فساد الحكومة المصرية وتفويض الجيش باستيراد الحبوب يكشف تقاعسها وتهديد الأمن الغذائي
في خطوة تعكس التخبط الحكومي والتلاعب بمصالح الشعب المصري، تم تكليف جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، التابع للقوات المسلحة، بملف استيراد الحبوب من الخارج، وهو ما أثار ضجة واسعة في الأوساط المحلية والدولية. الجهاز الذي تأسس رسميًا في عام 2022، وفقًا لقرار رئاسي، لم يسبق له العمل في مجال استيراد السلع الغذائية، ما أثار تساؤلات عديدة حول كفاءة هذه الجهة ومدى مصداقية الحكومة المصرية في إدارة هذا الملف الحيوي.
المدير التنفيذي لجهاز مستقبل مصر العميد بهاء الغنام أكد، خلال اجتماع جمعه برئيس الوزراء مصطفى مدبولي لمتابعة موقف استيراد الأقماح، أن الجهاز يهتم بتنويع مصادر التوريد وتوسيع الرقعة الزراعية لزيادة الإنتاج المحلي. هذا التصريح جاء ضمن إطار سعي الحكومة إلى تصوير الأمر وكأنه تحسين لإدارة ملف الحبوب، لكن الحقيقة تشير إلى عكس ذلك تمامًا.
في وقت سابق، نشر موقع “المنصة” تقريرًا يوضح أن قرار نقل ملف استيراد الحبوب لجهاز مستقبل مصر جاء بقرار رئاسي، وأصبح الجهاز مسؤولًا عن عمليات الشراء المباشر والمناقصات من الموردين المعتمدين، بعدما كانت تلك المهمة تحت إشراف هيئة السلع التموينية. هذا التغيير الجذري في إدارة ملف حساس مثل استيراد الحبوب أثار استياء واسعًا بين الشركات المحلية والدولية التي كانت تتعامل مع الهيئة لعقود طويلة، وكانت تعتبرها جهة موثوقة وراسخة في هذا المجال.
هشام سليمان، مدير شركة ميدترنين ستار للتجارة واستيراد الحبوب، أعرب عن دهشته من القرار، مؤكدًا أن السوق تفاجأ بإيقاف التعامل مع الهيئة التي تدير استيراد الحبوب منذ أكثر من 40 عامًا، لصالح جهة جديدة لا يملك الموردون أي معرفة بها. هذا الارتباك في السوق الدولية يعكس حالة من الارتباك في السياسات الحكومية المصرية، ويضع الاقتصاد الوطني في موقف صعب.
جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، الذي بدأ نشاطه في عام 2022 بقرار رئاسي، لم يكن معروفًا قبل ذلك في مجال إدارة استيراد السلع الأساسية. الجهاز ظهر لأول مرة على الساحة عندما أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مشروع “مستقبل مصر للزراعة المستدامة” في مايو 2022، على امتداد طريق محور روض الفرج-الضبعة، كجزء من مشروع ضخم لاستصلاح 800 ألف فدان في الدلتا الجديدة. ورغم ما تروج له الحكومة، إلا أن هذا المشروع لم يظهر أي نتائج ملموسة حتى الآن، ويبدو أنه مجرد واجهة إعلامية لتجميل الصورة العامة للنظام.
التقاعس الحكومي لم يتوقف عند منح الجيش السيطرة على ملف استيراد الحبوب، بل إنه يكشف عن فساد أكبر وأعمق. الحكومة المصرية بدلاً من تحسين أداء هيئة السلع التموينية، اختارت تهميشها، مما أثار شكوكًا حول وجود مصالح خفية تسعى لتقوية نفوذ الجيش على حساب الكفاءة والشفافية في إدارة الموارد الغذائية الأساسية. القرار الرئاسي الذي منح جهاز مستقبل مصر هذه الصلاحيات لم يكن مصحوبًا بأي دراسات جدوى أو مبررات واضحة، مما يعكس حالة من الفوضى وعدم التخطيط في السياسات الحكومية.
من ناحية أخرى، الحكومة تحاول الترويج لفكرة أن نقل ملف الحبوب إلى جهاز مستقبل مصر سيؤدي إلى تحسين إدارة الموارد وزيادة الإنتاج المحلي. ولكن الحقيقة أن الجهاز الذي تم إنشاؤه حديثًا لا يمتلك الخبرة أو القدرة على التعامل مع هذا الملف الحساس. وبدلاً من التركيز على زيادة الإنتاج المحلي من الحبوب وتحقيق الاكتفاء الذاتي، تواصل الحكومة اعتمادها على الاستيراد الخارجي، وهو ما يزيد من هشاشة الاقتصاد المصري ويعرضه لمخاطر تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية.
الأمر لا يتعلق فقط بفشل الحكومة في إدارة ملف الحبوب، بل إن السيطرة المتزايدة للجيش على الاقتصاد المصري أصبحت مشكلة تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين. القطاعات الاقتصادية الحيوية، بما فيها الغذاء، أصبحت تحت سيطرة القوات المسلحة، مما يؤدي إلى تهميش القطاع الخاص وزيادة معدلات الفساد. الجيش يتمتع بسلطات واسعة وغير خاضعة للمساءلة، مما يسمح له بالتحكم في السوق دون رقابة أو مساءلة، وهو ما يؤدي إلى مزيد من التدهور في الوضع الاقتصادي.
وعلى الرغم من محاولات الحكومة إظهار مشروع “مستقبل مصر للزراعة المستدامة” كحل سحري لأزمة الغذاء، إلا أن الحقائق على الأرض تكشف أن هذا المشروع لم يقدم أي نتائج تذكر حتى الآن. التوسع الزراعي الذي يتحدث عنه العميد بهاء الغنام لا يزال مجرد وعود على الورق، بينما يظل الاعتماد على الاستيراد هو الواقع الفعلي. هذا الفشل الحكومي في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب يعزز من تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد.
الخطر الأكبر هو أن هذه السياسات العشوائية لن تؤدي فقط إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، بل قد تؤدي إلى كارثة غذائية في المستقبل القريب. مع تزايد الاعتماد على الاستيراد وعدم وجود خطط واضحة لزيادة الإنتاج المحلي، قد تجد مصر نفسها في وضع صعب للغاية إذا ما تعرضت الأسواق العالمية لأي اضطرابات أو ارتفعت الأسعار بشكل مفاجئ. وهذا ما يهدد بشكل مباشر الأمن الغذائي للمصريين.
ويظهر هذا القرار الفاشل بوضوح أن الحكومة المصرية ليست جادة في مواجهة التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد. بدلاً من التركيز على إصلاح الاقتصاد وتحسين الأداء الزراعي، تواصل الحكومة التلاعب بالقرارات الحيوية وتفويض مهامها لجهات غير مؤهلة، مما يزيد من تفاقم الأزمات التي يعيشها الشعب المصري يومًا بعد يوم.
اجمالي القراءات
96