كيف قتلت حبيبة «أشواك» الجانب العاطفي لدى «سيد قطب»؟! (1ـ 3)

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠٩ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


كيف قتلت حبيبة «أشواك» الجانب العاطفي لدى «سيد قطب»؟! (1ـ 3)

أعدم الراحل «جمال عبدالناصر» الشهيد «سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي» الشهير بـ«سيد قطب» في  29 من أغسطس/آب عام 1966.

ومرت الذكرى الخمسون لرحيل الأديب الرائق وصاحب تفسير «في ظلال القرآن الكريم»، مرت ذكرى نصف القرن على رحيله العام الماضي في هدوء لا يليق به؛ وإنما يتناسب مع انقلاب عسكري أعدم حتى الأيام الأولى من العام الحالي 27 شخصًا بناء على 5 أحكام قضائية نهائية.. رغم أن عسكريي مصر الجدد هذه المرة لم يحكموا إلا قرابة 4 أعوام ونصف العام فحسب.

حينما تم إعدام «قطب» كان قد مر على انقلاب يوليو/تموز 1952 نحو 14 عامًا بالإضافة إلى أيام، ولم يكن عدد الذين تم إعدامهم ظلمًا حينها ليصل إلى العدد الذي تم تنفيذ حكم الإعدام فيهم حتى اليوم، (27) بالإضافة إلى 25 ينتظرون التنفيذ في 6 قضايا ذات أحكام نهائية ومئات الاحكام غير النهائية الأخرى.

وإذ يُلقي اليأس الشديد بظلاله على البعض اليوم، نتيجة هذه الأحكام الظالمة العنيفة، رغم أن مثيلاتها طالت من قبل أحد أهم رموز الأدب المصري وقامة من قامات تفسير القرآن الكريم.

عشية تنفيذ الحكم عليه تدخل رؤساء دول بغرض منع إعدام الشهيد «قطب» (منهم الراحلان: الملك «فيصل» ملك السعودية، ورئيس العراق «عبدالسلام عارف») بالإضافة إلى مفكرين وقامات كبرى عربية وإسلامية، رغم تأكيد «عبدالناصر» نفسه في أغسطس/آب 1952 وقوله: «أخي الكبير سيد (قطب)، والله لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا، جثثا هامدة..».

إذ يُحلق اليأس فوق نفوس البعض ينبغي أن نتذكر أن الشهداء جميعًا وفي مقدمتهم «سيد قطب» كانوا يرعون الحياة ويحبون البناء فيها، ولديهم جوانب مجهولة من الحياة تؤكد ذلك..

جاءت كلمات «عبدالناصر» الأخيرة لما قال «قطب» إنه كان معرضًا لما هو أكثر من السجن قبيل الثورة، وهو يعتبر نفسه كذلك (يومها)، ورغم أواصر الصداقة التي كانت تربط الراحل بـ«عبدالناصر» نفسه، وهي الصداقة التي ساهمت لقدر ما في التمكين لانقلاب يوليو/تموز أكثر، ليمتد حكمه لمصر ويزداد نفوذه داخليًا، خاصة ما كتبه الراحل «قطب» إبان أزمة عمال المحلة الكبرى في جريدة «الأخبار».

وأيضًا رغم كلمات الراحل «طه حسين» عن «قطب» في اللقاء التكريمي الخاص بالأخير في نادي الضباط بالزمالك في ثاني شهر عقب الانقلاب، إذ قال الراحل «حسين»:

«إن في سيد خصلتين هما المثالية والعناد»، وبعد حديثه عن أثر «قطب» في أحداث يوليو/تموز 1952 ورجاله ختم (طه حسين) كلمته بالقول «إن سيد قطب انتهى في الأدب إلى القمة والقيادة؛ وكذلك في خدمة مصر والعروبة والإسلام».

وروى الموقف مؤسس جريدة «عكاظ» فيما بعد، الراحل «أحمد عبدالغفور عطار»؛ ونشره في مجلة «كلمة الحق»، العدد الثاني، مايو/آيار 1967.

الشهداء كانوا بشرًا

وفي ظل السياق السابق والآلام التي تتناول مصر كلها لأحداث الإعدام لا يفوتنا أن نؤكد مرة أخرى أن الشهداء، وهم أفضل الخلق، كانوا بشرًا يحتفون بالحياة وتحتفي الأخيرة بهم، فلم يكونوا في معزل عنها ولم تكن في معزل أو بعيدة عنهم، وما الراحل «سيد قطب» منا ببعيد، ولا الجانب العاطفي منه والذي سنفرد له هذا التقرير والجزأين المتممين له لاحقًا بإذن الله إلا ليؤكد أن الشهداء بشر مثل غيرهم، كانوا ملء السمع والبصر من الحياة.

لماذا لم يتزوج «قطب»؟

يظن بعض الشباب خطأ أن الراحل «قطب» لم يتزوج لأن عاطفة ما تُلم به.. أو لم تقترب من أفق قلبه لتداعب حياته وتفضي به إلى الزواج، وهو الظن الخاطئ الذي تكذبه رواية صغيرة الحجم لعلها الأولى والأخيرة المعروفة للراحل وهي: «أشواك» الصادرة عن مطبعة «سعد» في عام 1942 في 72 صفحة و13 فصلًا.

وعلى طريق الراحلين «جمال حمدان» و«الطاهر مكي»، الأكاديميين المعروفين سار «قطب»، مع اختلاف مجالات الإبداع والتفوق، لكن قصة حب أغلقت أبواب قلوب الثلاثة وصدتهم عن الزواج.

«أشواك» وإهداء كاشف

يكتب الروائي من مخزون نفسه بدرجات، ومن أفق حياته الخاصة، لكن مع إعادة ترتيب وتعريف وربما تجهيل وتنكير لبعض الأحداث، وهو ما عابه بشدة الناقد الراحل «عبدالقادر القط» على شاعر الرواية الراحل «محمدعبد الحليم عبدالله»، إذ قال له:

ـ «إنك ما تكتب إلا عن حياتك الخاصة».

فثار الراحل «عبدالحليم عبدالله» وقاطع «القط».

أما إهداء رواية «أشواك» فواضح الدلالة، كاشف عن أن الرواية في مجملها، إن لم يكن جلها، يخص «قطب» نفسه بالأحداث والشخصيات والمعاني .. بل الآلام.

قال الراحل في الإهداء:

«إلى التي سارت معي في الاشواك، فدميت ودميَت، وشقيتُ وشقيت، ثم سارت في طريق وسرتُ في طريق: جريحين بعد المعركة .. لا نفسها إلى قرار ولا نفسي إلى استقرار».

أخذ الراحل من أحداث الرواية مادة حياتية خاصة عاش عليها، ذاب فيها وذابت فيه حتى ليبدعها أدبًا رائقًا متأثرًا بمبدعي عصره، مع استدلاله ببطلة الرواية على جميع النساء، كأنها كانت كتابه الدنيوي المسطور الخاص به، فلا ينفعه أو يصلح له أن يعدله أو يصحح مساره.

وما من عجب في المبدأ في حد ذاته، كما يقول الراحل «عبدالوهاب المسيري»: «ما الفن إلا خصوصية»، ولكن العجب كل العجب من التوسع في هذا الجانب الخاص لدى «قطب» حتى ليطغى على جميع جوانب الحياة العاطفية، فقصته أوقف نفسه عليها، والزمها ألا تتحرك أو تتخلى عنها، فلم تفلح محاولة زواج أو قرب أو اقتران من بعدها في لملمة أفق جراح عاطفته الأولى، وخيبة التجربة مع «سميرة».

ولعل المواهب العظيمة تكون تأثراتها الحياتية بالأحداث التي ربما يراها البعض عادية، تكون التأثيرات والانعكاسات بالغة الضخامة، وهو ما لن تخطئه في حياة وآراء «قطب» حتى في غير الجانب العاطفي منها.

وكان صباح

في الفصل الأول من الرواية المُعنون بـ«وكان صباح»، أظهر العنوان بوضوح أثر المكون التراثي العربي، ولو قيل إنه على الأرجح منقول من لغات أخرى كالفارسية: من «ألف ليلة وليلة» حتى «ألف يوم ويوم» وهلم جرًا.

فـ«الصباح» هنا دلالة على التركيز الشديد اللغوي، وبالتالي انجلاء الحقيقة ونهاية رحلة «الخديعة العقلية واستمرارها عاطفيًا، فعند «الصباح» اتضحت معالم الحقيقة، فخطبة بطل الرواية «سامي» إلى حبيبته «سميرة» تشوبها «أشواك» لا أشواق كما كان مفترضًا، وقد آثرت «سميرة» بعد التعارف إثارتها، وفي يوم شبكتها وتبادل خاتمي الخطبة.

فما تلك «الأشواك»؟ ولماذا تحطمت على صخرتها العلاقة العاطفية؟ وما مدى تأثيرها على حياة «سيد قطب»، رحمه الله؟

ذلك ما نتعرف عليه في الجزأين الثاني والثالث من التقرير بإذن الله.

اجمالي القراءات 1517
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق