كوفئوا بالضرب بالحذاء والاعتقال.. قامات قانونية مصرية أيدت وعارضت "ضباط يوليو"

اضيف الخبر في يوم السبت ١٤ - مارس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الجزيرة


كوفئوا بالضرب بالحذاء والاعتقال.. قامات قانونية مصرية أيدت وعارضت "ضباط يوليو"

عرفت مصر في الحقبة الملكية المتأخرة -وبالتحديد في العقود الأولى من القرن العشرين- بروز نخب قانونية وفكرية وسياسية مهمة، شكلت حركات وطنية مهمة في فترة شهدت ازدهارا ثقافيا كبيرا.

ومن أبرز رجالات هذه المرحلة مجموعة القانونيين الكبار: عبد الرزاق السنهوري باشا، وعلي ماهر باشا، وسليمان بك حافظ، وقد مارس ثلاثتهم السياسة وتولوا مناصب رفيعة، لكنهم كانوا رجال قانون بالأساس وكان لهم إسهام فكري كبير في تأسيس الحياة الدستورية والقانونية قبل حركة الضباط في يوليو/تموز 1952 التي اصطدموا معها بطرق مختلفة.

وشارك اثنان منهم -السنهوري وحافظ- في ثورة 1919، وجميعهم أسسوا لبدايات دولة 23 يوليو/تموز القانونية والدستورية، وساهموا في تثبيت أقدام الضباط الشبان في حكم مصر، ثم سرعان ما اختلفوا مع النظام العسكري ولاقوا مصائر مختلفة بين الإجبار على الاستقالة، والضرب بالحذاء، والاعتقال.

سليمان حافظ
لأب تاجر من عائلة نوبية تعيش بالإسكندرية، ولد سليمان حافظ عام 1896، وحصل على ليسانس الحقوق من مدرسة الحقوق بالجامعة المصرية، ليعمل بالمحاماة فترة من الزمن ثم ينتقل إلى سلك القضاء حتى يصل عام 1949 إلى منصب نائب رئيس قسمي الرأي والتشريع في مجلس الدولة الذي يترأسه وقتها القانوني الكبير عبد الرزاق السنهوري.

وحملت حركة الضباط الأحرار في يوليو/تموز 1952 لسليمان حافظ فرصة المشاركة بقوة في صنع الأحداث، فقد استدعاه علي ماهر باشا -أول رئيس وزراء بعد حركة يوليو التي أطلق عليها ثورة فيما بعد- بوصفه مستشار الرأي للحاكم العسكري، طالبا منه مشاركة وزير العدل في تعديل بعض التشريعات لتقنين الأوضاع الجديدة.

وشارك بعدها -مع السنهوري- في لجنة ثلاثية لصياغة وثيقة تنازل الملك فاروق عن عرش مصر، بل تم تكليفه بالذهاب إلى الملك لطلب التوقيع على هذه الوثيقة، "وما أشقها من مهمة" كما قال في مذكراته.

سياج القوانين
أفتى حافظ -مدفوعا بكراهيته لحزب الوفد- بما عرف بالوصاية المؤقتة على العرش، متجنبا دعوة مجلس الأمة (البرلمان) الذي تسيطر عليه أغلبية وفدية لفض مظروف الوصاية، وفي المقابل منح مجلس الوزراء هذا الحق مما ساهم في تثبيت أركان نظام يوليو.

وأصبح حافظ بمثابة المقنن لمطالب الضباط، وعبّر عن ذلك بنفسه في مذكراته قائلا "وقد جهدت وسائر الزملاء في إحاطة أعمال الثورة في شهورها الأولى بسياج من الشرعية. مما أنكره بعض الناس مني دون أن يحملوا أنفسهم عناء إدراك غرضي منه، وبالغوا في التشنيع عليّ من أجله حتى قالوا إن لي غدة لا تهدأ أبدا حتى تفرز القوانين إثر القوانين".

وعين حافظ وزيرا للداخلية في ثاني وزارة لحركة يوليو التي تولاها اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر العربية، ووقف حائلا دون حرية تكوين الأحزاب مشترطا حصول أي حزب على موافقة وزير الداخلية، تلاها إصداره قانون إلغاء الأحزاب نهائيا، وكان -وهو رجل القانون- وراء تعطيل الدستور كي لا يعترض عمل لجان التطهير.

كما أصدر عدة تشريعات تخول فصل الموظف عن غير الطرق التأديبية، وشارك في إعداد مشروع قانون العمل الذي حرم الإضراب وأباح فصل العمال، وكذلك حرمان رجال القضاء المعزولين من الحصول على المعاش.

اعتقال غدة القوانين
إلى أن جاءت اللحظة الفارقة بين حافظ والضباط إبان أزمة مارس/آذار 1954 الشهيرة وحسمها لصالح جمال عبد الناصر، واعتقال محمد نجيب، فعارض حافظ ذلك فتم اعتقاله من قبل ضباط ساهم هو في تثبيت حكمهم بآرائه القانونية التي وصفت بأنها "وأدت أي منفذ للديمقراطية".

السنهوري
سبق مولد عبد الرزاق السنهوري مولد سليمان حافظ بعام في نفس المدينة، الإسكندرية، لكنه وُلد لأسرة فقيرة، وعاش يتيما بعد أن توفي والده وعمره خمس سنوات.

التحق السنهوري بوظيفة بسيطة في وزارة المالية، ونجح في الحصول على درجة الليسانس باللغة الإنجليزية من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة، وكان الأول على دفعته، ليعين في سلك القضاء داخل النيابة العامة بمدينة المنصورة شمال القاهرة.

ثقافة وثورة
كان السنهوري مولعا بالقراءة، وتبنى فكرة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها الزعيم مصطفى كامل مؤسس الحزب الوطني وجريدة اللواء الذي أثر فيه كثيرا، وشارك أثناء عمله بالنيابة العامة في ثورة 1919، فعاقبته سلطات الاستعمار الإنجليزي بالنقل إلى مدينة أسيوط في صعيد مصر. 

ولم يدم إبعاده سوى عام واحد، بعدها انتقل إلى تدريس القانون في واحدة من المؤسسات التي أسهمت في تجديد الفكر الإسلامي، وهي مدرسة القضاء الشرعي، وكان من أشهر تلاميذه الشيخ محمد أبو زهرة أحد كبار علماء الشريعة الإسلامية والقانون في القرن العشرين.

وأخذ إيمانه بالأفكار الإسلامية يتبلور بعد سفره إلى جامعة ليون الفرنسية في بعثة لدراسة القانون عام 1921، فهاجم المنبهرين بالحضارة الغربية، واتهم الشيخ علي عبد الرازق -صاحب كتاب "الإسلام وأصول الحكم" الذي نفى فرضية وجود نظام الخلافة الإسلامي- بتأثره بالمناهج العلمانية الغربية.

فكر الخلافة
وصل تحمسه لفكرة الخلافة أن أنجز رسالة دكتوراه أخرى بجامعة ليون عن "فقه الخلافة وتطورها لتصبح هيئة أمم شرقية"، ثم عاد إلى مصر مدرسا للقانون المدني في كلية الحقوق عام 1921، وشارك بآرائه في المعارك الفكرية والسياسية التي كانت مزدهرة في تلك الفترة من عمر المحروسة.

جمعية الشبان المصريين
لم ينضم السنهوري لأي تنظيم أو حزب، لكنه أسس عام 1934 "جمعية الشبان المصريين" التي كانت تهدف لإعداد الشباب لخدمة الوطن بعيدا عن الأحزاب، عن طريق غرس الأخلاق الفاضلة والتدريب على فنون الرياضة وتربية العقول بتثقيفه ثقافة وطنية ومعرفة تاريخ مصر وحاضرها ومكاناتها.

وفصلته الحكومة خوفا من انتشار أفكاره، فسافر إلى العراق لينشئ كلية الحقوق هناك، ويصدر مجلة للقضاء، ونجح في وضع مشروع قانون مدني للدولة، ليعود بعدها بعامين إلى القاهرة عميدا لكلية الحقوق، ويسند إليه مشروع القانون المدني الجديد بمصر لينجزه، رافضا الحصول على أي مكافأة.

تولى السنهوري عام 1945 وزارة المعارف العمومية، ولمدة أربع سنوات أسس خلالها جامعة فاروق التي تغير اسمها للإسكندرية، وجامعة محمد علي (جامعة أسيوط حاليا)، ولاحقا خرج من الوزارة ليعين رئيسا لمجلس الدولة المصري.

ضرب بالحذاء
وبعد أن شارك في تثبيت أقدام نظام ضباط يوليو اصطدم معهم، بعد أن خرجت تظاهرات حاشدة تهتف للضباط والثورة وتنادي بإسقاط الدستور، واقتحمت التظاهرات مجلس الدولة واعتدت على السنهوري، وضرب بالحذاء.

واتهم السنهوري جمال عبد الناصر وقتها بشكل رسمي بتحريض المتظاهرين عليه، وبعد إقالته دخل في عزلة إجبارية حتى عام 1970 (قبل وفاته بعام)، أنجز خلالها عددا من المؤلفات، ووضع المقدمات الدستورية والقانونية لعدة دول مثل ليبيا والسودان والكويت والإمارات العربية المتحدة.

علي ماهر باشا
تختلف نشأة ثالثهما، حيث ولد علي ماهر باشا عام 1881 لأسرة من أعيان الشراكسة، وكان والده محافظ القاهرة، وحصل على ليسانس الحقوق عام 1903، ليعمل محاميا لفترة قبل أن يلتحق بسلك القضاء ويعين وزيرا للمالية عام 1929.

شغل ماهر -بعد توليه منصب رئيس ديوان الملك فؤاد- منصب رئيس الوزراء أربع مرات، بدأت عام 1936 وانتهت بأول وزارة بعد حركة يوليو 1952، والتي لم تدم سوى ستة أشهر، وسمي برجل الأزمات في دلالة واضحة على حنكته ومهاراته السياسية.

اعتقل أثناء الحرب العالمية الثانية بعد اتهامه في عهد حكومة مصطفى النحاس باشا الوفدية بتهمة الاتصال لدول المحور في الحرب العالمية الثانية.

سر اختيار ماهر
اتفق "الضباط الأحرار" عقب قيامهم بثورة يوليو 1952 على اختيار علي ماهر رئيسا للوزراء، نظرا لعلاقته الوثيقة بالملك فاروق وسهولة التعامل معه، إضافة إلى أنه غير مرتبط بحزب مما قد يورط الثورة في علاقاتها الأولى، حسبما ذكر اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر في مذكراته.

لكن سامي جوهر روى في كتابه "الصامتون يتكلمون" عن القيادي في جماعة الإخوان المسلمين صالح أبو رقيق، أن اختيار ماهر جاء بناء على إيعاز من جماعة الإخوان المسلمين التي كانت قريبة من الضباط الأحرار آنذاك، وشارك ضباط ينتمون لها في حركة يوليو.

ولم يلبث أن أجبر ماهر على الاستقالة لمعارضته فكرة الإصلاح الزراعي المصري عام 1953، وانزوى بعيدا حتى توفي عام 1960.

اجمالي القراءات 638
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق