غزو الكويت جيب مهلك وفاتورة باهضة

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٠٣ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً.


غزو الكويت جيب مهلك وفاتورة باهضة

مهند العزاوي
 
يثير غزو العراق للكويت تساؤلات غامضة كبيرة وتبحث عن أجوبة محرجة يصعب تفسيرها حتى اليوم,  أذا ما آخذنا بنظر الاعتبار الفاتورة الباهضة  التي دفعها العراق من شبابه ومجتمعه وأمواله ومكانته وهويته وسيادته وانتهاء بغزوه وتفكيك دولته, ويعد قرار الحرب من أهم القرارات المصيرية التي يتخذها النظام السياسي في أي دولة بالعالم, ويعتمد على رؤى إستراتيجية دقيقة تستند في حساباتها على الكلفة والمردود,وحجم التهديد مقارنة بالموارد  المتيسرة ومدى صلابتها في معالجة التداعيات السياسية الناتجة عن قرار الحرب, كما أن متغيرات الصراع الدولي تلقي بظلالها على قرار الحرب وخصوصا المحاور الرئيسية المتمثلة بالقوى الكبرى وشكل تحالفاتها والمنصات التي تشتبك فيها بدول الوخز السياسي والاقتصادي والعسكري, وتعد الأخيرة بمثابة رقعة الصدمة التي يعول عليها أحداث بيئة الحرب المطلوبة لتؤمن المبررات المحورية للتدخل او الوصول إلى المناطق المجافية بالحرب او بغيرها, وتخضع المنطقة العربية لثلاث محاور صراع أوربا وأمريكا واسيا ويتبادل كل منهم رقع النفوذ والتأثير وصولا إلى مرحلة التطبيع والإلحاق .
 
تمر علينا ذكرى مؤلمة اجتياح العراق للكويت عام 1990 وكانت أحداثها بمثابة الممر السهل لتفعيل إستراتيجية التواجد الأمريكي وتطبيق سياسة الوصول التي أعدت منذ عام 1975 من قبل وزير الخارجية الأسبق "هنري كيسنجر" وتحت مسمى "إستراتيجية الأمن القومي 200 لعام 1974 " والتي تهدف إلى الهيمنة الأمريكية على آبار النفط والتواجد العسكري ضمن شبكة تسهيلات عسكرية موزعة بعناية , وبالفعل بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 ظهرت للسطح خلافات بين الشقيقين العراقي والكويت حول الديون وأسعار النفط  وسرقة النفط العراقي بشكل مائل من قبل شركات كويتية , وكانت هذه الحزمة من الاختلافات يراد بها التصعيد لتؤمن بيئة الحرب العالمية القادمة , وسرعان ما تغيرت الأمور إلى أزمة متفاعلة يزداد سعيرها دون حكمة سياسية وتحسب استراتيجي وإدارة الأزمة بشكل مسئول, وكان العراق قد أثقل بديون كبرى من جراء حرب ثماني سنوات مع إيران .
يعد العراق بلد غني بثرواته, (النفط والغاز والمعادن والزراعة والسياحة), وتستطيع ميزانيته أن تعالج كافة الديون المفروضة عليه وبإعادة برمجتها مع الشركات الدائنة ومقايضتها بالنفظ او الاستثمار , وتلك قواعد دولية لسداد الديون, أذن لماذا لم تسلكها القيادة العراقية اينذاك لتخطي حاجز الديون الكويتية؟ , كما أن طبيعة التحالف اينذاك كان ذو لون واحد لان العراق يعد منصة متقدمة في الصراع العربي وترتبط به دول الخليج العربي والأردن واليمن وغيرها من الدول التي أسهمت في دعم العراق بحربه ضد إيران, ومما يثير التساؤل عن كيفية خرق تحالف ذو طابع استراتيجي وبعمقه العربي, والتحول للتحالف مع دولة إقليمية قومية طائفية خاضت حرب ثماني سنوات ضد العراق, ونظامها السياسي يكفر العراقيين ويعمل على تفكيك مجتمعهم إلى طوائف وأعراق , ويدعم مليشيات مسلحة تستهدف أمنه واستقراره من شمال العراق حتى جنوبه ويعد هذا تحديد استراتيجي كيف جرى تخطيه؟ كما أن العراق في مقدمة الأنظمة العربية التي وافقت على معاهدة الدفاع المشترك وعدم استخدام الجيوش العربية ضد بعضها البعض, وينادي بالقومية العربية وصيانة حدود الوطن العربي, ولم يراعي هذا التحديد السياسي والعسكري وذهب لاستخدام القوة ضد بلد عربي صغير يتمتع بعلاقات عشائرية ونسب ومصاهرة مع العراق, ويحتمي به من أي اعتداء خارجي, ويجاهر شعبه قبل الغزو بحبه للعراق؟, وبالتأكيد لا مقارنة عسكرية تذكر بين قدرة العراق وقدرة الكويت ولا فخر او منتصر في نزاع عسكري بين شقيقين لان الرابح خسران؟ولماذا لم يتخذ قرار الانسحاب وعدم القبول بالمهلة  14 يوم لسحب الجيش قبل الهجوم البري وتم إبادة الجيش العراقي بانسحاب استغرق 24 ساعة ؟ على كل حال أنها أسئلة محيرة وأجوبتها محرجة؟.
استخدم النظام السياسي الكويتي ولا يزال وسائل الضغط المزمن ضد العراق في مناكفة دائمة وهو الأخر قد أصبح رهينة لإيران ومخططاتها ولأمريكا وشركاتها ويتخبط بين هذا القرار وذاك, وقد صدر أزمته السياسية الداخلية مؤخرا إلى ميناء مبارك الذي يخنق العراق بحريا ويصادر مسرح عملياته البحري, ويؤسس لصراع مستديم بين الشعبين الشقيقين , ويبدوا أن هناك لوبي يعمل على إدامة الاختلاف ويفتقر للقراءة الإستراتيجية والتعلم من أخطاء الماضي , ولان العراق مهما كان ضعيفا بوضعه الحالي إلا انه سينهض ويعيد بناء قدرته ويحقق مكانته ودوره المحوري وتاريخه يشهد بذلك.
 بعيدا عن النفاق السياسي والعواطف الانتهازية والخطاب الخشبي وأوهام السلطة, فان قرار الاجتياح كان قرار شخصي وخطيئة كبرى , وليستند على مرتكزات إستراتيجية وحقائق جيوسياسية,وبذلك ترك مفاصل لينة انتهزتها أمريكا وإيران وإسرائيل لتفكك العالم العربي وتباعد بين الأشقاء ,وبذلك تخلق بيئة الاختلاف الدائم وفق فلسفة "فرق تسد" ناهيك عن استهداف العراق وتدمير قدرته وتفكيك دولته وتفتيت مجتمعه ونهب ثرواته وإذلال نخبه وتجريف قدرته العسكرية , أي ثمن باهض هذا دفعه العراق, وكم هي الفواتير التي يستوجب أن تدفعها الدول التي شاركت بغزو العراق؟ وقد سددنا 33 مليار عن غزو الكويت وليزال,ناهيك عن الحصار الاقتصادي 12 عام ذهب ضحيته مليون طفل عراقي ,واقتطاع الحدود العراقية وفقدان سيادة العراق, وغزو أجنبي إقليمي تمخض عنه مليوني شهيد ومفقود ومليون أرملة وتهديم البنى التحتية مؤسسات الدولة وتهجير 6 ملايين عراقي وفساد ونهب واحتيال دولي , وفوضى شاملة وبؤس مجتمعي ,  لقد تم غزو العراق عبر التسهيلات العربية عام 2003 ليقع الجار بنفس الخطأ الذي وقع به العراق, لقد سدد العراق فواتيره وعلى الآخرين اللذين أسهموا بغزو العراق تسديد فواتيرهم وتعويض العراق وشعبه وقد بلغت الكلفة التخمينية للتعويضات 73 تريليون دولار ولابد من سدادها .
اجمالي القراءات 1606
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق