لدينا فائض إيمان وتقوى دينية تدفع البعض للهياج والعداء والكراهية لكل آخر، يترافق معها عجز أو انعدام للإنسانية يكاد يشملنا جميعاً، ليت المتقين يسندون الخير للإله، ويتحملون وحدهم مسئولية شرور أنفسهم ونزعاتهم البدائية، ولا يلجأون ترويجاً لها إلى نسبتها لمن اتفقت البشرية أنه مصدر كل خير وصلاح، لكن يبدو أنه ليس أمامنا غير الحل المرير والحتمي أيضاً، أن ننتظر حتى تُطَّهِر الشمس والهواء الطلق التربة العفنة من تلك الحشرات والديدان التي ترعرعت فيها، فبدون هذا الطفح والفوران الحادث الآن لتلك الكائنات المشوهة لم يكن من الممكن مجرد الأمل في أن تقوم لهذا الشعب يوماً قائمة. . فلندعهم يحترقون بالنيران التي سيشعلونها بأنفسهم، فنحن بتضحيات جسيمة أنقذنا مصر من فم الأسد، لتختطفها منا الذئاب، ليكون علينا إعادة دفع الثمن لتحريرها من جديد!!
نعم وصلت مصر الآن بحكامها الخارجين من السجون والقادمين من منافيهم في سائر بقع إيواء الإرهاب العالمي إلى حضيض لم تعرفه في عصرها الحديث منذ بداية القرن التاسع عشر، لكن على الذين يترحمون على عصر مبارك أن ينتبهوا إلى أن أغلب من يسيطرون على الساحة الآن هم بالأساس عملاء ومرشدي أمن دولة مبارك، هم العقارب والثعابين التي دجنها في حضنه فاستدارت عليه، وتفرغت الآن لنا نحن من صدق بعضنا أنهم طلاب حرية وكرامة إنسانية. . هو ما يسمونه استذكاء وفهلوة سياسية تنقلب على أصحابها، كما تعودنا منذ السادات الذي أخرج المارد من القمقم ليلقى حتفه على يديه، وقصة مبارك مع ذات المارد لا تختلف عن ذلك إلا قليلاً على الأقل في خطوطها العريضة، فقط اختلفت النهاية بأن أجهزوا على مبارك ليتفرغوا لنا، ومع ذلك ومهما كانت الظروف واختلاف الأحوال فإن الحرية دوماً جوهرة باهظة الثمن، ويبدو أن شباب هذا الجيل المصري الرائع راغب وقادر على دفع ثمنها.

صلح قصة المواطن "حمادة صابر" لتكون نموذجاً للمصير الذي يهدد الإنسان المصري في عصر "النهضة الإخوانجية"، وربما ما حدث لطيور الظلام من افتضاح بعد قيامهم بتعرية "حمادة صابر" وسحله يردعهم عن تعرية مصر وسحلها تمهيداً لأخونتها. . "القهر" هو أن تضطر لمقايضة كرامتك مقابل كسرة خبز، و"الفتاكة" هي أن تعتبر أن هذه صفقة رابحة بالنسبة لك، فمن يلقون باللوم على "حمادة صابر" على أقواله في البداية، والتي أنكر فيها ما فعلته معه الشرطة ناسباً إياه للمتظاهرين، ربما كان هؤلاء أكثر افتقاداً للإنسانية ممن سحلوه ثم أجبروه على التستر عليهم، ولا يجب أن نتجاهل أن كثيرين يعتزون إيما اعتزاز بكرامتهم الشخصية، إلى أن يجدوا من يدفع الثمن الذي يرونه مناسباً لها، وربما كنا جميعاً وسنكون "حمادة صابر" بطريقة أو بأخرى، وبهذه الدرجة أو تلك!!. . يهربون من جريمة سحل مواطن قام بها أفراد شرطة صغار، ليقعوا في جريمة خواء الضمير وتدليس على أمة قام به من يفترض أنهم كبار. . نفهم ضعف المواطن المصري المسكين "حمادة صابر" أمام آلة القهر المتسلطة، لكن المفجع هو الدور الذي قام به من المفترض بهم تحقيق العدالة للمستضعفين، فنجدهم هم من يقهرونه في محاولة لتغطية جرائمهم، هكذا يكون المواطن المصري "حمادة صابر" أيقونة لقهر الإنسان المصري من قبل الاستبداد والفقر والبيئة التي تفقد الفرد استشعاره بأولوية الكرامة الشخصية. . ربما القهر الذي تعرض له المسحول ليدلي بأقواله الأولية هذه أشد قسوة على كرامة الإنسان الطبيعي من قهر عملية السحل نفسها. . إنسان مسكين هو، بل جميعنا مساكين في ظل بيئتنا وثقافتنا.

بعد كل ثورات العالم يقوم الطرف المنتصر دوماً بتحديد من هم الوطنيين الأبطال، ومن هم الخونة العملاء أعداء الشعب، كما أن الفارق بين الممارسات التي توصف بالثورية وتلك التي توصف بالتخريبية يتوقف غالباً على فعالية هذه الممارسات في الوصول بمرتكبيها إلى كراسي السلطة. . مازلت أسأل نفسي وأسأل كل من حولي، هل ما يجري في مصر الآن من غضبة شعبية على هيمنة الإخوان المسلمين وفشلهم وجهالتهم وأخونتهم للبلاد هي ثورة ستدوم وتتعاظم حتى الإطاحة بهم، أم هي رفرفة الذبيحة قبل أن تخمد جثتها إلى الأبد؟
يتصورها البعض مفارقة أن يُقتل الآن الشباب الذين انتخبوا مرشح الإخوان للرئاسة، وكأنهم لم يسبق لهم اغتيال السادات الذي أخرجهم من السجون وسلم لهم البلاد!!. . ما رأي أمثال علاء الأسواني وحمدي قنديل وخالد يوسف في مصير ضحاياهم الشباب الذين ساروا خلفهم لانتخاب مرسي أو مقاطعة الانتخابات الرئاسية، ويلقون مصرعهم الآن واحداً بعد الآخر في عهد الإخوان السعيد، هل هم مرتاحو الضمير، هل يعرفون بحق شيئاً اسمه الالتزام الوطني والمسئولية إزاء المجتمع الذي جعل من هؤلاء نخبة له، ألا يسمعون صراخ الدم الزكي لهؤلاء الثوار الأطهار لاعناً اليوم الذي فيه صاروا نخبة يسير خلفها الناس؟!!

في حالة تولي د. عبد الرحمن البر مفتي جماعة الإخوان المسلمين وعضو مكتب إرشاد الجماعة منصب مفتي مصر، فإن هذا يُسقط "أسطورة وسطية الأزهر"، كما يعني أن "الأخونة تسير والشعب يعوي"، مع هذا لا يجب أن يفوتنا أن الوسطية التي بدت في مواقف الأزهر في العهود الماضية ترجع لانتقاء قياداته من قبل نظم الحكم، وبالتالي فمساره الآن نحو الأخونة أو حتى السلفنة أمر طبيعي تماماً ولا مناص منه، كما أنه لا جديد في المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي يضم الآن باقة من الإرهابيين السابقين الذين صاروا الآن قادة الأمة المصرية والمدافعين عن حقوق الإنسان فيها، فهكذا أيضاً والقياس مع الفارق كان ذلك المجلس في عهد مبارك، مجلساً للتدليس على انتهاكات حقوق الإنسان المصري، ولا فرق إن كان على رأسه "بطرس بطرس غالي" أو "حسام الغرياني"، وإن كان الأول "عبد سيده رغم شهرته وليبراليته" والثاني "أسير ما يعشش في رأسه من ظلامية". . لا جديد يا سادة تحت شمس مصر المحروسة سوى ازدياد الأفق قتامة وغيوماً سوداء!!

ارحموا رجال الداخلية يا سادة ولا تطالبونهم بالمستحيل، فطبيعة عملهم تجعلهم رهن إشارة الجالس على العرش، فإن كان مستبداً صاروا أداة استبداد، وإن كان كصاحبنا مجاهداً في سبيل الله صاروا هم بالحتم (الآن أو غداً) مجاهدين للكفار والمشركين من الشعب المصري، وإن جاء حاكم ليبرالي علماني يحترم إنسانية الإنسان سنجدهم بالتأكيد حراساً لاحترام حقوق الإنسان والقانون، فالحديث إذن عن "تطهير الداخلية" أو "إعادة هيكلتها" هو من نافلة القول، فلقد تعود بيروقراطيونا عبر آلاف السنين أن يكونوا أداة طيعة في يد السلطان يرقصون على أنغامه، فلنركز إذن على الإتيان بسلطان لا يعزف لمصر ألحاناً جنائزي

لا تعليق على حكم القضاء بالسجن على شابين مسيحيين ثلاث سنوات سجن بدعوى سرقتهما سلاح من الجيش في موقعة ماسبيرو في 9 أكتوبر عام 2011، تلك التي راح ضحيتها 27 شاباً مسيحياً أغلبهم دهسته مدرعات الجيش، لكنني سأكون سعيداً ببلدي وقضاتها وعدالتها يوم تصدر أحكام بالإعدام على المسؤولين عن تلك المذبحة!!