر فى عصر السادات
ويقول د. سعد الدين ابراهيم فى نفس المقال عن الأزهر فى عصر السادات، أنه شهد انتعاش الفكر السلفى ، وفيه حظى الأزهر باتساع افقى غير مسبوق ، امتدت المعاهد الأزهرية الأبتدائية والأعدادية والثانوية فى معظم القرى المصرية لتصبح تعليما موازيا للتعليم العام ، وأنشئت جامعة جديدة أزهرية فى أسيوط وعشرات الكليات الأخرى فى معظم المحافظات والأرياف ، تحول بعضها الى جامعات اقليمية أزهرية بالاضافة الى جامعة البنات فى القاهرة وكليات أخرى للبنات فى الأقاليم. كل هذا التوسع الأقليمى كان للكليات التقليدية فقط، وهى التى تدرس التراث على حاله دون نقد أو تجديد. واسهم هذا التوسع الأفقى دون اصلاح منهجى الى علو شأن مايعرف بالاسلام السياسى وسيطرته على الحياة الدينية والعقلية والثقافية مما عقد الأزمة السياسية ووضع عراقيل فى طريق الاصلاح السياسى والاصلاح الدينى الذى أضحى مطلبا حقيقيا.
ويستمر د .سعد الدين ابراهيم فيقول : ودفع ثمن هذا الاصلاح المفكر الاسلامى الأزهرى المعاصر الدكتور أحمد صبحى منصور. بعد مائة عام تقريبا من الحركة الاصلاحية للامام محمد عبده ظهر أحمد صبحى منصور فى بدايته مدرسا مساعدا فى قسم التاريخ والحضارة بكلية اللغة العربية داعيا الى فكر الامام محمد عبده فى اصلاح المناهج الأزهرية متشجعا بقانون الأزهرنفسه، فقدم رسالته للدكتوراة عن التصوف المملوكى مقتفيا أثر محمد عبده فى الرؤية النقدية للتراث الصوفى فعطل الشيوخ فى الازهرحصوله على الدكتوراة ثلاث سنوات ليرغموه على حذف ثلثى رسالته. بعد حصوله على الدكتوراه سنة 1980 قدم خمسة مؤلفات متبعا فكر محمد عبده فى نقد الفكر السلفى السنى ليحصل على درجة استاذ مساعد سنة 1985 فقدموه للمحاكمة وفصلوه من الجامعة بعد عامين وأدخلوه السجن متهما بانكار السنة. عمل الشيخ أحمد صبحى منصور بعدها داعية مستقلا للاصلاح الدينى واصلاح الأزهر، واستمعت اليه فى ندوة فى الجمعية المصرية للتنوير يتحدث عن "الأزهروالتنوير"، ومن وقتها تصاحبنا على طريق الاصلاح. فعمل معى فى مركز ابن خلدون مديرا لندوته الاسبوعية " رواق ابن خلدون" الذى ناقش منذ افتتاحه فى الثانى من يناير 1996 كل سبل الاصلاح. وتفتق عنه مشروع ابن خلدون لاصلاح التعليم العام فى مصر ليؤكد التسامح الاسلامى. وشارك فيه الدكتور منصور مع نخبة من الأساتذة العاملين فى المركز. وهو المشروع الذى حاربته قيادات الأزهر والتيار السلفى .وهو نفس المشروع الذى أصبح ضرورة ملحة بعد احداث الحادى عشر من سبتمبر. ". ويختم د. سعد الدين مقال بقوله : ( من المؤسف ان تظل دعوة الامام محمد عبده لاصلاح الأزهرممنوعة من التنفيذ حتى بعد موته بمائة عام . فهل ننتظر مائة سنة أخرى حتى يرضى بعض الشيوخ عن الاصلاح ؟ وهل نموت حسرة كما مات الامام محمد عبده ؟ )
هذا ما كتبه د. سعد الدين ابراهيم عام 2005 .
وموعدنا مع تفصيلات أخرى فى المقال التالى ..
( 6 )
تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية يستلزم إصلاح الأزهر:( 3 ) اصلاح الأزهر لم يتعرض للمناهج
أولا : تجربة شخصية
1 ـ دخلت التعليم الأزهرى عام 1960 ، وربما كنت أصغر طالب وقتها . كان التعليم الأزهرى يبدأ بالمرحلة الابتدائية ( 4 سنوات ) ثم المرحلة الثانوية ( 5 سنوات ) ثم جامعة الأزهر ، وتتكون من أربع كليات هى : اللغة العربية والشريعة والادارة والمعاملات وأصول الدين . تم تطبيق قانون 103 فى تطوير الأزهر ، وأنا فى السنة الثانية ( ابتدائى أزهرى ) ، فأصبح ( إعدادى الأزهر ) بدلا من ابتدائى الأزهر ، وأضيفت للمناهج الأزهرية التراثية المواد التى يتم تدريسها فى التعليم العام ( لغة انجليزية أو فرنسية ) ، تاريخ ، جغرافيا ، علوم ..الخ ، فى مرحلتى الاعدادية والثانوية ، وتقسيم المرحلة الثانوية الى أدبى وعلمى بنفس السائد فى التعليم العام . وتأهل طلبة الأزهر للدخول الى الكليات العملية التى تم إفتتاحها من الطب والهندسة والعلوم والزراعة والصيدلة ..الخ . وقضيت 9 سنوات فى المرحلتين الاعدادية والثانوية الأزهرية،و فى عام 1969 تقرر خفض الثانوى الأزهرى الى أربع سنوات بدلا من خمس ، وتم تطبيق هذا على الدفعة الآتية بعدنا . كنت فى آخر دفعة قضت 9 سنوات فى الاعدادى والثانوى الأزهرى ، وهى الدُّفعة التى جمعت بين الدراسة الأزهرية التراثية التى كانت مُتّبعة فى العقود السابقة بالاضافة الى مواد التعليم العام .
2 ـ كانت المواد الأزهرية التى درسناها تنقسم الى فرعين فى الأساس : مواد خاصة باللغة العربية ، مثل النحو والصرف والبلاغة والعروض ، ومواد شرعية كالفقه والتفسير والحديث والتجويد والتوحيد ( اى العقيدة ) والسيرة النبوية . كانت مواد اللغة العربية قوية بينما إمتلأت المواد الشرعية بالجهل والخرافة ، إذ كانت من مؤلفات العصر العثمانى . كنت أذاكرها لمجرد التفوق فيها دون إقتناع بها . كان والدى يرحمه الله جل وعلا قد ترك لى مكتبة عامرة فأكببت عليها أقرأ فى الأدب والقصص والتاريخ ، وأجد فرقا شاسعا بين ما أقرأ وبين المقرر علينا فى الأزهر، ثم كانت مناهج التعليم العام محبّبة لنفسى ،وتتناقض مع جهل المؤلفات التراثية المقررة علينا، خصوصا فى التفسير والحديث وكتاب ( الجوهرة فى التوحيد ) الذى يقول مؤلفه الذى عاش فى العصر العثمانى إن ابليس نكح نفسه وأنجب ذريته ، وإن الله ( جل وعلا ) قد أوكل بقبور الأولياء ملائكة لتقضى حاجة من يتوسل بهم ، أما فى مقررات التفسير والحديث فقد تعلمنا منها أن الشمس تدور حول الأرض ،وأن عدد الكواكب ستة بالتمام والكمال ، وأن الأرض يحملها حوت إسمه ( بهموت فمشكل ) .وفى كتاب ( الإقناع فى حلّ ألفاظ أبى شجاع ) فى الفقه السنى تعرفنا فى مرحلة المراهقة على أحطّ ما يمكن قوله ممّا أسميه بفقه النصف الأسفل فى الجنس والاستنجاء بالحجر والغسل ، إذ ركز الفقه السلفى فى ازدهاره الفكرى على منهج الاستقراء بافتراض أحكام فقهية يتصور أو يتخيل حدوثها وفق المنهج الصورى السريانى، ثم إعطائها حكما فقهيا . ثم انحدر الفقه السلفى فى العصر العثمانى الى الدخول على التصورات السخيفة المستحيلة الحدوث والتى امتلأت بها كتب الفقه فى العصر العثمانى، ودرسناها فى الأزهر : مثل " ما حكم من حمل على ظهره قربة فُساء ، هل ينقض وضوؤه أم لا؟... من جاع فى الصحراء ولم يجد الا جسد نبى من الأنبياء ، هل يجوز له الأكل منه؟ ...وما حكم من زنى بأمه فى نهار رمضان فى جوف الكعبة ؟ وماذا عليه من الأثم ؟؟ من سقط من فوق سطح على إمرأة فزنى بها يحسبها زوجته ، وما حكم من كان لقضيبه فرعان وزنى بامراة فى قبلها ودبرها فهل يقع عليه حدّ واحد أم حدّان؟؟. كل ذلك لا زلت اتذكره من الفقه التراثى الذى كان مقررا علينا فى الأزهر، وكان يخدش حياءنا حينئذ، ثم ظل مقررا على الجيل الذى أتى بعدنا بعد توسع الأزهر فى كل القرى المصرية دون اصلاح لمناهجه وفكره. ودخل فى الأزهر افواج من البنين والبنات فى تعليمه الآعدادى منهن فتيات قاصرات فى براءة الطفولة وحياء العذارى ونقاء الفطرة كان عليهن دراسة هذا الفقه القذر المتخلف. ولم يتم حذف سطوره الا بعد مقالات لى كوفئت عليها بالتكفير فى اوائل التسعينيات. فقد أطلعت د. رفعت السعيد والراحل فرج فودة على بعض الكتب المقررة فى التعليم الأزهرى . وتشجع الراحل فرج فودة فكتب مقالا فى إصلاح مناهج التعليم فى الأزهر نشرته الأحرار ، وسرعان ما اتصل شيخ الأزهر وقتها ( جاد الحق ) بحسنى مبارك ، فجاء تحذير شديد اللهجة لفرج فودة ، فكتب يرحمه الله بعدها يشير الى منعه من الكتابة فى هذا الموضوع .!. كتبت بعدها فى مقالات متفرقة أعرض فيها للمخازى المكتوبة فى مناهج الأزهر وتناقضها مع القرآن الكريم ، ونشرت هذا فى ( الأخبار ) و( الأهرام )و ( الجمهورية )و ( الأحرار ) ومجلات ( روز اليوسف ) و( حواء ) و( القاهرة ) و( سطور ) و ( الهلال ) وغيرها، فاضطر شيخ الأزهر وقتها "سيد طنطاوى" الى حذف الكثير ممّا أشرت اليه ، مع بقاء نفس المناهج . وهوجم الشيخ طنطاوى من أعضاء الإخوان فى مجلس الشعب عليه مما جعله يُقسم فى مجلس الشعب بأن ما يفعله هو لصالح الاسلام .
ثانيا : عمليات الاصلاح قبل عبد الناصر لم تقترب من مناهج الأزهر
1 ـ عملية التحديث التى قادها محمد على باشا أدّت الى تهميش الأزهر وإنشاء تعليم مدنى بعيدا عنه، ولكن تدعّم دور الأزهر لأسباب : لأنه كان معقل التصوف السّنى الذى يعتنقه المسلمون المصريون ، ولأنه إنفراد بالمجال الدينى فى الدعزة والارشاد وتوجّه الأوقاف الأهلية نحوه بمواردها. وصلت إصلاحات الخديوى إسماعيل للأزهر ، فأصدر أول قانون للأزهرعام 1872 الذى نظّم حصول الشيوخعلى شهادة العالميةأو ما يعادل درجة الدكتوراه، وحدد المواد التي يمتحن فيها الطالب بإحدى عشرة مادة دراسية تراثية، شملت المناهج التراثية . ومع إنشاء معاهد تتبع الأزهر أصدر الخديوى عباس حلمى الثانى قانون تطوير الأزهر عام 1896الذى حدد سن قبول التلاميذ بخمسة عشر عاما مع ضرورة معرفة القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم وحدد المقررات التي تُدرس بالأزهر مع إضافة طائفة جديدة من المواد ، وأنشأ هذا القانون شهادة تسمى "الأهلية" يتقدم إليها من قضى بالأزهر ثماني سنوات ويحق لحاملها شغل وظائف الإمامة والخطابة بالمساجد، وشهادة أخرى تسمى "العالمية"، ويتقدم إليها من قضى بالأزهر اثني عشر عاماً على الأقل، ويكون من حق الحاصلين عليها التدريس بالأزهر. ثم صدر المرسوم الملكي رقم 26 لسنة 1936مبشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها للقيام على حفظ الشريعة الإسلامية وأصولها وفروعها واللغة العربية وعلى نشرها, وتخريج علماء يوكل إليهم تعليم علوم الدين واللغة بالمعاهد والمدارس. وحدد المرسوم اختصاص هيئة كبار العلماء وقصر كليات الأزهر على ثلاث هي: كلية الشريعة وكلية أصول الدين وكلية اللغة العربية. كما حدد دور المعاهد الأزهرية في تزويد الطلاب بثقافة عامة في الدين واللغة، وإعدادهم لدخول كليات الأزهر دون غيرها.
2 ـ ويلاحظ هنا التأكيد على تخصص الأزهر فى نفس المناهج التراثية التى أفرزها العصر العثمانى ، عصر الظلمات . وطبقا لهذه المناهج السلفية أصبح الأزهر بكليته ومعاهده فى القاهرة والأقاليم عُمقا إحتياطيا لحركة الإخوان المسلمين الذين أحبطوا حركة الاصلاح التى أسسها محمد عبده ، لأن رشيد رضا تلميذ محمد عبده أصبح عميلا لعبد العزيز آل سعود ينشىء له الجمعيات السلفية الوهابية بقيادات مصرية، وكان آخرها(الاخوان المسلمون ) عام 1928. وقد نجح الاخوان فى التسلل الى الجيش وأسهموا فى حركة الجيش التى تزعمها عبد الناصر.
ثالثا : عبد الناصر لم يُفلح فى إصلاح مناهج الأزهر
1 ـ بعد إنفراد عبد الناصر بالحكم وإضطهاده للإخوان المسلمين حاول إصلاح الأزهر بضمّه للحكومة ، وبتأميمه للأوقاف الأهلية وضمّها للإصلاح الزراعى ، وإلغاء القضاء الشرعى وإلحاقه بالقضاء المدنى . وعموما فقد إتسمت سياسة عبد الناصر الداخلية باصلاحات لم تتم ، مثل بناء السد العالى دون معالجة آثاره الجانبية ، ومثل التعامل مع الاخوان بالقبضة الأمنية مع ترك ثقافتهم الدينية السّنية داخل الأزهر والمساجد ، ومثل إصلاح الأزهر الذى ركّز على المظهر الخارجى بإضافة المناهج الحديثة والكليات الحديثة مع الإبقاء على التخلف التراثى فى التعليم الاعدادى والثانوى وكليات الشريعة واصول الدين .
2 ـ أصدر عبد الناصر القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التابعة له. فنص على أن الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر ورقي الحضارة، وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس ..الخ .وامتلأ القانون بالعبارات الانشائية من هذا النوع . وقد وضع القانون المشار إليه اختصاصات شيخالأزهر فنصت المادة (4) على الآتي: شيخ الأزهر الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية في الأزهر وهيئاته ".وهذه الصبغة الكهنوتية لشيخ الأزهر فى هذا القانون تتناقض مع المذكرة التوضيحية التي كتبها وزير الأزهر في ذلك الوقت سنة 1961 والتى تصف شيخ الأزهر بأنه (الأستاذ الأكبر)وليس الإمام الأكبر, فتقول المذكرة عن المجلس الأعلى للأزهر إنه الهيئة التي (يرأسها الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر). ومن أخطر ما جاء في القانون 103لسنة 1961 هو التناقض بين بعض عباراته المستنيرة وبعض عباراته الكهنوتية وما يسببه هذا التناقض من قمع فكري ،فالعبارات المستنيرة توجب الاجتهاد وتجعله فريضة ، فجاء في المادة 2 عن دور الأزهر فى حفظ التراث الإسلامي "ودراسته وتجليته ونشره " . وتقول عن هيئة الأزهر "وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره فى تقدم البشر ورقى الحضارة..وتعمل على رقى الآداب وتقدم العلوم والفنون " ، وفى المادة 15 تجعل مهمة مجمع البحوث مجرد الدراسة وتجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وإثارة التعصب السياسي والمذهبي وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص". وفى المادة 33 تجعل مهمة جامعة الأزهر "حفظ التراث الإسلامي وتجليته ونشره،وتؤدى رسالة الإسلام إلى الناس وتعمل على إظهار حقيقته .."وكل ذلك يعنى الاجتهاد .أي أن واجب الأزهري فى مجمع البحوث أو في جامعة الأزهر هو الإجتهاد في تجلية حقائق الإسلام من خلال القرآن الكريم والتراث . وهذا يعنى أن من حقائق الإسلام ما يحتاج الى تجلية وتوضيح وان في الثقافة الإسلامية شوائب وفضول وتعصب يحتاج إلى تنقيه وتجليه ليعود للإسلام فكره وجوهره الخالص الأصيل ...هذا هو الاجتهاد الذي يفرضه قانون الأزهر.. فماذا يعنى الاجتهاد؟ يعنى الخروج عن المألوف والإتيان برأي جديد من خلال المصادر الإسلامية ذاتها يخالف ما وجدنا عليه آباءنا . هذا ما يفرضه قانون الأزهر ،أو بالأدق هذا ما تفرضه العبارات المستنيرة في قانون الأزهر .
3 ـ ومن المفترض أن تكون مناهج الأزهر المتخلفة هى ساحة الاجتهاد ، يقوم المجتهدون من علماء الأزهر بفحصها وتجلية الحق من الباطل فيها ، وبهذا الاجتهاد يمكن إصلاح الأزهر من الداخل بعد تطويره من الخارج بلإضافة العلوم الحديثة والكليات الحديثة واللغات الأجنبية . ولكن ضاع هذا بنفس قانون 103 الذى إحتوى على الغام أخرى تتيح إجهاض الاجتهاد تحت مسميات مؤثرة وعبارات غامضة مثل إنكار حقائق الإسلام! . تقول المادة 30 من القانون أن عضوية مجمع البحوث الإسلامية تسقط إذا ما وقع من العضو ما يلائم صفة العضوية كالطعن في الإسلام أو إنكار ما علم منه بالضرورة أو سلك سلوكا ينقص من قدره كعالم مسلم ،وتقول المادة 72"كل فعل يزري بشرف عضو هيئة التدريس (في جامعة الأزهر )أو لا يلائم صفته كعالم مسلم ،أو يتعارض مع حقائق الإسلام أو يمس دينه أو نزاهته يكون جزاؤه العزل .." وحين قمت بالاجتهاد في تجلية حقائق الإسلام اتهموني بإنكار حقائق الإسلام مع ان كل كتاباتي التي حاكموني بسببها فى الفترة من 1985 :1987 كانت إما آية قرآنية أو تعليقا على آية قرآنية بآية قرآنية أخرى، ومع أن كل كتبي كانت توضيحا لحقائق الإسلام وتبرئة له وفقا لما يأمر به القانون .ولكن القانون نفسه أعطى سلاحا للشيوخ القاعدين عن الاجتهاد لكي يستخدموا نفوذهم ومناصبهم في معاقبة المجتهد الذى يطبق القانون .وهنا يقع التناقض فى قانون 1961 بين الأمر بالاجتهاد وإمكانية عزل الذي يطيع القانون فيجتهد ضد إرادة الشيوخ العاجزين عن الاجتهاد والمتمسكين بمناهج الأزهر المتخلفة. ولكن تبقى للقانون ميزته، وهى انه لم يتحدث مطلقا عن السنة ،فتحدث عن القرآن وعلوم الإسلام والثقافة الإسلامية ، أي التراث الإسلامي أو الفكر البشري ،وطالب بتجريده من الشوائب والتعصب..كان هذا القانون فى عهد شيخ الأزهر محمود شلتوت 1958 : 1963 ، وقد كان إماما مستنيرا مجتهدا تشهد مؤلفاته بتأثره بمدرسة الامام محمد عبده، ثم أتى عصر السادات الذى إعتبر فكر السنيين وفقههم السنى دينا تحت مصطلح السّنة . وهذه هى جريمة السادات فى حق مصر والاسلام .
رابعا : السادات أفسد الأزهر بنشر مناهجه المتخلفة على أنها الاسلام وسنّة الرسول عليه السلام
1 ـ تركّز إفساد السادات للأزهر فى اللائحة التنفيذية لقانون الأزهر 103 المشار اليه ، وفى التوسع فى نشر كليات الأزهر وجامعاته ومعاهده الاعدادية والثانوية .
2 ـ اللائحة التنفيذية لقانون الأزهر : أصدرها السادات لتمحو الجوانب الإيجابية من قانون 103 ، فهذه اللائحة حولت مجمع البحوث الى جهة تصادر الكتب وتقف لحرية الفكر بالمرصاد. فالمادة 17من اللائحة تجعل من واجبات المجمع تتبع ما ينشر عن الإسلام والتراث الإسلامى من بحوث ودراسات فى الداخل والخارج والانتفاع بما فيها من رأى صحيح أو مواجهتها بالتصحيح والرد . وهذا كلام قد يبدو في ظاهره لا غبار عليه ، ولكنه عند التنفيذ يملؤه الغبار . فالذين يفترضون في انفسهم احتكار الشأن الديني ليس منتظرا منهم إن يعترفوا برأي صحيح يقوله غيرهم ممن ليسوا شيوخا ،وإذا كان الفكر الديني مبنيا على الخلاف في الرأي فإنهم لن يجدوا في الرأي الأخر إلا خطأ محضا ، وبالتالي فإن السلطة التي في أيديهم ستحول هذا الخلاف إلي أكثر من خطأ ..تحوله إلى كفر. .لأنه وقر في قلوبهم انهم وحدهم أصحاب الحقيقة المطلقة ، ومن يخالفهم فقد خالف الإسلام .. والقانون ( اقصد اللائحة ) تعطيهم هذا الحق . وجاءت المادة 25 من القانون بأن يختص مجمع البحوث الإسلامية في نطاق الأزهر بكل ما يختص بالنشر والترجمة والتأليف ..أى قصرت دوره على الأزهر ومؤسساته ، ولا يتعدى هذا الدور حوائط الأزهر . وبدلا من أن تأتى اللائحة في العصر الساداتي توضح وتفصل عمل هذه المادة داخل الأزهر نجدها قد حولت مجمع البحوث الى إدارة للمصادرة خارج الأزهر. و المادة 40 من اللائحة تجعل إدارة البحوث والنشر والنشر بالمجمع مختصة بفحص المؤلفات والمصنفات الإسلامية أو التى تتعرض للإسلام وإبداء رأيها فيما يتعلق بنشرها أو تداولها ، وهنا يتحول مجمع البحوث الى محكمة تفتيش لكل كتاب يتعرض للشأن الإسلامي ولو فى بضعة أسطر .وهنا فيكون قانونا من حق المجمع أن يسمح بتداوله ونشره وعرضه أو أن يمنع نشره وتداوله وعرضه .ثم تقول بتتبع كل ما يكتب عن الإسلام فى الداخل والخارج والرد على كل ما يمس الإسلام فيها. وهل إذا فحص المجمع كل المؤلفات التي تتعرض للإسلام وأبدي رأيه فيها بالسماح والمصادرة هل إذا فعل ذلك سيكون لديه وقت لتتبع " كل ما يكتب عن الإسلام في الداخل والخارج" والرد على ما يمس الإسلام فيها ؟ وهل سيجد الوقت لمتابعة كل ما يكتب عن الإسلام فى كل العالم وبكل اللغات ؟ واين لشيوخ المجمع بهذه المقدرة ؟ .!
3 ـ التوسّع فى التعليم الأزهرى وجعله موازيا للتعليم العام :
فى عصر السادات تولى مشيخة الأزهر : محمد الفحام 1969 : 1973 ، وعبد الحليم محمود 1973 : 1978، ومحمد عبد الرحمن بيصار 1979 : 1982 . وكان أخطرهم عبد الحليم محمود الذى كان متعصبا برغم تصوفه ، والتصوف مشهور بالتسامح . لقد إقترح البابا شنودة تأليف كتب دينية مشتركة ليدرسها الطلبة المسلمون والمسيحيون جميعا في المدارس لتعميق الوحدة الوطنية بين المصريين ، وحاز الاقتراح القبول ولكن شيخ الأزهر وقتها عبد الحليم محمود هدد بالاستقالة لو تم قبوله. وصدر حكم المحكمة في قضية التكفير والهجرة ، ولأن الشيوخ الذين إستطلعت المحكمة رأيهم تعاطفوا مع المتهمين فقد جاء الحكم يهاجمهم وينبّه على إهمالهم واجبهم بالتتبصير بحقائق الاسلام ،وتتأسّف على أنهم لم يؤدوا رسالتهم ولم يتركوا أماكنهم لمن يستطيع تأدية الرسالة . وأسرع عبد الحليم محمود فأصدر بيانا هجوميا إمتنعت الصحف عن نشره ما عدا صحيفة الأحرار . وقد طالب فى هذا البيان برجوع قضاة الشرع ( السّنى ). ولقد جاهد عبد الحليم محمود داعيا لتطبيق الشريعة السنية مع إنه لم يكن فقيها متخصصا كالشيخ شلتوت مثلا . كتب عبد الحليم محمود الى رئيس مجلس الشعب سيد مرعى ، والى ممدوح سالمرئيس مجلس الوزراء يطالبهما بالإسراع في تطبيق الشريعة الإسلامية . وأسّس لجنة فى مجمع البحوث لتقنين الشريعة السّنية وفق المذاهب الأربعة.
لذا كانت الحاجة مُلحّة عنده لنشر مناهج الأزهر على أوسع مدى فى العمران المصرى . وعندما تولى مشيخة الأزهر كان التعليم الأزهرى الاعدادى والثانوى محدود الانتشار عاجزا عن إمداد الكليات الأزهرية العادية والحديثة بالطلاب ، لذا توسع فى التعليم الابتدائى الأزهرى والاعدادى والثانوى،وفتح باب التبرع داخليا وخارجيا لبناء المعاهد الأزهرية فى القرى والمدن المصرية ، فتم فى عهده أكبر توسع له فى تاريخ الأزهر ذى الألف عام . وفتح أبواب المعاهد الأزهرية الاعدادية والثانوية للراسبين فى التعليم العام فى الشهادات الابتدائية والاعدادية ، وبسبب كثرتهم فقد كانت تضيق الفصول بهم ، وشهدنا التدريس فى أفنية المعاهد والتلاميذ جلوسا على الأرض .وفتح أيضا للفاشلين من حملة الثانوية العامة دخول الكليات العملية الأزهرية من الطب والهندسية وغيرها شريطة أن يدخلوا سنة دراسية ( الاعداد والتوجيه ) يدرسون فيها مناهج الأزهر التراثية المتخلفة ، وبعدها ينتظمون فى تلك الكليات . ولم يكتف بذلك بل بدأ تأسيس جامعات وكليات تراثية للأزهر فى الأقاليم ، كان أبرزها جامعة الأزهر فى اسيوط والتى جاء تمويلها من الملك السعودى فيصل ، وأصبحت بؤرة للوهابية فى منطقة مصرية تعجّ بالأقباط ، ومنها خرجت الفتاوى بقتل السادات ومطاردة الأقباط .
وعلى أية حال فإن عصر السادات زرع ألغاما أمام العقل المصري ،أضيفت إلي الألغام السابقة التي زرعت في العصر الناصري ،إلا أن الغام السادات تغلفت بالدين،ووضعت إطارا دينيا للتيار السلفي الطامح للحكم كي يتهم خصومة السياسيين بالكفر بحجة إنكار تطبيق الشريعة . وقُدّر لهذه الألغام أن تنفجر ..وانفجر أولها في وجه السادات نفسه ، ثم انفجرت باقي الألغام في عصر حسنى مبارك .. ولازالت تنفجر حاليا بعد عزل الرئيس الاخوانى مرسى .
( 7 )
تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية يستلزم إصلاح الأزهر:( 4 )حتمية اصلاح الأزهر
أولا : إستمرار مناهج الأزهر جعلته طاردا للإجتهاد وقنبلة موقوتة
1 ـ برغم محاولات الاصلاح الخارجية إستمرت مناهج الأزهر بلا تغيير عبر القرون ، بل أقيمت من أجلها كليات متخصصة قديما وحديثا ، أبرزها (أصول الدين ) و ( الشريعة ) ثم ( الدراسات الاسلامية ). ترتب على بقاء هذه المناهج المتخلفة إنقسام الأزهريين الى أغلبية عظمى من شيوخ الجهل وأقلية ضئيلة تحاول الاجتهاد وتواجه الاضطهاد .
2 ـ الأقلية الأزهرية المستنيرة تتمثل فى بقايا مدرسة محمد عبده وانعكاساتها . وقد تراجع مستوى مدرسة محمد عبده علما وفقها وشجاعة بعد موت رائدها محمد عبده. انهمك سعد زغلول فى السياسة ، وغلب الاصلاح الإدارى والتنافس السياسى بين الشيخين المراغى والظواهرى، وضاع بينهما الاصلاح الفكرى لمناهج الأزهر ، وقد كانت لهما السلطة فى تفعيل ذلك . بعض من تأثر باجتهاد محمد عبده ترك الأزهر وتشجع بالليبرالية الفكرية خارج أسوار الأزهر ، فأظهر بعض نواحى الاجتهاد ، مثل طه حسين وأمين الخولى ومحمد أبى زهرة فى جامعة القاهرة ، وأسرع أحمد أمين بترك الأزهر ملتحقا بمدرسة القضاء الشرعى فأبدع فى مؤلفاته التى كانت نقلة نوعية فى التفكير . وهجر محمود أبو رية الأزهر فأبدع فى نقد الأحاديث بحجّة الدفاع عن السّنة . وترك خالد محمد خالد (الأزهرى ) العمل بالأزهر وهجر الاخوان المسلمين فتألق داعيا للحرية والديمقراطية . ووصلت إشعاعات مدرسة محمد عبده الى بعض الأدباء والباحثين من غير الأزهريين ، وظهر هذا فى مؤلفات قاسم أمين ومحمد حسين هيكل ومصطفى صادق الرافعى والعقاد وعبد الرحمن الشرقاوى وحسين مؤنس ومحمد احمد خلف الله .
3 ـ إختفت شعلة الاجتهاد داخل الأزهر قبل وبعد الامام محمد عبده ، ومن تحليل سيرة من تولى مشيخة الأزهر يبدو بعضهم عاريا تماما من الاجتهاد برغم تخرجه فى جامعات اوربا مثل الشيخ بيصار وعبد الحليم محمود ود . الطيب ، بينما ظهرت ملامح الاجتهاد شاحبة باهتة فى مؤلفات الشيخ شلتوت فى كتبه وفتاويه . وينفرد الشيخ جاد الحق بظاهرة جهل منقطع النظير ، فقد كان لا يعرف أن يرتجل كلمة ، يقرأ من ورقة مكتوبة ، ويخطىء فى قواعد النحو ، ويخطىء فى قراءة الآيات القرآنية المكتوبة له . وبينما إتسع المجال لبعض المجتهدين من غير الأزهريين فإن حركة الاخوان المسلمين والجماعات السلفية لم تقدم سوى عرض الفكر السّلفى ونشره كما فعل سيد قطب ومحمد قطب والشعراوى.
4 ـ وظهر تيار القرآنيين يواجه الوهابية ويبنى على فكر الامام محمد عبده بل ويتجاوزه محتكما للقرآن فى تاريخ المسلمين وتراثهم وأديانهم الأرضية ، ويواجه كل الاضطهادات، ولا يزال . وتأثر بفكر القرآنيين بعض خصومهم الأزهريين مثل الشيخ محمد الغزالى فى مؤلفاته الأخيرة عن السّنة بين اهل الفقه وأهل الحديث وعن تراثنا الفكرى، وفى بعض كتابات شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوى وفتاويه ، وفى بعض كتابات عبد المعطى بيومى . كما تأثر بأهل القرآن بعض العلمانيين ، وأبرزهم فرج فودة وجمال البنا ومصطفى محمود. وقلت فى حوار صحفى منشور هنا عن أهل القرآن: (.. ونجح أهل القرآن برغم ضعف إمكاناتهم فى إحداث تغيير نوعى فى تفكير المسلمين ، ليس فقط فى أن تشجع المترددون على مناقشة المسكوت عنه ، وليس فقط فى إنفضاض كثيرين عن معتقداتهم الوهابية ، ولكن بعض أساطين الفكر السّنى نفسه بدأ فى تغيير الخطاب ليواجه المتغيرات الجديدة التى أحدثناها ، لأنه بعد ظهور أهل القرآن لم يعد المثقف المسلم العادى يتقبل بسهولة ما كان يتقبله من قبل بلا مناقشة . قبل ظهور أهل القرآن ، كان أقصى ما تصل اليه المناقشات هو عن حديث الذبابة أو حديث اليهودى الذى سحر النبى فى ( صحيح البخارى ) دون مساس بالبخارى نفسه . الآن تجاوزالنقاش هذا ، إنتهى خلال النخبة تقديس البخارى ، ووصل التساؤل والنقد الى هل هناك (سُنة ) أصلا أم لا ، وهل تتفق الشريعة السّنية وأقوال أئمتها مع الاسلام أم تتناقض معه ، وهل يصح تقديس الصحابة الكبار أم لا ، وهل تتفق الفتوحات (الاسلامية ) مع الاسلام أم لا ، وهل بها يكون كبار الصحابة مع الاسلام أم ضد الاسلام .!!. نقلة هائلة فى التفكير ، نحن الذين قمنا بها . وعجز خصومنا عن الردّ علينا إلا بالاضطهاد الذى ساعدنا أكثر وأكثر ، فالفكر القرآنى الان أصبح منتشرا فى ربوع العالم بالعربية والانجليزية والفرنسية والايطالية والفارسية والأوردية ، والمركز العالمى للقرآن الكريم والذى أتشرف برئاسته فى أمريكا يقود هذا التيار القرآنى على مستوى العالم . وهناك مراكز أخرى وتجمعات قرآنية أخرى سارت على الطريق بعد أن قمنا بتمهيده وتعبيده وإزالة الألغام ليصبح سهلا ميسرا لمن يلحق بنا . كل هذا نجحنا فيه ، وأصبح لدينا عشرات الألوف من المثقفين القرآنيين فى ربوع العالم ، معظمهم فقراء ، لأنه لا تجتمع الثروة مع التبحر الثقافى والاستقلال الفكرى فى بلاد المسلمين . ونحن لا نملك سوى موقعنا ( اهل القرآن ) بالعربية والانجليزية ، وهناك موقع جديد لآهل القرآن ظهر حديثا بالايطالية ، ويريد كثيرون تأسيس مواقع بلغات أخرى ، ونتمنى أن تكون لنا قناة فضائية تنويرية ، ونتمنى أن تكون هناك شركة إنتاج درامى تنتج أعمالنا الدرامية فى تاريخ المسلمين ، ونتمنى أن تتعاون معنا أى قناة فضائية فى انتاج برامج على منوال برنامجنا ( فضح السلفية ) المنشور فى موقعنا وعلى اليوتوب . كل هذه أمنيات تنتظر الامكانات التى نفتقر اليها . ولكن لو تحقق جزء منها فسننقذ العرب والمسلمين من شرور قادمة .)
5 ـ فى مقابل تيار القرآنيين فى الإجتهاد الدينى فإنّ الأغلبية العظمى من الأزهريين هى ( الأغلبية الصّمّاء ) التى تجتهد فى : نفاق الحاكم والافتاء له بما يهوى مع مشاركته فى الفساد والاستبداد، وتتصدى بنفوذها لأى محاولة للاصلاح،وتجتهد فى نشر الفكر المتخلف فى الاعلام والمساجد ، وتجتهد فى إنتهاز أى فرصة لامتداد رقعة التعليم الأزهرى بمناهجه المتخلفة من الابتدائى الى الجامعة فى شتى العمران المصرى. وبجهودهم تضخمت كليات جامعة الأزهر بفروعها الاقليمية فبلغت 62 كلية يدرس بها حوالي 500 ألف طالب وطالبة يمثلون 25 % من عدد طلاب التعليم الجامعي في مصر. ومعظمها كليات تراثية ( أصول الدين واللغة العربية والشريعة ). وأتذكّر حين كنت مدرسا فى كلية اللغة العربية أشارك فى الامتحانات أن بعض الطلبة كان لا يحفظ قصار السور القرآنية، وكان بعضهم ( يغشّ ) فى الامتحان التحريرى لمادة القرآن الكريم بأن يخفى أوراق المصحف صغير الحجم فى حذائه . هؤلاء كانوا من فاشلى التعليم العام ودخلوا التعليم الأزهرى الاعدادى والثانوى ووصلوا الى الجامعة بالغش والجهل ، ثم تخرجوا فيها أكثر جهلا ، وقد عملوا بشهاداتهم الأزهرية فى التدريس والوعظ والارشاد والافتاء فى القرى والأحياء الشعبية والمدن المصرية ، ويسمع لهم الناس ويطيعون لأنهم خريجو الأزهر . بل أصبح من حق أى عربيد أن يفتى فى الاسلام طالما أطلق على الناس لحيته ورسم وشما على جبهته .
وعبر غسيل مخّ استمر اربعين عاما نجحت هذه الأغلبية الأزهرية الصّمّاء فى قمة الأزهر وفى قواعده فى تجذير ثقافة التعصب الوهابية ضد الأقباط وضد السيّاح والآثار الفرعونية وحقوق الانسان وحقوق المرأة ، واليوم (عيد الفطر ، الخميس 8 أغسطس 2013 ) تقف مصر بسببهم على مشارف حرب أهلية .
6 ـ الأنكى من ذلك هو تعطّش شيوخ الازهر للمصادرة عندما تعطيهم الدولة نفوذا . والأمثلة كثيرة فى عصر مبارك ، حيث وصل نفوذ الأزهر الى الأوج مع عودة العلاقات الرسمية بين مصر والسعودية راعية الفكر السلفي المتزمت، فأصبح لمجمع البحوث صفة الضبطية القضائية لما يراه مخالفا لتحقيق آمال الطامعين فى إقامة الدولة الدينية . واستخدام الضبطية القضائية يعني أن يكون للشيوخ نفوذ في دوائر الأمن يستخدمونهم ضد خصومهم من المفكرين ،وقد تجلي هذا في مطاردتهم لكاتب هذه السطور فى مصر فى التسعينيات . ونجح الأزهر بهذا النفوذ فى مصادرة كتب المستشار سعيد العشماوي فى معرض الكتاب وهو مشهور بوقفته الصامدة ورؤ اه المستنيرة فى مواجهة الفكر السلفي ، ولجأ الأزهر الى طريق جانبي لفرض ولايته على وزارة الثقافة الخارجة عن نفوذه ، فأصدرت لجنة الفتوى والتشريع برعاية المستشار الاخوانى طارق البشرى فتوى تعطى الأزهر ممثلا في مجمع البحوث الحق فى الاعتراض وطلب مصادرة المصنفات الفنية التي تمس العقيدة باعتبار أن الأزهر هو صاحب الحق فيما يخص الشأن الإسلامي، ووزارة الثقافة صاحبة الحق فى الترخيص . ونجح نضال التيار المدنى ـ والذى شاركت فيه ـ بابطال هذه الفتوى . و بتاريخ 7 أغسطس عام 2006 ، نشر موقع (المصريون ) المعبر عن الاخوان ، خبرا كئيبا تحت عنوان : ( وزير العدل يستعد للإعلان عنها قريبًا... "شرطة دينية" يخول إليها القيام بحملات تفتيشية على مطابع كتب السحر والشعوذة ومجهولة المصدر ) ، ويقول الخبر : ( يعتزم المستشار محمود أبو الليل إصدار قرار - بالتنسيق مع الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر - يقضي بتشكيل "شرطة دينية" تضم مجموعة من رجال الأزهر؛ وذلك لمواجهة الانحرافات الفكرية والدينية بالكتب والمجلدات. وأوضحت مصادر أن أعضاء تلك المجموعة سيتم اختيارهم من صفوة رجال الأزهر، الذين سيناط إليهم مصادرات الكتب وتفتيش المطابع المعروف عنها طباعة الكتب الدينية؛ مثل: كتب المسيخ الدجال وكتب السحر وعلامات القيامة وتارك الصلاة وغيرها من الكتب المنتشرة على الأرصفة مجهولة المصدر. وأشارت إلى أن قرار الوزير يعطي تخويًلا لبعض العاملين بالإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة بمجمع البحوث الإسلامية للقيام بالضبطية القضائية.) . الطريف هنا أن مناهج الأزهر هى الأصل والمرجعية لتلك المؤلفات ، والأولى مصادرة الأصل ، وليس إستخدام النفوذ لمصادرة ما يشاءون بزعم كذا وكذا ، فهم الخصم والحكم ، وبيدهم سلاح المصادرة ولا معقب لقرارهم .
7 ـ وواكب هذه المعارك الفكرية قيام الجناح المدني للتطرف وهم الشيوخ بتكفير الخصوم وما نتج عن هذا التكفير من قتل لفرج فودة ومحاولات قتل نجيب محفوظ وغيره، وأدى ذلك إلى ترسيخ الاعتقاد بوجود تناغم بين الأزهر وجماعات التطرف الوهابية ، إذ يتعاونون معا فى السعى لتحييد العقل المصري وتغييبه. ومن أسف أن الصحف الدينية الحكومية والمعارضة وغيرها اتحدت علي تأييد الفكر السلفي فى موقفه المتعدّى من قضايا مثل التفريق بين نصر أبو زيد وزوجته ، وتكفير نجيب محفوظ بسبب روايته ( أولاد حارتنا ) , وحبس الكاتب علاء حامد ، وإضطهاد أهل القرآن والمظاهرات ضد الرسوم المسيئة للنبى ، والحكم باعدام أصحاب الفيلم المسىء .
8 ـ وفى الوقت الذى يتقاعس فيه شيوخ الأزهر عن الاجتهاد فى تجلية حقائق الاسلام ومواجهة ثقافة الاخوان الدينية تراه صامتا عن إضطهاد الأقباط ، يكتفى رموزه بلقاءات نفاق مع ارباب الكنيسة يتبادلون فيها القبلات والأحضان ، وهى عندى ( فعل فاضح فى الطريق العام ) . وبتأثير مناهج الأزهر تأسست حركات للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قتلت شابا فى السويس ، وبينما كتبت ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بين الاسلام والمسلمين ) فى توضيح معالم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاسلام ، فإن حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ..) وهو دستور التطرف لا يزال يرصّع مناهج الأزهر مع أحاديث وتشريعات أخرى فى فرض الجزية على الأقباط وقتل المرتد وقتل الزنديق وتارك الصلاة ..الخ . وبها تقوم حركات الاضطهاد ضد البهائيين والقرآنيين والشيعة ، وآخرها قتل وسحل الشيخ الشيعى حسن شحاته وبعض أتباعه.
أخيرا
1 ـ وإدراكا من الاخوان والسلفيين بأن الأزهر هو العُمق الظهير لهم فقد جاء دستور مرسى يجعل الشريعة السنية مهيمنة على الدستور ويجعل للأزهر حاكمية على القوانين . وقد خصّصنا لقانون مرسى حلقات منشورة هنا فى نقده وتعريته وتأكيد مخالفته للاسلام .
2 ـ إنّ حرص الاخوان على جعل الأزهر بمناهجه المتخلفة مرجعية دينية دستورية هو تمهيد لإنشاء دولة دينية وهابية سنية فى مصر . هذا يعنى جعل الازهر بوضعه الحالى قنبلة موقوتة من حيث الحجم والنفوذ والجهل العام لاربابه، ويحتّم إصلاح الأزهر. وإلّا .. فالهلاك قادم .!!
( 8 )
تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية يستلزم إصلاح الأزهر:
(4) مقترح قانون لاصلاح الأزهر
أولا : أحكام عامة
1 ـ الأزهر مؤسسة مصرية مدنية تعنى باصلاح المسلمين من داخل الاسلام ، بحثا ودعوة وتعليما . مع التأكيد على أن دور الأزهر لا يتعدى الدعوة والارشاد ، دون إلزام عملا بالقاعدة الاسلامية أن من إهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها .
2 ـ مهام الأزهر الاصلاحية :
2/ 1 : تبرئة الاسلام ممّا التصق به من تهم الارهاب والتطرف والتعصب والتزمت والانغلاق ، ووضع حدّ فاصل بين الاسلام كدين الاهى يأمر وينهى وبين المسلمين كبشر لهم تاريخ بشرى وحضارة بشرية وتراث بشرى ، تتفق أو تختلف مع الاسلام وأوامره ونواهيه .
2/ 2 : نشر حقائق الاسلام فى العدل والقسط والاحسان والحرية فى الدين والرحمة والسلام والتيسير والتخفيف ، والدفاع عن حرية الفكر والرأى والسعى للرزق وحقوق الأنسان وحقوق المرأة والأقليات، والوقوف ضد الظلم والبغى والاستبداد والإكراه فى الدين وإستغلال الدين فى الحصول على مطامع دنيوية سياسية أو إقتصادية .
3 ـ فتح أبواب الأزهر للتعليم والتوظيف لكل المصريين على قدم المساواة وبعتبار الأهلية والكفاءة فقط وفى ظل شفافية كاملة .
4 ـ شيخ الأزهر بمرتبة نائب رئيس للوزراء ، ويتم ترشيحه من المجلس الأعلى للأزهر ، ويقوم رئيس الجمهورية بالتصديق على التعيين . وشيخ الأزهر هو المشرف على مؤسسات الأزهر . وهو مسئول أمام مجلس الشعب عن إدارته لمؤسسة الأزهر.
5 ـ العاملون بالأزهر يتساوون مع أقرانهم فى بقية المصالح الحكومية المشابهة .
ثانيا ـ مؤسسات الأزهر العاملة فى مجال الاصلاح الاسلامى :
(1 ) المجلس الأعلى للأزهر ، لمعاونة شيخ الأزهر ويتكون من شيخ الأزهر رئيسا ، ويعاونه رؤساء جامعة الأزهر ومراحل التعليم الازهرى ، ومجمع البحوث ، ومجلس العلاقات الخارجية والمفتى. ويجوز ضم مفكرين مسلمين للمجلس الأعلى للأزهر ..
(2 ) ضم دار الافتاء للأزهر وتوحيد جهة الفتوى ، والتأكيد على أن رأيها إستشاري غير ملزم .
(3 ) مجلس العلاقات الخارجية : يختص بتوفير فرص العمل لخريجى الأزهر خارج مصر والبعثات الطلابية الآتية للأزهر ، وتدعيم علاقات الأزهر بالمؤسسات الدينية فى العالم ، والتفاعل الايجابى مع أحداث العالم بما يوضح حقائق الاسلام ، والاسهام فى جلسات الحوار بين الأديان لنشر حقائق الاسلام خارج مصر ، وتوثيق الصلة العلمية بالمفكرين والباحثين فى الاسلاميات فى العالم من شتى الأجناس والخلفيات .
(4 ) مجمع البحوث الاسلامية ، ويتخصّص فى :
4 / 1 : وضع مناهج جديدة للتعليم الأزهرى بكل مستوياته والتى تؤكد صلاحية الاسلام لكل زمان ومكان ، والتركيز على الاجتهاد القرآنى لانتاج رؤية اسلامية تؤكد القيم الاسلامية العليا المشار اليها ، مع مواكبة عملية لعصر العلم والمخترعات ليتأهل الطالب للالتحاق بالكليات العملية الأزهرية.
4 / 2 : عقد ندوات بحثية ونشر أبحاث فى توضيح التناقض والاختلاف بين الاسلام من خلال القرآن وبين عقائد المسلمين وشرائعهم بمختلف مللها ونحلها ومذاهبها وطوائفها ، وتقديم إجتهاد عصرى للشريعة الاسلامية تؤكّد حقائق الاسلام.
4 / 3 : الاشراف على طبع المصاحف وله سلطة مصادرة أى نسخ مُحرّفة من المصحف، ويعطى توجيهاته فيما يخص تراجم القرآن الكريم .
( 5 ) معاهد التعليم الأزهرى الابتدائى والاعدادى والثانوى وجامعة الأزهر .
ثالثا : إصلاح مناهج الأزهر التعليمية :
1 ـ إلغاء كل المناهج التراثية الحالية فى التعليم الأزهرى بكل مستوياته ( الفقه ، الحديث ، التفسير ، التوحيد والعقائد ، التجويدى، وما يتعلق بها ).
2 ـ تحويل الكليات التراثية ( اصول الدين والشريعة والدراسات الاسلامية ) الى معاهد متوسطة أزهرية تتخصص فى التكنولوجيا وتعليم المهن والحرف الدقيقة .
3 ـ إنشاء كلية نوعية تتخصّص فى تاريخ المسلمين دينيا وفكريا وإجتماعيا وسياسيا وعمرانيا، ودراسة مناهج المؤرخين المسلمين ، ونوعيات المادة التاريخية والمدارس التاريخية ، وطرق البحث التاريخى .
4 ـ إنشاء كلية نوعية للملل والنحل والأديان البشرية، تتخصص فى توضيح الفارق بينها وبين الاسلام. 5 ـ تحديث كلية اللغة العربية بالمناهج الأدبية الحديثة فى العالم ، وبمادة تتناول الفجوة بين النحو العربى واللسان القرآنى . وتحديث كلية اللغات والترجمة بمواد عن ترجمات القرآن الكريم ، ومدى أتفاقها مع النصوص القرآنية ومصطلحات القرآن .
6 ـ إنشاء كلية نوعية للعلوم الانسانية والفلسفية ( إجتماع ، علم نفس ، جغرافيا ، منطق ، وفلسفة ) تقارن بين المدارس العربية والتيارت الحديثة فى هذه العلوم .
7 ـ تحديث التعليم الأزهرى قبل الجامعى بتقرير نفس المناهج فى التعليم العام مع إضافة مواد قرآنية على النحو الآتى :
7 / 1 : فى المرحلة الابتدائية : التركيز على التربية العقيدية ( لا اله إلا الله ) والأخلاقية والتعبدية ، بحفظ وشرح الآيات الخاصة بها فى سور( الاخلاص ) (البقرة) (آل عمران ) (الأنعام ) (الاسراء)( لقمان)(الفرقان)(النحل)، وتعليم وشرح العبادات الاسلامية فى ضوء التقوى وحُسن الأخلاق ونقاء الضمير .
7 / 2 : فى التعليم الاعدادى : دراسة وحفظ الآيات القرآنية التى تتناول الموضوعات التالية :( حقائق الاسلام ومبادىء الشريعة الاسلامية ). و (عقيدة الاسلام فى الايمان بالله واليوم الآخر فى كل الرسالات السماوية من خلال القصص القرآنى ، و (تأكيد الشخصية البشرية للأنبياء فى عدم الشفاعة وعدم العصمة إلا بالوحى ، وموضوع الغيب ، وعدم التفضيل بين الأنبياء . ) مع توضيح الفجوة بين الاسلام والمسلمين فى هذه الموضوعات .
7 / 3 : فى التعليم الثانوى : دراسات قرآنية منهجية ومقارنة تتناول ( مناهج القرآن فى التشريع والقصص وايراد الحقائق العلمية والغيبية ، ومقارنته بتراث المسلمين.) و ( تطبيقات الشريعة الاسلامية ، وآفاق التشريع الاسلامى المسموح به للبشر . ) و ( مادة قاعة بحث فى التدبر القرآنى والتعرف على مفاهيم القرآن واختلافها عن مصطلحات التراث. ).
8 ـ الاكتفاء بهذه المواد القرآنية بديلا عن المواد التراثية التقليدية ، أما المواد العلمية فهى تتبع اللتعليم العام .
أخيرا :
1 ـ كتاباتنا المنشورة هنا فيها كل ما يُحتاج اليه فى تحديث مناهج الأزهر .
2 ـ إن عاجلا أو آجلا فلا بد من إصلاح الأزهر ، وكلما أسرعنا كان أفضل . ..وإلا فالهلاك قادم .!!
( 9 )
تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية يستلزم إصلاح المساجد: (1 ) مساجد الضرار فى مصر تستوجب الاصلاح الفورى
اولا : مساجد الله كما ينبغى أن تكون :
ينبغى أن تكون المساجد لله جل وعلا وحده ، فلا يرتفع فيها بالأذان والذكر والصلاة إلا لله جل وعلا وحده ، بلا شريك ، سواء كان هذا الشريك نبيا أو وليا . وقد كانت قريش تقيم المساجد لعبادة الله جل وعلا وعبادة الأولياء ، يؤدون الصلاة لله جل وعلا مع توسلهم بالقبور الملحقة بالمساجد،فقال جل وعلا لهم :( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) الجن ). وبعث الله جل وعلا رسوله الكريم فوقف لهم فى مساجدهم ينصح ويدعو لاخلاص العقيدة والعبادة لله جل وعلا ، وأن تكون المساجد لله وحده بلا تقديس لغيره ، فكان أن تكالبوا عليه : ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) الجن ). فأمره ربه جل وعلا أن يعلن لهم عقيدته الايمانية: ( قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) الجن )، وأنه بشر لا يملك لهم نفعا ولا ضرّا ولا هداية ولا رشدا : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) الجن ) ، وأن كل مهمته أن يبلّغ الرسالة لينجو من عذاب الله جل وعلا يوم القيامة :( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23) ( الجن ). أى ليس من مهمته إكراه الناس على الهداية بل الدعوة للهداية ، وكل فرد مسئول عن حريته فى الاختيار .
ثانيا : مساجد الله :
واقع الأمر أن هناك نوعان من المساجد : مساجد الله جل وعلا ، ومساجد الضرار .وقد جاءت الإشارة الى النوعين فى الآيات السابقة من سورة ( الجن )؛ فالذى ينبغى أن يكون هو أن تكون المساجد لله جل وعلا وحده ، ولكن الذى حدث أن قريش قامت بتوظيف المساجد لمصالحها ، وعندما قام رسول الله يدعو الى الحق والعدل كادوا يكونون عليه لبدا . وبالتالى فإن مساجد الله هى التى يُقام فيها ذكر الله وحده ، ويتعلم فيها الناس القسط ، والقسط هو الغاية من إرسال كل الرسالات السماوية : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )(25)(الحديد). ويقول جل وعلا يربط بين القسط وإخلاص الدين لله جل وعلا ودور مساجد الله فى هذا:( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )(29)(الاعراف).
ثالثا : إختلاف مساجد الضرار عن مساجد الله :
1 ـ واقع الأمر أيضا أن الملأ الغالب المتحكم فى المجتمع هو الذى يقيم مساجد الضرار تبعا لهواه وليس طاعة لله جل عُلاه ، كما جاء فى قصة أهل الكهف : ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) ) ( الكهف )
2 ـ واقع الأمر أيضا : أنّ تعمير مساجد الله ليس بالبنيان والزخارف كما يحدث الآن ، ولكنه التعمير بالتقوى وإخلاص الدين لله جل وعلا فى القلب وفى العبادة وفى العمل الصالح . وبالتالى فإن التعمير الهندسى والزخرفى لا يأبه به رب العزة ، بل يكون هذا التعمير بلا تقوى دلالة على الكفر ، لأنه آت من مال حرام ويقام بالرياء والنفاق ، ولخداع الناس باسم الله ، وتسخير إسم الرحمن فى الظلم وترسيخ الاستبداد . يقول جل وعلا يقارن بين مساجد الضرار التى يقيمها المشركون المعتدون الظالمون شاهدين على أنفسهم بالكفر (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) التوبة ). وروعة التعبير تأتى فى قوله جل وعلا: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ ) ، فلم يقل ( كُفّار قريش ـ أو مشركو العرب ) ، أى لم يحددها بالزمان والمكان والأشخاص ـ بل جعلها عامة تسرى فى كل ومان ومكان وفى كل مجتمع تسيطر فيه أقلية ظالمة مستبدة تستخدم المال السُّحت فى إقامة مساجد لتسيطر من خلالها على الأغلبية المقهورة . وتأتى روعة التعبير أيضا فى قوله جل وعلا : (أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ )، أى ليس تعمير مساجد الله بالافتراء على الله جل وعلا ، والتزييف فى دينه وإستغلال إسم الرحمن مطية لأغراض دنيوية حقيرة ، فهم فيما يفعلون من آثام وفيما يقولون من طغيان إنما يشهدون على أنفسهم بالكفر السلوكى المُثبت بأعمالهم وأقوالهم . وأكتب هذا يوم الاثنين 12 أغسطس ، والوهابيون من السلفيين والاخوان قد إنتهكوا مسجدا ، وإفتروا على الله كذبا بمنامات وأحلام يجعلون فيها النبى عليه السلام تابعا لرئيسهم المخلوع محمد مرسى ، ويجعلون رب العزة جل وعلا موظفا عندهم يغضب لغضبهم وينحاز اليهم. وهذا الافتراء منشور ومسجّل بالصوت والصورة يشهد عليهم، أو كما قال جل وعلا: ( شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ). وبالتالى فإن كل ما أنفقوه فى بناء هذه المساجد الضرار سيذهب هباءا منثورا ، أى يحبط الله جل وعلا عملهم ، فيكون بلا ثمرة فى الدنيا والآخرة ، ومصيرهم الى الخلود فى النار:( أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ). وتأتى الآية الكريمة التالية تؤكّد معنى التعمير الحقيقى لمساجد الله، وأنه بالايمان الحق والتقوى والعمل الصالح : ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18)(التوبة).
3 ـ واقع الأمر أيضا أنّ تعمير مساجد الله بالبنيان والزخارف كما يحدث الآن هو التخريب وليس التعمير ، وقريش التى أنفقت أموالها فى التعمير المادى الزخرفى لمساجدها الضرار كانت تضطهد من بقى فى مكة من المؤمنين وتمنعهم من دخول مساجد الله ، فجعلوها بهذا الاضطهاد الدينى مساجد ضرار ، يقول جل وعلا : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) ( البقرة ). الروعة هنا فى تتجلّى فى : رقم الآية ( 114 ) وهى عدد سور القرآن ، وفى قوله جل وعلا : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) ، فلو راجعت فى القرآن الكريم تعبير (وَمَنْ أَظْلَمُ ) و (فَمَنْ أَظْلَمُ ) ( الانعام 21 ، 93 ، 144 ، 157 ) ( الاعراف 37 ) ( يونس 17 )( هود 18 )( الكهف 15، 57 ) ( العنكبوت 69 )( السجدة 22 ) ( الزمر 32 ) ( الصف 7 ) ستجدها تجعل من يفترى على الله جل وعلا كذبا ،ومن يكذّب بآياته القرآنية هو الأظلم من بين البشر جميعا .
4 ـ واقع الأمر أيضا أن أولئك الظالمين المفترين الكاذبين المكذّبين هم أيضا الذين يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها إسمه وحده ، لأنهم ينفرون من ذكر الله جل وعلا وحده بلا تعظيم وتقديس للنبى محمد وغيره من الأئمة والأولياء . هم ينفرون من ذكر الله وحده فى القرآن وحده : (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46)الاسراء ). والدليل الآن إن مسلمى اليوم عندما يُذكر إسم الله جل وعلا لا يقولون (سبحان الله ) والتسبيح وذكر الله جل وعلا فريضة غائبة منسية ، أضاعها المسلمون بتركيزهم على تقديس النبى محمد ورفعه الى مستوى الالوهية بل وتفضيلهم له على رب العزة جل وعلا ، بدليل إهمالهم تسبيح الله عند ذكر إسم الله ، بيتما إذا ذُكر إسم محمد إنطلقوا يقولون ( صلى الله عليه وسلم ) يجعلون الصلاة عليه تقديسا له . ولو ذكرت الله وحده بدون ذكر لإسم محمد إشمأزّت قلوبهم ، وينطبق عليهم قوله جل وعلا فى قريش وغير قريش : (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)( الزمر ). هؤلاء هم أظلم الناس لرب الناس جل وعلا ، الذين يمنعون مساجد الله من أن يذكر فيها إسم الله وحده ، والذين يجعلونها بوقا للإفتراء على الله وتكذيب آيات الله وكتاب الله . وقلنا أن الروعة هنا فى رقم الآية ( 114 ) وهى عدد سور القرآن ، وفى ارتباط ظلمهم لله جل وعلا بالتكذيب والافتراء وتسخير مساجد الله فى ظلم الله جل وعلا . ثم تأتى الإشارة الرائعة فى أن هذا ليس تعميرا لمساجد الله بل هو على العكس ( تخريب ) لها :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ) . هذا لأن التعمير الحقيقى لا يأتى من المشركين المعتدين : (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18)(التوبة).
رابعا : كل مساجد مصر هى مساجد ضرار
1ـ واقع الأمر أيضا أن كل مساجد مصر هى مساجد ضرار . ونحن أهل القرآن شهود على هذا . لقد سيطر نظام مبارك على المساجد ، ووظّف فيها السلفيين ومرتزقة الأزهر والأوقاف ، ومنعنا من بناء مساجد لنا ، وألزمنا بالصلاة فى مساجد الضرار لنسمع منكرا من القول وزورا ، وأرغمنا أن نسمع فيها تكفيرنا والسّب واللعن فينا ، وحين إعتكفنا فى بيوتنا لنصلى مع أهلنا قبضوا علينا . ولقد كتبت فى مقال عن الخزى الذى عوقب به مبارك فى الدنيا بسبب ما إرتكبه فى حقنا مستشهد بقوله جل وعلا:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) ( البقرة ).
http://www.ahl-alquran.com/arabic/document.php?main_id=1385
2 ـ واقع الأمر أيضا أن مسجد الضرار قد يتطور دوره فى الضرر والفساد فيتحول الى وكر للتآمر الارهابى ، وهذا ما فعله منافقو المدينة فى عهد النبى عليه السلام ، يقول جل وعلا :( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) التوبة ) . الروعة هنا أيضا أن الله جل وعلا لم يقل المنافقون أو منافقو المدينة أو فلان وفلان من الناس ، بل جعلها قضية تدور مع الزمان والمكان وقابلة للحدوث فى أى مجتمه حيث يوجد ( الذين ) يتخذون مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا وأرصادا ..أى يحولون مسجد الله الى مركز سرى حربى تجسسى ، وهم يتظاهرون بالتقوى ، ولو أحيلوا للتحقيق فسيحلفون باسم الله جل وعلا كذبا ببراءتهم . إقرأ الآية الكريمة ستجد صياغتها الفريدة تجعلها تنطبق على الاخوان والسلفيين فى عصرنا :( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) التوبة ).
3 ـ هناك مساجد ضرار يكتفى أصحابها بضرارها لأنفسهم ، يمارسون فيها تقديس القبور وتقديس الأولياء والأئمة ، كما يفعل الشيعة والصوفية حين لا يكونون فى موقع السلطة . ولكن هناك مساجد ضرار متعدية معتدية تمارس الإكراه فى الدين إذا كان أصحابها فى موقع التحكم كما فى السعودية والخليج وإيران ، ويستغلها أصحابها للوصول الى الحكم كما يفعل الوهابيون فى مصر ، وعندئد تتحول هذه المساجد الى ضرر أفظع ، بأن تكون مراكز إرهابية تخريبية . وهذا هو ما نراه الآن فى العراق وباكستان وإفغانستان وتونس ..ومصر ..
4 ـ ومساجد مصر الآن بين مساجد ضرار منكفئة على عبادتها للأضرحة والقبور ، وإما مساجد ضرار سلفية وهابية متعدية أرهابية . وبتأثير السلفية إنتشر الارهاب الدينى فى مصر فى ظل الهتاف ب ( الله أكبر ) ، قتل الرعاع الهمج السلفيون حسن شحاته الشيعى ورفاقه وهم يهتفون ( الله أكبر ) ، ويقتلون الأقباط وهم يهتفون ( الله أكبر ) ، ومن قبل أخرجوا البهائيين من بيوتهم وهم يهتفون ( الله أكبر ) . والآن هم يعتصمون بمسجد رابعة العدوية يمارسون القتل والتعذيب والزنا وهم يهتفون ( الله أكبر ) ، وفى سيناء يقتلون جنود وضباط الجيش المصرى فى رمضان وهم يهتفون ( الله أكبر ) ..هذا لأنهم حوّلوا مساجد الله الى مساجد ضرار يتآمرون فيها و يخططون للارهاب ، وهم يصلون ويقولون ( الله أكبر). !! ولو سكت المصريون على هذا فستدخل مصر الى حرب أهلية دينية تتحول فيها المساجد الى مراكز حربية وأهداف عسكرية ، كما يحدث فى سوريا والعراق .
4 ـ هذه كارثة تستوجب إصلاحا حقيقيا حازما حاسما تتحول به من مساجد ضرار الى مساجد لله جل وعلا .
( 10 )
تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية يستلزم إصلاح المساجد:( 2 ) جهادنا ضد مساجد الضرار الصوفية
مقدمة
1 ـ من حق البشر أن يقيموا لأنفسهم مؤسسات بشرية خدمية وحكومية من مستشفيات ومدارس ومدن وشوارع وبيوت ، ومن حقهم أن يطلقوا عليها ما يشاءون من أسماء بشرية وحيوانية ونباتية ، مثل مستشفى العصفورة ومدرسة صلاح الدين ، ومدينة الزقازيق ( الزقازيق نوع من السمك ) وشارع الحوت ، وقرية أبو حريز ، وكفر العمدة .. بل قد تطلق أسرة حاكمة إسمها على دولة وشعب كالسعودية. كل هذا جائز ، ويفعله المتغلبون برضى الناس أو بغير رضاهم . الذى ليس من حق البشر هو أن يتصرف البشر فى بيوت الله جل وعلا ( المساجد ) على أنها ملكية لهم بمثل ملكيتهم للمدارس والمستشفيات والشوارع والمدن والحارات .
2 ـ الأصل أن المسجد هو بيت الله جل وعلا يبنيه المؤمنون بالله جل وعلا ليمارسوا فيه عبوديتهم لله جل وعلا بالصلاة له جل وعلا وحده وذكره جل وعلا وحده ، وتقديسه وتسبيحه جل وعلا وحده ، والتوسل به وحده ، والاستعانة به وحده . يدخله المؤمن وهو يستشعر كل هذه المعانى فى قلبه ، لأنه يدخل بيت الله أو مسجدا لله . ولأنه بيت الله فهو مسجد لله ، أى فيه يسجد المؤمنون لله جل وعلا وحده ، ولا يسجد لغيره . فكل العبادة من سجود وخشوع وركوع هى لله جل وعلا وحده فى بيوت الله ، وفى مساجد هى لله جل وعلا وحده .
3 ـ وبالتالى فالمسجد الضرار هو الذى يخالف هذا ، بأن يحمل إسم مخلوق ، بدلا من إسم الخالق جل وعلا ، أى أن يكون إسم المسجد ( مسجد الرحمن ) مثلا فيجعلون إسمه ( مسجد عمرو بن العاص ، مسجد الحسين ،مسجد رمسيس ، مسجد رابعة، مسجد السيد البدوى، مسجد مصطفى محمود ، مسجد عمر مكرم ، مسجد مرسى ابو العباس ، مسجد الشاذلية ، مسجد رشدان ..الخ )، وأن يرتفع فيها الأذان والصلاة باسماء بشر مقترنة باسم الله جل وعلا تشاركه فى التقديس الذى يجب أن يكون خالصا لله جل وعلا وحده فى بيته . الذى يحدث أن الأذان فى الصلاة لا يكون مقبولا عند أصحاب الديانات الأرضية من المسلمين إلا بذكر إسم النبى محمد مع الله جل وعلا خلافا للصيغة الاسلامية فى الأذان ، ثم تكون الصلاة لله جل وعلا فى هذا المسجد مقترنة بتقديس النبى محمد مع الله جل وعلا وبالصلاة له ( صلاة السّنة ) و( التحيّات بدلا من التشهد المذكور فى الآية 18 من سورة آل عمران ) وبالصلاة عليه كملمح من تقديسه ، والتوسل بالنبى وطلب ( جاه النبى ) وليس للنبى جاه ، إذ لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ولا هداية ولا رشدا ، وهذا هو ما أمره به ربه جل وعلا حين دعا عليه السلام قريش لأن تكون المساجد خالصة لله جل وعلا :( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23)( الجن ).
4 ـ والضرار نوعان : ضرار فى العقيدة يحيق بأصحابه فيوردهم مورد التهلكة بالخلود فى النار ، وهو مصير كل من يموت مشركا : ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) المائدة)( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (65)الزمر) . وبالتالى فإن المؤسف والمُضحك معا أن المُشرك الذى يدخل الضريح والقبر المقدس يعتقد أنه مستفيد ببركة صاحب القبر المقدس ، بينما هو فى الحقيقة يُهلك نفسه ، وهو بذلك مثل ذكر العنكبوت المخدوع ، إذ تهيىء له إنثى العنكبوت فراش الزوجيه ليلقّحها ،فيدخل مخدع الحب فرحا ، وبعد أن تنتهى مهمته تفترسه الأنثى . وهذا المثل ضربه رب العزة للمشركين روّاد القبور المقدسة الذين يعتقدون فيها النفع ويطلبون منها المدد فيهلكون بأفظع الضرر ، يقول جل وعلا (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) العنكبوت ). ثم هناك الضرر الأفظع ، وهو ضرر المساجد الوهابية التى تتعدى الى التحكم السياسى .
5 ـ يتطور ضرار العقيدة بعد تقديس النبى فى المساجد بإضافة الخلفاء ( الراشدين) عند السّنيين ، وأئمة الشيعة عند الشيعة ، وأولياء الصوفية عند الصوفية . وبتسيد الدين الأرضى للمساجد وإستغلالها إقتصاديا لصالح شيوخ الدين الأرضى والمستبد المستفيد من هذا الدين الأرضى يطمح بعض قادة هذا الدين الأرضى لاقامة دولة دينية على أساس هذا الدين الأرضى السائد ، وتستخدم المساجد التى تركّز دورها كمساجد ضرار ، فيتطور دورها من الضرار العقيدى الى الضرار العقيدى الارهابى الحربى بسفك الدماء ، كما يحدث الآن فى مصر وفى العراق وسوريا . وعليه نجرؤ على القول بأنّ كل مساجد المسلمين مساجد ضرار ، يتم إستخدامها ليس لعبادة الله جل وعلا وحده ، ولكن لخداع الناس وسلب أموالهم وركوب ظهورهم باسم الدين . ولكن يختلف الأمر ، فمساجد الصوفية تستهدف جمع الأموال من النذور ، وتتنافس فيما بينها فى ذلك دون الوقوع فى إكراه الغير فى الدين . أما مساجد الوهابيين الحنابلة السنيين فهى متعدية بطبعها تقوم بالإكراه فى الدين ، وتطمح للإستغلال الاقتصادى والسياسى معا . ولنا شرف النضال ضد هاذين النوعين من مساجد الضرار. ونبدا الآن بمساجد الضرار الصوفية .
أولا : البداية فى ( أبو حريز )
1 ـ وقد بدأت نضالى ضد مساجد الضرار مذ كنت فى الرابعة عشر من العمر ، معترضا على مسجد بلدنا ( أبو حريز ـ مركز كفر صقر شرقية ) وقد كان ولا يزال مسجدا صوفيا يحوى ضريحا يقدسه الناس فى البلدة وفى نواحيها ، ويقصدونه بالحج والتوسل ، ويعيش على هذا الجاه الدينى أسرة صاحب الضريح ، ومن نسل الجد الكبير تناسلت أضرحة وتأصل نفوذ كان عتيا حين كنت فى إعدادى الأزهر ، فرفعت صوتى بأن هذا الضريح رجس من عمل الشيطان ، فارتعب السامعون وتناقلوا ما قلت ، وجاءت لى التحذيرات من كبار الأزهريين فى البلد ، وقد كانوا تلاميذ والدى يرحمه الله جل وعلا . واستمر نضالى ضد هذا الاتجار بالدين ، وبسبب نشأتى فى هذه البيئة الصوفية التى تقدس البشر والحجر وتستخدم مساجد الله فى هذا الإفك والعدوان كانت رسالتى للدكتوراه عن أثر التصوف فى مصر فى العصر المملوكى الذى شهد تحكم أولياء التصوف الذين لا يزالون مشهورين حتى اليوم . وشاركت فى تأسيس أول مسجد فى بلدى أبوحريز. كنت وقتها سنيا معتدلا أسعى فى اصلاح السنيين ، فكتبت مقالا فى مجلة الهدى النبوى أحكى فيه عن المسجد الصوفى فى بلدنا ، والتى تخلو من مسجد لله جل وعلا. وإتخذ من هذا المقال أحد الأزهريين من ابناء البلد ، وكان معارا فى الخليج ، فجمع الأموال لانشاء مسجد سُنّى فى أبوحريز ، ودخل فى معركة تمخضت بعد سنوات عن تأسيس هذا المسجد السُنّى ، وعاصر هذا هجومى على السّنة بعد أن تبيّن لى بالقرآن التناقض بين السّنة والاسلام ، فأصبح هذا المسجد الإخوانى خصما لنا .
ثانيا : ـ ضد المساجد الصوفية
كتبت كثيرا عن استغلال الصوفية لمساجدهم، وممّا كتبت كان سيناريو درامى بنيته على إعلان تليفزيونى كان مشهورا وقتها فى محاربة البلهارسيا ، وفيه ينصح فلاح عاقل ( الممثل محمد رضا ) فلاحا مريضا ( عبد السلام محمد ) بأن يعطى ظهره للترعة ويبتعد عنها حتى لا تأكل البلهارسيا جسده . ولأن الفلاح يعانى من بلهارسيا دينية عقلية أشد ضررا ، فإن السيناريو الكوميدى الواقعى ركّز على دور مساجد الضرار الصوفية فى تدمير حياة الفلاح المصرى . وبالطبع لم أجد من يشترى السيناريو فقمت بتلخيصه فى مقال بعنوان ( بلهارسيا عقلية ) . ونشرته فى الأحرار فى يوم 20 مايو 1991 م . ونعيد نشره هنا :
( بلهارســــــيا عقليـــــة :
1- كثيراً ما نصحوا الأخ عبد السلام بأن يعطي ظهره للترعة حتى لا تمتص البلهارسيا ما تبقى من حيويته وكثيراً ما يعلن الأخ عبد السلام السمع و الطاعة و لكن لا غنى له عن الترعة ولا غنى للترعة و ما فيها من بلهارسيا عن جسده ! ! . والمشكلة الحقيقة أنهم يحذرون الأخ عبد السلام من نوع واحد من البلهارسيا وينسون أنه ضحية دائماً لبلهارسيا عقلية تستنزف أمواله وكرامته ودنياه وآخرته. فالأخ عبد السلام شأن كل فلاح مصري بسيط - يستحق الصدقة والزكاة بإجماع كل المذاهب الفقهية - والنحوية – أيضاً ومع ذلك فالأخ عبد السلام يقتطع من قوته الضروري ويترك أولاده جوعى لكي يقدم النذور لضريح الشيخ مهروش الواقع على مشارف القرية .
2- وبدأت الحكاية منذ عشر سنوات مع تردد الشيخ سرحان على القرية ، وكان الشيخ سرحان مشهوراً بالبركة والصلاح "والسر الباتع" خصوصاً مع الزوجات العاقرات واللاتي في خصومة دائمة مع أزواجهن ، وكانت أحدهن بعد أن تجلس في"الخلوة"مع الشيخ سرحان سرعان ما تنفك "عقدتها"وينصلح حالها. وقد أمتدت شهرة الشيخ سرحان إلى القرى المجاورة ، فكان إذا حلّ بقرية الأخ عبد السلام يتوافد الناس لرؤيته في دوار العمدة ، حيث تقام حفلات الأذكار للرجال ودقات الزار للنساء . وفي إحدى ليالي الانبساط كان الشيخ سرحان يعطي العهد للرجال والنساء فإذا به يصاب بنوبة من التجلي والصياح ، فتوقف الحفل وتعلقت به العيون وهو يرغي ويزبد ثم سكت وسقطت رأسه على صدره، فاستولى الخوف على الحاضرين, واقشعرت أجسادهم ثم فوجئوا بالشيخ سرحان يفيق من الإغماء وهو يهتف "حي.. حي السمع والطاعة يا أسيادي" ثم انخرط الشيخ سرحان في بكاءٍ أعقبته نوبة من صيحات الفرح والسرور ، وقام يعانق العمدة ورجال القرية ويعلن لهم أن (الأسياد) قد وافقوا على نقل رفات العارف بالله الشيخ "مهروش" من بلاد السودان إلى تحت شجرة الجميز التي على الطريق الزراعي في مدخل القرية. وسجد الجميع لله شكراً وعانق بعضهم بعضاً ، وانطلقوا في الظلام بقيادة الشيخ سرحان إلى تحت شجرة الجميز وتوقف الجميع بعيدا ، بينما تقدم منها الشيخ سرحان خطوة خطوة ، ثم سجد أسفلها ومد يده تحت التراب ثم هتف : مدد يا سيدي "مهروش" .!! وهتف خلفه الجميع وهم يبكون ويتواجدون !! .
وفي الصباح جاء للقرية شاب يبدو عليه الصلاح ، وكان يسأل عن عمدة القرية ، فلما التقى به قال له أنه رأى في المنام هاتفاً يدعوه للقدوم إلى هذه القرية بالذات ليشتري منها كل ما يتبرع به أهلها لبناء ضريح العارف بالله الشيخ مهروش ، وحين قال للهاتف أنه لا يملك النقود قال له الهاتف : " تشجع يا ظريف فالبركة في الرغيف . " وانه حين استيقظ من النوم وجد تحت الوسادة رغيفاً فيه ألف جنيه . وانتشرت الحكاية في القرية ووصلت إلى الشيخ سرحان عند الجميزة وسار إليه الجموع يهنئونه بأولى كرامات الشيخ مهروش ، وفوجئوا بالشيخ سرحان يبكي ، ويحكي لهم أنه رأى نفس المنام وأن الهاتف بشره بأن من يبيع لذلك الشاب الصالح شيئا في سبيل إقامة الضريح سيأخذ قطعة من الرغيف تكون له حرزا من كل سوء . والتقى الشيخ سرحان بذلك الشاب الصالح وكان لقاؤهما يوم عيد. وبالألف جنية وبالرغيف المقدس اشترى الشاب الصالح أحسن ما في القرية من مواشي ومحاصيل ، وتم بناء الضريح وبجانبه سكن سرحان للشيخ سرحان والشاب الصالح الذي نذر نفسه لخدمة الشيخ سرحان وللعناية بضريح الشيخ مهروش عليه سحائب الرحمة والرضوان .
3- ونعود إلى الأخ عبد السلام وقد كانت له بقرة وحيدة يعتز بها أكثر من اعتزازه بزوجته ويرعاها أكثر من رعايته لابنته !! ولكن بسبب حبه في أولياء الله باع بقرته الحبيبة التي تساوي ألفين من الجنيهات وأخذ في مقابلها من الشاب الصالح عشرة جنيهات لا غير مع كسرة صغيرة من الرغيف المقدس ، ولا يزال يحتفظ بها معلقة في حجاب وضعه في الزريبة الخالية إلى أن تأتي له بقرة أخرى !!. وعبد السلام يعتقد في الشيخ سرحان والشاب الصالح وفي كراماتهما ؛ فقد حدث له شخصياً أن زوجته كانت تعتريها حالات وتركبها الأسياد ، فلا تعود إلى الصواب إلا بعد أن يخلو بها الشيخ سرحان والشاب الصالح ، فتعود بعدها لعبد السلام وهىّ آخر تمام !! . وفي كل محصول بل وعندما تتوفر لديه أي نقود يسارع عبد السلام بوضعها في صندوق النذور عند ضريح الشيخ مهروش فهو يريد الستر وأن تحل عليه البركات فيرى طيف بقرته العزيزة !! وعبد السلام يحمد الله فقد أخبر الشاب الصالح زوجته أن الأسياد توسطوا عند السيدة زينب حتى يدفعوا عن عبد السلام كارثة محققة و لولاهم لكان صريع البلهارسيا !! وعبد السلام يأخذ الحكومة على قدر عقلها ويتناول دواء البلهارسيا فى الوحدة الصحية وهو يعلم تماما أنها لا تنفع ولا تضر وأن بركة مشايخنا هى التى تدفع عنه البلاء ومدد يا أسيادى !!
4- والذي لا يعرفه عبد السلام أنه ينبغي أن يعطي ظهره لأشياء كثيرة وليس للترعة وحدها ، وأن الترعة بما فيها من بلهارسيا وقواقع أطهر من ضريح الشيخ مهروش وما يحدث فيه !! والذي لا يعرفه عبد السلام أنه باعتقاده في هذه الأوهام قد خسر الدنيا والآخرة من حيث لا يدري ، وأنه وقع ضحية نصاب محترف وشريكه ، وأن أسهل الطرق للإحتيال إنما تكون من خلال التدين الفاسد حيث تسود الخرافة ويتم بيع صكوك الغفران والخيالات والأحلام للفقراء والمخدوعين . وقديماً قال ابراهيم لقومه: ( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) العنكبوت ) .
5- ومشكلتنا نحن أن بعض مريدي الشيخ مهروش يريدون أن يحكمونا باسم الاسلام ، وهم يتصورون أن كلنا عبد السلام !! يا سلام !! ).
إنتهى المقال ، ولكن لم تنته المشكلة !.
(11 )
تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية يستلزم إصلاح المساجد:( 3 ) جهادنا ضد مساجد الضرار الوهابية
أولا : ضراوة النضال ضد مساجد الضرار السّنية :
1 ـ هنا يتشابك النضال فى الشارع مع النضال بالكتابة والتأليف . وينعكس هذا فى مقالات كتبتها أسجل بعض ما دار من صراع بيننا أهل القرآن من ناحية ونظام مبارك والاخوان والسلفيين من ناحية أخرى . ورد بعض هذا فى مقال ( التسامح الاسلامى بين مصر وأمريكا ) ، كما حكيت بعض الذكريات عن الصراع بين الصوفية والسنيين فى مقال ( مسجد الضرار ومسجد الضراط ). وقمت بتأصيل قرآنى تاريخى لمساجد الضرار فى تاريخ المسلمين فى سلسلة مقالات ( الحلف بالله كذبا ) تحت عنوان ( إنتشار مساجد الضرار فى بلاد المسلمين ). وقد تم جمعها فى كتاب ( تحذير المسلمين من خلط السياسة بالدين )، وتناولت الموضوع فى باب الفتاوى بموقع أهل القرآن فى سؤال عن صلاة الجمعة فى مساجد الضرار .
2 ـ مساجد الوهابية هى الأفظع بين مساجد الضرار،والدليل هو استغلالهم للمسجد المسمى برابعة فى التعذيب والزنا ( جهاد المناكحة ) و سبى أطفال الملاجىء واتخاذهم رهائن للإحتماء بهم ، وتحويل المظاهرات والاعتصامات لمعارك قتالية تتخذ من المساجد مراكز وقلاعا حربية . ومن المنتظر لو سيطروا على مصر أن تتحول مساجدهم الى مراكز حربية يتم من خلالها شنّ غارات على مساجد الصوفية والكنائس المسيحية .
3 ـ والحال الذى وصلت اليه مصر هو المحصلة المنتظرة من التوسع الهائل فى إنشاء مئات الألوف من المساجد الوهابية خلال اربعين عاما ، وقد غطّت العمران المصرى كله ، وتنوعت من زوايا ملحقة بالعمارات الى مؤسسات ضخمة تحوى المسجد والمدرسة والمستشفى والحضانة وقاعة الأفراح والمناسبات . ومع هذا التنوع فكلها تتفق فى نشر الوهابية بين المصريين .
4 ـ والواقع أن ما يسمى بالصحوة الدينية ( السّنية الوهابية ) قد إستولت على ثروات المصريين بطرق عديدة منها سلب أموالهم من خلال شركات توظيف الأموال ، وبالتركيز على أن فوائد البنوك حرام ، وقد ناضلنا ضد هذا فى مقالات أزعجت شيخ الأوزهر وقتها ( جاد الحق ) فكتب ضدنا بلاغا فى أمن الدولة العليا ، ومنع نشر بقية المقالات فى الأخبار . وقد نشرنا هذا هنا فى مقال ( معركة الربا ) . الطريقة الثانية التى سلب بها الوهابيون المصريون الثروة المصرية هى التهامهم تبرعات أهل الخير وتوجيهها الى إنشاء تلك المساجد الوهابية الارهابية ، فى وقت يعانى فيه شباب مصر من الحصول على مسكن يتزوج فيه ، وتنتشر العنوسة بين البنات. وكتبنا فى حق ( ابن السبيل ) المسكوت عنه ، وأن ابن السبيل ينطبق على السياح الزائرين ـ وهذا يعنى إكرامهم والترحيب بهم ـ كما ينطبق أكثر على من لا يجد مأوى وسكنا من الشباب الراغب فى الزواج ، وأهمية أن تتوجه أعمال البر الى توفير مساكن بسعر معقول لهم ومأوى لأطفال الشوارع . بدلا من هذا أقامت ( الصحوة الوهابية المصرية ) آلاف المساجد التى تزيد عن الحاجة ، وتكفلت بشباب مصر وأطفال مصر الضائعين بطريقة جديدة ، هى استخدامهم حطبا للحرب الأهلية القادمة ، وجثثا يصعدون عليها الى السُّلطة .
5 ـ ومن البداية حذّرت من هذا فى مقالات مستقلة عن ابن السبيل والزكاة ، وأيضا بين سطور مقالات وأبحاث ، مثلا : قلت فى منتصف التسعينيات فى بحث ( الاسناد ) وهو منشور هنا : ( استحضر عقلك ولا تعطه اجازة، وتفكر فى معنى ذلك الحديث المنسوب كذبا للنبى عليه السلام..انه يؤكد على ان كل من بنى لله مسجدا بنى الله تعالى له قصرا فى الجنة، مهما كان الشخص مؤمنا او كافرا،ومهما كان مصدر المال طيبا او خبيثا، يعنى ان السيد هتلر من حقه ان يكون له قصورفى الجنة اذا بنى بضعة مساجد، ويعنى أيضا ان كل مختلس وظالم وناهب لأموال الناس يستطيع اذا بنى ببعض أمواله الحرام مسجدا ان يدخل الجنة. ..هل يتفق ذلك مع تشريع الاسلام؟. ثم ان هذا الحديث الذى يبيع قصور الجنة لكل من يتبرع ببناء مسجد يحدد لنا منذ البداية اقل مساحة مقبولة للمسجد، يقول ((من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة)) ، اى يكون مساحة المسجد كقدر ما تتحرك به ساق القطاة حين تفحص بساقيها الارض. والقطاة هى طائر صغيرة الحجم .اى من بنى لله مسجدا ولو كانت مساحته فى مثل هذا الصغر بنى الله له قصرا فى الجنة حتى لو كان من مال حرام، ومهما كانت شخصية ذلك المتبرع ،وحتى اذا كان ذلك المسجد لا يستطيع دخوله الا النمل والصراصير الوليدة....هل يعقل ان يتكلم النبى عليه السلام بهذا الكلام؟!!. ولكن ذلك الحديث تم اسناده أو تمت نسبته للنبى عليه السلام ، ورواه ابن ماجه فى "مسنده" عن فلان عن فلان. وآمن الناس بصحة ذلك الاسناد .ومن هنا فان ذلك الحديث الكاذب هو المسئول عن اقامة 38 الف مسجد وزاوية فى القاهرة الكبرى فى العشرين سنة الماضية، وكلها تنشر ثقافة التطرف عبر احاديث مسندة او منسوبة للنبى عليه السلام زورا، وهى تخالف القرآن والسنة الصحيحة للنبى عليه السلام . وبدلا ان تتوجه أموال الصدقات لبناء مساكن للشباب والعائلات التى تسكن المقابر، فأنها توجهت لبناء مساجد ايديولوجية تزيد عن حاجة المسلمين الذين يستطيعون الصلاة فى كل مكان . ومع العلم بأن حق ابن السبيل فى تشريع الاسلام ثابت فى الزكاة الرسمية والصدقة التطوعية والفئ والغنيمة، ولا يصح الالتفات لرعاية ابناء السبيل من الاغراب الا بعد ضمان المسكن والطعام لابناء البلد ـ فكيف اذا كان ابناء البلد انفسهم لايجدون السكن بحيث ضاعت احلام الشباب فى الزواج واصبحت العنوسة ازمة مستفحلة ؟ ومع ذلك تفاقمت تلك المشكلة لان أموال الصدقات استنفذها ارباب الصحوة السلفية فى بناء عشرات الالوف من المنابر التى تؤسس لدولتهم القادمة! ومن دعائم تلك الدولة ثقافة التراث للعصور الوسطى، تلك الثقافة التى أصبحت مقدسة عبر الاسناد ،او عن طريق نسبتها زورا للنبى عليه السلام ...مهما خالفت العقل والاسلام .) أنتهى النقل من بحث الاسناد..
6 ـ وكتبت سيناريو فيلم ( سيرة الشيخ النعناعى ) عن أحد الشيوخ الذى صار من كبار الأثرياء فى القاهرة بعد رحلة طويلة فى التسول ( العلمانى ) ثم التسول ( الوهابى ) . وكالعادة لم أجد من يشترى هذا السيناريو ، فكتبت فكرته مقالا موجزا ، ونشرته جريدة الأحرار فى 15/6/1996 ، فى سلسلة ( قال الراوي) وتحت عنوان : ( تبرع يا أخي لبناء مسجد نفق شـبرا ). وأعيد نشره هنا :
ثانيا : مقال : ( تبرع يا أخي لبناء مسجد نفق شـبرا
1 ـ عرفته منذ كنت طالبا في الثانوي أركب الأتوبيس لبلدنا حيث كان يصعد هو يبيع النعناع ويترنم بلهجة متنغمة مميزة : " يا مجلي القلب يا نعناع ".. وكان يستحوذ على عطف الناس لما يرونه فيه من دلائل الفقر وفقد البصر ، ومعه عصاته في يده يتحسس بها الطريق ويصعد بها الأتوبيس .ولم أكن وحدي الذي يتابعه ويهتم بحالته ، كنت مثل كثيرين من الشباب الذي تعاطف معه ، إذ كان في أعمارنا تقريبا ، وعرفنا أنه يبيت الليل في المحطة ينام داخل الأتوبيسات . ورغبة منا في مساعدته حسبما تسمح به ظروفنا فقد أصبحنا جميعا من الذين يدمنون تعاطي النعناع !!.
2 ـ ومرت الأيام وأصبح صاحبنا بائع النعناع الضرير ذكرى من ذكريات الشباب الغض التي ترزح تحت ضغط الحياة في القاهرة ومشاكلها ، إلى أن قفز صاحبنا إلى ذاكراتي فجأة في أوائل الثمانينات . كنت أجلس في الأتوبيس وسمعت صوتا يتسلل إلى نفسي يدعو الناس للتبرع إلي بناء بيت من بيوت الله ، ورفعت رأسي فوجدت رجلا في ثياب بيضاء قصيرة ، ولا أدري لماذا أيقظ في داخلي الصوت القديم لبائع النعناع الكفيف وأنشودته المفضلة : يا مجلي القلب يا نعناع !!. والتفت إليه والتقت عينانا ، ووجدته في لحظة يشيح بوجهه عني وقد كان قريبا مني ، وأخرجت نقودا لأتبرع بها ، ولكنه تجاهل يدي الممدودة وتخطاني ، ودعوته لأعطيه النقود وهدفي أن أتعرف عليه وأفهم لماذا يتحاشاني ، وعاد لي مرغما ومد يده يأخذ النقود وركزت نظري عليه فعرفت فيه بائع النعناع القديم ، ولكنه أصبح صحيح النظر نظيف المظهر ، وابتسمت له وابتسم لي ، وقلت له هامسا : يا مجلي القلب يا نعناع .. وضحك ..ونزل من الأتوبيس مسرعا ..
3 ـ ومرت سنوات ، ودعيت لإلقاء محاضرة في أحد المساجد الفخمة ، وكان الشاب الذي جاء يدعوني حريصا على أن أتعرف على الحاج عبدالمعطي رئيس الجمعية التي أقامت المسجد وملحقاته من المستشفي والصيدلية ومعمل التحليل ، وأفاض الشاب في سرد منجزاته وإنشاءاته. قلت له حدثني عن ثقافته ومستواه العلمي ، فقال الشاب ، إنه هو الذي ينشيء بيوت الله ومثلي هو الذي ينشر فيها العلم ، واقتنعت بوجهة نظره .. وصحبني الشاب إلى المسجد الفخم ، ففوجئت به مجرد بدروم يحمل فوق كاهله خمسة أدوار للمستشفى وعياداته التخصصية ومعامل التحليل الخاصة به ، وحتى هذا البدروم اقتطعوا منه واجهاته على الشارع وأقاموا فيها محلات تجارية وصيدلية ، لم يتركوا إلا مساحة تسمح بوجود باب للمسجد !! وقلت لمرافقي الشاب إنه ليس مسجدا وملحقاته ، ولكنه مستشفي ومحلات تجارية وقد الحقوا بها هذه المصلى المتواضعة ، وهرش الشاب رأسه من الحرج وقال : لقد كنا نريد أن نجعل الدور الأول للمسجد فلم تكتمل فيه الصفوف بالقدر الكافي يوم الجمعة ، ثم اقترح الحاج عبدالمعطي رئيس الجمعية أن نُخصّص الدور الأرضي للمسجد حتى نستفيد من استغلال الشارع كله في صلاة الجمعة ؟!! وعلى ذلك جعلنا الدور الأول كله لعيادة الباطنة والجراحة . وقلت له : ما أزال مصمما على رأيي إنه مشروع استثماري والمسجد غريب عنه ملحق به لاستغلال الدين، ثم أين تذهب إيرادات هذا المشروع الاستثماري متعدد الأنشطة ؟ ويبدو أنني دخلت في الممنوع ، إذ أن الشاب الذي يرافقني نظر لي ببرود وتركني ودخل المسجد . ووقفت أمام ذلك البناء الفخم الضخم مترددا ، هل أدخله وألبي الدعوة أم أخذها من " قصيرها " وأنصرف؟!.. وغلبني الفضول فدخلت ، وكان واضحا أن هناك من كان يجلس ينتظر المحاضرة ، ولكن يبدو أن " المرشد السياحي " الذي كان معي وتركني مغاضبا قد أعطاهم فكرة عني ، لذا وجدت نظرات البرود والكراهية تحوطني . وشعرت بالارتباك وعزمت على الخروج ، ولكن تقدم مني أحدهم ورحب بي على حذر، وأفهمني بلباقة أنه لا ينبغي أن أتعدي المطلوب مني وهو إلقاء المحاضرة وحسب ، وقلت له كان ينبغي أن تكونوا على علم بمن تدعونه إلى المحاضرة ، وهل سيقبل المُنكر ويسكت عليه أم يُنكره، وفوجئت به يقول: إن هناك من هو أكبر منك علما وشهرة يأتي هنا يسعد بمقابلة الحاج رئيس الجمعية ويشيد به وفي النهاية يأخذ أجره على المحاضرة وينصرف سعيدا ..ووجدتني أثور عليه قائلا : ومن قال لكم أنني من هؤلاء الذين يأخذون أجرا على كلمة حق يقولها في ندوة أو خطبة ، وقرأت له قوله تعالى :" اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون "..وكانت ضجة ، وتقدم كثيرون يهدئون ثورتي ويعتذرون لي حتى ينتهي الموضوع على خير . وأثناء ذلك جاء أحدهم ، فوقفوا له احتراما ، وتقدم مني ودعاني لمقابلة الحاج عبد المعطي ..كنت أظنه هو الحاج عبدالمعطي فإذا هو رسول الحاج عبدالمعطي .. وصعد بنا المصعد الكهربائي إلى الدور الأخير ، حيث يعيش الحاج عبدالمعطي ويسكن ويدير إمبراطوريته ويعرف كل ما يدور فيها أولا بأول ..ودخلت مكتب الحاج عبدالمعطي فوجدته هو .. يا مجلي القلب يا نعناع .. وتبرع يا أخي لبناء مسجد نفق شبرا ..).
أخيرا :
1 ـ إنتهى المقال .. ولم تنته المشكلة . فقد إنتشرت مئات الألوف من مساجد الحاج عبد المعطى ـ أو الشيخ النعناعى ـ فى ربوع القاهرة ومصر ، وصارت مراكز لنشر ثقافة الارهاب ، ثم أصبحت مراكز لإدارة حرب الشوارع ، وإشعال حرب أهلية فى مصر .!.
2 ـ ألا يستوجب هذا إصلاحا جذريا حقيقيا للمساجد المصرية لتكون مساجد لله جل وعلا تنشر الأمن والسلم والراحة النفسية والرحمة والمودة والرأفة بدلا من نشر ثقافة الكراهية والارهاب الوهابية ؟
( 12 )
تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية يستلزم إصلاح المساجد:(4) مقترح إصلاح المساجد المصرية
أولا : لمحة تاريخية عن مساجد الضرار
1 ـ فى عهد النبى عليه السلام كانت خطبة الجمعة قراءة للقرآن ، ولذلك لا توجد خطبة للنبى لأى صلاة جمعة ، مع إنه عليه السلام صلى الجمعة فى المدينة أكثر من 500 مرة . الأمويون إشتهروا بتأخير الصلاة عن مواقيتها ،وسيأتى تفصيل ذلك بعون جل وعلا فى الجزء الثانى من كتاب ( الصلاة بين الاسلام والمسلمين ) ، ولكن الأخطر أن الأمويين إستخدموا الصلاة والمسجد فى تدعيم سلطتهم السياسية وفق ما إعتادته قريش فى جاهليتها . تحولت خطبة الجمعة فى العصر الأموى الى منشور سياسى يتم فيه لعن ( على بن أبى طالب) والدعاء عليه فى الخطبة ، ثم يقوم القُصّاص بالقاء درس يخلط فيه الخرافة بالأحاديث بالدعوة لبنى أمية ولعن أبى تراب ( على بن أبى طالب ) وتمجيد معاوية . ووصل لنا من هذا الهراء قولهم بأن معاوية كان من كُتّاب الوحى ، مع إن معاوية أسلم فى فتح مكة ولبث فيها مع أبيه بعيدا عن النبى الى أن مات النبى بعدها بقليل، فمتى وجد وقتا ليصحب النبى ويكتب الوحى ؟ . قام العباسيون بتدمير الدولة الأموية وإنشاء دولة دينية مكتملة الاركان فى العصر العباسى ، وفيه إصبحت المساجد ذات صبغة ايدلوجية سنية أو شيعية أو صوفية ، أى تحولت الى مساجد ضرار حقيقية . بل وتطور الصراع السّنى الشيعى فى بغداد فى العصر العباسى الثانى لتلعب فيه المساجد دورا تخريبيا ، سنعرض لملامح منه فى بحثنا عن انتهاك المسلمين للأشهر الحرم فى كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين . وفى مصر أنشأ الفاطميون مساجد ضرار لنشر التشيع كان أشهرها ـ ولا يزال ـ الجامع الأزهر .
2 ـ وفى النهاية صارت سُنّة متعارفا عليها أن يتم إستخدام المسجد فى أغراض سياسية أو نفعية ، وقد تتطور الى جعله مركزا إرهابيا حربيا ينشر القتل والخراب . وأصبحت الدعوة للسلطان الحاكم بالنصر تقليدا للمساجد الرسمية، بينما يقيم المعارضون السريون مساجد لهم يتآمرون فيها على السلطان ، أو ينشرون فيها سرا عقائدهم إن كانت ضد الدين الأرضى السائد . وهذا ما إتبعه الشيعة فى معظم فصول تاريخهم ، حيث إحترفوا التقية ، وهذا أيضا ما فعله الصوفية فى الوقت الذى سيطر فيه الحنابلة على العصر العباسى الثانى . والمضحك أن خطباء المساجد ظلوا قرونا يدعون بالنصر للسلطان على الكفرة ، ويهتفون : " اللهم إجعل أموالهم ونساءهم غنيمة للمسلمين " ، فى الوقت الذى كان فيه الاستعمار الأوربى يحتل معظم بلاد المسلمين . أى إن دعواتهم فى مساجدهم الضرار غير مستجابة ، ولا تزال ، بدليل أنه الآن مع وجود ملايين المساجد الضرار فى بلاد المسلمين فى العالم وصلواتهم الجمعة فيها خلال قرون ، ودعائهم لله جل وعلا فى خطب الجمعة ، فلا يزال المسلمون شرّ أمّة أخرجت للناس ، لأنهم بمساجدهم الضرار يحاربون الله جل وعلا ورسوله .
3 ـ وعندما إستولى عبد العزيز آل سعود على الأحساء ( المنطقة الشرقية حيث البترول الآن ) وأهلها شيعة فإن شيوخ الوهابية أصدروا أمرا لعبد العزيز بمنع أهل الأحساء من الصلاة فى مساجدهم وإلزامهم بالحضور فى مساجد الوهابية ، ومنعهم من إقامة شعائرهم الشيعية . هذا ، وقد أنشأ عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الراهنة مراكز مسلحة عُرفت بالهُجر ، وكانت مثل قرى صحراوية عسكرية يتشرب فيها شباب البدو تعاليم الوهابية ، ويتدربون على الحرب ، وكان المسجد يتوسط ميدان القرية ، وفيه الأسلحة ، وهو المركز الحربى للإعداد والتخطيط والتوجيه والحشد ، وكانت تأدية الصلاة بطابع عسكرى ، يجعل قتل الآخرين غير الوهابيين جهادا ، سواء كان من الأطفال أو النساء ، وقد إشتهر ( إخوان عبد العزيز ) بوحشية غير مسبوقة فى تاريخ المسلمين فى إستئصال المعارضين لهم وفى قتل الأبرياء من القرويين فى الشام والعراق فى هجمات ( جهادية ) قضى فيها الإخوان الوهابيون السعوديون على حوالى نصف مليون خلال عقدين من الزمان ( 1914 : 1930 ) . كانوا يقتلون بكل حماس الأطفال والنساء والفلاحين الأبرياء ، فى تاريخ مسكوت عنه . وفعلوا مثل ذلك فى تأسيس الدولة السعودية الأولى ، وإفتخر به مؤرخوهم وقتها . وهذه الوحشية فى قتل الأبرياء بزعم الجهاد مرجعها الى التربية الدينية الوهابية فى مساجد الضرار ، والتى تجعلهم يقترفون أكبر الكبائر وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا . .
4 ـ ومنذ سنوات إقتحمت الشرطة الباكستانية مسجدا لوهابيين أكثر تطرفا من التطرف الوهابى السائد فى ربوع باكستان . وهذه يؤكّد حقيقة ثابتة ، أن الوهابيين لو وصلوا للحكم فسيختلفون ويتقاتلون ، وتصير مساجدهم مراكز للقتال . حدث هذا مع عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الراهنة ، فالاخوان النجديون المُشار اليهم هم الذين أسسوا له دولته ، ثم إختلفوا معه وتزعمهم فيصل الدويش وابن بجاد وضيدان بن حثيلين ، ثم إنشقوا عنه وحاربوه وقضى عليهم فى معركة السبلة 1929 / 1930 . وفى معارضتهم له وحروبهم ضده إستخدموا مساجدهم ضده يعلنون كفره ، وإستخدم هو مساجده ضدهم يؤكد كفرهم . وفى مطلع القرن الهجرى الحالى عام 1979 قام وهابى متطرف هو جهيمان العتيبى باحتلال المسجد الحرام وإتخاذ الموجودين فيه رهائن ، ولم يستطع السعوديون القضاء عليه إلا بمجزرة حول الكعبة ، سكت عنها العالم . وسنعرض لهذا بالتفصيل فى بحث قادم .
5 ـ ولو أسّس الاخوان الوهابيون لهم حُكما فى مصر فلا بد أن يحدث بينهم إنشقاق وحروب ، تلعب فيها المساجد الدور الأساس فى تحويل مصر الى حمامات دم . إنّ إنتشار الوهابية فى الشرق الأوسط جعل إستخدام مساجد الضرار سوقا رائجة ، وهى تمارس دورها الدامى حاليا فى العراق وسوريا ، ثم جاء الدور على مصر لنكتشف أن الاخوان والسلفيين قد نجحوا خلال أربعين عاما فى تأسيس مئات الألوف من المساجد ، وفى السيطرة على المساجد الشهيرة والمنشأة من قبل ، والأهم أنهم نجحوا فى تحويلها الى مراكز دعوية للوهابية ،فأصبح سهلا عليهم أن يستخدموها فى إعتصاماتهم ومراكز لحشد أنصارهم ، وللتخطيط للقتل والتعذيب والتآمر السياسى والعمل العسكرى . إنفجر كل هذا مرة واحدة فى وجه المصريين المعروف عنهم ( من قبل ) المسالمة والابتعاد عما يُسمّى بالعنف . بسبب الوهابية تغير كثير من المصريين الآن ، صار البعض يحترف البلطجة ( العلمانية ) ، وإختار البعض الآخر ( البلطجة الدينية ) بالوهابية وتحت زعم الجهاد ، ويكفى أن يعتكف عدة اشهر فى مسجد ليصبح من ( أبناء لادن ) . تخيل لو لم يقم المصريون بإسقاط حكم الاخوان ، ماذا كان سيحدث لمصر بعد أربعة أعوام ؟ .. هذه الثورة المصرية تستلزم إصلاحا ثوريا للمساجد .
ثانيا : الاصلاح الثورى للمساجد :
1 ـ وقف إنشاء أى مساجد جديدة ، فالموجود يكفى ويزيد عن الحاجة . والمطلوب الان هو إصلاح المساجد القائمة ، وتحويلها من مساجد ضرار الى مساجد للإصلاح . وهذا بالإشراف التام لوزارة الأوقاف على جميع المساجد الحكومية والأهلية فيما يخص التبرعات والشئون المالية ، وأنشطة المسجد الاقتصادية والاجتماعية ، وفى تعيين ومراقبة ومحاسبة وعزل الدعاة .
2 ـ إلزام دعاة المساجد بدورات تدريبية وإعادة تأهيل ، ومن ينجح فيها يستمر فى وظيفته ، ومن يرسب أو يرفض يتم عزله فورا .
3 ـ إلزام دعاة المساجد بخطة دعوة محددة المعالم فى خطب الجمعة والدروس الدينية . وتشرف الوزارة على تنفيذها بكل حزم ، وتعزل من لا يلتزم بها . وتركّز الدعوة الاصلاحية على القرآن الكريم وحده ، بأن تدور خطبة الجمعة على آيات قرآنية من أوامر ونواهى ووصايا وتشريعات وقصص فى مجالات العقيدة والأخلاق.ويتم تقسيمها على عدد ( 52 )خطبة للجمعة فى السنة . وعدد ( 52 ) درسا فى العام .
4 ـ تشمل مجالات الاصلاح :
4 / 1 : التعريف بلا اله إلا الله ، من حيث إخلاص الدين لله جل وعلا فى تقديسه وحده والتوسل به وحده وطلب المدد منه وحده وعبادته وحده . وأنه لا تقديس لأى مخلوق من أنبياء وصحابة وأولياء مع الله جل وعلا ، وأن الله جل وعلا هو وحده الولى والشفيع والنصير والوكيل ، وأن شهادة الاسلام واحدة ( لا إله إلا الله ) ويحرم التفريق بين الرسل ، بل الايمان بهم جميعا ، والايمان بالكتب السماوية جميعا وفق ما تأكّد وتكرّر فى مئات الآيات القرآنية .
4 / 2 : التعريف بمعنى الايمان باليوم الآخر عقيديا: بأن الله جل وعلا هو وحده مالك يوم الدين، ولا مُعقّب لحكمه، وأن يوم الدين هو العدل المطلق فلا تشفع نفس لنفس ولا تجزى نفس عن نفس. والتعريف به سلوكيا : بأن نتعلم تقوى الله جل وعلا فى حياتنا الدنيا تحسبا ليوم الحساب ، فلا نظلم ولا ننافق ولا نرائى ، ولا نستغل الدين للحصول على حُطام دنيوى زائل يترتب عليه خلودنا فى النار .
4 / 3 : التعريف بالتقوى الاسلامية ، عقيديا بإخلاص الدين لله جل وعلا وحده ، والتعامل معه جل وعلا مباشرة بلا واسطة ، وسلوكيا بحّسن الخلق مع الناس .
4 / 4 : نشر وتعليم الجانب الأخلاقى فى القرآن الكريم فى التعامل بالحُسنى مع الناس ، فى العدل والقسط والاحسان والتسامح والرحمة والسلام والتيسير والتخفيف والرأفة والكرم والشجاعة ورعاية الوالدين واليتامى والمحتاجين وابن السبيل والجيران وأولى القربى ، والدفاع عن المظلومين ، وقول كلمة الحق، والأمانة والوفاء بالعهد والوعد وحفظ الحقوق والوقوف ضد الظلم والبغى والاستبداد والإكراه فى الدين وإستغلال الدين فى الحصول على مطامع دنيوية سياسية أو إقتصادية . وأنّ الذى يقتل الأبرياء باسم الدين هو الأكثر عداءا لله جل وعلا ورسوله ولدين الاسلام ، دين السلام والعدل والحرية.
4 / 5 ـ التعريف بمفاهيم القرآن الأصلية : مثل : معنى الاسلام عقيديا ( إسلام القلب لله جل وعلا ) وهذا مؤجل الحكم عليه لله جل وعلا وحده يوم القيامة . والاسلام سلوكيا هو ( السلام ) ، فكل إنسان مسالم هو مسلم بغض النظر عن ملته ودينه وإعتقاده . المهم لنا هو أنه مسالم فى سلوكه ويسلم الناس من إذاه ، وهذا لنا الحكم عليه حسب الظاهر من السلوك . معنى الايمان عقيديا هو الايمان قلبيا بالله جل وعلا وحده ألاها لا شريك معه فى الالوهية ، ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . ولله جل وعلا وحده يوم القيامة الحكم على هذا الايمان القلبى وما يتبعه من عبادات. ولا شأن لنا بهذا.ومعنى الايمان سلوكيا هو(الأمن ) ، فالمؤمن سلوكيا هو المأمون الجانب ، الذى يأتمنه الناس لأنه لا يعتدى على أحد ، ولنا الحكم على هذا السلوك الظاهرى . وعلى النقيض من ذلك يأتى معنى الكفر والشرك ، فهما معا فى الاعتقاد بمعنى إتخاذ شريك مع الله فى الالوهية . وهذه ناحية يرجع الحكم فيها لله جل وعلا يوم القيامة ، ولا شأن لنا بالتدخل فيها . الذى لنا التدخل فيه بالمنع والمواجهة والمقاومة هو الكفر والشرك بالمعنى السلوكى ، أى إستغلال دين الله فى القتل والسلب والنهب والزنا ، والظلم والاستبداد ، وفى الوصول للثروة والسلطة . وبالتالى فكل المسالمين مسلمون مهما إختلفت عقائدهم ، وكل من يستغل الدين فى الظلم والبغى هم الكافرون المشركون ، ويجب الوقوف ضد ظلمهم وبغيهم . وشرح معنى ( السّنة ) يعنى الشرع الالهى والمنهاج الالهى فى التعامل مع المشركين ، ومعنى طاعة الله ورسوله ، أى طاعة القرآن الكريم ، اى الرسالة الباقية بعد موت الرسول محمد عليه السلام . وهكذا بقية المفاهيم القرآنية ، لتخليصها من سوء الفهم التراثى لها .
4 / 6 : التنبيه فى كل خطبة على أن دور الداعية فى مساجد الله هو النصيحة والوعظ بما جاء فى كتاب الله ( القرآن الكريم )، دون إكراه فى الدين ، وأن مسئوليته تنتهى بقول كلمة الحق ، وكل إنسان مسئول عن نفسه ، إذا إهتدى فلنفسه ، وإن ضلّ فعلى نفسه .
4 / 7 : التأكيد على الحقيقة القرآنية بأن (الدين لله ) جل وعلا يحكم به على البشر جميعا يوم القيامة ، وأن ( الوطن للجميع ) على قدم المساواة .
أخيرا : أصدق الحديث : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18) ( التوبة )
( 13 )
تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية يستلزم إصلاح التعليم المصرى
أولا :
1 ـ التعليم هو صناعة الانسان . يولد كل فرد من البشر صفحة بيضاء ، ثم تتم صياغتها بما يتعلمه الطفل من الأسرة والمدرسة والمجتمع ، ويمارس إختيارته بالرفض والقبول ليصبح فيما بعد مجرما ، ارهابيا ، مسالما ، مستقيما ، متفاعلا ، سلبيا ، الخ ... وفى كل الأحوال تلعب المدرسة دورا أكبر فى تنشئة الفرد فى أخطر مراحل العمر ، من الحضانة الى التعليم الثانوى .
2 ـ والتعليم نوعان : تعليم معرفى حقيقى ، وتعليم للجهل والخرافة . التعليم المعرفى الحقيقى هو السائد فى الغرب ، وهو سائد جُزئيا فى التعليم المصرى فى المواد العلمية ( الرياضيات ، العلوم الطبيعية ، الجغرافيا والفلسفة ..). تعليم الجهل والخرافة هو الأغلب فى مادة التربية الدينية ، وما يتصل بها فى مواد القراءة والتاريخ ، حيث تأتى موضوعات دينية للقراءة واللغة العربية ، وحيث يتم فى التاريخ تجاهل الحقبة القبطية المصرية ، بينما يتم تدريس التاريخ ( الاسلامى ) بصورة مغلوطة ، تُسهم فى نشر الجهل وتغييب العقل .
3 ـ الخطورة فى تعليم الجهل أنه خاضع لدين أرضى مسيطر سائد كالتشيع فى ايران والسُنة فى مصر . ولارتباطه بالدين والاعتقاد فهو يبدأ وينتهى بنفى العقل وتأكيد الانصياع والتسليم وتحريم النقاش والنقد ، ويستلزم هذا سيادة منهج التلقين والحفظ فى التعامل مع التلاميذ . وفى النهاية يتخرج الطالب وقد أصبح يحمل شهادة علمية يزداد بها جهلا ، ويتخصص بها فى نشر الجهل ، ويتمسك بجهله لأنه يحسبه دينا . وهذا الجاهل الذى يحمل شهادة علمية ( حتى لو كانت دكتوراه ) يتفوّق عليه فلّاح أُمّى لا يقرأ ولا يكتب ، إذا كان هذا الفلاح الأمّى يستعمل عقله . وفى حياتى عرفت من لا يعرف القراءة والكتابة ، ومعلوماته عن الاسلام بضع آيات من القرآن ، ولكنه ذو عقل يقظ لمّاح ، لا يستسيغ ما يسمع من شيوخ التليفزيون والمساجد ، ويستشهد عليهم ببعض القليل من الآيات التى يعرفها . وكنت أتخيل لو أن أولئك الناس أخذوا حظّهم من العلم الصحيح ، فماذا سيكون وضع مصر ؟
4 ـ لذا فإن الخطورة العظمى فى تعليم الجهل أن الدولة تنفق البلايين ليتخرج الملايين من الجهلاء فى الأزهر وفى التعليم العام ، متأثرين بمناهج التعليم فى الأزهر وفى مادة التربية الدينية وملحقاتها فى التعليم العام ، وبتأثير مماثل من المساجد والاعلام والقنوات التليفزيونية وبرامجها الدينية ومساسلاتها التاريخية . وفى النهاية ، وبعد عمل شاق إستغرق أربعين عاما تقف مصر على حافة حرب أهلية ، وتشهد مصر لأول مرة فى تاريخها التليد العتيد مئات الالوف من الشباب الاخوانى والسلفى الوهابى يستبيحون دماء إخوانهم المصريين لا فارق بين مسلم سنى أو شيعى ، ولا بين مسلم أو مسيحى ، فقد إعتبروا مصر وطنهم ( دار حرب ) واعتتبروا أخوانهم المصريين أعداءا يجب قتلهم ، والسبب بسيط هو كما قلت من قبل فى عنوان عن ثقافة الاخوان ( إما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم ).!. سُخرية مريرة مُفجعة ، أن تنفق مصر مئات البلايين من الجنيهات خلال أربعين عاما على الأزهر والتعليم ، كى تنشر الجهل وثقافة الارهاب والتطرف والتعصب وثقافة القتل دفاعا عن الخرافات الدينية ولفرضها على المجتمع عنوة .
جهادنا فى إصلاح التعليم المصرى
1 ـ ولقد نشرت مقالا فى التسعينيات فى روز اليوسف أطالب فيه باصلاح التعليم فى مادة التربية الدينية بالذات ، وتشجع د سعد الدين ابراهيم فأسسس فى مركز ابن خلدون مشروعا لاصلاح التعليم المصرى بمنحة اروبية ، وقدمت فيه دراسة نقدية لمناهج التربية الدينية فى التعليم المصرى ، وقدمت مناهج مقترحة للتربية الدينية فى المراحل الثلاث : الابتدائى والاعدادى والثانوى ، كما كتبت لهم سيناريو درامى عن التسامح المصرى فى العصر العباسى ، وسيناريو آخر تسجيلى وثائقى عن مشاركة المصريين فى مولد السيدة العذراء فى كنيسة مسطرد بالقليوبية . وتم انتاجهما وعرضهما على كبار المثقفين المصريين فانبهروا بهما . وأسهم زملاء تربيون فى تقديم مقترحات فى مواد التاريخ والقراءة . ونوقشت هذه المقترحات علنا فى مؤتمرات حضرها تربيون وأساتذة جامعات ومفكرون وسياسيون وصحفيون ، وبعثنا بها الى الأزهر والكنيسة ومجلس الشعب والرئاسة ، ووزارة التربية والتعليم ودور الاعلام نطلب العرض والنقاش لننبّه على أهمية إصلاح التعليم المصرى . وكانت النتيجة هجوما عارما من الرئاسة ومجلس الوزراء ومجلس الشعب والصحافة الدينية والحزبية والمستقلة قاده الاخوان والسلفيون وخلاياهم النائمة فى تلك المؤسسات . ولكن هذا لم يمنع مركز ابن خلدون من تطوير المشروع بعقد جلسات تطبيقية فى اجازة منتصف العام ( 1999 ) حيث تم طرح المناهج على مدرسين فى التعليم المصرى للنقاش ، ثم قام أولئك المدرسون بتجربة تطبيقية فى تدريسه لبعض مجموعات من الطلبة من مراحل التعليم الابتدائى والاعدادى والثانوى . وفى النهاية هدأ هجوم الصحف ، وبعض من تسرّع بالهجوم بدأ يتراجع ، ويتفهّم ، بل وبعضهم أخذ يدافع عن المشروع مستدلا بما جاء فى الكتب المقترحة.
2 ـ ولكن لم ينس مبارك هذا ، خصوصا وقد إقترن مشروع إصلاح التعليم بمشروع آخر لا يقل خطورة ، وهو ( تعليم المصريين حقوقهم السياسية والانتخابية ) ، وقد سار هذا المشروع على نفس خطى مشروع التعليم فى العلنية والخروج من بين جدران مركز ابن خلدون للتفاعل المباشر مع الناس ، تحديا لجهاز أمن الدولة . لذا فإن مشروع ( تعليم المصريين حقوقهم السياسية والانتخابية ) كان يعقد مؤتمرات علنية مع الناس فى القرى والمدن والمدارس ونوادى الشباب ، مع ملاحقة مستمرة من أمن الدولة لارهابنا وارهاب الناس ، ومع ذلك لم نتوقف وكان الحضور فى إزدياد ، وأغاظ أمن الدولة أن أهل القرآن بالذات كانوا عنصرا أساسا فى المشروعين ، فقد كنت الخطيب الأساس فى المؤتمرات الجماهيرية لمشروع ( تعليم المصريين حقوقهم السياسية والانتخابية ) كما كنت الاساس فى مشروع إصلاح التعليم المصرى . وفى النهاية إتّخذ مبارك قراره باعتقال أهل القرآن و د سعد الدين ابراهيم وغلق مركز ابن خلدون ، واضطررت للهرب لأنجو بحياتى ، لأن وجودى فى السجن حيث يسيطر الاخوان والسلفيون يعنى قتلى بلا تردد .
أخيرا
1 ـ وثائق مشروع إصلاح التعليم ( خصوصا مادة التربية الدينية ) والهجوم الاعلامى والرسمى علينا لا تزال موجودة . وقد انشرها فيما بعد . ولكن ما يحدث الآن فى مصر دليل على أننا كنا ولا نزال على حق ، وأن الغباء الرسمى يجب أن يتوقف ليبدأ إصلاح فعلى فى التعليم الرسمى ليكون منزها عن التعصب والدعوة لأى دين .
2 ـ يجب إلغاء مادة التربية الدينية الحالية وأن يحل محلها مادة فى التعليم الأساسى يتربى فيها التلميذ على الأخلاق الحسنة والقيم العليا ومعرفة الدستور المصرى ( فى حالة كونه دستورا حقوقيا يدافع عن الحرية والعدل وحقوق الانسان والمواطنة) . ويجب تغيير منهج التاريخ ليركز على كل مراحل التاريخ المصرى ، وليناقش بموضوعية فتح العرب لمصر ، وإضطهاد المصريين ( الأقباط ) بعدها ، والتعريف بالحضارة الفرعونية كما ينبغى ، فمن العار أن يدرس التلاميذ فى الغرب الحضارة الفرعونية بتوسّع لا يوجد فى التعليم المصرى ، ومن العار أن تتحدث مناهج التاريخ الغربى عن الحقبة القبطية التى لا وجود لها فى التعليم المصرى ، بل من العار أن يتحدث القرآن الكريم عن مصر والمصريين ويعطى نماذج رائعة عن المصريين فى قصص يوسف وموسى ، ولا نرى إنعاكاسا لهذا فى مادة التربية الدينية التى كتبها الوهابيون الذين يحملون الجنسية المصرية ، ولا ينتمون الى مصر .
3 ـ بالتوازى مع ما سبق يجب إصلاح الأزهر ليكون مدافعا عن الحرية المطلقة فى الدين ، كما يجب الحدّ من سيطرة الكنيسة فى مصر على مسيحيى مصر . عندها يمكن تفهّم وتطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية .
4 ـ أما لهذا الغباء من نهاية ؟!!
مقدمة
الفصل الأول : المبادىء السبعة للشريعة الاسلامية
الفصل الثاى : فى كيفية تطبيق مبادىء الشريعة الاسلامية
الخاتمة
دعوة للتبرع
الروك: أقوم باعدا د بحث ماجيس تير عن طبقة...
مسألة ميراث: انا جزائر ي عندي استفس ار بارك الله فيك يا...
اربعة أسئلة : السؤا ل الأول : من الاست اذة كريمة إدريس...
مماليك السعودية : ما رأيك استاذ ى فيما قاله الحوي نى وغيره فى...
موطن الخلل: بقالي فتره عندي ارتبا ك كبير بين اللي ممكن...
more