كتب روبن ميلز:
مملكة التفكـير العجائبي

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠٧ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك



 في حين يفترض على نطاق واسع أن تكون دولة الرفاه والثراء الخرافي ، فإن المملكة العربية السعودية هي في الواقع في طريقها لتكون حالة اقتصادية بائسة وميؤس منها. في عام 1935 ، كتب رجل نفط يزور الشرق الأوسط تقريرا إلى شركته «إن مستقبلهم سيكون موحشا. إنهم يريدون الكثير من المال الآن قبل توفر النفط بصورة كافية». وعلى الرغم من أن إغراء الإفراط في الإنفاق قوض مرارا حكومات غنية بالنفط من كاراكاس الى طهران ، تجنبت المملكة العربية السعودية هذا الفخ خلال العقد الماضي من خلال الانضباط المالي الذي أبقى نفقاتها أقل من دخلها النفطي الهائل.

ولكن في تقرير صدر مؤخرا وكان صاعقا لصراحة استنتاجاته غير المستساغة ، شرح تقرير البنك السعودي للإستثمار التحدي المالي الصعب للمملكة: كيف سيتم تحقيق التوازن بين ارتفاع الإنفاق الحكومي الهائل ، والارتفاع المتزايد في الطلب المحلي على النفط من ناحية، و من ناحية أخرى سوق النفط العالمية المزدحم بصورة لا تعطي مجالا كبيرا للمزيد العائدات. وكان ذلك قبل أن تؤدي الاضطرابات الاقتصادية الأخيرة لخفض سعر النفط بعشرين دولارا للبرميل.

الإنفاق الحكومي في المملكة العربية السعودية ، الذي كان متناسقا مع الدخل نسبيا منذ بدء الطفرة النفطية في السبعينيات ، أصبح يرتفع الآن 10% أو أكثر سنويا. وسوف يرتفع بشكل أسرع : غريزة حب البقاء والنجاة لعائلة آل سعود في أعقاب بداية الربيع العربي أجبرت الملك عبد الله أن يعلن عن 130 مليار دولار من الهبات في فبراير ومارس. وهي أمور لا يمكن التراجع عنها أو تقليلها بدون المزيد من السخط الشعبي.

وهذا فقط ما تنفقه المملكة لتهدأة «الثورة المضادة» في الداخل. وسوف تدفع المملكة العربية السعودية حصة الأسد من تعهد مجلس التعاون الخليجي بدفع 25 مليار دولار من المساعدات للبحرين ومصر والأردن وسلطنة عمان. ومع احتمال اشتعال اضطرابات محتملة في العراق وسوريا واليمن ، فإن فاتورة الدعم الخارجي سوف تزيد. وبالفعل ، يذهب ثلث الميزانية السعودية في اتجاه وزارة الدفاع ، وهي نسبة قد ترتفع في مواجهة التهديد الإيراني المتوقع.

وفي الوقت نفسه ، تزايد استهلاك النفط داخل السعودية أصبح يشكل تهديدا خطيرا على عائدات تصدير النفط. المملكة هي واحدة من أقل الدول كفاءة في استخدام الطاقة: ومع أسعار ثابتة بمعدل 3 دولارات للبرميل الواحد لتوليد الطاقة داخل السعودية و 0.6 دولار لغالون البنزين ، تحتاج السعودية أكثر من عشرة أضعاف المعدل العالمي لتوليد ما يعادل دولار من الطاقة. الغاز الطبيعي مدعوم أيضا ، وهناك نقص في المعروض منه ، مما يقوض حملة تنويع الدخل الاقتصادي المرتكز على المنتجات البتروكيماوية. ويتم استهلاك 1.2 مليون برميل يوميا من النفط لتوليد الكهرباء لتلبية متطلبات الصيف لتكييف الهواء ، ولكن مع هذا فإن جدة ثاني أكبر مدينة سعودية ، لا تزال تعاني من انقطاع التيار الكهربائي المتكرر. وبحلول 2026 ، يتوقع تقرير البنك السعودي للإستثمار أن يصل الاستهلاك السعودي المحلي من النفط إلى أكثر من 5 ملايين برميل يوميا أي يزيد عن الصادرات والتي لن تصل مرة أخرى ذروة عام 2005.

هذا المزيج من زيادة الإنفاق المالي وخفض صادرات العربية السعودية النفطية يقصر أفق زمن السعودية السعيد. تعتبر المملكة عادة ، بناء على أدلة هشة ، داعية لسعر معتدل داخل أوبك ، وتتطلب الآن 85 دولارا للبرميل لضبط ميزانيتها. سيرتفع هذا السعر إلى 320 دولار بحلول عام 2030 وفقا لتقرير البنك السعودي للإستثمار. وبالطبع ، كون السعوديين بحاجة الى سعر معين للنفط لضبط ميزانيتهم لا يعني أنهم يمكن أن يحصلوا عليه. ارتفاع أسعار اليوم يأتي على حساب حتمي لعائدات المستقبل ، مع انخفاض النمو الاقتصادي واختيار المستهلكين في العالم سيارات أكثر كفاءة.

الوفرة المالية تحمي الميزانية في الوقت الراهن. لكن تجربة دورة أسعار النفط الأخيرة من المرجح أن يتكرر حيث تحولت 180 مليار دولار من الأصول في عام 1980 إلى 176 مليار دولار من الديون بحلول نهاية عام 2002 ، وعلى الرغم من انهيار أسعار النفط ، فإن الرياض لم تتمكن من خفض الانفاق ولا إنشاء اقتصاد غير نفطي متين. هذه المرة ، يتوقع تقرير البنك السعودي للإستثمار أن تضطر مؤسسة النقد العربي السعودي إلى السحب من الأصول الأجنبية للسعودية التي تتكون من 500 مليار دولار إلى النقطة أنه بحلول عام 2030 ، سيكون الوضع المالي للبلاد تحت ضغط شديد وقريب من الإنهيار المالي.

حتى الآن ، كانت المملكة محظوظة. فزيادة الإنفاق المتسارعة حدثت عندما ترك منافسيها في أوبك فنزويلا وإيران المجال لها بسبب ضعف الاستثمار وسوء الادارة في الصناعات النفطية فيهما. ومع الحرب في ليبيا ، فقد سمح كل هذا أن يصل الانتاج السعودي إلى أعلى مستوى له في 30 سنة ، في حين بقيت الأسعار قوية. ولكن يبدو أن هذا الحظ السعيد سوف ينتهي.

أسعار النفط ، مرة أخرى ، وكما حدث في عام 2008 ، سمح لها بالإرتفاع عاليا وبسرعة فائقة. التباطؤ الاقتصادي المتجدد ، مع وجود مخاوف اضطرابات في الصين وغيرها من الأسواق الناشئة ، عمل فقط على زيادة هذا التحدي. زيادة الكفاءة ، والديموغرافيا ، والبدائل يعني أن الطلب على النفط في منظمة التعاون والتنمية يتجه على الارجح نحو انخفاض بطيء على المدى الطويل ، في حين أن النفط المعروض من خارج أوبك أثبت أنه أكثر قوة مما كان متوقعا ، مع نمو قوي في قطاع النفط البرازيلي ونفط أمريكا الشمالية المستخرج من الصخر والرمال الزيتية.

وللمرة الأولى منذ نزاع وزير النفط السعودي أحمد زكي يماني مع الإيرانيين في السبعينيات ، تواجه السعودية منافس حقيقي داخل أوبك. فحتى لو تم تحقيق فقط نصف خطط العراق الطموحة لزيادة الإنتاج ، فإنه سيمتص أكثر من نصف زيادة النمو في الطلب العالمي. احتياط العراق النفطي الهائل ، وانخفاض تكلفة إنتاجه يجعل زيادات الإنتاج الكبيرة جذابة حتى لو أدى لخفض الاسعار. لأسباب خاصة بها ، إيران تسعى لتقويض الاستقرار في العراق ، لكن نتيجة ذلك ستكون غير مستساغة للسعوديين.

وهذا ليس كل شيء: أنغولا أيضا تملك مجالا لمزيد من النمو ؛ هزيمة معمر القذافي ستعيد بعض الإنتاج في ليبيا ، ومع كون هوغو شافيز يعاني من مرض السرطان ، فإن سياسة النفط الفنزويلية قد تتغير بعد انتخابات عام 2012.

معضلة السعوديين هي هكذا : يملكون تقريبا جميع قدرات أوبك الإحتياطية وهي سلاحهم للسيطرة على المنظمة. وفي اجتماع يونيو الماضي والذي وصف بأنه أسوأ من أي اجتماع سابق كان في الواقع انتصارا لوزير النفط السعودي علي النعيمي. معارضة إيران وفنزويلا وليبيا جعلته حرا لزيادة الإنتاج بقدر ما أراد. ولكن شركة أرامكو السعودية ، التي تحتكر إنتاج النفط السعودي لديها القليل من مشاريع تطوير ونمو الإنتاج الجاهزة. الخطط المعلنة في عام 2008 لرفع قدرة أرامكو الإنتاجية إلى 15 مليون برميل يوميا لم تنفذ ، والمشروع الكبير الوحيد الذي تحت التنفيذ ، حقل منيفة العملاق للنفط الثقيل ، مع حوالي 900,000 برميل يوميا ، سوف يستعمل معظمه لتلبية الاحتياجات المحلية.

ولذلك ، ماذا يجب أن يفعل السعوديين؟ تحديد هدف موثوق به ، مثل 70 دولارا للبرميل ، ومن ثم الدفاع عنه من خلال خلق قدرة احتياطية جديدة من شأنه أن يقلل الأسعار طويلة الأجل. عبر تحمل بعض الألم لأنفسهم بسحب مدخراتهم الهائلة ، فإنه سيخلصهم من منافسة عالية التكلفة ، ويعاقب خصومهم في أوبك الذين يتجاهلون نظام الحصص ، ويوقع الضرر بالعدو اللدود إيران. لكنهم يترددون أن ينفقوا مليارات الدولارات على حقول جديدة في الوقت الذي يرتعش فيه الطلب.

التصريحات الرنانة عن خطط طموحة للطاقة النووية والطاقة الشمسية ليست الدواء الشافي. المملكة العربية السعودية لا يوجد لديها ميزة تنافسية على غيرها من البلدان في مجال الطاقة البديلة. اذا نجحت في الحد من استخدام النفط في النقل ، فيمكن للبلدان الأخرى فعل ذلك أيضا – ولذلك من سيشتري النفط السعودي وقتها؟

الثقب الأسود في مناقشات سياسة النفط الحالية هو ترشيد كفاءة استخدام الطاقة محليا. رفع أسعار الوقود المحلية سيخفض الطلب ، ويسمح بتطوير موارد أعلى تكلفة ، وسيوفر المزيد من النفط للتصدير. كما أن الإعانات الذكية (الدعم الذكي) أو التحويلات النقدية يمكنها تعويض ارتفاع الاسعار بالنسبة للفئات الضعيفة في المجتمع.

تحقيق سعر أكثر انخفاض للنفط يجب أن يرتبط - جنبا إلى جنب - مع ضبط الانفاق المحلي. لا يمكن للحكومة السعودية أن تكون الملاذ المضمون للتوظيف ، كما يجب إعادة تشكيل سياستي التعليم والعمل لنقل المزيد من المواطنين السعوديين إلى القطاع الخاص وتخفيف بعض الضغوط الاجتماعية. لقد تم توفير2.2  مليون وظيفة في القطاع الخاص بين عامي 2005 و 2009 ، ولكن – ياللعجب - فقط 9% ذهبت للمواطنين السعوديين.

سياسة الحلول الترقيعية الجزئية المؤقتة ليست كافية. وبدون إصلاحات جذرية ، فإن نفوذ السعودية داخل أوبك سيتعرض لقيود متزايدة. وستضعف القوة الإقليمية للسعودية بالضبط في الوقت الذي تحاول فيه تصعيد دورها. وعلى المدى الطويل ، فإن نموذجها الاقتصادي والاجتماعي سيتعرض لضغوط لا تطاق.

ولكن مع ذلك ، فإن تحقق هذه الأزمة لا يزال بعيد نوعا ما ، وإغراء المال النفط السهل قوي للغاية. تنفيذ تغييرات في السياسات والقواعد المتبعة يتطلب مهارة هائلة وهو أمر غير متوفر في البيروقراطية السعودية البليدة. وكما حذر من مكيافيلي: «لا يوجد شيء أكثر صعوبة في اتخاذه ، وأكثر خطرا في التنفيذ أو غير مؤكد في النجاح ، من أن تأخذ زمام المبادرة في إدخال نظام جديد للأشياء».
 
* روبن إم ميلز هو مستشار وصحفي ومؤلف في مجال اقتصاديات الطاقة مقره دبي ، ويكتب زاوية في صحيفة (ذا ناشينال) في أبوظبي.

ومؤلف كتاب (أسطورة أزمة النفط والتقاط الكربون).
اجمالي القراءات 3144
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق