40 ملياردير أمريكي تنازلوا عن 125 مليار دولار من ثرواتهم في نصف دقيقة فقط

اضيف الخبر في يوم الإثنين ١٦ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


40 ملياردير أمريكي تنازلوا عن 125 مليار دولار من ثرواتهم في نصف دقيقة فقط

 

40 ملياردير أمريكي تنازلوا عن 125 مليار دولار من ثرواتهم في نصف دقيقة فقط

مى سمير

يتحدث مشاهير "البيزنس" في مصر عن حقوق المجتمع عليهم.. وتكاد دموعهم تفر من شدة تأثرهم بمشاهد الفقر الطافحة علي وجهه.. لكن بعضهم لا يتردد في اصطياد كل فرصة صغيرة أو كبيرة لنهبه وشفطه وبلعه وهضمه.. ان لهذا البعض أمعاء غليظه لا تشبع.. لا تهدأ.. وشهيتهم في أكل مصر بطعم "الجمبري" ويشربونها بطعم "الخوخ" لا تضعف.

هناك فصام حاد بين تصريحات بعضهم البراقة وتصرفاتهم الشرهة.. بين صورتهم الملونة وحقيقتهم الشرسة.. هم حمائم أمام الكاميرات وذئاب في جمع الثروات.. يتكلمون عن الرحمة ولا يعرفونها.. يتغنون بالجمال ونفوسهم مسكونة بالبشاعة.. يتغزلون في الطهارة ولسانهم غارق في الوحل.

لا يمكن أبدا أن يكون للكلمة وجهان.. وجه باطني ووجه مكشوف.. لا يمكن أن يلبس الواحد منهم بذلتين.. واحدة للشغل.. وواحدة للخروج.

إن عمر المليارديرات الديناصورات في بلادنا ليس طويلا.. نحن نعرفهم منذ كانوا نباتيين.. لا يأكلون لحم البشر.. نعرفهم قبل سنوات قليلة جدا كانوا فيها علي " باب الله ".. ينتظرون " حسنة " حكومية.. سخية.. شركة يشترونها بتراب الفلوس تبيض ذهبا.. أرض شاسعة تخصص لهم بالفدان والكيلو متر ويبيعونها بالمتر.. مدن كاملة من أبوابها منحت لهم بلا ثمن تقريبا.. منتجعات سياحية في كل مكان دفعوا فيها قروشا وكسبوا من ورائها ملايينا.. قروض حسنة بلا ضمانات حقيقية هربوا بها لم يسددوا سوي نصفها عندما عادوا.. علي أقساط مريحة.. شهادات بنكية مزورة رفعوا بها رءوس أموال شركاتهم دون حساب أو عقاب.. وألعاب بهلوانية مارسوها في سوق المال.. قلبوا بها البورصة إلي سيرك.. أو ديسكوتيك.. أو ملهي ليلي.. ماحققه الواحد منهم في سنة حققه مستثمرون أمريكيون في عشر سنوات.. وما أضافه للاقتصاد القومي من قيمة أقل مما أضافه إلي كرشه من ثروة.. فطفت علي السطح طبقة رفيعة مترفة.. متخمة.. منتفخة.. لا تعرف المعذبين.... المقهورين.. الجائعين.. المشردين.. الضائعين.. إلا في مسلسلات رمضان.. شهر الإحسان.. وموائد الرحمن.

لكن.. هذه الطبقة الرفيعة المترفة والشهادة لله تتمتع بطيبة القلب.. ورهافة الحس.. ويقظة الضمير.. فما أن تأتي أيام " مفترجة " حتي تتفجر ينابيع الخير في نفوسهم.. فيحلون الكيس.. ويقدمون البقشيش.. ويؤدون دور المحسن الكريم علي مسرح البلف والتهويش.

يمدون موائد الطعام.. يوزعون " شنط " الصيام.. يشترون ملابس اليتامي.. يسددون الزكاة للأرامل.. ثم يغسلون نفوسهم في عمرة ليلة القدر كي يطيل الله عليهم نعمة بقاء النظام الحالي الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف وأغناهم من فقر ومكنهم في الحكم.

تحولت مصر بفضل رأسماليتهم من أمة محترمة إلي أمة متسولة.. من أمة هادئة إلي أمة قاتلة.. من أمة طيبة إلي أمة خادعة.. وفقد أهلها الوداعة والسكينة وراحة البال وأصبحوا لا يطيقون غيرهم.. ولا أنفسهم.. فكان الدم أسرع وسيلة للتفاهم.. والقتل هو أسلوب الحوار المناسب.. والضمير أرخص سلعة في سوق العرض والطلب.

هؤلاء هم مليارديرات مصر الكبار العظام الذين أجبروها علي مد يدها ليلا علي باب " السيدة " ونهارا علي باب " الحسين".

لقد بشرونا بجنة الرأسمالية علي الطريقة الأمريكية فإذا بهم أول من يكفر بها.. ويتنكر لها.. فليس أثرياء أمريكا مثلهم.. بل هم مختلفون عنهم.. تماما.. فكل دولار يكسبه واحد منهم يضيف خمسة للاقتصاد القومي.. وكل سنت يضاف إلي حسابه يخصم منه ضرائب تصاعدية.. ويسهل علي الواحد منهم خيانة وطنه يستحيل أن يتهرب من ضرائبه.. وما الصفقات التي تأتي بالفساد أو بقوة النفوذ السياسي تنتهي بفضيحة مدوية يصعب الفرار من عقابها والخروج منها بسلامة.. أكثر من ذلك يشعر الأثرياء هناك أن الأموال التي جنوها بالجهد والسهر والابتكار يجب أن تعود إلي أصحابها.. فالثروة ليست أرقاما متزايدة الأصفار محبوسة في بنك مصفح وإنما هي وسيلة لخدمة المجتمع.. مصدرها الحقيقي.

لقد تعهد 40 ملياردير أمريكي هم الأكثر ثراء في العالم بأن يتبرعوا بنصف ثرواتهم التي تصل إلي 230 مليار دولار لأعمال الخير.. فيما يعرف بتعهد العطاء.

بدأت القصة منذ أربع سنوات عندما تخلي الملياردير الأمريكي وارين بوفيه عن 85 % مما يملك وكان الثاني في قائمة أغني الأغنياء.. في لحظة واحدة تنازل عن 37 مليار دولار.. منحها لمؤسسة بيل جيتس للخير وتديرها زوجته مليندا.. لكن الرجلين اللذين تعود صداقتهما إلي عشرين سنة مضت وجدا أن أمولاهما لا تكفي لتغيير شكل العالم فأعلنا في يونيه الماضي " تعهد العطاء " واتصلا بأكثر من 80% من أثرياء بلادهما وعرضا عليهم الفكرة فاستجاب أربعون منهم قدموا في نصف دقيقة 125 مليار دولار.

في حوار مع صحيفة " وول ستريت جورنال " قال وارين بوفيه: "إن صورة الثراء تغيرت عما كانت عليه في الماضي.. انتقل احتكار الثروات الضخمة من العائلات الملكية إلي رجال أعمال قادمون من قلب المجتمع.. ومن الطبيعي أن يساهموا في إصلاحه ومساعدة غير المحظوظين فيه".

علي رأس قائمة المتبرعين مايكل بلومبرج عمدة نيويورك الذي تبرع بنحو 18 مليار دولار قائلا في سخرية: " لا يجب علي الأثرياء انتظار الموت كي يتبرعوا بثرواتهم ".. " لا أحد يأخذ أمواله معه إلي القبر ".. الكفن ليس له جيوب.

وفي القائمة المخرج السينمائي جورج لوكاس صانع أفلام حرب النجوم الذي تبرع بثلاثة مليارات دولار لتحسين أوضاع التعليم.. ويليه تيد تيرنر مالك قنوات سي إن إن الذي تبرع بمليار دولار لتحسين معيشة الطبقات الفقيرة ومحاربة الأوبئة وتعليم الصغار وتفتيح العقول وتحدي الأفكار.. وبجانب إيلي بوارد مؤسس شركة كوفمان للمقاولات الذي تبرع بمليارين من خمسة.. وجون دويرر متعدد الاستثمارات الذي تبرع بمليار من اثنين.. وجيري لينفيست ويوصف بإمبراطور الإعلام وتبرع بنحو 800 مليون دولار.. أكثر من نصف ثروته.. وجون مورديج الرئيس السابق لمؤسسة أنظمة سسيكو الذي اعتزل العمل وتفرغ لمساعدة المهمشين مخصصا مليارا ونصف المليار لذلك.. في القائمة أيضا بول ألين الشريك في مايكروسوفت وتقدر ثروته بنحو 14 مليارا.. وجون أرنولد مؤسس صندوق سنتروس للطاقة وتقدر ثروته بأربعة مليارات.. وباتريك سون شيونج الطبيب ذو الأصول الصينية الذي كسب نحو خمسة مليارات من علاج السر طان .. وباري ديلر إمبراطور التسويق عبر الإنترنت وزوجته مصممة الأزياء فن فير ستنبرج وتبرعا بأكثر من 500 مليون دولار.. وجون كاسلير مالك واحدة من أكبر شركات البترول وتبرع بثلاثة مليارات.. والبنكير كين لانجوم الذي تقدر ثروته بعشرة مليارات.. ولوري لوكي الذي باع شركاته وتفرغ لأعمال الخير متبرعا بثروة تزيد علي الثلاثة مليارات.. والفريد مان إمبراطور الأجهزة الطبية الذي تبرع بأكثر من مليار.. وبيل مركوس صاحب مؤسسة " هو ديبوت " العقارية الذي تبرع بمليار ونصف المليار.. وتوماس بيار أميديار مؤسس موقع باب الشهير الذي تقدر ثروته بخمسة مليارات.. وبرنارد أوشير مؤسس شركات أدخار وواهب خمسة مليارات لأعمال الخير المتفرغ لها منذ وقت طويل.

وتمتد القائمة إلي رونالد بيرلمان الذي كون 11 مليارا من بيع وشراء الشركات.. وديفيد روكفلر حفيد بارون البترول جون روكفلر الذي تبرع بمليارين.. وجين سيمنز صاحب صندوق استثمارات تكنولوجية وتقدر ثروته بثمانية مليارات.. وشيلبي وايت سيدة الأعمال الخيرية في نيويورك وأرملة المليونير ليون ليفي التي تنازلت عن 90 % مما تملك لمزيد من تنمية الطبقات المعدمة.

ولن تقتصر تبرعات الخير علي الولايات المتحدة فقط وإنما ستمتد إلي مناطق مختلفة من العالم.. مثلا تهتم مؤسسة بيل جيتس بمكافحة الإيدز في إفريقيا.. وتهتم ايضا بقضية الاحتباس الحراري التي تهدد مستقبل الكرة الأرضية.. بجانب تمويل الجمعيات الأهلية المعنية بتطوير وإصلاح المجتمعات.. لكن.. ذلك لا يحرم المتبرعين من توجيه أموالهم إلي الجهة التي يختارونها سواء داخل بلادهم أو خارجها.

وسيقوم بيل جيتس ووارين بوفيه بزيارة إلي الهند والصين لحث الأثرياء هناك علي الانضمام إلي " تعهد العطاء ".. لكنهما بالقطع لن يفكرا في زيارة مصر.. فمستوي النضج الإنساني لغالبية رجال أعمالها لم يصل بعد إلي الدرجة التي ترقي لتوقيعهم علي تعهد العطاء.. فهم في مرحلة الجشع المزمن.. وجنون التكويش علي كل ما يوضع في طريقهم من أموال.

وإن كنا سنسمع منهم كلاما بطول المسافة من الإسكندرية إلي أسوان عن عدد العرايا الذين كسوهم.. والجائعون الذين أطعموهم.. والمحتاجون الذين ستروهم.. والمرضي الذين عالجوهم.. لكنهم لن يجرؤا علي الاعتراف بأن ميزانية كل جمعية خيرية من التي تحمل أسما من اسمائهم مهما كبرت لن تزيد ما تتحمله من أعباء علي نصف في المائة من أرباحهم السنوية.. وهي نسبة أقل مما تفرضه عليهم زكاة رأس المال.. ولاشك أن مشهد الفقراء المزدحمين علي أبواب جمعيتهم في ليلة القدر يسعد بعضهم وهو عائد من صلاة الفجر وعلي وجهه هالة من النور يعكسه ملابسهم الملائكية البيضاء.. لا أحد يرفض ذلك ولا يقف في طريقه.. لكننا.. نريد مبادرة جريئة علي طريقة بيل جيتس ووارين بوفيه.. لا نريد منهم التبرع بنصف ثرواتهم وإنما بربعها.. بعشرة في المائة منها.. نريد أن يخرج علينا نجيب ساويرس وأحمد عز ومحمد أبوالعينين وهشام طلعت مصطفي وهانئ سرور وزهير جرانة وأحمد المغربي وغيرهم بمثل هذا التعهد الذي سيدفع الآخرين إلي التوقيع عليه مهما كان حجم ثرواتهم محدود.. علي أن توضع المليارات المجمعة في صندوق قومي يشرف عليه مسئول كبير بجانب مجلس أمناء يضع خطط الأنفاق ويوجهه إلي تطوير المناطق العشوائية والمدارس المهدمة والقري المعدمة أو يجري استثمار أمواله فيما يمكن تنميتها والاستفادة منها فيما هو ضروري ومهم.

إن مثل هذه الخطوة الشجاعة ستخفف من حدة التوتر المتحفزة بين الغالبية العظمي من المصريين والأقلية الثرية التي تستأثر بكل شيء.. ستعيد السلم الاجتماعي المفقود بين الناس اللي فوق والناس اللي تحت.. ستغير صورة رجل الأعمال في الذهنية السائدة.. ستضاعف من شعبية الحكومة المسئولة عن الخصام بين الطبقات بسبب المحسوبية والفساد وتطبيق القانون علي مزاجها الخاص.. وستزيد من حجم حمايتهم.. فلن يفكر أحد في الاعتداء عليهم إذا ما وقعت فوضي متوقعة.

إن الخير يمكن أن يكون عملا سياسيا أحيانا.

اجمالي القراءات 4770
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   نعمة علم الدين     في   الإثنين ١٦ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[50393]

لماذا تقدموا ولماذا تأخرنا ..؟؟

هم تقدموا بسبب أنهم يتبرعون بأموالهم لمجتمعاتهم ، ونحن تأخرنا لأن أغنيائنا نهبوا البلاد وأقتسموا ما نهبوه مع الحكام ..

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق