فرض أحكام عرفية وتدخل الجيش والبرلمان.. ماذا يحدث في كوريا الجنوبية؟

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠٣ - ديسمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الحرة


فرض أحكام عرفية وتدخل الجيش والبرلمان.. ماذا يحدث في كوريا الجنوبية؟

ساعات حافلة بدا خلالها الوضع في كوريا الجنوبية مفتوحا على كل الاحتمالات، وحبس العالم فيها أنفاسه متابعا تطورات متلاحقة في العاصمة سيول، بعدما أعلن الرئيس يون سوك يول، فرض الأحكام العرفية خلال بث تلفزيوني مباشر لم يتم الإعلان عنه مسبقاً، قبل أن يعود بعد ساعات، وبعد ردود فعل غاضبة، ليعلن امتثاله لقرار دستوري، ويعلن رفعها.

ما الذي حدث خلال تلك الساعات في كوريا الجنوبية؟.. وهل كان إعلان الرئيس المفاجئ خطوة استباقية لاحتمالات سياسية قد تطيح به، أم، بالنظر إلى تراجعه السريع لاحقا، مناورة للضغط على معارضيه؟

الإعلان المفاجئ ليل الثلاثاء (بالتوقيت المحلي) تبعه نشر القوى الأمنية والعسكرية في محيط الجمعية الوطنية (البرلمان)، وتجمهر مئات المواطنين في سيول عند أبوابه، فيما جرت محاولات فاشلة لمنع دخول أعضاء البرلمان للمبنى، إذ نجح عدد كاف من النواب، وصوّتوا بعد ساعات من القرار لوقف فرض الأحكام العرفية، إلا أن الجيش أعلن عدم الانصياع للقرار الدستوري.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن الجيش أنه سيواصل تطبيق الأحكام العرفية التي فرضها الرئيس يون إلى أن يقرر هو رفعها، وهو ما حدث فعلا، إذ خرج يون مجددا في خطاب متلفز قائلا: "قبل قليل، كان هناك طلب من الجمعية الوطنية برفع حالة الطوارئ، قمنا بسحب الجيش الذي نُشر لتطبيق عمليات الأحكام العرفية. سنقبل طلب الجمعية الوطنية ونرفع الأحكام العرفية".

وقوبل الإعلان بفرحة في أوساط متظاهرين نزلوا إلى الشوارع احتجاجا على فرض الأحكام العرفية، خصوصا عند البرلمان.

ليلة سيول الطويلة
لم يكترث المحتجون في العاصمة لموعد نومهم، ولا لقمع القوات الأمنية، وبقيوا في الشوراع وقبالة مبنى البرلمان حتى ساعات الفجر الأولى من يوم الأربعاء، ونقلت وكالة رويترز بثاً مباشراً من منطقة تواجدهم في وقت سابق، شاهده عشرات الآلاف عبر حسابها في منصّة إكس.

وعبر المتظاهرون في محيط مبنى البرلمان عن اعتراضهم بترديد عبارة "أوقفوا يون سوك يول"، الذي أعاد ذكرى قاتمة خضعت فيها بلادهم للحكم العسكري تحت سلطة الزعيمين الديكتاتوريين تشون دو هوان وروه تاي وو في الثمانينيات والتسعينيات، وشهدت حقبتهما قتل المئات واعتقال الآلاف وحظر الأنشطة السياسية وإغلاق الجامعات، إضافة للفساد المالي وعمليات الاختلاس المليونية من المال العام.

وكان هذا رد الفعل المباشر بعد الصدمة التي تلقوها في خطاب الرئيس المنتخب عام 2022، حيث أعلن فرض الأحكام العرفية، مع جملة قرارات تتسم بانتهاكات حقوقية.

يون برر قراره بأنه "من أجل حماية كوريا الجنوبية الليبرالية من التهديدات التي تمثّلها القوات الشيوعية، والقضاء على العناصر المناهضة للدولة التي تنهب حرية الناس وسعادتهم".

وأضاف: "من دون أي اعتبار لحياة الناس، قام حزب المعارضة بشلّ الحكم لغرض إجراءات العزل (السياسي) والتحقيقات الخاصة وحماية قائدهم من القضاء".

وتابع "جمعيتنا الوطنية (البرلمان) أصبحت ملاذا للمجرمين، ووكراً للديكتاتورية التشريعية التي تسعى إلى شلّ النظم القضائية والإدارية وقلب نظامنا الديمقراطي الليبرالي".


وفي كلمته لم يقدم يون تفاصيل بشأن أي تهديدات محددة من كوريا الشمالية المسلحة نوويا، علما أن البلدين لا يزالان في حالة حرب رسميا منذ نهاية النزاع في شبه الجزيرة الكورية عام 1953.

وتعد كوريا الجنوبية ذات النظام السياسي الديمقراطي حليفا رئيسيا في آسيا للولايات المتحدة التي تنشر آلاف الجنود على أراضيها.

وتمكن نحو 190 نائباً من أصل 300 من دخول مبنى البرلمان بعد منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء بالتوقيت المحلي، وصوّتوا بالإجماع لصالح وقف فرض قانون الأحكام العرفية والمطالبة برفعه.

وتتمتع المعارضة بالغالبية في مجلس النواب، لكن يون يعتبرها "قوى مناهضة للدولة عازمة على قلب النظام".

وأفادت وكالة "يونهاب" الرسمية بأن أوامر صدرت لكل الوحدات العسكرية في البلاد لتعزيز مستوى تأهبها للطوارئ وجاهزيتها العملانية.

South Korean President Yoon Suk Yeol declares martial law
البرلمان يصوّت لصالح وقف القانون- رويترز
وخلال الخطاب نفسه، قال يون إن فرض الأحكام العرفية كان "لا مفر منه لضمان استمرارية كوريا الجنوبية الليبرالية"، مؤكدا أن هذه الخطوة لن تؤثر على السياسة الخارجية للبلاد، وذلك سط ردود فعل دولية اتسمت بالقلق، خصوصاً من واشنطن.

وقال الرئيس الكوري الجنوبي: "سأعيد البلاد إلى وضعها الطبيعي من خلال التخلص من القوى المناهضة للدولة في أقرب وقت ممكن"، معتبراً أن كوريا الجنوبية بلغت "شفير الانهيار" بوجود برلمان "عازم على إسقاط الديمقراطية الليبرالية".

وبعيد كلمة الرئيس، أعلن قائد الجيش الكوري الجنوبي، الجنرال بارك آن سو في بيان، حظر كل النشاطات السياسية، على أن تصبح كل وسائل الإعلام تحت مراقبة الحكومة.

وقال إن "كل النشاطات السياسية، بما فيها نشاطات الجمعية الوطنية (البرلمان)، المجالس المحلية، الأحزاب السياسية، والجمعيات السياسية، إضافة الى التجمعات والتظاهرات، محظورة بالكامل".

وأضاف بارك أن "وسائل الإعلام والمطبوعات ستصبح تحت قيادة قانون الأحكام العرفية".

تعثر قبل إعلان يون
وكانت ليلة الثلاثاء حلت على سيول بعد تعثّر السلطات التشريعية والتنفيذية من الوصول لاتفاق على ميزانية العام المقبل 2025.

وأقر نواب المعارضة في لجنة نيابية الأسبوع الماضي، مقترح ميزانية مخفّضة بشكل كبير، إذ تم اقتطاع نحو 4,1 تريليون وون (2.8 مليار دولار) من الميزانية التي اقترحها يون.

وخفّضت المعارضة صندوق الاحتياط الحكومي وميزانيات النشاطات لمكتب الرئيس والادعاء والشرطة ووكالة التدقيق التابعة للدولة، كما ذكرت فرانس برس.

واتهم يون، نواب المعارضة باقتطاع "كل الميزانيات الضرورية لوظائف الدولة الأساسية، مثل مكافحة جرائم المخدرات والحفاظ على السلامة العامة" مما يعنى برأيه "تحويل البلاد الى ملاذ آمن للمخدرات وحالة من الفوضى في السلامة العامة".

وكان استطلاع لمعهد غالوب الأميركي أظهر الأسبوع الماضي أن شعبية يون تراجعت إلى 19 في المئة فقط، مع إبداء أغلبية المستطلعة آراؤهم عدم رضاهم على إدارته للاقتصاد والجدل المحيط بزوجته كيم كيون هي.

South Korean President Yoon Suk Yeol declares martial law
غضب شعبي إثر إعلان قانون الأحكام العرفية بقرار رئاسي
"مبتدئ سياسي"
يون سوك يول المولود (64 عاماً) هو الرئيس الثالث عشر لكوريا الجنوبية، وولد لعائلة أكاديمية ميسورة في سيول، ومرّ بتحديات كبيرة قبل أن يجتاز امتحان نقابة المحامين في محاولته العاشرة.

توّلى منصبه في مايو 2022، ممثلاً عن الحزب المحافظ "قوة الشعب" (People power party PPP)، متعهدا بالإصلاح ومكافحة الفساد، إلا أن وعوده تعثرت منذ البداية بسبب سيطرة المعارضة على البرلمان التي كانت تتجه في خططها بأولويات مختلفة عنه وتأثير فضائح عائلية على شعبيته.

وفي تقرير لمنتدى شرق آسيا، بعد فوز يون بانتخابات الرئاسة، تصفه الباحثة والأكاديمية هيونغ كيم، بأنه "مبتدئ سياسي" ومثّل سابقه بفوزه، إذ لا يمتلك أي خبرة في الجمعية الوطنية ولا سجلاً إدارياً مثبتاً، كما تورط في فضائح عائلية، واعتبره بعض المحافظين مسؤولاً عن توجيه الاتهامات للرئيسين السابقين المحافظين بارك ولي ميونغ باك، مما أدى إلى عزل بارك قبل سجنها هي ولي.

واكتسب شهرة كمدعٍ عام متمرد في 2013 عندما كشف عن ضغوط لوقف التحقيق في دور المخابرات الوطنية في التلاعب بالرأي العام خلال انتخابات 2012 لصالح بارك.

هذه الإفصاحات، وفق التقرير، أدت إلى إبعاده عن المناصب الرئيسية لسنوات قبل أن يعيّنه الرئيس مون جاي إن في 2017 مدعيا عاما رئيسيا ليقود إصلاحات كبرى طالت نخبا محافظة.

وصارت لديه شعبية أكبر حين قاد تحقيقات في قضايا فساد كبرى، بما في ذلك قضية وزير العدل السابق جو كوك
يون سوك يول، رئيس كوريا الجنوبية- رويترز
ووصل يون إلى سدّة الحكم يحمل تركة من الأزمات، تمثلت بمعدلات عالية للتضخم وارتفاع أسعار الطاقة والإسكان وتداعيات جائحة كوفيد-19 وتصاعد التوتر مع كوريا الشمالية، مع الحاجة إلى التعاون الحزبي لتطبيق إصلاحاته السياسية، بما في ذلك المساواة بين الجنسين.

وعلى المستوى الدولي، أطلق يون إستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ في ديسمبر 2022، التي ركزت على تعزيز الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي مع الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة واليابان، محافظاً على علاقة متوازنة وحذرة نوعاً ما مع الصين.
واشنطن "قلقة".. وبكّين "حذرة"
قال نائب وزير الخارجية الأميركي كورت كامبل "نتابع عن قرب التطورات الراهنة في جمهورية كوريا بقلق عميق"، مضيفا "لدينا كل أمل ونتوقع بأن أي خلافات سياسية سيتم حلّها سلميا وبما يتلاءم مع سيادة القانون".

وحضت الصين مواطنيها على التزام أقصى درجات الحيطة والحذر.

وقالت سفارة بكين في بيان إنها "تنصح المواطنين الصينيين في كوريا الجنوبية بالتزام الهدوء... وتعزيز يقظتهم في مجال السلامة والحد من التحركات غير الضرورية وتوخي الحذر عند التعبير عن آرائهم السياسية".

من جهتها، اعتبرت روسيا أن فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية "مقلق".



وزار يون العاصمة الأميركية واشنطن في أبريل 2023 حيث ألقى خطابا أمام الكونغرس، وبعد أشهر شارك في قمة كامب ديفيد التي جمعت واشنطن وطوكيو وسيول، وركزت على التصدي للتهديدات الأمنية من كوريا الشمالية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجال سلاسل التوريد والتكنولوجيا المتقدمة.
اجمالي القراءات 213
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق