العاصمة الجديدة من أخناتون إلى السيسى

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠٤ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: المصرى اليوم


العاصمة الجديدة من أخناتون إلى السيسى

أخناتون فرعون مصرى حكم مصر ١٧ عاماً. كان أخناتون مصلحاً دينياً قام باتخاذ إله واحد يعبده المصريون وهو آتون (قرص الشمس)، وقام بمسح الإله السابق أمون من على جدران المعابد والحوائط. وقام أخناتون ببناء عاصمة جديدة لمصر فى صحراء جرداء فى مكان يسمى العمارنة، وقد اختار المكان لتشرق الشمس من شرق العاصمة الجديدة، وقد تم بناء العاصمة الجديدة بسرعة فائقة، وكانت مساحتها ضخمة جداً بمقاييس هذا الزمن، فكانت ١٢ كيلومترا مربعا. وبعد وفاة أخناتون هاجر الناس من العاصمة الجديدة (قرب المنيا وسط الصعيد) وتقررت العودة للعاصمة القديمة طيبة (الأقصر) وتم إهمال العاصمة الجديدة، وتدميرها تدريجياً حتى اختفت تماماً من الوجود. الرسومات الهندسية للعاصمة الجديدة، تشير إلى أنها بنيت على أحدث طراز وكانت تكلفتها عظيمة والمجهود الذى بذل فيها كبيرا. ولكن كل هذا راح هباءً، لأن قرار بناء العاصمة كان منفرداً من الفرعون أخناتون، ولم يشارك الشعب أو الكهنة فى الفكرة أو الموافقة عليها ودراستها.

وثائق العاصمة الجديدة، تل العمارنة، عثر عليها كاملة فى عام ١٨٨٧، وهى للأسف محفوظة بالكامل خارج مصر. ويقول علماء المصريات من جامعة بنسلفانيا بأن أخناتون لم يقم بواجبه فى رفع المعاناة عن المصريين ورفع مستوى معيشتهم، ولم يهتم بأن يقوم الجيش بوظيفته الأساسية، وهى حملات عسكرية لحماية الحدود الشرقية والدفاع عن البلاد، كما فعل الملوك الذين سبقوه، لأنه كان يركز فى أفكاره الدينية الجديدة ومشروعاته الضخمة التى ثبت فشلها بعد ذلك، وكلف بناء العاصمة الجديدة المصريين أموالاً طائلة أضعفت قدرة مصر على حماية حدودها.

وقد نشرت مجلة الآثار الإنجليزية أن بناء العاصمة الجديدة أصاب العمال بالضعف والمرض، وأصاب الاقتصاد بأذى كبير، وأظهرت الحفريات تقزّم المصريين بسبب سوء التغذية، وكذلك تآكل فى الغضاريف. وكان واضحاً أن أخناتون لم يستطع أن يقنع المصريين، ويصل إلى عقلهم، ولا إلى روحهم بتغيير الإله القديم أو نقل العاصمة لمكان آخر، ويعتقد بعض علماء المصريات أن الإصرار على تصوير شكله بطريقة مختلفة وفيها تشوهات ترجع إلى مشاكل وعُقد نفسية كان يعانى منها.

وبعد موت أخناتون تم إسقاطه من قائمة ملوك مصر العظماء بسبب تغييره دين الآباء، وبسبب سفاهته فى إنفاق الأموال وبناء العاصمة الجديدة، وتم مسح اسمه من على كل التماثيل والحوائط، وعاد المصريون إلى دينهم القديم.

فى عصر السيسى، لم يدرس أحد ما هى الأولويات فى المشروعات الكبرى، ومن غير المعقول أن المشروعات الكبرى كلها غير مدروسة اقتصادياً، وبدون حوار مجتمعى. قال رئيس مصر إننا دولة فقيرة جداً جداً، والدولة الفقيرة جداً جداً يجب أن تدرس جيداً أين تستثمر الأموال القليلة جداً، وتفكر جيداً فى أى قرض خارجى أو داخلى للتأكد من أن عائد المشروع المستثمر فيه القرض سوف يغطى قيمته وفوائده.

العواصم الجديدة تاريخياً كانت تقام فى مكان يمكن الدفاع حربياً عنه أو مكان يقع بين جماعات إثنية مختلفة لتكون العاصمة محايدة أو مكان بعيد جداً حتى يتم تنمية جزء آخر من الدولة، ويتم توزيع السكان. والمثال المشابه لمصر فى العصر الحديث هو نقل العاصمة فى البرازيل من ريو دى جانيرو إلى برازيليا التى تبعد حوالى ألف كيلومتر لتصبح مركزاً كبيراً، وذلك فى عام ١٩٦١.

العاصمة الإدارية فى مصر مشروع سمع عنه الشعب المصرى لأول مرة فى مارس ٢٠١٥، وكانت المعلومات عنه غامضة ككل مشروعات السيسى إلى أن تم إطلاق صفحة إلكترونية عنه حديثاً. المشروع لم يعرف عنه المصريون ولا خبراؤهم أى شىء، ولم يؤخذ رأيهم، ولم يعرف عنه مجلس الشعب شيئاً، لا أحد يعرف حجم المشروع ولا تكلفته بدقة وما هى محتوياته. لا يوجد دولة فى العالم مهما كان حكمها ديكتاتورياً لا يسمح لأحد فيها بمعرفة شىء عن مشروع بهذا الحجم.

المعلومات المتاحة من خارج مصر تقول إن تكلفته ٤٥ بليون دولار، وتتم المرحلة الأولى فى خمس سنوات، ومساحته ٧٠٠ كم مربع، وقال الرئيس إنه سيبنى بها أكبر مسجد وأكبر كنيسة فى العالم. شركة إماراتية كبرى كان من المفروض مشاركتها، ولكنها انسحبت، وشركة صينية حدث معها نفس الشىء. وتدرس إحدى كليات العمارة حالياً فى بريطانيا الأخطاء المرعبة فى المشروع والكوارث المتوقعة.

يقول خبير التخطيط العالمى، دافيد سيمز، إن القاهرة محاطة بثمانى مدن جديدة، بها أخطاء فى التخطيط والعلاقة مع القاهرة، ويعتقد أن نفس الخطأ سوف يرتكب فى العاصمة الإدارية.

هناك أخطاء أساسية، منها أن المدينة قريبة جداً من الأحياء الجديدة فى شرق القاهرة، وهذا مخالف تماماً لقواعد بناء العواصم الجديدة.

مصر فى وضع اقتصادى خطير، والخوف الكبير من عدم قدرة مصر على سداد الديون قائم.

التاريخ القديم يقول إن أول نقل للعاصمة انتهى بفشل شديد. كنت أرجو أن يكون للخبراء المدنيين والشعب كلمة أو رأى فى هذا المشروع الذى سوف يدفع أولادنا وأحفادنا كل هذه الديون وفوائدها.

الأحوال الاقتصادية السيئة للفقراء والطبقة الوسطى سببها الرئيسى هو القرارات الاقتصادية العشوائية غير المدروسة، التى لم يتم عليها أى توافق مجتمعى.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

اجمالي القراءات 1223
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق