لأقباط ونهاية مرحلة : المطالب الدينية و المدنية 3 / 3

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٢١ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً.


 

 

الأقباط ونهاية مرحلة : المطالب الدينية و المدنية 3 / 3

مقالات متعلقة :

          

 محمود الزهيري

  mahmoudelzohery@yahoo.com    

 

الحديث عن الكنيسة المصرية وتمازجها السياسي مع النظام الحاكم ليس الغرض منه الحط من قدر الكنيسة الديني الروحاني , فهذا عبث وهراء إن كان الظن كذلك .

الباعث علي هذا الأمر ليس من قبيل النقد الديني , ولكن حينما تتعرض الكنيسة المصرية لأمور متعلقة بالسياسة والحكم , فهذا لايليق بالديني أن يتدنس بالدنيوي الخاضع للأهواء والرغبات والنزوات والمصالح .

الأقباط بالفعل تراد لهم القوي المجرمة أن يظلوا مهمشين في الحياة الإجتماعية قبل الحياة السياسية , وهذا مشاهد في الصورة الإجتماعية والسياسية المصرية , وإن كان هناك في المشهد الإقتصادي العديد من النجاحات , إلا أن الإقتصاد والثروة دائماً تحتمي بالسلطة , والسلطة الغاشمة علي الدوام تتقرب من أصحاب الثروة وتحاول أن تمنحها قدراً من المصداقية المزيفة .

الدور يأتي علي مهمشي الأقباط وفقراؤهم , مثلهم في ذلك مثل بقية المصريين الحاملين لنفس الأوجاع والأمراض والممارسين لذات العذابات المصنوعة بأيادي أرباب الطغيان والإفساد السلطوي الإستبدادي . فهم من يعانوا علي الدوام .

المتوجب علي الكنيسة المصرية أن يكون حديثها في السياسة حيادي فقط , وغير منحاز لسلطة الفساد والإستبداد والطغيان المصري , ويتوجب عليها أن تترك المساحة الحرة للأقباط في إختياراتهم السياسية حسب موائمات كل مواطن قبطي ومدي علاقته بمن سيمثله سواء في النقابات المهنية أو الأحزاب السياسية , أو هيئات ومؤسسات المجتمع المدني , من غير أن يكون هناك سلطان ديني علي إختيارات سياسية متصلة بإدارة الحكم والسلطة , أو إدارة مصالح المواطنين , وحتي في السياسات الخارجية العابرة لحدود الوطن , وخاصة أقباط المهجر , فهم لهم الرؤية الخاصة بهم في إدارة مصالحهم السياسية عبر الداخل والخارج , ومن حقهم النقض والنقد للسياسات العنصرية التمييزية البغيضة التي تمارسها السلطة في مصر , بل وإبلاغ الصوت القبطي للخارج .

 

وهذه الجزئية لها أصداء أضرت بالشأن القبطي داخلياً وخارجياً بسبب من تدخل الكنيسة المصرية في شئون أقباط المهجر .

 

الكنيسة المصرية من الممكن أن يكون لها الدور الريادي في تحسين ظروف وأحوال ومعيشة الإنسان المصري بجدارة علي المستوي المسيحي أو الإسلامي أو حتي علي مستوي الأقليات الصغيرة جداً داخل مصر , وهذا من خلال المطالب الإجتماعية والإقتصادية التي تتمثل في المشترك الإنساني ببساطة مفاهيمه , وأما الحديث عن المطالب الدينية , والولوج في قضايا يصنعها النظام الحاكم والتعتيم عليها فهذا من باب السكوت عن تعرية فسادات النظام الحاكم .

 

الحديث عن مطالب دينية ضيقة من باب الإستجداء من السلطة أو بعبارة أكثر ظرفاً "جريمة الصلاة في كنيسة بدون ترخيص  " لأن الحاكم بأمر الله لم يعطي الترخيص بعد للمؤمنين المسيحيين بعبادة الله , وكذا الحديث عن إصلاح وترميم الكنائس والمرافق الخاصة بها كدورات المياه والصرف الصحي , بل وصنابير المياه التي تحتاج إلي موافقات أمنية مدعومة بخلفياتها السياسية العنصرية البغيضة , لإصلاحها  .

 

فإذا كان الأمر علي هذا المنوال , فلماذا تقف الكنيسة المصرية مع النظام الحاكم وتدعمه , وتعلن تأييدها لمنظومة إستمرار وجوده ؟!

 

ناهيك عن الجرائم الممنهجة في حق الأقباط , والمجال لايتسع لسردها , وآخرها مجزرة نجع حمادي .

 

الأقباط قد يكونوا حصرياً هم من يدخلوا إلي دور العبادة وهم مؤمنين بالدولة المدنية , ويخرجوا منها وهم أشد إيماناً بها , وبل وتذداد مساحة الإيمان المسيحي القبطي بالدولة المدنية كلما يذداد حجم الظلم والإضطهاد الواقع عليهم أثناء ممارساتهم اليومية .

 

رهان الكنيسة المصري علي النظام الحاكم رهان خاسر ومعوق لطموحات الأقباط , حال كون هذا الرهان قائماً علي تغذية الوجدان المسيحي بالتخوف من البديل الإستبدادي الطغياني الآخر المجسد في صورة الجماعات الدينية الراديكالية , وعلي الرأس منهم جماعة الإخوان المسلمين , وتغذية هذا الشعور بالعداء لتلك الجماعات وفقط , علي زعم أنهم البديل المتخوف منه , ومن ثم يكون الإرتماء في أحضان النظام الحاكم أرحم وأهون من هذا البديل . هذا من باب القراءة المغلوطة للواقع , فالإخوان والنظام الحاكم وجهان لعملة واحدة , أحد وجهيها الإستبداد المبني علي الوصاية واحتكار الوطنية بالنسبة للنظام الحاكم , وبالنسبة للجماعات الدينية وجه الوصاية واحتكار الدين ومصالح الأمة الإسلامية , والوجه الآخر هو الطغيان الظاهر في بؤر الطغيان الإستبدادي في العالم العربي إن جاز الوصف . أو كمال قال الناشط الحقوقي مجدي خليل مدير منتدي الشرق الأوسط للحريات : نظام مبارك والاخوان أخوة فى الرضاعة.

 

البديل السياسي المتفق عليه في الجماعة الدولية هو دولة المواطنة المؤسسة علي مدنية المجتمع , وهذه الدولة مفرداتها تستلزم لغةغير اللغة الدينية أو الطائفية العنصرية , لأنه وكما يعلن سمير مرقص في مقاله بالشروق المصرية 15 / 2 / 2010 من أنه : مع انطلاق النزاع الدينى منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضى، بدأ السجال الدينى يأخذ طريقه إلى المجال العام بين المسلمين والمسيحيين، إنه سجال يقوم على التجاذب العقدى: الفقهى واللاهوتى، حول أفضلية كل دين، وقد ساهمت الفضائيات والإعلام الالكترونى من غرف دردشة، ويوتيوب، ومواقع على تكوين عالم سجالى شبكى واسع، على تأجيجه.. ومطالعة سريعة لما يتضمنه تؤكد ما أقول كما تشير إلى أن هناك عالما آخر غير الذى نعرفه هو الذى يشكل الوجدان والذاكرة لعموم المواطنين.. حيث تم توظيف الاختلاف الدينى باعتباره خلافا يستدعى القتال والسجال والنزاع.. وعليه بات كل طرف يستدعى ما يبرر له الانقضاض على الطرف الآخر أو ما أطلقنا عليه، مرة، «نفى الآخر».. ويتدرج النفى من: الإهمال إلى إنكار الوجود إلى إهدار الدم.

 

ويذهب إلي أنه: بدلا من أن ننحاز للنقاش الوطنى المشترك ولقضايا الوطن كما حدث فى 1911، خرجنا بعيدا عن المجال العام الجامع إلى خنادق تمترسنا فيها.. خندق يعلن مطالبه الدينية بالأساس.. وخندق مضاد ينشر مقاطعة اقتصادية للشركات المملوكة لأقباط.. كل ذلك تحت مظلة فقهية ولاهوتية تدعم الفرقة وتباعد بين المصريين.. ومقولات تجرح فى عقيدة كل طرف.. ولعل الحوارات السياسية التى دارت عقب جريمة نجع حمادى تشير إلى التراجع الشديد الذى أصاب حواراتنا حيث مالت إلى أن تكون دينية .

 

والسؤال الذي يفرض نفسه عن ضرورة التفرقة بين الوصاية الدينية والوصاية السياسية , وأهمية نزع الوصاية السياسية عن الوصاية الدينية للكنيسة المصرية حتي لاتتماثل مع المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية التي هدفها ورسالتها الحقيقة المنوطة بها هي أسلمة الدولة ومؤسساتها , وليس أسلمة المجتمع , فالفارق ضخم وشاسع لأن أسلمة الدولة هي علي الدوام ضد التدين الفطري الطبيعي للمجتمع أياً كانت إنتماءات أعضاء المجتمع الدينية , في حين أن الجماعات الدينية الخارجة عن إطار المؤسسات الدينية الرسمية هي من تسعي لأسلمة المجتمع في البدء وصولاً لغاية أسلمة الدولة , وهدفهما السامي المشترك حسب معتقداتهم الدينية يلقي نقطة إتفاق وتلاقي مشتركة , والكنيسة حينما تمارس هذا الدور ويصبح لها وصاية سياسية علي الأقباط تنحي نفس المنحي وتتجه لنفس الوجهة المرفوضة من التيار الديني الإسلامي الرسمي , وغير الرسمي , ومن ثم يتم التعزيز لأركان الدولة الإستبدادية بطغيانها وفسادها , والتي تنقلب في نهاية الأمر علي كافة الأقليات الدينية والعرقية بإعتبارها الجزء الرخو أو الضعيف في جسد الوطن , ويتم فرض الوصاية الدينية علي هذه الأقليات لتكون تحت وصاية لون جديد من ألوان الذمية أوأهل الذمة !!

 

دور الكنيسة دور ديني روحاني يبدأ مع الله وينتهي مع الله من أجل متطلبات الروح , أما متطلبات الجسد فتديرها شئون السياسة وتنظمها الدساتيروالقوانين واللوائح والنظم التي تهتم بأمور الحياة من تعليم وسكن ومواصلات وصرف صحي , وعلاج , وغير ذلك من الأمور الأخري التي تنظمها خطط السياسة وبرامجها .

 

أظن أن الأقباط قد أصبح لديهم الوعي الكافي في الإعلان عن حقهم في المطالبة بمساواتهم في الحقوق والواجبات داخل إطار منظومة الوطن والسعي لبناء دولة المواطنة , وأن الكنيسة بمحاولات فرض سيطرتها وتوجيهاتها السياسية ستجعل الأقباط في حالة عصيان سياسي للكنيسة خاصة في ظل المتغيرات الداخلية والخارجية الدولية , ومظاهرات الأقباط تشهد علي ذلك !!

 

وأعتقد أن خطاب المشتركات الإنسانية هو الخطاب المناسب للكنيسة المصرية لكسب التأييد القبطي والتأييد الدولي لقضية الأقباط بإعتبارهم أقلية دينية مصرية , ونظام الطغيان الحاكم لايتعامل معهم بوصفهم مواطنين مصريين لهم حق المواطنة وهذا مايشهد به الواقع المعاش ويقر بذلك !!

 

والأقباط من حقهم أن يقرروا مطالبهم المدنية والسياسية , والكنيسة تنفرد حصرياً بالمطالب الدينية والروحية .

 

 

 

محمود الزهيري

اجمالي القراءات 2460
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق