الحكومة تريد تشريعه.. كيف استشرى فساد أسرة «بن علي» بعد الثورة التونسية؟

اضيف الخبر في يوم الأحد ٢٨ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


الحكومة تريد تشريعه.. كيف استشرى فساد أسرة «بن علي» بعد الثورة التونسية؟

عجز التونسيون الذين «هرموا» وهم يأملون بإسقاط نظام المخلوع «زين العابدين بن علي» عن جني ثمار ثورتهم مع مرور ما يقارب السنوات الست لهذه الثورة (2011)، لا شيء يوجعهم أكثر من استشراء ظاهرة الفساد والرشوة وتفاقم الاقتصاد الموازي.

لقد حرمهم الفساد الذي تفاقم بعد الثورة من العيش بحريةٍ وكرامة، تلك الشعارات التي رفعوها وهم ثائرون. الأنكى أنه مع وجود  أكثر من 13 ألف ملف فساد بحوزة الجهات الرسمية، وبأدلةٍ دامغة، لم تُخض جهود كافية في محاربة الفساد، ومحاكمة الفاسدين.

بصيص أمل حَمَلتهُ الأيام القليلة الماضية، عندما قررت الحكومة شن حملة على «بارونات الفساد»، لكن ماذا عن قانون «المصالحة الوطنية في المجال الاقتصادي والمالي» الذي يحاول حزب «نداء تونس» تمريره للالتفاف على محاسبة الفاسدين؟، سيحاول أن يجيب على هذا التساؤل وغيره تقريرنا التالي.

«الفساد الصغير» لأسرة «بن علي»

«200 ألف صندوق موز نورّده، يحصل أن نهرّب (ودون دفع ضرائب) 20 ألف صندوق، وهكذا نغنم 300 ألف دينار (أكثر من 100 ألف يورو) في العملية الواحدة»، جزء من شهادة أحد أقارب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، إنَّه رجل الأعمال المسجون الآن في سجن المرناقية «عماد الطرابلسي».

الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وزوجته (المصدر: نون بوست)

شهادة «الطرابلسي» بثَّت تسجيلها «هيئة الحقيقة والكرامة» المكلفة بتفعيل قانون العدالة الانتقالية في 19 من الشهر الجاري، وجاء في تلك الشهادة أيضًا أنّ تهريب شحنة واحدة من (المعسّل) كانت تدرّ عليه أرباحًا بـ450 ألف دينار (أكثر من 150 ألف يورو)، كما أنه عندما انتقل لتجارة الخمور في عام 2005 وسيطر خلال عامين على نحو 30 % من هذه التجارة، تجاوزت أرباحه من بيع الخمر 900 ألف دينار (حوالي 335 ألف يورو) أسبوعيًا، نقلت هذه الأموال بسيَّارة مصفحة بواسطة بنك تونسي.

لم تكن تجربة «الطرابلسي» التي خرجت لمسامع التونسيين قبل أيامٍ قليلة سوى القليل في بحر الفساد الخاصّ بعائلة المخلوع «بن علي»، هذا الفساد الذي عُدَّ أحد الأسباب الرئيسية لثورة الياسمين التونسية (2011)، حيث أظهرت دراسة أعدها البنك الدولي عام 2014 جمعت بيانات عن 220 شركة مرتبطة به، أنَّ أسرة «بن علي»: «كانت تستولي على أكثر من 21% من أرباح القطاع الخاص في البلاد بنهاية عام 2010، وأنَّ المسؤولين في النظام التونسي السابق استغلوا اللوائح الحكومية القائمة وأعدُّوا أخرى جديدة بما يفيد أفراد الأسرة الحاكمة وغيرهم من المقربين».

وقد أقدمت السلطات السويسرية يوم السادس والعشرين من مايو (أيار) الجاري على إعادة حوالي 3.5 مليون يورو (3.91 مليون دولار) إلى تونس، من أموال مهربة كانت بحوزة أحد أقارب «بن علي»، وذلك في إطار استعادة أموال مسروقة جمدتها الحكومة السويسرية في أوائل 2011 أصولاً في سويسرا.

ما يقارب 3 آلاف ملف.. كيف استشرى الفساد في كل مؤسسات الدولة؟

الثورة التونسية التي أسقطت نظام المخلوع «بن علي» لم تسقط حتى اليوم الفساد المستشري في تونس، ذاك الفساد الذي كان يقتصر على عائلة المخلوع والمقربين منه، استفحل في مؤسسات الدولة التونسية.

رئيس الحكومة التونسية «يوسف الشاهد»

فبينما انشغلت تونس لحدٍ ما في ملاحقة الفاسدين من عائلة بن علي، كانت منظومة فساد جديدة تستغلُّ ضعف الدولة التونسية ومؤسساتها وتنشط متغوِّلةً في الفساد أكثر، يقول رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس، شوقي الطبيب أنّ: «الخطير في الأمر هو دمقرطة الفساد، حيث كنا نعاني من بعض العائلات النافذة على رأسها عائلة الرئيس، والآن أصبحنا نعاني من عشرات الآلاف من الفاسدين الذين يعرفون المنظومة ومواطن الخلل ومواطن القوة، واستباحوا الدولة والمالية العمومية، وهو ما يفسر الارتفاع الكبير في منسوب الفساد».

وإذا ما لجأنا للأرقام، يمكنُنا القول أنه حتى شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، تلقَّت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس ما يقارب 12 ألف و500 ملف فساد، فـ«عدد الملفات المتعلقة بقضايا الفساد في ارتفاعٍ وتزايد مهول جدًا»، كما تقول المستشار المقرر بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، نجاة باشا، وتصدرت تونس المرتبة السابعة عربيًا والـ75 عالميًا بـ71 نقطة في مؤشر الفساد للعام 2016.

وحسب تقرير منظمة «مجموعة الأزمات الدولية»، فإنَّ: «حوالي 300 رجل ظلوا يتحكَّمون في أجهزة الدولة بتونس ويعرقلون الإصلاحات، وأن بعضهم يعطل تنفيذ مشاريع تنموية بالمناطق الداخلية ويحرك الاحتجاجات الاجتماعية فيها»، وأكد التقرير المعنون بـ«الانتقال المعطَّل: فساد وجهوية في تونس» على أنّ: «مظاهر الإثراء من المناصب السياسية والإدارية والمحسوبية والسمسرة أصبحت تنخر الإدارة والطبقة السياسية العليا في تونس (الأحزاب، البرلمان…)، وأنَّ عموم المواطنين أصبحوا يعتبرون أجهزة الدولة أجهزة (مافيوزية)»، وتؤكد بيانات إحصائية سابقة للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس، أنه تسبب: «الفساد وغياب آليات الحوكمة الرشيدة في خسائر مالية لخزينة الدولة التونسية تُقدر بنحو ملياري دينار (851 مليون دولار) سنويًا».

وتعتبر قطاعات الشرطة والمالية والقضاء من أكثر المؤسسات تضررًا من الفساد، فحسب «شوقي الطبيب»، أنه: «يمكن اعتبار أن قطاعات الشرطة (وزارة الداخلية) والمالية والمرافق القضائية والصحة هي التي ورد فيها أكبر عدد من ملفات الفساد، إذ ورد إلى الهيئة نحو 500 ملف ضد وزارة الداخلية من ضمن 3 آلاف ملف قُدم ضد عدد من الوزارات والمنشآت العمومية، هم الملفات الموجودة لدى القضاء وهي صفقات الشراء العامة».

وفق قانون الطوارئ.. رؤوس الفساد في قبضة الشرطة

«إن الفساد موجود في البلاد بكلّ مفاصل الدولة والإدارات و لا يمكن إنكاره»، هذا ما قاله وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان بتونس، مهدي بن غربية.

أمَّا رئيس الحكومة التونسية «يوسف الشاهد» فقد أعلن قبل أيام أنه: «في الحرب على الفساد ليس هناك خيارات.. إما الفساد وإمّا الدولة.. إمّا الفساد وإمّا تونس»، وبينما كان هذا التصريح يصدح في آذان التونسيين، تواصلت حملة اعتقالات وفق قانون الطوارئ شملت رجال أعمال وقيادات في الجمارك، حيث يجيز قانون الطوارئ المفروض منذ تفجير نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وضع أيَّ شخص «يُعدّ نشاطه خطرًا على الأمن والنظام العامين تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معينة دون وجوب الحصول على إذنٍ مُسبق من القضاء».

في الأيام القليلة الماضية، أخذ التونسيون يتابعون سقوط اسمٍ تلو الآخر، من الشخصيات النافذة في عالم المال والأعمال، أشخاص يشتبه في تورطهم في قضايا فساد وجرائم تمس الأمن القومي، أبرزهم «شفيق الجرّاية» المقرّب من حزب نداء تونس، تاجر الموز والعقارات، كما اعتُقل الإطار السابق بالجمارك «ياسين الشنّوفي»، وإمبراطور الفواكه الجافة «نجيب بن إسماعيل»، كما صدرت قائمة تضم 360 شخصًا يُمنع سفرهم.

وبينما أثار البعض احتمال أن تكون حملة الاعتقالات المباغتة تلك جاءت لتورط الموقوفين في تأجيج الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بفرص وإصلاحات اقتصادية في منطقة الكامور بولاية تطاوين، هناك من رأى أنها تأتي ضمن محاولة من الحكومة التونسية لإلهاء الرأي العام وصرف أنظاره عما يحدث من احتجاجات طاحنة في محافظة تطاوين، إذ «قامت الحكومة بتقديم رجال أعمال كباش فداء بعد افتضاح فسادهم للرأي العام» كما قال الأمين العام لحركة وفاء النائب بالمجلس التأسيسي السابق «عبد الرؤوف العيادي».

تشريع الفساد.. القانون يحمي الفاسدين

لم يفاجأ التونسيون بخروج صهر المخلوع «بن علي»،والمتورط في قضايا فساد مالي واستغلال نفوذ والهارب خارج تونس «سليم شيبوب» ليعلن في الخامس من مايو (أيار) عام 2016، عن رغبته في «المصالحة مع الدولة التونسية». أقدم «شيبوب» على ذلك، لكون قانون «العدالة الانتقالية» الذي صادق عليه البرلمان التونسي في ديسمبر (كانون الأول) 2013، يجيز وقف التتبعات القضائية ضد المتورطين في «الاعتداء على المال العام (في عهد بن علي) شرط اعترافٍ مكتوب واعتذار ٍصريح وإرجاع الأموال المنهوبة إلى الدولة».

تونسيون ضد قانون مصالحة الفاسدين

وبذلك سجلت «أول اتفاقية تحكيم ومصالحة» كما سمَّتها المصادر التونسية بين الحكومة وسليم شيبوب الذي طالب بمصالحة طبقًا لقانون العدالة الانتقالية، فقد أعلنت هيئة «الحقيقة والكرامة» المكلَّفة موافقة الدولة المبدئية على (قبول) طلبات التحكيم والمصالحة (من متورطين في الفساد) وتقديم طلبات تحكيم ومصالحة باسم الدولة باعتبارها متضررة في انتهاكات الفساد المالي والاعتداء على المال العام، بداية من 15 مايو (أيار) 2016»، حيث أوقف «شيبوب» فور عودته في يوم 18 نوفمبر (تشرين الثاني) العام 2015 من أجل قضايا فساد، وبعد 14 شهرًا أفرج القضاء عنه بسبب انتهاء المدة القانونية القصوى للتوقيف حسب القانون التونسي.

الصدمة الأكبر التي عاشها التونسيين، هي يوم 14 يوليو (تموز) 2015، عندما خرج حزب نداء تونس، ليعلن عن رغبته في تمرير مشروع قانون «المصالحة الوطنية في المجال الاقتصادي والمالي»، متذرعًا بأهمية طيّ صفحة الانتهاكات المتعلقة بالفساد المالي في عهد المخلوع «بن علي»، وسيقر القانون – في حال إقراره – العفو على قرابة 400 رجل أعمال و1500 من كبار موظفي الدولة تورطوا في قضايا فساد، والاعتداء على المال العام، خلال فترة حكم بن علي (1987 – 2011).

الرئيس التونسي «الباجي القايد السبسي»

وتعتبر المصادر التونسية هذا القانون يمنح الفرصة للالتفاف على المحاسبة باعتباره حلقة رئيسية ضمن مسار العدالة الانتقالية، وهو بمثابة تشريع الإفلات من المحاسبة والتطبيع مع الفاسدين، بل رأي المراقبون أن هذا القانون مظهر من مظاهر الفساد الذي يراد له تشريعًا قانونيًا، ويناقض ما جاء في «وثيقة قرطاج»، التي تشدد على مكافحة الفساد باعتباره أحد أبرز التحديات التي تواجهها الديمقراطية الناشئة، وتشدد منظمات تونسية ودولية على أن مشروع القانون يهدف إلى «تبييض الفساد والفاسدين وتكريس الإفلات من العقاب في جرائم الفساد المالي، ويهدد مسار العدالة الانتقالية في تونس».

يذكر أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تعاني من نقصٍ في الموارد البشرية والمادية، وغياب جهاز تقص، ولذلك لا تستطيع الهيئة مقاومة الفساد بإمكانياتٍ ضعيفة، وهي غير قادرة على اقتراح سياسات لمكافحة الفساد، وإبداء الرأي في مشاريع القوانين الخاصة بذلك.

يقول رئيس الهيئة «شوقي الطبيب» أنَّ: «أكبر ضغوط على الهيئة هي تقليص صلاحياتها والحد منها، فهناك جهات داخل الدولة لا تريد منح هيئة مكافحة الفساد صلاحية الضبط العدلي، في حين تُمنح هذه الصلاحية لأبسط عنصر شرطة أو جمارك أو موظف عمومي». ومنذ العام 2012 لم يلمس التونسيون أي تحركاتٍ جدية لمكافحة الفساد، ويطالبون بوضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، لكونهم لم يلمسوا أي فائدة لجهود هيئة مكافحة الفساد التي تأسست أواخر 2011.

اجمالي القراءات 2248
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق